السر المهني البنكي
مقدمة
إن حماية الحقوق و مصالح الأفراد هي الهدف الأسمى الذي ينشده القانون، إلا أن هذه الحماية تختلف بحسب طبيعة الحقوق و المصالح المشمولة بها،فمنها ما تكون وسيلة حمايتها توفير العلانية لها،ومنها ما لا تحقق حمايتهاإلا بإحاطتها بهالة من السرية، ومن بين ما يدخل في هذه الاخيرة هو السر المهني البنكي.
فقد يضطر الفرد أن يدل بسره لأخرمن أجل الحصول على خدمة صحية كالطبيب، أو إجتماعية كالمحامي أو مالية كالبنك، فالتعامل مع أصحاب هذه المهن يتطلب الحفاظ على السرية المهنية ، لأنه بغير ذلك تنهار الثقة بين الطرفين وتفقد العلاقة معناها[1].
ويأتي مبدأ الإلتزام بالسر المهني البنكي للزبون في مصاف المبادئ الثابتة التي كرستها المعاملات البنكية حتى تحولت إلى قواعد قانونية راسخة في التعاملات البنكية، بحيث يلتزم البنك بعدم إفشاء الأسرار البنكية التي أودعها زبناؤه، أو اطلع عليها بمناسبة ممارسة لمهامه.
وقد استفاض بعض الفقه في تعريف السر البنكي في ظل سكوت جل التشريعات عنه، فقد عرفه بأنه:”إلتزام البنك و مدرائه و موظفيه و بعض الأشخاص بحفظ السر، فيما يتعلق بجميع الأعمال أو الشؤون الشخصية لعملاء البنك و بعض الأطراف الأخرى، ونطاق و مدى المعرفة لمثل هذه الأمور المكتسبة خلال مباشرة العمل”و هناك من عرفه أيضا،”كل المعلومات و الوقائع التي تصل إلى علم البنك عن عمليه بمناسبة نشاطه أو بسبب هذا النشاط، ويستوي في ذلك أن يكون العميل قد أفضى بها بنفسه إلى البنك،أو يكون قد اتصل علم البنك بها من الغير “[2].
وإنطلاقا من هذا الأساس حرصت الأعراف والتقاليد البنكية منذ بداية أعمالها على مبدأ السرية الذي أضحى حجر الزاوية وأحد أهم الركائز والأعمدة الأساسية التي يقوم عليها العمل البنكي، ما دفع التشريعات الحديثة إلى تنظيم السرية البنكية، ووضعها في مصاف الأسرار المهنية المتعارف عليها، لأن هذه الأسرار وإن كانت تهدف إلى حماية الفرد وخصوصياته، فإن السرية البنكية تهدف بالإضافة لذلك تسهيل المهنة البنكية، وتدعيم ثقة الجمهو، وتوفرضمانات جدية للتكتم.
وبذلك يتعين على موظفي البنوك المحافظة على أسرار العملاء و عدم الإفشاء بها للغير، وكل إخلال بهذا الالتزام يعرض البنك للمسؤولية، وهذه الأخيرة نظمها المشرع المغربي في إطار المادة 180 من القانون المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، الصادر في 24 دجنبر 2014 ، التي ألزمت مجموعة من الأشخاص بكتمان السر المهني الذي اطلعت عليه بمناسبة ممارسة مهامها، وإخلالها بهذا الالتزام يعرضها للمسؤولية الجنائية المنصوص عليها في الفصل 446 من القانون الجنائي[3]، كما يحفظ للزبون المتضرر حق اللجوء إلى الدعوى المدنية، للمطالبة بتعويض الضرر الذي لحقه من جراء ما قام به البنك من إفشاء لأسراره في إطار المسؤولية المدنية.
ويتحدد الإطار العام للمسؤولية عن إفشاء السر المهني البنكي حسب ما تقضي به المادة 180 من القانون البنكي ، في أشخاص هذا الالتزام، وكذلك من حيث مضمونه و مدته. كما يتسع نطاق هذه المسؤولية من حيث الأشخاص ليشمل إضافة إلى البنك أو ممثليه، كل شخص يكون له حق المراقبة أو الإطلاع على المعلومات البنكية. وكل إخلال بهذه المعلومات يعطي للزبون أو من يقوم مقامه، حق المساءلة باعتباره طرفا دائنا في هذا الالتزام.
لكن المادة 181 من القانون البنكي ، حددت بعض الجهات التي لا يمكن مواجهتها بالسر المهني البنكي، والتي تتمثل في بنك المغرب، والسلطة القضائية العاملة في إطار مسطرة جنائية، إضافة إلى جهات أخرى منصوص عليها في باقي فروع القانون (إدارة الضرائب مثلا). ففي ظل هذه الحالات يعفى البنك من المسؤولية عن إفشاء السر المهني. الشيء الذي يخفف من صلابة هذه المسؤولية، ويبرز غنى هذا الموضوع وتشعبه[4].
إضافة إلى حالات الإعفاء المنصوص عليها قانونا، يعفى البنك من هذه المسؤولية بموجب الاتفاق، كأن يتنازل الزبون عن حقه في الالتزام بالسر المهني البنكي.
ويكتسي هذا الموضوع أهمية بالغة من الناحية العملية، باعتبار السر المهني البنكي يدعم الحياة الخاصة للفرد التي تعج بالكثير من الأسرار، والتي يحرص دوما على كتمانها، كما أن البنوك تعتبر قناة لعبور الأموال على المستوى الداخلي و الخارجي، فمن الأجدر إحاطة المعلومات التي تصل إلى البنك طي الكتمان.
ونظرا للأهمية التي يحتلها السر المهني البنكي، يمكن طرح الإشكال التالي:إلى أي حد استطاع المشرع المغربي وضع تنظيم قانوني جامع ومانع في تنظيم السر المهني البنكي؟ومادام هذا السر يحتوي على شيئا من الخصوصية فما هو النظام القانوني الذي يقوم عليه؟وماهي حالات انتفاء المسؤولية؟وماهي الجزاءات الناتجة عن إفشائه؟
و للإجابة عن هذه التساؤلات ارتاينا تناول موضوعنا وفق التصميم الاتي :
المبحث الأول : نطاق الإلتزام بالسر المهني البنكي
المبحث الثاني : المسؤولية عن إفشاء السر المهني البنكي
المبحث الاول : حدود الالتزام بالسر المهني في المجال البنكي
يترتب على تحديد نطاق السر المهني البنكي ، تحديد مضمون هذا السر، ومدى التزام البنك في المحافظة عليه (المطلب الاول) بالاضافة الى تبيان الأشخاص الملتزمين بالمحافظة على أسرار الزبناء (المطلب الثاني).
المطلب الاول : مضمون الالتزام بالسر المهني البنكي
إن الالتزام بالمحافظة على السر المهني البنكي، يقع على عاتق البنك تجاه كل زبنائه ، الشيء الذي يجعلنا نتساءل عن ماهية الوقائع والمعلومات التي يتوجب على البنك المحافظة على سريتها لصالح زبنائه، وإلى أي مدى تبقى هذه الوقائع سرية؟ (الفقرة الأولى) وهل تعتبر محافظة البنك على أسرار زبنائه مطلقة تستوجب المسؤولية ؟ أم أن هناك حالات تحتم على البنك أن يدلي بالمعلومات البنكية الخاصة بالزبائن ؟
الفقرة الأولى : الوقائع التي يتوجب على البنك المحافظة عليها
أولا : من حيث تحديدها
من حيث محددات مضمون السر المهني البنكي ، المشرع المغربي لم يوضحه ، سواء في القانون الذي كان يتعلق بنشاط مؤسسات الائتمان ومراقبتها القديم، أم في القانون المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها الجديد، [5] بل اكتفى بحصرها في عبارة عامة “الوقائع والمعلومات التي يتوجب على البنك المحافظة على سريتها”، لذلك يبقى هناك غموض يعتري محل السر البنكي في القضايا البنكية.
ولقد أثار هذا الموضوع نقاشا حول تحديد تلك الوقائع التي تمثل سرا مهنيا بنكيا ، فعلى سبيل المثال نجد الفقه الالماني اختار الأسلوب التعدادي . لتفصيل الوقائع و الأشياء المشمولة بالسرية ، وتشمل تلك الوقائع الحسابات نفسها وتحركاتها وظروف هذه التحركات ، وذلك بوضع لائحة مفصلة . لكن مايلاحظ على هذا الأسلوب هو أنه غير كاف لتغطية جميع العمليات والأشياء التي قد تحصل في التعامل بين الزبون والبنك في إطار العلاقات التي تربطهما.
أما الفقه السويسري فقد عمد تبني أسلوب التفرقة الذي يقوم على معيارين، أحدهما موضوعي وثانيهما شخصي ، فبحسب المعيار الموضوعي يكون كل فعل علمه البنك إبان تعامله مع الزبون مشمولا بالسرية بشرط أن يكون ذلك مجهولا تماما من قبل الجمهور، أما بحسب المعيار الشخصي فإنه تؤخذ بعين الاعتبار إرادة الزبون التي تريد الإبقاء على سرية الأعمال المصرفية ، مع الإشارة إلى أن إرادة الزبون والتزام البنك بالصمت هما مفترضتان ،فلا يستطيع البنك تمييز الأفعال والوقائع بحسب طبيعتها المدنية أو المعنوية .[6]
والحقيقة أن كل هذه الأساليب والمعايير المذكورة تكمل بعضها البعض، إذ من المتفق عليه أن السر المهني البنكي لا يطال سوى المعلومات الدقيقة والمرقمة، كمقدار رصيد الزبون دائنا كان أم مدينا، وحركة هذا الحساب، وصرف أو تسليم القيم المنقولة، إضافة إلى ما يقدمه الزبون من ضمانات شخصية أو عينية.
كما يمتد نطاق المسؤولية من حيث مضمون السر، إلى مشروع العمليات التي لم تنفذ والمفاوضات التي لم تسفر عن أية نتيجة. ولا يقتصر السر على ما يقوله الزبون فقط بل يمتد إلى كل ما يودعه أو يسحبه أو يجريه من تعامل مع البنك.[7]
كما أن العادات والأعراف السائدة في العمل البنكي لا تخرج عن هذا الإطار، فهي تدخل في مضمون السر الواجب الالتزام به، كل العمليات البنكية والحسابات المتعلقة بالزبون، وعموما كل الأشياء المؤتمنة التي عرفت بهذه المناسبة.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد أن البنك بإمكانه منح معلومات من طبيعة عامة، يطلق عليها في العمل البنكي، les simple renseignements كالقول بأن مقاولة ما أو شركة ما تابعة لأحد زبناء المؤسسة البنكية.[8]
كما يمكن أن يسأل البنك عن ملاءة زبون ما؛ مما يوجب على البنكي الإجابة بعبارات مقتضبة وعامة، كالقول مثلا بأن الأداء منتظم أو العكس. وفي هذا الصدد جاء قرار لاستئنافية باريس بتاريخ 6 فبراير 1975 أن إعطاء هذا النوع من المعلومات من طرف البنوك لا يعد خرقا لمضمون السر الواجب الالتزام به، فقط يجب على البنوك الالتزام بالموضوعية والتحفظ[9].
