الأوصاف التي تلحق أطراف الالتزام
قد يتعدد أطراف الالتزام بحيث بدل أن يكون الطرف المدين والطرف الدائن واحدا، يتعدد أحد هذين الطرفين أوكلاهم، ويتخذ هذا التعدد صور مختلفة، ففي صورة أولى يتعدد الطرف المدين أو الطرف الدائن اوكلاهما دون أن تربط الطرف المتعدد، أي رابطة خاصة سوى رابطة التعدد فيسمى الالتزام عنده التزام متعدد الأطراف. وفي صورة ثانية قد يكون الالتزام الذي يطالب به الطرف الدائن أو الذي يترتب على الطرف المدين يقبل أولا يقبل تنفيذه التجزئة، فيسمى التزاما قابلا للانقسام في الحالة الأولى والتزاما غير قابل للانقسام في الحالة الثانية، وهذه بعض الأوصاف التي تلحق أطراف الالتزام سنحاول مناقشتنا.
وفي صورة ثالثة تقوم رابطة تضامنية بين الأطراف المتعددين تجعلهم متضامنين في الحق أو في الدين فيسمى الالتزام في هذه الحالة بالالتزام التضامني.
الفصل الأول : الالتزامات التضامنية
فالالتزامات التضامنية على نوعين حسبما يكون الطرف المتضامن في الالتزام هو الطرف الدائن، فيكون هناك ما يسمى اصطلاحا بالتضامن بين الدائنين أو التضامن الإيجابي، أو يكون الطرف المدين فيكون هناك ما يسمى اصطلاحا بالتضامن بين المدينين أو التضامن السلبي.
وقد خص المشرع بحثا مستقلا لكل من هذين النوعين من الالتزامات التضامنية فبدأ بالتضامن بين الدائنين الذي أفرد له المواد ن 153 إلى 163، ثم انتقل إلى التضامن بين المدينين الذي عرض له في المواد 164 إلى 180.
الفرع الأول : التضامن بين الدائنين
المبحث الأول : تعريف التضامن بين الدائنين وتعيين مصادره
عرف الفصل 154 من قانون الالتزامات والعقود الالتزام التضامني بين الدائنين فقال :” يكون الالتزام تضامنيا بين الدائنين إذا كان لكل منهم الحق في قبض الدين بتمامه، ولم يكن المدين ملتزما بأن يدفع الدين إلا مرة واحدة لواحد منهم “.
مثل ذلك، أن يقرض زيد وعمرو وبكرا مبلغا من المال إلى سعد، ويذكر في العقد أن زيدا وعمروا وبكر متضامنون فيما بينهم، ففي هذه الحالة يحق لكل منهم استيفاء الدين بتمامه في الاستحقاق، كما أن لسعد أن يدفع كامل الدين لأي واحد يختاره من دائنيه الثلاثة المتضامنين ويبرئ ذمته بذلك براءة تامة اتجاههم جميعا.
وليس من الضروري حتى يكون الالتزام تضامنيا بين الدائنين، أن تكون الرابطة التي تربط كل منهم بالمدين هي من نوع واحد، بل إن الالتزام يبقى تضامني حتى لو اختلفت روابط الدائنين بالمدين وتعددت صفة هذه الروابط، فهكذا مثلا قد يكون التزام المدين تجاه أحد الدائنين التزاما منجزا غير مقترن بشرط أو مربوط بأجل، ويكون التزامه تجاه الدائن الثاني موقوفا على شرط، وكون التزامه نحو الدائن الثالث مربوطا بأجل، وهذا ما أشار إليه الفصل 154 بقوله : ” ويمكن أن يكون الالتزام تضامنيا بين الدائنين حتى لو اختلف حق أحدهم عن حق الآخر بأن كان معلقا على شرط أو مقترنا بأجل في حين أن حق الآخر باتا منجزا “.
مصادر التضامن بين الدائنين : نص الفصل 153 على ما يلي : ” التضامن بين الدائنين لا يفترض ويلزم أن ينشأ من العقد أو يتقرر بمقتضى القانون أو أن يكون النتيجة الحتمية لطبيع المعاملة، ومع ذلك فإذا تعهد عدة أشخاص بأمر واحد وفي نفس العقد ومشتركين افترض فيهم أنهم تعهدوا به متضامنين، ما لم يكن العكس مصرحا به أو ناتجا عن طبيعة المعاملة “.
