حماية المستهلك
مقدمة :
تكريسا لمجمل الحاجيات الاقتصادية التي أضحت طائفة من المجتمع تندد بتملكها واحتكارها، بالإضافة إلى زيادة في الانتاج والتوزيع الذي تزايد بفعل التطورات الكمية الهائلة الحاصلة في المجال، كان لزاما على المشرع المغربي وفي سياق التنظيم العادل أن يقرر حماية خاصة بهذه الطائفة، والتي تسمى بالمستهلكين، وهو ما أفضى إلى خروج القانون رقم 31.08 القاضي بتحديد تدابير حماية المستهلك، الذي خص هذه الفئة بضمانات حمائية خاصة توفر لهم أريحية على مستوى تعاملاتهم الخاصة باستهلاك المنتوجات والسلع والخدمات.
فكما هو معلوم، أن هذه الحماية كانت تجد لها تكريسا سابقا وذلك وفق القواعد العامة الواردة في القانون المدني، والتي كانت ترتكز بالأساس على حماية مبدا أساسي هو ما يطلق عليه بسلطان الإرادة من خلال تجلياتها التعاقدية التي كانت تتعرض للنسف من طرف أحد المتعاقدين، إما عن طريق الغلط أو التدليس أو الإكراه أو الغبن أو الاستغلال، لكن صراحة هذه الوسائل لحماية ركن الرضا لم تعد كافية لحماية المستهلك، خصوصا عند ظهور أشكال جديدة من العقود التي انعدم فيها مبدأ الإرادة، وهي عقود إذعانية يمكن وصفها بالعقود ذات الوضع القانوني من جانب واحد حيث أصبحت عقود تمثل تشريعا من طرف واحد، وما على الطرف الآخر إلا أن يقبل دون أدنى مناقشة لبنود العقد.
هذه الأسباب وأخرى، فرضت على المشرع التدخل لوضع حماية خاصة بالمستهلكين الذين يوقعون على عقود تحمل شروطا تعسفية سواء كانت عقود إذعان أو عقود رضائية، وذلك بمختلف أشكال الحماية، حيث إن أول ما جاء به المشرع في القانون القاضي بتحديد تدابير حماية المستهلك هو “الالتزام بالإعلام”، وهو التزام سابق عن التعاقد يتعلق بالتزام أحد المتعاقدين بأن يقدم إلى المتعاقد الآخر عند تكوين العقد البيانات اللازمة لإيجاد رضا سليم كامل متنور على علم بكافة تفصيلات هذا العقد، وذلك بسبب ظروف واعتبارات معينة قد ترجع إلى طبيعة هذا العقد أو صفة أحد طرفيه أو طبيعة عمله، أو إلى أي اعتبار آخر يجعل من المستحيل على أحد أطراف العقد أن يسلم بيانات معينة.
بالإضافة إلى الحماية من الشروط التعسفية التي يمكن تعريفها كما جاء في القانون المنظم لها بأنها “كل شرط في العقود المبرمة بين المورد والمستهلك يكون الغرض منه أو يترتب عليه اختلال كبير بين حقوق وواجبات طرف العقد على حساب المستهلك”.
فالمستهلك أضحى بناء عليه، يشكل إحدى عصب الحياة الاقتصادية من خلال الاستهلاك المتمر للمواد الاستهلاكية تلبية لحاجياته اليومية التي تقوم على التوزيع، لذلك حسن ما فعل المشرع حين قام بتناول حماية خاصة للمستهلك في ظل قانون منفرد. وهذا التنظيم القانوني يفرض على أي مرتدي للباس القانوني أن يستفسر عن جل الاشكالات التي يطرحها، بغية إعطاء صورة نموذجية واضحة لهذا القانون ليسهل على المستهلك وأي طرف له علاقة بالموضوع.
وتبعا لما سبق، ارتأينا من خلال اطلاعنا عن بعض مواد هذا القانون، أن نطرح مجموعة من التساؤلات وهي كالتالي : ما هي أهم الضمانات الحمائية التي جاء بها قانون حماية المستهلك؟ وما مدى إمكانية استيعاب هذه الضمانات لجل التعسفات التي تلحق بالمستهلك؟ وهل هذه الضمانات في حد ذاتها تعتبر لوحدها ضمان يكرس الحماية الفعلية للمستهلك؟
ولمعالجة هذا الموضوع بطريقة علمية مسترسلة وسليمة يتعين علينا أن نتبع منهجية مضبوطة نرصد من خلالها أهم الضمانات التي جاء بها المشرع لحماية المستهلك، وبالتالي نتطرق لهذا العرض المركز وفق التصميم التالي :
المبحث الأول : مفاهيم أطراف العقد الاستهلاكي
المبحث الثاني : بعض مظاهر تأثير العقد الاستهلاكي على الالتزامات التعاقدية
ملاحظة : لم نعثر على من كتب العرض