إضافة إلى معرفة الوقائع والمعلومات التي تشكل مضمون السر الواجب الالتزام به من طرف البنك، لابد من التطرق إلى مدة احتفاظ البنك بسرية هذه الوقائع
ثانيا : من حيث مدة احتفاظ البنك بسرية الوقائع
يمكن النظر إلى مدة التزام البنك بالسر المهني انطلاقا من زاويتين :
- الزاوية الأولى: حالة انتهاء العقد الرابط بين البنك والزبون
يبقى البنك ملزما بكتمان السر المهني البنكي بعد انتهاء مدة العقد الرابط بينه وبين الزبون،[10] لأن مصلحة هذا الأخير هي التي تحدد مدى هذا الالتزام، بالاستناد إلى مبدأ حسن النية. فرغم انتهاء العمليات التي كانت تشكل موضوع العقد، يبقى الالتزام بكتمان الأسرار التي اطلع عليها البنك أثناء علاقته بالزبون قائما وينتج أثاره.
ويرى البعض أن إفشاء الأسرار في هذه الحالة، يستتبع قيام المسؤولية التقصيرية التي تضاف إلى المسؤولية العقدية، ويكون للزبون المتضرر الخيار بين المسؤوليتين، واستمرار هذا الالتزام يحقق حماية للزبون والتي يكون في أمس الحاجة إليها بعد انتهاء علاقته بالبنك.
وإذا كان المشرع المغربي لم يتحدث عن مدة هذا الالتزام سواء في القانون المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، أم في الفصل 446 المحال عليه في القانون الجنائي، فإن المشرع المصري نص في المادة الأولى من قانون سرية الحسابات البنكية، في سياق الحديث عن البيانات المحظور إفشاء سريتها على أنه “… يظل الحظر قائما حتى ولو انتهت العلاقة بين العميل والبنك لأي سبب من الأسباب “. كما أن الفقرة الثالثة من المادة 47 من قانون البنوك وصناديق الادخار السويسري تنص على أنه ” يظل انتهاك السر المصرفي معاقبا عليه بعد انتهاء علاقة العمل ( الوظيفة ) العامة أو الخاصة أو ممارسة المهنة”.[11]
- الزاوية الثانية : حالة وفاة الزبون
يستمر موجب حفظ السر من قبل البنك بعد وفاة الزبون، لأن العمليات المختلفة التي كان يجريها الزبون مع البنك قد تبقى مستمرة، وتتحول إلى ذمة الورثة، فلكل وارث الحق شخصيا في الاستفادة من جميع المعلومات المتوفرة لدى البنك تطبيقا لمبدأ التضامن بين الورثة، ولأن شخصية الوارث هي متممة لشخصية المورث في هذه الحالة. لكن عكس الورثة يمكن الاحتجاج بالسر المهني البنكي، في مواجهة الموصى لهم الخصوصيين أو الموهوب لهم، ما لم تكن الهبة تتضمن أموالا يحوزها البنك.
أما إذا منع الزبون البنك من إعطاء الورثة بعض المعلومات التي تعود إلى عمليات لها طابع شخصي جدا، فإن البنك عليه التقيد بهذا المنع. هذا ما يجري به العمل في سويسرا، خاصة عندما يتعلق الأمر بأمور شخصية معروفة من قبل البنك إبان قيام الزبون (الهالك) بنشاطه[12].
إنطلاقا مما سبق نجد أنه يجب على البنك الاحتفاظ بالسر المهني و لا يمكنه إفشاءه لأي سبب من الأسباب ،إلا أن هذا الأمر لايكون بصفة مطلقة بل ترد عليه بعض الاستثناءات والحالات التي تحتم على البنك أن يدلي بالمعلومات البنكية الخاصة بالزبائن و هو ما سنقوم بتناوله في النقطة الموالية.
الفقرة الثانية : الاستثناءات الواردة عن التزام البنك بالسر المهني
هناك حالتين اثنين تحتم على البنك أن يدلي بالمعلومات البنكية الخاصة بالزبائن ، وذلك إما بموجب القانون أو بموجب الإ تفاق.
أولا : إعفاء البنك من المسؤولية بموجب القانون
مما لاشك فيه ، أن السر المهني فرض احتراما لحقوق الأفراد غير أن هذا الأمر قد يصطدم أحيانا بمصالح عامة ، ولذلك يتدخل القانون لينزع عن هذه الأمور السرية بحيث لايحق للبنك أن يتدرع بالسر المهني في الحالات التالية :
- السر البنكي والمجال الضريبي
في المجال الضريبي وطبقا لمدونة الضرائب في المادة 214 يحق لإدارة الضرائب الإطلاع على المعلومات البنكية للزبون، وفي هذا الإطار يجوز للبنك مد موظفي إدارة الضرائب الذين لهم الصفة الظبطية بكافة المعطيات و الوثائق المحاسباتية للزبون، بغية التمكن من ربط ومراقبة الضرائب والواجبات والرسوم المستحقة على الغير .[13]
وفي هذه الحالة لا يمكن للمؤسسة البنكية أن تعترض بحجة كتمان السر المهني.
وحق الإطلاع هو سلطة منحها المشرع بغية التحقق من إعمال أحكام التشريعات الضريبية وبالتالي، فإن الغاية الأساسية إذن هي تمكين تلك الإدارة من التعرف على وعاء الضريبة على الخصوص وعناصره المختلفة ابتغاء تحقيق العدالة الضريبية ومحاربة التهرب الضريبي.[14]
إذن ومن كل ماسبق ذكره نجد أن البنك يلتزم ، بأن يقدم إلى موظفي المصالح الضريبية، ممن لهم الصفة عند كل طلب الدفاتر التي يفرض عليهم مسكها وكذلك كل المحررات والوثائق الملحقة بها والإيراد والمصروفات ، كما يسمح القانون الجمركي لأعوان الجمارك في نطاق المهام الموكولة إليهم بموجب القانون من سلطة إلزام البنوك بتمكينهم من المحررات والمستندات.
- السر البنكي ومؤسسة بنك المغرب
يعتبر بنك المغرب الجهاز المكلف بمراقبة مؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها ، إذ أعطى له القانون البنكي مجموعة من الصلاحيات لمراقبتها وزوده بحصانة قانونية تغنيه عما يمكن أن تنذره به المؤسسات لعرقلة عمله.
ولذلك وطبقا لنص المادة 181 من القانون المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها والتي تنص على أنه “…زيادة على الحالات المنصوص عليها في القانون، لايجوز الإحتجاج بالسر المهني على بنك المغرب…”
يستنتج من ذلك أن المشرع جعل بنك المغرب من بين الجهات التي لا يمكن للأبناك الاحتجاج بالسر المهني في مواجهتها ، نظرا لما يتمتع به من سلطات رقابية على مؤسسات الائتمان، وباعتباره سلطة وصية على مؤسسات الائتمان.
- السر البنكي والقضاء الجنائي
تعتبر السلطات القضائية الجنائية من بين الجهات التي لا يمكن للأبناك مواجهتها بالسر البنكي وذلك بموجب نص المادة 181 المشار إليها أعلاه .
ففي مجموعة من الجرائم البنكية يحتاج القضاء لمعرفة المعطيات المالية المتعلقة بالمتهم خصوصا فيما يتعلق بجريمة إصدار شيك بدون رصيد، أو جرائم غسيل الأموال.. وغيرها من الجرائم. والدافع من وراء ذلك هو ضرورة البحث عن الحقيقة التي تخول لقاضي التحقيق استعمال جميع الوسائل للوصول إليها منها التفتيش لدى مؤسسات الائتمان.
هذا فيما يتعلق بإعفاء البنك من المسؤلية بموجب القانون ماذا عن إعفاء البنك من المسؤولية بموجب الاتفاق هذا ماسنتناوله في النقطة الموالية.
ثانيا : إعفاء البنك من المسؤولية بموجب الاتفاق
إضافة إلى الحالات التي تطرقنا إليها والتي يمكن أن يتم إفشاء السر البنكي ، يمكن كذلك للمِسسة البنكية أن ترفع عنها مسؤولية إفشاء السر البنكي إذا تم اتفاق بين طرفي العقد البنكي ، ويترتب عن ذلك أن أي إفشاء من طرف البنك لأسرار الزبون عدم متابعته ويعفى بقوة العقد المبرم بينهما.[15]
فبعد الحديث عن الوقائع والمعلومات التي تشكل محور السر المهني البنكي ومدى التزام البنك به ننتقل للحديث عن الأطراف التي ألزمها القانون بالمحافظة على السر المهني البنكي في المطلب الموالي.
المطلب الثاني : أطراف الالتزام بالسر المهني البنكي
إن الالتزام بالسر البنكي هو التزام سلبي، مفاده الامتناع عن إفشاء أسرار العميل و الاطلاع عليها، فهو واجب يقع على كاهل البنك و في نفس الوقت هو حق للعميل ، حيث إنه كسائر الالتزامات القانونية يتكون من طرفين دائن و مدين، إذ البنك يمثل الطرف المدين ( الفقرة الأولى) بينما العميل يمثل الطرف الدائن ( الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : البنك.
عرف المشرع المغربي البنك في المادة 1 من القانون المتعلق بمؤسسات الائتمان و الهيئات المعتبرة في حكمها، بأنه : ” تعتبر مؤسسات للائتمان الأشخاص الاعتبارية التي تزاول نشاطها في المغرب، أيا كان موقع مقرها الاجتماعي أو جنسية المشاركين في رأسمالها أو مخصصاتها أو جنسية مسيريها، والتي تزاول بصفة اعتيادية نشاطا واحدا أو أكثر من الأنشطة التالية:
- تلقي الأموال من الجمهور؛
- عمليات الائتمان؛
- وضع جميع وسائل الأداء رهن تصرف العملاء أو القيام بتدبيرها.”[16]
و يتضح من خلال هذه المادة أن المشرع في تعريفه لمؤسسات الائتمان ، ظل مخلصا للنظرية الموضوعية التي يعتنقها في القانون التجاري و التي تجعل من العمل التجاري مناطا لتعريف التاجر، فمزاولة العمليات الواردة في القانون المتعلق بمؤسسات الائتمان و الهيئات المعتبرة في حكمها، هي التي تصبغ على المؤسسة صفة “مؤسسة ائتمان “. [17]
و الجدير بالإشارة أن المشرع في القسم الثالث من القانون رقم 103.12 سمح بنوع جديد من البنوك بالمغرب سماها البنوك التشاركية، و هي الأشخاص الاعتبارية المؤهلة لمزاولة أنشطة مؤسسات الائتمان و تلقي الودائع الاستثمارية و القيام بما يتعلق بالمنتوجات التشاركية و كذا العمليات التجارية والمالية والاستثمارية بصفة اعتيادية، دون أن تؤدي إلى تحصيل و دفع فائدة أو هما معا، بعد اخذ الرأي بالمطابقة الصادر عن المجلس العلمي الأعلى. [18]
تعتبر مؤسسات الائتمان التي تخضع لمبدأ الالتزام بالسرية في المعاملات البنكية، وبالتالي يمكن مساءلتها مدنيا أو جنائيا، هي تلك المؤسسات التي تتوفر لها ” صفة بنك “[19] وبإلقاء نظرة على الإطار القانوني المنظم للالتزام بالسر المهني البنكي في القانون المغربي يتضح أن المشرع اكتفى بالشروط العامة، دون الغوص في الشروط الخاصة، إذ ذهب المشرع إلى إجمال هذه الشروط فيما يلي:
- أن تمارس المؤسسة إحدى العمليات المذكورة في الفصل الأول من القانون 103.12.