يتضح من هذا النص، أن المشرع ذكر ثلاثة مصادر للتضامن بين الدائنين وهي : العقد والقانون و طبيعة المعاملة، وفي الواقع ورغم تعدد المصادر التي ذكرها المشرع، فإن التضامن بين الدائنين يبقى من الأمور النادرة في العمل. ويكاد لا ينشأ إلا عن العقد أو عن الإرادة بوجه عام.
والسبب في ندرة التضامن بين الدائنين أن ضرر هذا التضامن قد يفوق فوائده : فالكسب الذي يجنيه الدائنون وهو سهولة الحصول على الدين من حيث إن أيا منهم يستطيع استيفاء كامل الدين، هو كسب لا يذكر إزاء الخطر الذي يمكن أن يكونوا عرضة له فيما إذا أعسر الدائن الذي قبض الدين وأصبح رجوعهم عليه عديم الجدوى. يضاف إلى ذلك أن ما يستفيده الدائنون من التضامن يستطيعون تحقيقه بسهولة ويسر من غير هذا الطريق، إذ هم يملكون عند حلول الأجل إعطاء من يختارون من بينهم توكيلا بقبض الدين كله.
التضامن بين الدائنين لا يفترض : إن قانون الالتزامات والعقود المغربي عمل على استهلال بحث التضامن بتقرير قاعدة أساسية مؤداها، أن “التضامن بين الدائنين لا يفترض “. فما لم توجد إرادة واضحة لا لبس فيها بإنشاء هذا التضامن فإنه لا يقوم.
ولا يفهم من ذلك، أن التضامن بين الدائنين لا بد أن يرد فيه شرط صريح فقد يستخلص ضمنا من الظروف والملابسات، إنما يجب أن لا يكون هناك شك في أنه مشترط.، ومن الأمثلة على التضامن الضمني ما ورد عليه النص في الفصل 153 من أنه إذا اشترط عدة أشخاص مشتركين وفي نفس العقد دينا واحدا افترض فيهم أنهم اشترطوه متضامنين، ما لم يكن العكس مصرحا به أو ناتج عن طبيعة المعاملة “.
وليس من الضروري في الشرط الصريح أن يرد لفظ “التضامن ” بالذات. لأن أي عبارة تؤدي معنى التضامن يمكن الاعتداد بها، كأن يشترط في العقد أن للمدين الوفاء بكامل الدين لأي واحد من الدائنين، أو أن لأي واحد من الدائنين حق استيفاء كامل الدين من المدين.
المبحث الثاني : آثار التضامن بين الدائنين
يجب بحث آثار التضامن بين الدائنين من زاويتين : من حيث علاقة الدائنين المتضامنين بالمدين (أولا)، ومن حيث علاقة الدائنين المتضامنين بعضهم ببعض (ثانيا).
أولا : علاقة الدائنين المتضامنين بالمدين
يمكن جمع الأحكام التي تسود علاقة الدائنين المتضامنين حول القواعد الأساسية التالية :
1 ينقضي الالتزام في حق جميع الدائنين المتضامنين بوفاء المدين لأي واحد منهم ؛
2 ينقضي الالتزام أيضا في حق جميع الدائنين بأسباب أخرى اعتبراه المشرع بمنزلة الوفاء ؛
3 إذا قام أحد الدائنين بعمل ضار، فإن بقية الدائنين لا يضارون به ؛
4 إذا قام أحد الدائنين بعمل نافع، فإن الدائنين الآخرين يفيدون منه.
أولا : انقضاء الالتزام بالوفاء : ينقضي الالتزام التضامني في حق جميع الدائنين، إذا أوفاه المدين لأي واحد منهم، وليس لمن اختاره المدين من الدائنين أن يرفض استيفاء الدين كله، بل ليس له أن يقتصر على قبض نصيبه من هذا الدين ويرفض قبض الباقي، وإنما عليه أن يقبض كل الدين، وهذه هي الميزة الجوهرية للتضامن بين الدائنين.
وإذا رفض الدائن الذي اختاره المدين استيفاء الدين، جاز للمدين أن يعرضه عليه عرضا حقيقيا ويتبع هذا العرض بالإيداع الفعلي وفقا للإجراءات المقررة للعرض والإيداع في الفصل 270 وما يليه. وهذا ما أشار إليه المشرع المغربي في الفصل 155 حيث قرر أن ” الالتزام التضامني ينقضي في حق جميع الدائنين إذا تم في حق أحدهم… إيداع الشيء المستحق “.