- وان تحصل على رخصة اعتماد بذلك من وزير المالية بعد موافقة لجنة مؤسسة الائتمان.
- وان تتوفر المؤسسة في موازنتها على رأسمال ادني مدفوع بالفعل أو على مخصصات و هي مدفوعة بكاملها إذا تعلق الأمر بمؤسسة عمومية.
- أن تكون المؤسسة في شكل شركات مساهمة ذات رأسمال ثابت.
ومما لا شك فيه أن التزام البنك بعدم إفشاء أسرار عملائه يجد أساسه القانوني في المادة 180 من القانون رقم 103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان و الهيئات المعتبرة في حكمها، و التي تنص في فقرتها الأولى على ما يلي: ” يلزم بكتمان السر المهني جميع الأشخاص الذين يشاركون، بأي وجه من الوجوه، في إدارة أو تسيير أو تدبير مؤسسة ائتمان أو هيئة معتبرة في حكمها أو يكونون مستخدمين لديها وأعضاء المجلس الوطني للائتمان والادخار ولجنة مؤسسات الائتمان واللجنة التأديبية لمؤسسات الائتمان ولجنة التنسيق والرقابة على المخاطر الشمولية ومجلس الإدارة ومستخدمي الشركة المسيرة والأشخاص المكلفون ولو بصفة استثنائية بأعمال تتعلق بمراقبة المؤسسات الخاضعة لرقابة بنك المغرب عملا بهذا القانون وبوجه عام كل شخص يدعى، بوجه من الوجوه، للاطلاع على المعلومات المتعلقة بالمؤسسات المذكورة أو لاستغلالها وذلك فيما يتعلق بجميع القضايا التي ينظرون فيها بأي صفة كانت تحت طائلة العقوبات المنصوص عليها في الفصل 446 من القانون الجنائي”.
يتضح من خلال الفقرة الأولى من المادة 180 المشار إليها أعلاه أنه إضافة إلى البنك كمؤسسة، ألزم المشرع عدة أشخاص آخرين بالحفاظ على السر المهني البنكي، وبالتالي أدخلهم في نطاق المسؤولية عن إفشاء السر المهني البنكي، باعتبارهم مدينين في هذا الالتزام، و لهم حق الاطلاع و المراقبة، لكن ما يعاب على المشرع المغربي في هذا الخصوص إغراقه في العموميات وعدم تحديد الأشخاص بشكل دقيق كما فعلت بعض التشريعات المقارنة، من قبيل المشرع المصري و اللبناني والسويسري، الذين عملوا على تحديد الأشخاص الملتزمين بالسر المهني البنكي بشكل دقيق وواضح، حتى يبقى نطاق المسؤولية محددا وغير غامض، وحتى لا تضيع المسؤولية بين كثرة الأشخاص، وبالتالي يتسنى للعميل اقتضاء حقه باعتباره متضررا من إفشاء السر المهني البنكي[20].
الفقرة الثانية: العميل
يشمل نطاق السر المهني البنكي من حيث الأشخاص العميل باعتباره الطرف الدائن في هذا الالتزام، وهو الذي أودع سره لدى البنك، أو أطلعه عليه واطمأن إلى أنه سيكتمه. مما يعني أن موجب هذا السر وضع لمصلحة العميل، ولا يجوز للملتزمين به إفشاء ما يعرفونه عن عملائهم لأي سبب كان، إلا فيما يتعلق بالاستثناءات التي تشكل حدودا لهذا الموجب
وهذا الزبون يجب أخذه بمفهوم واسع، فهو يمكن أن يكون شخصا طبيعيا، كما يمكن أن يكون شخصا معنويا، بشرط أن يلجأ إلى البنك للاستفادة من خدماته، وأن يوافق هذا الأخير على بالعمليات التي طلبها[21].
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي لم يخصص حيزا للحديث عن العميل كمستفيد من السر المهني البنكي، في القانون المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها الجديد، لكنه تحدث عن العميل خلال تنظيمه للشيك المسطر في المادة 281 من مدونة التجارة[22].
وفي ظل عدم الوضوح الذي يكتنف التشريع المغربي حول مفهوم العميل كدائن في الالتزام بالسر المهني البنكي، ومستفيد منه، عمل الفقه على تعريف العميل باعتباره الشخص ـ سواء كان طبيعيا أم اعتباريا ـ الذي يتصل بالبنك، ويقوم بعمليات مصرفية معه ويلجأ إلى خدماته، وحتى يكتسب صفة العميل يجب أن يكون البنك موافقا على العملية المصرفية. وتبعا لذلك لا يعد موظفو المصرف عملاء له لأنهم لا يتعاملون معه بوصفهم عملاء بل مستخدمين وعمالا. كما لا يسمح لكفيل العميل أمام البنك بالاطلاع على تفاصيل العمليات التي أجراها مكفوله. ولا يعد عميلا المساهم في البنك بالأسهم، ولا يعد عميلا لبنك سارق الشيك؛ أو عميلا سابقا للبنك سحب شيكا عليه بعد أن أقفل حسابه؛ ولا السائح الذي يقبض تحويلا له من الخارج؛ أو الشخص الذي يدخل البنك لقبض شيك[23].
و مما لاشك فيه أن العميل بصفته المستفيد من التزام البنك بكتمان السر المهني، لكونه أودع أسراره لدى البنك عندما دخل معه في تعاملات بنكية، وبالتالي لا يجب أن يتحول هذا الالتزام إلى سلاح يحجب بعض الأمور على العميل نفسه.
والقاعدة واضحة ولا تثير خلافا، إذ كرسها القضاء المقارن في العديد من التطبيقات، منها ما ورد عن القضاء التونسي ، وذلك في قضية خلاصتها أن شركة واقع انحلت بحكم قضائي، وعين لها مصفون بمقتضى الحكم ذاته، ولما بدأ المصفون في عملياتهم وجدوا صعوبات بسبب ضياع دفاترها، فلجئوا إلى البنك الذي كانت الشركة تتعامل معه لتقديم المعلومات التي يطلبونها، فرفض البنك متذرعا بأن ذلك يدخل في سر المهنة البنكية. فقضت محكمة تونس بأنه “إذا كانت المستندات المحاسبية التي قدمت للبنك قد أصبحت ماديا ملكا له، فإن المعلومات التي فيها ليست كذلك، بل إن ما بالدفاتر والمراسلات ومحاضر الجرد… ملك الشركة ذاتها، ولا يمكن أن يحتج بالحق في كتمانها على الشركة ذاتها، أو على ممثليها الذين عينهم القضاء في مهمة تستلزم الاطلاع على هذه المستندات”. وحكمت على البنك بغرامة تهديدية عن كل يوم تأخير في تقديم المعلومات المطلوبة، وتأكد هذا الحكم في قرار استئنافي بتاريخ 9 يوليوز1976 [24].
ويستفاد من مقتضيات هذا الحكم أن كتمان السر المهني يتقرر لصالح العميل و ليس ضد مصالحه، فللعميل إذن أن يطلع على السر، وكذلك لمن يكون له حق التمسك بحقوق العميل، كوكيله الخاص متى كان موضوع السر في حدود وكالته والنائب القانوني عن القاصر، ومصفي الشركة والخلف العام الوارث.
ويستخلص مما سبق أن طرفي الالتزام بالسر المهني البنكي هما البنك باعتباره المدين و كل مستخدميه والأشخاص الذين حددهم المشرع في المادة 180 من القانون المتعلق بمؤسسات الائتمان و الهيئات المعتبرة في حكمها، والعميل سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا باعتباره دائنا في هذا الالتزام ومن يمثل هذا الأخير وينوب عليه مما يوفر حماية له باعتباره طرفا ضعيفا في هذا الالتزام، إضافة إلى انه كلما حافظ البنك على أسرار عملائه، كلما ازداد عددهم وحجم تعاملاتهم، الشيء الذي يقوي الثقة في الائتمان و يعود بالخير على الحياة الاقتصادية بشكل عام.
المبحث الثاني:المسؤولية المترتبة عن افشاء السر المهني البنكي
يعتبر السر المهني البنكي التزاما مطلقا ، يجب على البنك التقيد به ماعدى الاستثناءات المنصوص عليها في في المادة 181 من القانون المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها. وأي إخلال من طرف البنك بهذا الالتزام يعرضه للمسؤولية . هذه المسؤولية التي تنقسم الى مسؤولية جنائية (المطلب الأول) ومسؤولية مدنية (المطلب الثاني).
المطلب الاول : المسؤولية المدنية
تتأسس المسؤولية المدنية بشكل عام ،عن كل فعل يرتكبه الشخص ويتولد عنه ضرر للغير يلزم تعويضه ،هذا ما تقضي به القواعد العامة الواردة في قانون الإلتزمات والعقود خصوصا الفصلين الفصلين 77و78.
وعليه تتخذ المسؤولية المدنية صورتين،صورة المسؤولية التقصيرية التي تنشأ عن عمل غير مشروع يخل بالتزام قانوني يلحق اضرار بالغير حسب ما هو مكرس في الفصلين السابقين (78 من ق ل ع)،وصورة المسؤولية العقدية التي تتمثل في الإخلال عن التزام عقدي يختلف باختلاف ما اشتمل عليه العقد من التزامات.
فإذا كانت هذه المبادئ تنطبق على المسؤولية المدنية بشكل عام، فهل من انعكاس لصور هذه المسؤولية على التزام البنك بعدم إفشاء السر المهني،خصوصا وأن العمل البنكي وواجب المهنة يحتمان على الأبناك الإلتزام بحفظ أسرار زبنائه،باعتباره أمينا على أسراره؟ (الفقرة الأولى)، الا أن هذه المسؤولية ينتج عنها أثار، ويعتبر التعويض أبرز أثار يترتب عن تحقق المسؤولية المدنية لكن يسبق ذلك دعوى المسؤولية ذاتها (الفقرة الأولى).
الفقرة الأولى: صور المسؤوية المدنية للبنك
إن صور المسؤولية المدنية التي يمكن أن تترتب عن إفشاء السر المهني البنكي، يمكن أن تكون مسؤولية تقصيرية(أ)، أو مسؤولية عقدية(ب).
أ ـ المسؤولية التقصيرية
تقوم المسؤولية التقصيرية للبنك إذا لم يوجد عقد بينه وبين الزبون، أو قام بينهما عقد باطل أو تقرر بطلانه، أو كان هناك عقد صحيح ولكن الضرر لم ينشأ من جراء الإخلال بالتزام ناشئ عنه، بل نشأ بسبب الإخلال بالتزام قانوني[25].
هذه القاعدة تنطبق على البنك في حالة إفشائه للسر المهني، عند غياب أي عقد بين البنك وزبونه، بعلة أن أعمال البنوك بطبيعتها سرية، ويجب أن تحاط بالكتمان التام حتى لا تصل لعلم الغير. لهذه الغاية نص القانون على هذا الالتزام حماية للحقوق التي قد يترتب على إفشائها أضرار مادية ومعنوية، طبقا لما استقرت عليه مبادئ المسؤولية المدنية التي تقضي بأن الالتزام واجب قانوني يقوم على أساسه الحق الشخصي[26].
والسند القانوني الذي يحمي حق الزبون في عدم إفشاء السر الذي أودعه لدى البنك، هو المادة 180 من القانون المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها باعتباره نصا خاصا، يلزم جميع الأشخاص الذين يشاركون بأي وجه من الأوجه في إدارة مؤسسة الائتمان أو تسييرها أو تدبيرها بكتمان السر المهني البنكي. وفي حالة ارتكاب خطأ تقصيري نتج عنه إفشاء للسر، في غير الأحوال التي يجوز كشفه فيها، ونتج عنه ضرر للزبون تنعقد مسؤوليته التقصيرية حسب القواعد العامة المنصوص عليها في الفصول 77 و78 من قانون الالتزامات والعقود باعتبارها نصوص عامة للمسؤولية.
وكمثال لتحقق المسؤولية التقصيرية أن يرتكب البنك خطأ في مرحلة المفاوضات مع الزبون ثم تنقطع المفاوضات لأي سبب، وبالتالي لا تنشأ علاقة تعاقدية بينهما، بعد أن يكون الزبون قد أفضى للبنك ببعض أسراره خلال المفاوضات[27]. كما يمكن أن يتحقق ذلك أيضا في الحالة التي يكون فيها العقد باطلا لعدم أهلية الزبون. فهذا البطلان يرتب المسؤولية التقصيرية في حالة إفشاء سر اطلع عليه البنك أثناء المفاوضات. كذلك الحالة التي يكون هناك عقد بين البنك وزبونه ثم ينقضي بسبب تنفيذه، فرغم انقضاء العلاقة التعاقدية، فإن البنك يظل ملتزما بحفظ أسرار زبونه بعد انقضاء العقد، وإفشاء السر البنكي يرتب هنا المسؤولية التقصيرية.
كما تتصور المسؤولية التقصيرية للبنك إزاء زبونه في حالة الاعتداء عن طريق دفاع- هذا بطبيعة الحال بعد انقضاء العقد الرابط بينهما- في دعوى يتهم فيها البنك زبونه السابق بتهم غير صحيحة تنطوي على رعونة وتسرع حتى و لو لم يكن البنك سيء النية، أو في حالة إعطاء معلومات غير صحيحة لبنك آخر أو لمؤسسة تمويلية أخرى[28].
كما يمكن تصور المسؤولية التقصيرية في الحالة التي يتم فيها الإفشاء من خارج البنك، أي من طرف الأشخاص الذين خول لهم القانون الاطلاع على السر المهني البنكي كموظفي إدارة الضرائب أو الجمارك، ففي هذه الحالة وفي غياب أي عقد يربط الزبون وهؤلاء الأشخاص فلا مناص من اللجوء إلى القواعد العامة في المسؤولية التقصيرية لمساءلة المتسبب في الضرر[29].
وعموما فإن المسؤولية التقصيرية للبنك عن إفشاء السر المهني البنكي إزاء زبنائه، لا تخرج عن القواعد العامة للمسؤولية التقصيرية، المنصوص عليها في قانون الالتزامات والعقود ( الفصلان 77 و78 )، مع مراعاة خصوصية القانون المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، باعتبار أن السر المهني البنكي التزام قانوني، وأن كل إخلال به يرتب هذه المسؤولية. كما أن كل اتفاق على الإعفاء من هذه المسؤولية قبل تحقق الضرر يعد باطلا وعديم الأثر[30].
ب ـ المسؤولية العقدية
يتعرض البنك للمسؤولية العقدية بشكل عام، إذا أخل بأحد التزاماته الناشئة عن عقد من عقود العمليات البنكية، وترتب من جراء هذا الإخلال ضرر للزبون، أو نفذ العقد تنفيذا سيئا ومخالفا لما استقر عليه العرف البنكي.
ونشير إلى أنه لا يشترط وجود عقد بين البنك وزبونه بخصوص نوع العمليات الرابطة بينهما، بل يجب أن يتضمن هذا العقد صراحة شرط عدم الإخلال بالسر البنكي للزبون. وخلافا لهذا الرأي ذهب البعض إلى أنه ليس ضروريا وجود شرط صريح ينص على إلزام البنك بعدم إفشاء أسرار الزبون، بل إن هذا الالتزام مفترض في العقود التي يبرمها الزبون مع البنك، بحيث لا تقوم الحاجة إلى النص عليه[31].
ويبدو أن هذا الرأي متأثر إلى حد بعيد بالتشريعات الانجلوأمريكية التي تكتفي بوجود شرط ضمني، وأن العلاقة التعاقدية التي تربط البنك بالزبون وفق هذه التشريعات تتضمن في حد ذاتها شرطا ضمنيا، وبموجب هذا الشرط يلتزم البنك بحفظ الأسرار المعهودة إليه، ويعتبر البنك مسؤولا عن الإخلال بالعقد الضمني.
وهذا يتماشى في نظرنا مع طبيعة العمل البنكي التي يعتبر الحفاظ على الأسرار من مستلزماتها، فدخول الزبون في علاقة تعاقدية مع البنك يقتضي بالضرورة أن يفضي إليه بمعلومات لها صفة السرية، كما أنه ما كان سيفضي بها إليه لولا وجود هذه العلاقة العقدية بينهما. كما أن هذا الالتزام يعتبر من صميم الأعراف البنكية وواجب المهنة الأخلاقي. وبناء على ما سبق يلتزم البنك بعدم إفشاء سر الزبون، وهو التزام سلبي مصدره العقد أو العرف البنكي، ومن تم يتعرض البنك للمسؤولية العقدية إذا أخل بهذا الالتزام، فيكون مسؤولا مثلا لو أفشى للغيرعن رقم حساب الزبون أو رصيد هذا الحساب أو بيانات بتحركات هذا الحساب وترتب على هذا الإفشاء ضرر للزبون[32].
إلا أنه يمكن للبنك أن يدرأ هذه المسؤولية بأن يثبت أنه أفشى السر بناء على طلب عميله، أو أن الزبون تنازل عند فتح الحساب عن حقه في كتمان سره، أو أنه أفشى السر لوكيل الزبون الذي يمكنه بموجب عقد الوكالة أن يطلع على هذا السر، أو أنه أفشى السر للممثل القانوني- إذا كان الزبون شخصا معنويا- أو يثبت أنه أفشى السر بناء على نص القانون كما في حالة إعطاء بيانات الحساب لموظف الضرائب.
وكأمثلة عن أفعال حكم فيها القضاء المقارن باعتبارها أخطاء موجبة لمسؤولية البنك عن إفشاء الأسرار:
– أن يدلي البنك إلى شخص غير صاحب الحساب برصيد هذا الحساب ولو كان يحمل شيكا تقدم إلى البنك لصرف قيمته: ففي قضية Foster V Bank of London. في انجلترا عام 1862 كان أحد زبناء البنك قد قبل كمبيالة بمبلغ 532 جنيه استرليني للدفع بالبنك. وعندما تقدم الحامل لصرف قيمة الكمبيالة أخبره البنك بأن الرصيد الموجود بالحساب غير كاف، وأنه ينقص عن المطلوب بمقدار 104 جنيه استرليني، فقام حامل الكمبيالة بإيداع مبلغ 104 جنيه في حساب القابل وتقدم بالكمبيالة بعد أن أصبح المبلغ الموجود في الحساب كافيا للوفاء بقيمتها. فدفع إليه البنك قيمتها. وقاضى الزبون (قابل الكمبيالة) البنك لأنه أفشى سرا من أسراره يتعلق بمقدار رصيد حسابه وقضت له المحكمة بالتعويض.
وما يمكن استنتاجه من هذا المثال، هو أن القضاء الانجليزي يوسع من حمايته للسر المهني البنكي منذ زمن بعيد، رغم عدم وجود نص خاص في القانون الانجليزي يفرض على البنك الالتزام بالسر البنكي، وتبنى هذه الحماية الواسعة على أساس مبادئ العدالة الطبيعية[33].
وتسري آثار المسؤولية العقدية حتى بعد انتهاء العقد الذي يربط بين الزبون والبنك، فيبقى البنك ملتزما بهذا بواجب الكتمان حتى بعد انتهاء مدة العقد أو تنفيذه فعليا أو لأي سبب اخر يمكن تصوره، فالقاعدة العامة تقضي بإنقضاء الإلتزمات المتبادلة بمجرد زوال العقد، فمن المفررض أن يتحلل البنك من موجب الكتمان من يوم نهاية العقد.
غير أنه ونظرا لحساسية هذا الموضوع لتعلقه بأسرار مالية وشخصية للعميل، فإن إفشاءها حتى بعد مدة طويلة من قطع العلاقة مع البنك قد يؤثر سلبا على الزبون، فلو نتصور مثلا أن شخصا قبل ان يستقر ويكون أسرة كان كان له خليلة، وتعاقد مع البنك على منحها مبلغ معين كل فترة، فإفشاء مثل هذه المعلومة بعد وضع حد لهذا العقد، قد يزعزع الإستقرار العائلي للزبون ويسبب له أضرار على الصعيد الشخصي، أو لو يقوم البنك بنشر معلومة تفيد أن الزبون القديم في فترة سابقة كان على شفير الإفلاس، وحال دون ذلك بعد حصوله على قروض لم تمنح له إلا بعد تقديمه ضمان عيني، فهذا فيه خدش لسمعة هذا الزبون وقد يكون له إنعكاس سلبي مع المتعاملين معه بأن ينسحبوا من العقود التي تربطهم به، خشية تعرضهم لنفس الوضع من جديد و بالتالي تهديد مصالحهم المشتركة[34].