وتجدر الاشارة، إلى أن المدين لا يستطيع أن يفرض على الدائن وفاء حصته من الدين فحسب، فللدائن أن يرفض هذا الوفاء الجزئي والإصرار على استيفاء الدين بكامله، على أن هذا لا يمنع من أن يتفق المدين مع أحد الدائنين على أن يؤدي له نصيبه من الدين فقط. ففي هذه الحالة تبرأ ذمة المدين تجاه بقية الدائنين بقدر ما دفع ويصبح لكل من هؤلاء مطالبة المدين بالدين بعد أن يحسم منه حصة الدائن التي تم دفعها. وهذا ما قررته الفقرة الثانية من الفصل 155 إذ قالت : ” إذا وفى المدين لأحد الدائنين برئت ذمته في حدود هذه الحصة في مواجهة الباقين”.
ثانيا : انقضاء الالتزام بأسباب أنزلها المشرع منزلة الوفاء : إن المشرع المغربي قد توسع في الأسباب التي تؤول إلى انقضاء الالتزام التضامني في مواجهة الدائنين جميعا، واعتبر بمثابة الوفاء : الوفاء بمقابل المقاصة والتجديد. وهذا ما قرره الفصل 155 صراحة بقوله ” ينقضي الالتزام التضامني في حق جميع الدائنين إذا تم في حق أحدهم الوفاء به أو الوفاء بمقابل، أو إيداع الشيء المستحق أو المقاصة أو التجديد “.
أما أسباب الانقضاء الأخرى غير الوفاء والوفاء بمقابل والمقاصة والتجديد، أي أسباب الانقضاء الكامنة في الإبراء واتحاد الذمة والتقادم، فإن المشرع المغربي لم يرتب عليها إذا حصلت فيما بين المدين وأحد الدائنين المتضامنين انقضاء الالتزام التضامني تجاه جميع الدائنين، بل قصر أثرها على براءة ذمة المدين تجاه باقي الدائنين في حدود حصة الدائن الذي برئت ذمة المدين قبله.
فهكذا نص الفصل 156 على أن ” الإبراء من الدين الحاصل من أحد الدائنين المتضامنين لا يسوغ الاحتجاج به في مواجهة الآخرين، وهو لا يبرئ ذمة المدين من الدين إلا في حدود حصة من اجراه “. ثم تابع فقال :” اتحاد الذمة الحاصل بين أحد الدائنين المتضامنين وبين المدين لا يترتب عليه انقضاء الالتزام إلا بالنسبة لهذا الدائن “.
وهكذا أيضا ورد في الفصل 158 أن “التقادم الذي يتم ضد أحد الدائنين المتضامنين لا يمكن الاحتجاج به في مواجهة الآخرين “.
ثالثا : الاعمال الضارة الصادرة عن أحد الدائنين المتضامنين لا تضر بقية الدائنين : إذا قام أحد الدائنين بعمل ضار، فإن بقية الدائنين لا يضارون به، ذلك أن الدانين المتضامنين إنما يعتبرون أن كلا منهم قد وكل الآخرين فيما ينفعه لا فيما يضره. وعليه كانت القاعدة أن الأعمال الضارة التي يقوم بها أحد الدائنين المتضامنين ويكون من شأنها الإضرار بالدائنين الآخرين، لا يسري أثرها في حقهم.
وتترتب على هذه القاعدة النتائج التالية :
1– إذا ارتكب أحد الدائنين المتضامنين خطأ أوجب مسؤوليته تجاه المدين، فإن هذ الخطأ لا يكون له أثر قبل باقي الدائنين ولا يسألون عنه (الفقرة الثانية من الفصل 158).
2- إذا ثبتت المماطلة في حق أحد الدائنين المتضامنين، فإن أثر المماطلة يبقى محصورا بالدائن الذي تحقق مطله (الفقرة الثانية من الفصل 158).
3- إذا صالح أحد الدائنين المتضامنين المدين وانطوى أصلح على إبراء المدين من الدين أو كان من شأن الصلح أن يهدد مركز بقية الدائنين ويسيء إليه، فإن هذا الصلح لا يمكن الاحتجاج به ضدهم إلا إذا قبلوا به (الفصل 160).
4- إذا منح أحد الدائنين المتضامنين أجلا للمدين، فإن هذا الأجل لا يسري في مواجهة بقية الدائنين ما لم ينتج عكس من اتفاقات المتعاقدين أو من طبيعة المعاملة. (الفصل 161).
5- إذا وجه أحد الدائنين المتضامنين اليمين للمدين وحلفها أو إذا صدر حكم ضد أحد الدائنين لصالح المدين، فإن بقية الدائنين لا يضارون باليمين ولا بالحكم. هذا كله ما لم ينتج العكس عن اتفاقات الأطراف أو عن طبيعة المعاملة ( الفصل 157).