إذن التبرير الأساسي لتمديد الإلتزام بالسرية حتى بعد نهاية التعاقد هو مصلحة الزبون، فيجب أن تراعى سواء كان العقد قائما أو إنقضى، فالعميل وحده من يستطيع تقدير ما يدعم مصلحته وهو دون أدنى شك بقاء المعلومات التي تخصه طي الكتمان، وإن انتهت العلاقة التي تربطه بالبنك.
وهذا ما أيده القضاء في بعض قراراته منها أن الالتزام بالسرية يجد أصله في العقد الذي انتهى ويعد في ذات الوقت أثرا من آثاره، مما يحقق للزبون حماية هو في أشد الحاجة إليها[35].
وما يمكن استنتاجه إجمالا، هو أن المسؤولية المدنية بكل صورها التي يتحملها البنك عند إخلاله بالالتزام بالسر المهني البنكي، لا تخرج عن القواعد العامة للمسؤولية المنصوص عليها في قانون الالتزامات والعقود إذ تم إصباغ هذه المسؤولية بالخطوط العامة التي تقوم عليها المهنة البنكية.
الفقرة الثانية: دعوى المسؤولية المدنية والجزاءات المترتبة عنها في افشاء السر المهني البنكي
سنخصص هذه الفقرة للحديث عن دعوى المسؤولية المدنية (أولا) والجزاءات المترتبة عنها (ثانيا).
أولا: دعوى المسؤولية المدنية عن إفشاء السر المهني البنكي
يفترض في إقامة دعوى المدنية لإثارة المسؤولية البنكية، أن يكون هناك ضررا لحق الزبون البنكي من جراء ما قامت به المؤسسة البنكية أو مستخدميها من أفعال مخالفة إما لالتزامات قانونية تتمثل في عدم إفشاء أسرار الزبناء، أو لأحد بنود العقد الذي يتضمن الإتفاق على عدم إفشاء السر البنكي.
لكن، في مثل هذه الدعاوى يمكن أن تثار إشكالية تتمثل في عنصر إثبات الضرر وسببيته، خصوصا أن عبء الإثبات يقع على الطرف الضعيف في الدعوى، والذي ليست له دراية ممكنة عن أليات العمل البنكي بصفة عامة .فإذا أثبت للقضاء ما أصابه من ضرر من جراء الخطأ البنكي المتمثل في عدم إفشاء أسراره ، إما بموجب القانون أو بموجب الإخلال بما يتضمن العقد البنكي المبرم بينه وبين المؤسسة البنكية، لأنه يحكم على هذه الأخيرة بتعويض لفائدته.
على ضوء ذلك،فإن أطراف دعوى المسؤولية البنكية هما الزبون البنكي و هو الشخص المدعي،سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا، و المؤسسة البنكية الطرف المدعى عليها.
فالمدعي هو الشخص المتضرر مباشرة مباشرة،مما قام به البنك من إفشاء لأسراره البنكية[36]، وبذلك فإنه يكتسب صفته كمدعي ،أما الشخص غير متضرر فليس له الحق في رفع الدعوى.
لكن،هذا الحق لا يثبت للمتضرر لوحده بل يثبت أيضا لكل من نائبه أوخلفه.
أما في حالة تعدد المتضررين من الخطأ البنكي المتعلق بإفشاء أسرارهم البنكية،فإن لكل واحد منهم الحق في رفع دعوى مستقلة للمطالبة بالتعويض عن الضرر الحاصل بعد إثباته.و في هذه الحالة لا يمكن تقديم التعويض على سبيل التضامن ، بل على أساس درجة الضرر الذي تعرض له كل متضرر على حدة[37].
أما من جهة المؤسسة البنكية المدعى عليها في دعوى المسؤولية البنكية عليها من جراء فعل الإفشاء، فتعتبر المسؤولة عن الضرر الذي لحق الزبون البنكي.
توجه دعوى المسؤولية البنكية ضد البنك في شخص ممثله القانوني، كما يسأل عن أفعال المستخدمين الذين صدر منهم فعل الإفشاء أثناء ممارسة مهامهم البنكية على أساس مسؤولية المتبوع عن فعل التابع[38]،والمنصوص عليها في الفقرة الأولى من الفصل 85 من قانون الإلتزمات و العقود و التي تنص على أنه:”لا يكون الشخص مسؤولا عن الضرر الذي يحدثه بفعله فحسب،لكن يكون مسؤولا أيضا عن الضرر الذي يحدثه الأشخاص الذين هم في عهدته”[39] ولا بأس أن نشير إلى قرار صادر عن محكمة الإستئناف التجارية بالدار البيضاء و الصادر بتاريخ 06/05/2003 أنه :” لكن حيث أن أساس الدعوى هو خطأ مستخدمي المستأنفة بقبول الشيكات في إطار عملية الخصم رغم أنها غير قابلة للتظهير…”[40].
إن دعوى المسؤولية البنكية تثير إشكالا كبيرا، خاصة على مستوى الإثبات فباعتبار أن الزبون البنكي المتضرر يتحمل عبء إثبات الضرر الذي حصل له والخطأ البنكي المتسبب في ذلك الضرر ، فإنه يجهل خصوصيات العمل البنكي . فبالرغم من أنه متأكد أنه متضرر من البنك المتعامل معه ، فإنه لا يستطيع إثباته باعتبار أن بعض الأخطاء البنكية تحتاج إلى الإلمام بالعمليات البنكية.
وعليه ، فإن الزبون البنكي المتضرر مطالب بإثبات خطإ البنك أو إهماله[41] ، فعبء الإثبات هذا راجع إلى كون الإلتزام بالسر البنكي هو الإلتزام بامتناع عن عمل، فيجب على هذا الزبون في هذا الإلتزام أن يثبت حصول الإخلال به[42].
ثالثا: الجزاء المدني عن إفشاء السر البنكي
بافتراض تحريك دعوى المسؤولية البنكية عن إفشاء السر البنكي،وبافتراض كذلك ثبوت الخطأ المتسبب في إحدى أضرار للزبون البنكي فإن المحكمة تقضي بالتعويض لجبر تلك الأضرار.
فالتعويض إذن هو جزاء المسؤولية البنكية بعد إثبات القضاء كل عناصرها[43]، وفي هذا فإن المتضرر من جراء فعل الإفشاء الذي قام به البنك قد يسعى إلى الحصول على تعويض ما لحقه من ضرر،تعويضا عينيا يتمثل في رفع الضرر و إعادة الحال إلى ما كان عليه،أي طلب التنفيذ العيني للإلتزام،وهذا لا يمكن إلا إذا كان العقد أساس الإلتزام بحفظ السر البنكي،أما إذا تعذر التنفيذ العيني للإلتزام،فإنه لا ينبغي للمتضرر ، إلا المطالبة بالتعويض النقدي[44].
ويشمل بطبيعة الحال تقدير التعويض ما لحق الزبون من ضرر نتيجة إفشاء أسراره البنكية وما فاته من كسب ويبقى لقاضي الموضوع السلطة التقديرية في تقدير درجة جسامة الأخطاء البنكية في إفشاء السر و ما تسبب للزبون من أضرار[45].
أما إذا ثبت ارتكاب الإفشاء من طرف مستخدم البنك أيضا باعتباره مسؤولا عن أعمال التابع،ويمكن في هذه الحالة للزبون المتضرر أن يرجع على المستخدم أو البنك أو عليهما كمتضامنين لكن في الغالب يتم الرجوع على البنك باعتباره شخصا مليئ الذمة ، وللبنك أن يرجع على مستخدمه المخطئ بالتعويض الذي أداه بدلا عنه.
الى جانب التعويض كجزاء مدني عن المسؤولية البنكية عن إفشاء السر المهني ،أوجدت بعض التشريعات المقارنة وسائل شرعية أخرى لاسترداد حق الزبون أو لرفع الظلم عنه فعلى سبيل المثال في النظام الأنجلو أمريكي توجد الية تزيد من حماية المتضررين من جراء إفشاء أسرارهم البنكية، وتتمثل في الحصول على إنذار قضائي يمنع الإفشاء وهو أمر يصدر من المحكمة إلى البنك بعدم الإفشاء وعدم الإمتثال لهذا الأمر، يحمل المؤسسة البنكية مسؤولية جنائية تشكل جريمة انتهاك حرمة المحكمة.
و المحكمة لا تصدر هذا الإنذار،إلا بعد الإدلاء بمجموعة من البيانات و الوثائق الضرورية التي توضح أن الإفشاء ينطوي على تهديد مؤكد بالضرر.[46]
المطلب الثاني : المسؤولية الجنائية
لقيام المسؤولية الجنائية عن إفشاء السر المهني البنكي لا بد من توافر أركانها المتمثلة في الركن المادي والركن المعنوي (الفقرة الأولى) ثم نتطرق بعد ذلك إلى استعراض أوجه العقوبات القانونية عن إفشاء السر المهني البنكي (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: أركان جريمة إفشاء السر المهني البنكي
ألزم المشرع المغربي، في المادة 180[47]من القانون رقم 103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، مجموعة من الأشخاص، بكتمان السر المهني تحت طائلة العقوبات المنصوص عليها في الفصل 446 من القانون الجنائي المغربي.
وبالرجوع إلى الفصل 446 من القانون الجنائي المغربي[48]، يتضح من خلال صياغته أنه لتحقق جنحة الافشاء يجب أن يتم الافشاء و أن يكون هناك قصد جنائي من وراء إفشاء السر المهني و في حالة تحقق هذين الركنين نكون أمام جريمة لابد من العقاب عليها، مما يقتضي توافر ثلاثة أركان، ركن مادي، وركن معنوي، إضافة إلى صفة الفاعل.
أولا: الركن المادي لجريمة الإفشاء
يجسد الركن المادي للجريمة، الوجود المادي لها على أٍرض الواقع[49]، ويتكون كقاعدة عامة من ثلاثة عناصر، السلوك الإجرامي والنتيجة الإجرامية وعلاقة السببية، ولا تخرج جريمة إفشاء السر المهني البنكي عن ذلك.
1-السلوك الإجرامي :ويتمثل في هذه الجريمة بإفشاء السر من طرف من أمن عليه بحكم مهنته إلى الغير، حيث يعتبر عنصر الافشاء أهم ركن وبدون تحققه لا يمكن الحديث عن جريمة إفشاء السر المهني البنكي، وهذا ما يطرح لدينا تساؤل عن مفهوم الافشاء و طرقه؟
مفهوم الإفشاء :
يتمثل الفعل المادي هنا في إفشاء نبأ يعد لدى صاحبه سرا، أي يهمه كتمانه، وإفشاء السر إلى الغير قد يكون بالقول أو بالكتابة أو بالإشارة ويتحقق ذلك بنشره بكل طرق النشر، فهو سلوك ايجابي أو سلبي، تنقل بموجبه المؤسسة البنكية أسرار زبونها إلى الغير، وقد عرفه البعض بأنه “كل عمل ينقل الواقعة المفشاة من واقعة سرية إلى واقعة معروفة”، مما يبعد الوقائع التي كانت معروفة من نطاقه، لكن هذا التعريف تمت معارضته بحيث يشمل الإفشاء جميع الوقائع سواء تلك المعروفة أو الغير المعروفة لأن الإفشاء يؤكد ما جاءت به الإشاعات، فجريمة إفشاء الأسرار البنكية تقوم ولو كانت الواقعة معروفة لكنها ليست ذات شهرة عامة لأنه يضفي عليها تأكيدا لم يكن لها من قبل، أما إذا كانت الواقعة ذات شهرة أكيدة وواضحة لا تقبل الجدل، فهنا لا يتوفر ركن السر المهني، وبالتالي لا يمكن الحديث عن الإفشاء[50].
-وسائل الإفشاء: يتحقق عنصر الإفشاء بأية وسيلة سواء أكان الإفشاء كتابة أو شفاهة أو بواسطة الهاتف أو النشر أو عن طريق تدوينه في رسالة خاصة أو مكتوبة أو تسجيله على شريط أو إذاعته في محطات الإذاعة أو التلفزيون وغير ذلك من الوسائل لكون المشرع المغربي لم يشترط وسيلة معينة وإنما قصد تجريم كل ما من شأنه إيصال السر إلى من ليست له الصفة في العلم به[51].
و يحصل الإفشاء عندما يتعرف شخص ثالث على الأسرار بدون وجه حق سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، و لا فرق على اقتصار المعرفة بعدد صغير و محدد من الأشخاص، و لا يشترط أن يكون الإفشاء بالسر كاملا بل يكفي إفشاء جزء منه، كما لا يشترط أن يكون الإفشاء علنياً بل يكفي أن يكون إلى شخص واحد، و يرى بعض الفقه أنه لاعتبار الإفشاء ركناً في هذه الجريمة يجب أن ينتج عنه إعطاء حد أدنى من الدقة والوضوح حول المعلومات الخاصة بالزبون، فلا يكفى لقيام الجريمة إعطاء البنك بعض الأجوبة العامة لسؤال فضولي، إذ يشترط أن يمس الإفشاء مباشرة بالمعلومات محل السر[52].
2-النتيجة الإجرامية: بالرجوع إلى القواعد العامة يلاحظ أن الجرائم تنقسم إلى جرائم شكلية وأخرى مادية.
فالأولى يكتفي فيها القانون بتجريم السلوك أو النشاط المحض فتعتبر الجريمة تامة بغض النظر عن تحقيق نتيجة ما، عكس الجرائم المادية التي تتوقف على تحقق نتيجة معينة اشترطها القانون[53]
ليثور التساؤل حول ما إذا كانت جريمة إفشاء السر المهني هي من الجرائم الشكلية أم من الجرائم المادية؟ وبعبارة أخرى هل تتحقق هذه الجريمة بمجرد الإفشاء أم تتوقف على حصول ضرر للمجني عليه؟
بالرجوع على مقتضيات الفصل 446 من القانون الجنائي يتضح أن المشرع لم يشترط حصول ضرر للمجني عليه، بل اكتفى فقط بعنصر الإفشاء، وهو ما يبدو جليا من خلال اعتماد المشرع على القصد العام وبالتالي فتعتبر هذه الجريمة شكلية، فلا يلزم للعقاب على الإفشاء أن يثبت القاضي وقوع الضرر لصاحب السر أو تعرضه لخطر الضرر.
ويجب علاوة على تحقق عنصري السر والإفشاء أن يعرف هذا السر أثناء مزاولة النشاط البنكي وأن تكون له علاقة بالمهنة البنكية
وبتوفر عنصري السر والإفشاء هل يمكن القول بتحقق جريمة إفشاء السر أم أن الأمر يتطلب توفر القصد الجنائي لدى الفاعل؟
ثانياً: الركن المعنوي:
لم ينص المشرع في الفصل 446 من القانون الجنائي، صراحة على القصد الجنائي، كشرط لقيام جريمة إفشاء الأسرار عموما، وعلى الرغم من ذلك، فإن الركن المعنوي يعتبر شرطا ضروريا لقيام هذه الجريمة، إذ أن ذلك ما يقتضيه تطبيق القواعد العامة للقانون الجنائي، التي تقضي بأن الأصل في الجرائم أن تكون عمدية، والاستثناء أن تكون غير عمدية، وما جريمة إفشاء السر المهني البنكي إلا جريمة من جرائم إفشاء الأسرار عموما، تتطلب هي الأخرى توافر القصد الجنائي لدى الفاعل.
وبالتالي لا يكفي لقيام الجريمة ارتكاب عمل مادي ينص و يعاقب القانون عليه بل لا بد أن يصدر هذا الفعل المادي عن إرادة ووعي من الجاني، و تشكل هذه العلاقة التي تربط العمل المادي بإرادة الفاعل ما يسمى بالركن المعنوي للجريمة، و يتمثل هذا الأخير في نية داخلية يضمرها الجاني في نفسه، و قد يتمثل أيضا في الخطأ أو الإهمال أو عدم الاحتياط لهذا يتخذ الركن المعنوي للجريمة صورتين صورة الخطأ العمدي أي القصد الجنائي أو صورة الخطأ غير العمدي[54].
وإذا كان القصد في جريمة إفشاء السر يقوم على عنصرين: العلم والإرادة، فإنه يترتب عليه النتائج التالية:
-لا تقع الجريمة إذا ما تم الإفشاء نتيجة خطأ متمثل في إهمال أو عدم احتياط من قبل الأمين ولو كان الخطأ جسيما فإرادة الجاني لم تنصرف إلى تحقيق النتيجة المعاقب عليها، أي المساس بحقوق الزبون في الحفاظ على أسراره،[55] على عكس القانون الفدرالي السويسري الذي يعتبر الإهمال وحده كافيا لتجريم الإفشاء رغبة من المشرع السويسري في إظهار جسامة النتائج التي تحصب من انتهاك السرية البنكية[56].
– تتحقق جريمة إفشاء السر البنكي فقط يتوفر القصد العام، دون القصد الخاص المتمثل في نية الإضرار بالزبون الذي تم إفشاء سره، ويبقى للقاضي حرية تقدير وجود القصد الجنائي من عدمه انطلاقا من ظروف ووقائع الدعوى، ويجب أن يبني تقديره على أسباب معقولة حتى لا يتعرض حكمه للطعن من قبل المحكمة الأعلى درجة.
لكن هل يعتد بالباعث في القصد الجنائي؟
لا يعتد بالباعث متى توفر القصد الجنائي على الوجه السالف بيانه، فلا عبرة بالبواعث، لأن جريمة إفشاء الأسرار تخضع للقاعدة العامة التي تقضي بأن البواعث ليست من عناصر القصد الجنائي[57]
وبالتالي فالنية و القصد هما أساسا تحمل المسؤولية و لا عبرة للبواعث مطلقا في تحديد عدم المسؤولية، لأنه لا يشكل عنصر من عناصر القصد الجنائي في جريمة إفشاء السر المهني البنكي، و عند توفر هذين الركنين فإن المسؤولية تقع و يجب القيام بفرض العقوبة على المسؤولين و إيقاع الجزاء عليهم.
ثالثاً :صفة الفاعل
تعتبر جريمة إفشاء السر البنكي من جرائم ذوي الصفة الخاصة، فلا يرتكبها أي شخص ذو صفة معينة، وتلك الصفة مستمدة من المهنة التي يمارسها، والتي مكنته من معرفة الأسرار التي أفشاها[58].
وبالتالي فجريمة إفشاء السر المهني البنكي من جرائم ذوي الصفة الخاصة، وهذه الصفة تستفاد من الفصل 446 من القانون الجنائي، الذي أورد في صياغته أن “كل شخص يعتبر من الأمناء على الأسرار بحكم مهنته أو وظيفته الدائمة أو المؤقتة”، وعليه فصفة الأمين على السر تستمد من المهنة أو الوظيفة التي تمكن صاحبها من معرفة الأسرار.
والسر المهني البنكي ينبغي أن يفهم منه أمران:
- أن يعرف هذا السر أثناء مزاولة النشاط البنكي.
- أن تكون له علاقة بالمهنة البنكية نفسها.
فلا يكفي أن تكون الوقائع المفشاة سرا، بل يجب أن تكون زيادة على ذلك وثيقة الصلة بممارسة المهنة البنكية، مما يخرج عنها المعلومات التي عرفها البنكي خارج إطار علاقات الأعمال التي تربطه بالزبون، سواء بصفته صديقا أو قريبا له، وبالتالي فإن الإفشاء الذي يكون خارج إطار المهنة البنكية وغير مرتبط بها لا يشكل جنحة إفشاء السر المهني المعاقب عليها بل لا يعتبر سرا بنكيا
ولا يعتمد في تحديد صفة الفاعل بوقت الإفشاء بل وقت معرفة السر، لأن المتهم بعد تركه لوظيفته داخل المؤسسة البنكية، قد يفشي السر الذي علم به أثناء ممارسته لعلمه، وبالتالي تتوافر فيه صفة الفاعل، أما إذا علم بالسر الذي أفشاه بعد ترك وظيفته، فإن تلك الصفة تعتبر غير متوافرة، وبالتالي لا وجود لجريمة إفشاء الأسراروعليه تبقى صفة الفاعل ركنا لازما أو شرطا ضروريا لقيام الجريمة، حيث إن جوهر الجريمة هو إخلال بالتزام ناشئ عن المهن وما يتفرع عنها من واجبات أهمها الإخلاص في حماية مصالح الزبون وعدم إفشاء أسراره بالإضافة إلى أن علة التجريم هي الحفاظ على المصلحة الاقتصادية واجتماعية مهمة، وتدعيم الثقة فيها لجلب الزبناء، وهذا يتماشى مع ما نصت عليه المادة 180 من القانون رقم 103.12 ال القانون البنكي المغربي التي حددت الأشخاص الذين يجب أن يلتزموا بالسر المهني.
فإفشاؤهم لهذا السر يشكل الجريمة المنصوص عليها في الفصل 446 من القانون الجنائي المغربي، حيث يعد الشريك كالفاعل في جريمة إفشاء الأسرار، ولو لم يحمل الصفة التي تطلبها القانون في الفاعل الأصلي. وهذا ما أكدته غرفة الجنايات بمحكمة النقض الفرنسية في قرار لها بتاريخ 22 فبراير 1938 حيث أدانت شخصا غير ملزم بالسرية المهنية بجريمة المشاركة في انتهاك هذه السرية، وعاقبته بنفس العقوبة التي نص عليها القانون في معاقبة الفاعل الأصلي[59].