رابعا : الأعمال النافعة الصادرة عن أحد الدائنين يفيد منها بقية الدائنين : لئن كان يمتنع على الدائن المتضامن أن يقوم بما من شأنه الإضرار ببقية الدائنين، فإنه ليس ما يحول دون قيامه بأعمال تعود عليهم بالنفع. فمثل هذه الأعمال إذا ما صدرت عنه يفيد منها سائر الدائنين المتضامنين وتسري بحقهم. وتترتب على هذه القاعدة النتائج التالية :
1-إذا قطع أحد الدائنين المتضامنين التقادم استفاد من هذا القطع جميع الدائنين ( الفصل 159 )
2- إذا صالح أحد الدائنين المتضامنين المدين وتضمن الصلح الاعتراف بالحق أو بالدين، فإن هذا الصلح يفيد منه بقية الدائنين (الفصل 160 )
على أن المشرع المغربي استثنى من هذه القاعدة، نكول المدين عن أداء اليمين الموجهة إليه من أحد الدائنين، كما استثنى صدور حكم ضده لصالح أحد الدائنين. فبالرجوع إلى الفصل 157 يتضح أن الدائن المتضامن إذا وجه اليمين للمدين ونكل عن حلفها أو إذا صدر حكم على المدين لمصلحة أحد الدائنين المتضامنين، فإن بقية الدائنين لا يفيدون من نكول المدين عن حلف اليمين، كما لا يفيدون من الحكم الصادر لمصلحة أحدهم هذا مالم يكن العكس مصرحا به في اتفاقات الأطراف أو ناتجا من طبيعة المعاملة.
ثانيا : علاقة الدائنين المتضامنين بعضهم ببعض
انقسام الدين في علاقة الدائنين بعضهم ببعض : لئن كان من خصائص الدين المترتب لمصلحة عدة دانين متضامنين أنه لا ينقسم في علاقتهم بالمدين، بل يسوغ لأي دائن قبض كامل الدين من المدين، ويسوغ للمدين أداء الدين كله لأي دائن، فإن الدين في علاقة الدائنين المتضامنين بعضهم ببعض ينقسم وما يستوفيه أحدهم من المدين يصير من حق الدائنين جميعا ويتحاصون فيه كل بقدر حصته.
ولتحيد حصة كل دائن يجب الرجوع مبدئيا إلى الاتفاق الذي نشأ بموجبه التضامن. أما إذا كان لا يوجد اتفاق يعين حصة كل من الدائنين المتضامنين، فإنه يتعين جعل الدين حصصا متساوية بين الدائنين، وذلك عملا بالقاعدة الوارد عليها النص في الفصل 961 وبمقتضاه ” عند الشك يفترض أن أنصباء الشركاء (في الشيء أو في الحق) متساوية”.
وقاعدة وجوب تقسيم ما يقبضه أحد الدائنين المتضامنين فيما بينهم جميعا، تسري سواء قبض الدائن ما قبض على سبيل الوفاء أم الصلح. كما هي تسري أي كانت الطريقة التي استوفي الدين بموجبها لا فرق بين أن يكون الدائن قد قبض الدين رأسا من المين أم قبضه من كفيل أو من مدين آخر التزم إنابة عن المدين الأصلي. وهذا ما قرره الفصل 162 إذ جاء فيه :” ما يقبضه كل من الدائنين المتضامنين، سواء على سبيل الوفاء أو الصلح يصبح مشتركا بينه وبين الدائنين الآخرين، كل على قدر حصته. وإذا أعطي لأحد الدائنين كفيل أو ارتضيت لصالحه إنابة من أجل حصته كان من حق الدائنين الآخرين أن يشتركوا معه. فيما يدفعه الكفيل أو المدين المناب وهذا كله مالم ينتج العكس عن اتفاق المتعاقدين أو عن طبيعة المعاملة”.
وكذلك تسري قاعدة انقسام الدين في علاقة الدائنين بعضهم ببعض أيا كان المقدار الذي قبضه الدائن لا فرق بين أن يكون قبض كل الدين أو قبض جزءا منه، بل هي تسري حتى لو كان الدائن قبض حصته فقط من الدين حيث يسوغ للدائنين الآخرين الرجوع عليه بقدر أنصبائهم في الحصة المقبوضة. هذا ما لم يمتنع على الدائن المتضامن تقديم ما قبض لسبب أجنبي لا يد له فيه، كأن يهلك الشيء أو المبلغ المقبوض بسبب قوة قاهرة أو حادث فجائي حيث تنتفي مسؤوليته ويتحمل الهلاك هو وسائر الدائنين المتضامنين.