فاذا توافرت الاركان في جريمة افشاء السر المهني فما هي العقوبات المقررة لها ؟
الفقرة الثانية : العقوبات المقررة لجريمة افشاء السر المهني البنكي
بطبيعة الحال إذا توفرت أركان جريمة افشاء السر المهني فإن العقوبة لابد من أن تظهر من أجل معاقبة المسؤول عن الإفشاء، و لكن قبل تطبيق هذه العقوبة يجب أن يصدر حكم قضائي بناءا على قيام الدعوى العمومية ضد المتهم، فمن يقوم بتحريكها -اولا- ؟ هل هو صاحب المصلحة أي المتضرر أم البناية العامة؟ و بالتالي الحكم على المتهم بالجزاء- ثانيا-.
اولا : الدعوى العمومية
إن الطابع الخاص لجنحة إفشاء سر المهنة البنكية، يجعلنا نتساءل حول من له الحق في تحريك الدعوى العمومية، هل النيابة العامة أم المتضرر صاحب المصلحة في عدم إفشاء أسراره البنكية؟ خصوصا مع غموض النصوص التشريعية المغربية عكس بعض التشريعات المقارنة .
و في هذا الصدد ذهب بعض الباحثين[60] إلى أنه: “لا يمكن إثارة الدعوى العمومية بصفة تلقائية من طرف النيابة العامة بمجرد ملاحظتها لأن الأمر يتعلق بمصلحة خاصة للزبون وهو الذي يتوفر على أحقية تقدير هل ما تم إفشاؤه يضر بمصالحه أم لا، فرغم أنها جنحة معاقب عليها جنائيا بصفة محددة ودون تطلب القصد الخاص، إلا أنها جاءت لحماية مصلحة مشروعة وخاصة للفرد وبالتالي فهو الوحيد صاحب الحق في إثارة الدعوى من عدمه”.
بينما يرى أحدهم أنه لا مانع من إثارة الدعوى العمومية بصفة تلقائية بمجرد ملاحظتها دون توقف ذلك على تقديم شكاية في الموضوع، لأن الأمر يتعلق بجريمة معاقب عليها جنائيا بصفة محددة[61]
وفي إطار التشريعات المقارنة، خصوصا القانون السويسري، نجد أنه لم يحسم في الأمر، إذ يتبنى موقفا يظهر بعض التردد، فالفصل 321 من القانون الجنائي لسنة 1932 الذي يتعلق بجريمة إفشاء السر المهني بشكل عام، ينص على أن هذه الجنحة لا تتم فيها المتابعة إلا بشكاية.
وهذا الحل لم يتم ذكره في مقتضيات الفصل 47 من قانون البنوك و صناديق الادخار لسنة 1934 الذي يظهر خصوصية نظام السر المهني البنكي.
أما في بلجيكا وفرنسا واللوكسمبورغ، فإن سيطرة المصالح الفردية للزبون جعلت له وحده حق تحريك المتابعة ضد البنك الذي أضر بمصالحه عن طريق إفشاء السر الذي أودعه لديه. غير أن قانون العقوبات الإيطالي استلزم صراحة في المادة 622 تقديم شكاية من المجني عليه إذا لحقه ضرر من جراء إفشاء أسراره المهنية.[62]
وفي نظرنا المتواضع يعتبر هذا الرأي الأخير الأقرب إلى الصواب و اعتبارا للثقة التي تحظى بها البنوك، فان هذه الأخيرة تعتبر بمثابة سلعة تقدمها للزبائن وتلعب بالإضافة إلى ذلك دورا هاما للمجتمع على مستوى تنمية الثروات وتوزيع الائتمان حتى قيل أنها تملك حق الحياة أو الموت بالنسبة للمشروعات الاقتصادية، فإذا ما تم الاقتصار على تحريك الدعوى العمومية على ورود شكاية من طرف المتضرر فمن شان ذلك الإضرار بالنشاط البنكي أمام تهاون هذا الأخير في تقديم شكاية لسبب أو لآخر.
ثانيا : الجزاء الجنائي
لقد نص المشرع المغربي في الفصل 446 من القانون الجنائي العام :[63]على ضرورة معاقبة مرتكبي جريمة افشاء السر المهني البنكي .
و يتضح من خلال هذه المادة أن المشرع المغربي قد جعل عقوبة الحبس وجوبية بجوار الغرامة، وألزم القاضي بالجمع بينهما.
و على خلاف نهج القانون المغربي، رفع قانون العقوبات الفرنسي هذه العقوبة في المادة 226-13 منه بالحبس سنة والغرامة 100.000 فرنك فرنسي، وقد أحسن المشرع الفرنسي صنعا حينما رفع العقوبة الحبسية والغرامة، إذ من شأن ذلك توفير الحماية الفعالة للزبون.
غير أن هذه العقوبة تطرح إشكالا حول مدى إمكانية تمديدها أو بالأحرى تطبيقها على البنك كشخص معنوي في حالة عدم معرفة الفاعل لهذه الجنحة؟ [64]
إذا كان الفاعل معروف، فإن العقوبة توقع عليه شخصيا حيث لا مجال للحديث عن إيقاعها على البنك كشخص معنوي، ما عدا إذا كان شريكا في هذا الفعل بغض النظر عن مركز هذا الفاعل داخل المؤسسة البنكية بدءا من رئيس مجلس الإدارة مرورا بالمتصرفين إلى أصغر مستخدم داخل البنك.
أما إذا كان الفاعل مجهولا فإن الدعوى العمومية توجه ضد البنك كشخص معنوي لكن إمكانية تفعيل هذه الأخيرة كانت محل اختلاف فقهي شديد بين مؤيدي لإمكانية توقيع العقاب الجنائي على الشك كشخص معنوي ومعارض لذلك.
أما المشرع المغربي فإن نص المادة 127 من القانون الجنائي وضع حد لكل جدل حول إمكانية مساءلة الشخص المعنوي[65] ومن ذلك يمكن مساءلة البنك مساءلة جنائية، فالعدالة تقتضي في حالة عدم معرفة الشخص الذي قام بالإفشاء أو في الحالة التي يكون فيها البنك شريكا في فعل الإفشاء توقيع العقاب على هذا الأخير، وإن كان من المستحيل تصور تطبيق عقوبة الحبس على البنك كشخص معنوي، فإن الغرامة تبقى هي العقوبة الأصلية مع إمكانية تطبيق العقوبات الإضافية وفق ما ينص عليه الفصل 127 من القانون الجنائي، أي مساءلة البنك كشخص معنوي ومعاقبته بالعقوبات التي تتلاءم مع طبيعته أي العقوبات المالية والعقوبات الإضافية الواردة في الفقرات 5 و6 و7 في الفصل 36 من القانون الجنائي، كما يجوز أيضا الحكم على الشخص المعنوي بالتدابير الوقائية العينية الواردة في الفصل 62 من هذا القانون[66].
خاتمة
على ضوء مما سبق إذن، يتضح أن المسؤولية البنكية عن إفشاء السر البنكي تتغير بتغير النظام البنكي المتبع،ففي الدول التي تتبع نظام السر البنكي المطلق مثلا كسويسرا ولبنان وبعض الدول الأخرى،تبقى المسؤولية عن إفشاء السر البنكي منظمة بقوانين خاصة تطبعها سمة التشدد و الصلابة.
أما في الدول التي تتبع نظام البنكي النسبي،فإن المسؤولية البنكية يمكن أن تكون مدنية أو جنائية على إعتبار أن السر المهني البنكي كباقي الأسرار المهنية الأخرى يحظى بالحماية القانونية المقررة لها،والمشرع المغربي يسير على هذا المسار،حيث لم ينظم المسؤولية عن إفشاء السر المهني بنصوص خاصة إسوة ببعض الدول، بل أدرجها ضمن القواعد العامة للقانون.
فعلى المشرع المغربي إذن يحظى بعناية تشريعية لهذا النوع من الأخطاء البنكية لضمان حماية الزبون من جهة، وتعزيز الثقة في البنوك وجلب رؤوس الأموال إليها من جهة أخرى.
كذلك وجب على المشرع التحديد الدقيق للمسؤولية البنكية فيما يخص لإفشاء السر المهني و الإحاطة من جميع جوانبها[67].
على المشرع المغربي أن يضع قانونا مستقلا خاصا بالسر المهني البنكي على غرار عدة دول، ويضمنه الحماية الجنائية التي يستحقها في معزل عن باقي الأسرار المهنية الأخرى، لتعزيز الثقة في البنوك وجلب رؤوس الأموال المحلية عوض إيداعها في أبناك أجنبية تحفظ سريتها.
يجب تحديد المسؤولية الجنائية عن إفشاء السر المهني البنكي بدقة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالبنك كشخص معنوي، لما تعرفه هذه المسألة من نقاش.
[1] ـ بوساحة نجاة ، المسؤولية المدنية على افشاء السر المهني ،كلية الحقوق والعلوم الإقتصادية ،قسم العلوم القانونية و الإدارية، دون ذكر السنة،صفحة:1
[2] ـ محمد جنكل ، “المسؤولية البنكية على ضوء القانون المتعلق بتدابير حماية المستهلك”،مطبعة النجاح الجديدة{ctp}ـ الدار البيضاء ،طبعة :2015 ، صفحة:108.
[3] ـ محمد الناجي ، “المسؤولية عن إفشاء السر المهني البنكي”رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص”جامعة محمد الأول كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية بوجدة ،السنة الجامعية :2006ـ2007،صفحة:3
[4] ـ ـ محمد الناجي ، مرجع سابق ، صفحة :4
[5] ـ محمد الناجي، المسؤولية عن افشاء السر المهني البنكي،مرجع،سابق صفحة : 16
[6] ـ محمد جنكل ،.مرجع،سابق صفحة.112
[7] ـ محمد الناجي،مرجع،سابق صفحة : 18
[8] ـ محمد جنكل .مرجع،سابق صفحة : 113
[9] – قرار صادر عن محكمة الاستئناف باريس بتاريخ 6 فبراير 1975، أورده محمد الناجي .مرجع،سابق،صفحة. 18
[10] ـ مصطفى الفوركي ، الجرائم البنكية ، مقال منشور بمجلة القانون والأعمال بتاريخ 26 فبراير 2013. تاريخ الإطلاع 26 /11/ 2016 على الساعة 16:32
http://www. droitentreprise .com
[11] ـ محمد الناجي،،مرجع،سابق صفحة : 22
[12] – محمد الناجي،مرجع،سابق صفحة : 23
[13] ـ محمد جنكل .مرجع،سابق صفحة: 113
[14] ـ نوفل الريحاني ” السر المهني البنكي ومسؤولية البنوك ـ دراسة مقارنة ـ رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص ـ كلية الحقوق بجامعة القاضي عياض ، مراكش 1996 ص 149
[15] ـ محمد جنكل .مرجع،سابق صفحة: 115
[16] ظهير شريف رقم 1.14.193 صادر في فاتح ربيع الأول 1436 (24 ديسمبر 2014) بتنفيذ القانون رقم 103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها ، منشور بالجريدة الرسمية عدد 6328 بتاريخ فاتح ربيع الآخر 1436 ( 22 يناير 2015)، ص 462.
[17] محمد الناجي، مرحع سابق ، الصفحة 7.
[18] نور الدين الفقيهي، المعين في فهم القانون البنكي المغربي، مطبعة طوب بريس، طبعة نونبر 2015، الصفحة 27.
[19] باهو ولد المرابط، السرية المصرفية بين التشريع و المسؤولية العملية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في قانون الأعمال، نوقشت بجامعة الحسن الأول كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية بسطات، السنة الجامعية 2008-2009، الصفحة 14.
[20] محمد الناجي، مرجع سابق، الصفحة 11.
[21] نفس المرجع، الصفحة 11.
[22] ظهير شريف رقم 1.96.83 صادر في 15 من ربيع الأول 1417 (فاتح اغسطس1996) بتنفيذ القانون رقم 15.95 المتعلق بمدونة التجارة، الجريدة الرسمية عدد 4418 الصادرة بتاريخ 19 جمادى الأولى 1417 (3 أكتوبر 1996) الصفحة 2187.
[23] مي محرزي، نشأة السرية المصرفية، مقال منشور في الموقع الالكتروني http://www.arab-ency.com تم الاطلاع عليه بتاريخ 25/11/2016 على الساعة 23.20.
[24] حكم صادر عن محكمة تونس بتاريخ21نونبر1965، أورده محمد الناجي، مرجع سابق، الصفحة 14.
[25] -عبد اللطيف مشبال، المسؤولية المدنية للأبناك والاجتهاد القضائي المغربي، مقال منشور بالندوة الثالثة للعمل القضائي والبنكي، نشر المعهد الوطني للدراسات القضائية والمجموعة المهنية لبنوك المغرب- مطبعة الأمنية – الرباط 19-20 يونيو 1993،ص:302.
ـ محمد الناجي،مرجع سابق ،الصفحة:74[26]
[27]– نوفل الريحاني، مرجع سابق الصفحة:161
[28] – نور الدين زحاف، المسؤولية المدنية للأبناك إزاء الزبناء وإزاء الأغيار، مقال منشور في الندوة الثالثة للعمل القضائي والبنكي، نشر المعهد الوطني للدراسات القضائية والمجموعة المهنية لبنوك المغرب، مطبعة الأمنية. الرباط 1993،الصفحة:358.
[29] – مولاي البشير الشرفي، المسؤولية الناتجة عن خرق الالتزام بالسر المهني في القانون البنكي المغربي، مقال منشور بمجلة القانون المغربي العدد 01-2002، الصفحة:34.
[30] – مأمون الكزبري، نظرية الالتزام في ضوء الالتزامات والعقود المغربي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الجزء الأول، الطبعة الثانية 1972.،الصفحة. 433.
[31] ـ محمد الناجي ،مرجع سابق ،صفحة:77
[32] ـ بوعبيد جمال: المسؤولية المدنية للبنك تجاه الزبناء والأغيار ، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، وحدة التكوين والبحث في الضمانات التشريعية في قانون الأعمال ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الأول، وجدة، السنة الجامعية 2001_2002،ص.76 و ما بعدها.
[33] ـ محمد الناجي : مرجع سابق ،صفحة:78
[34] ـ بوساحة نجاة: مرجع سابق، صفحة :66
[35] ـ محمد الناجي : مرجع سابق،صفحة:80
[36] ـ محمد جنكل، مرجع سابق،الصفحة:116.
[37] ـ المختار العطار “قانون الإلتزمات والعقود ــ مصادر الإلتزامات”، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء ،الطبعة الثانية 1999،صحة:104و 105.
[38] ـ محمد جنكل ،مرجع سابق، صفحة : 117
[39] ـ عبد الحكيم الحكماوي “المسؤولية المدنية للمؤسسات البنكية”،مقال منشور في موقع WWW.marocdroit.ma // تاريخ النشر 15ــ11ـ2012 تاريخ الإطلاع :21ـ11ـ2016 على الساعة 00:10
[40] ـ قرار صادر عن محكمة الإستئناف التجارية بالبيضاء بتاريخ 06/05/2003 في الملف، عدد 2356/2002/2014 ، وارد عن محمد جنكل ، مرجع سابق ، صفحة:117
[41] ـ من بين حالات الإهمال البنكي ان يترك مستخدم البنك الدفاتر و الملفات المفتوحة أمام أنظار العموم،وكذلك الاستمارات الإلكترونية التي تبين المعومات المالية للزبناء أمام أنظار العموم ، فهذا من شأنه أن يرتب مسؤولية البنك في إفشاء أسرار الزبناء
[42] ـ اسماعيل صاحب الدين “الودائع النقدية وإشكالية حماية المودعين ” رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص وحدة التكوين و البحث في القانون التجاري المقارن ، جامعة محمد الأول ـ كلية الحقوق وجدة، السنة الدراسية الجامعية 2006 ـ 2007، صفحة:45
[43] ـ الفصلين 77 و78 من قانون الإلتزامات والعقود المغربي.
[44] ـ محمد جنكل، مرجع سابق،صفحة:119
[45]ـ الفقرة الثانية من الفصل 98 من قانون الإلتزمات و العقود المغربي
[46] ـ محمد الناجي، مرجع سابق ، صفحة:82
[47] – تنص الفقرة الأولى من المادة 180 : يلزم بكتمان السر المهني جميع الأشخاص الذين يشاركون، بأي وجه من الوجوه، في إدارة أو تسيير أو تدبيرمؤسسة ائتمان أو هيئة معتبرة في حكمها أو يكنون مستخدمين لديها وأعضاء المجلس الوطني للائتمان والادخار ولجنة مؤسسات الائتمان واللجنة التأديبية لمؤسسات الائتمان ولجنة التنسيق والرقابة على المخاطر الشمولية ومجلس الإدارة ومستخدمي الشركة المسيرة والأشخاص المكلفون ولو بصفة استثنائية بأعمال تتعلق بمراقبة المؤسسات الخاضعة لرقابة بنك المغرب عملا بهذا القانون وبوجه عام كل شخص يدعى، بوجه من الوجوه، للاطلاع على المعلومات المتعلقة بالمؤسسات المذكورة أو لاستغلالها وذلك فيما يتعلق بجميع القضايا التي ينظرون فيها بأي صفة كانت تحت طائلة العقوبات المنصوص عليها في الفصل 446 من القانون الجنائي.
[48] -ينص الفصل 446 من القانون الجنائي المغربي على أن” الأطباء والجراحون و ملاحظو الصحة، وكل الصيادلة والمولدات و كل شخص يعتبر من الأمناء على الأسرار، بحكم مهنته أو وظيفته، الدائمة أو المؤقتة، إذا أفشى سرا أودع لديه، وذلك في غير الأحوال التي يجيز له فيها القانون أو يوجب عليه فيها التبليغ عنه، يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر ، وغرامة من 1200إلى 20000 درهم…”
[49] هشام الزربوح:”خصوصيات القانون الجنائي للأعمال بالمغرب”، أطروحة لنيل الدكتراه في الحقوق، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية-جامعة مولاي اسماعيل، السنة الجامعية 2014-2015، ص:113
[50] -ياهو ولد لمرابط ولد دحود:”السرية المصرفية بين التشريع والممارسة العملية”، بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسطات –جامعة الحسن الأول، السنة الجامعية:2008-2009، ص:85
[51] – محمد كرام:”المسؤولية الجنائية لمراقب الحسابات في شركات المساهمة على ضوء القانون المغربي والمقارن”، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، وحدة التكوين والبحث قانون الأعمال، جامعة الحسن الثاني، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الدار البيضاء، السنة الجامعية 2000- 2001.، ص 206
[52] -الحاسي مريم:”إلتزام البنك بالمحافظة على السر المهني”، مذكرة لنيل درجة الماجستير، كلية الحقوق والعلوم السياسية-جامعة أبو بكر بلقايد-تلمسان-الجزائر،السنة الجامعية2011-2012، ص:109-110
[53]-لطيفة الداودي:”الوجيز في القانون الجنائي المغربي”، المطبعة الوراقة الوطننية-مراكش-الطبعة الأولى:2007، ص:113.114
[54] – الحاسي مريم:”إلتزام البنك بالمحافظة على السر المهني”،مرجع سابق، ص:115
[55] – كما لو ذكر مستخدم البنك معلومات متعلقة بالحساب إلى الزبون بصوت مرتفع مما مكن أشخاصا آخرين من معرفتها دون أن يقصد ذلك، أو إذا ما أرسل المستخدم للزبون رسالة تحتوي على كشف الحساب وكان الظرف الذي وضعت فيه الرسالة مفتوحا، مما مكن الغير من الاطلاع عليها ومعرفتها، أو كان هناك خطأ في إرسال الكشوفات الحسابية للزبون.
[56] -محمد الناجي:”المسؤولية عن إفشاء السر المهني البنكي”، مرجع سابق، ص54.
[57] -الحاسي مريم:”إلتزام البنك بالمحافظة على السر المهني”،مرجع سابق، ص:118
[58] – ياهو ولد لمرابط ولد دحود:”السرية المصرفية بين التشريع والممارسة العملية”، مرجع سابق ،ص:88
[59] ياهو ولد لمرابط ولد دحود:”السرية المصرفية بين التشريع والممارسة العملية”، مرجع سابق ،ص88
[60] – مولاي البشير الشرفي، مرجع سابق ، ص 29-30.
[61] : نوفل الريحاني، مرجع سابق ،، ص 152
[62] :محمد الناجي : مرجع سابق ص 61/62
[63] : تنص المادة 446 من القانون الحنائي على انه {….و كل شخص يعتبر م الامناء على الاسرر ،بحكم مهنته او وظيفته الدائمة او المؤقتة ،اذا افشى سرا اودع اليه ……………..بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من ألف ومائتين إلى عشرين ألف درهم…..)
[64] : محمد الناجي ، مرجع سابق ، ص 63.
:[65] ينص الفصل 127 من ق.ج “لا يمكن أن يحكم على الأشخاص المعنوية إلا بالعقوبات المالية والعقوبات الإضافية الواردة في الأرقام 5-6-7 من الفصل 36، ويجوز أيضا أن يحكم عليها بالتدابير الوقائية العينية الواردة في الفصل 62”.
[66] : عبد الواحد العلمي ، شرح القانون الجنائي المغربي، القسم العام مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، الطبعة ، 2002 ص 307.
[67] ـ محمد جنكل ،مرجع سابق ، صفحة:120