أما إذا كان الهلاك يرجع إلى خطأه فيبقى مسؤولا تجاه بقية الدائنين في حدود أنصابهم، وبهذا المعنى ورد في الفصل 163 أن ” الدائن المتضامن الذي يقبض حصته ولا يستطيع تقديمها للدائنين الآخرين بسبب يرجع إلى خطأه، ملزم تجاههم في حدود انصبائهم منها “.
الفرع الثاني : التضامن بين المدينين
المبحث الأول : تعريف التضامن بين المدينين وبيان مصادره
عرف الفصل 166 التضامن بين المدينين بقوله :” يثبت التضامن بين المدينين إذا كان كل منهم ملتزما شخصيا بالدين بتمامه وكان يحق للدائن أن يجبر أيا منهم على أداء الدين كله أو بعضه، لكن لا يحق له أن يستوفيه إلا مرة واحدة”.
مثل ذلك أن يستقرض زيد وعمرو وبكر مبلغا من المال من سعد، وينص في العقد على أن زيدا وعمروا وبكرا متضامنون فيما بينهم في أداء المبلغ، ففي هذه الحالة يحق لسعد استيفاء تمام دينه في الاستحقاق من أي واحد يختاره من بين مدينيه الثلاثة المتضامنين وتبرأ بنتيجة هذا الاستيفاء ذمة المدينين جميعا في مواجهته.
والتضامن بين المدينين خلافا للتضامن بين الدائنين، كثير الشيوع في الحياة العملية وذلك راجع إلى أن التضامن بين المدينين يزيد في ضمان الدائن من حيث أن ضمانه العام بدل أن يكون قاصرا على أموال مدين واحد يصبح شاملا أموال عدة مدينين.
وتجدر الاشارة، إلى أنه لا يشترط حتى يكون الالتزام تضامنيا بين المدينين، أن تكون الرابطة التي تربط الدائن بكل واحد منهم هي من نوع واحد. بل إن الالتزام يبقى التزاما تضامنيا حتى لو اختلفت روابط الدائن بالمدينين وتعددت صفة هذه الروابط. فهكذا مثلا يصح أن يكون التزام أحد المدينين المتضامنين التزاما منجزا غير مقترن بشرط أو مربوط بأجل، ويكون التزام مدين آخر التزاما موقوفا على شرط، ويكون التزام مدين ثالث التزاما مربوطا بأجل. ثم إذا حصل أن كان التزام أحد المدينين المتضامنين مشوبا بعيب من عيوب الرضى أو بنقص في الأهلية فلا تتأثر بذلك التزامات بقية المدينين. وهذا ما قرره الفصل 167 بقوله : ” يسوغ أن يكون الالتزام تضامنيا حتى لو التزم أحد المدينين بطريقة تخالف تلك التي التزم بها الآخرون، كما إذا قام التزامه معلقا على شرط أو مقترنا بأجل وجاء التزام مدين آخر باتا منجزا. ولا يعيب نقص أهلية لدى أحد المدينين الالتزام المتعاقد عليه من الآخرين “.
مصادر التضامن بين المدينين : نص الفصل 164 أن ” التضامن بين المدينين لا يفترض ويلزم أن ينشأ صراحة من السند المنشئ للالتزام أو من القانون أو أن يكون النتيجة الحتمية لطبيعة المعاملة “.
فمن هذا النص يتضح أن للتضامن بين المدينين ثلاث مصادر : 1 القانون، 2 طبيعة المعاملة، 3 العقد أو بصورة أعم إرادة الإنسان.
1 القانون كمصدر للتضامن بين المدينين : كثيرا ما يقوم التضامن بين المدينين بمقتضى نص في القانون. وفي هذه الحالة يجب التقيد بالنص وعدم القياس عليه، لأن حالات التضامن القانوني تعتبر أنها قد وردت على سبيل الحصر.
والنصوص التي تقول بوجود التضامن بين المدينين كثيرة نجدها في قانون الالتزامات والعقود وفي غيره من التشريعات، ففي ق ل ع يمكن أن نذكر على سبيل المثال الحالات التالية :
آ – الحالة المنصوص عليها في الفصل 99 وبمقتضاه ” إذا وقع الضرر من أشخاص متعددين عملوا متواطئين كان كل منهم مسؤولا بالتضامن عن النتائج، دون تمييز بين من كان منهم محرضا أو شريكا أو فاعلا أصليا “.
ب – الحالة المنصوص عليها في الفصل 100 وهي الحالة التي يتعدد فيها المسؤولون عن الضرر ويتعذر تحديد فاعله الأصلي من بينهم أو يتعذر تحديد النسبة التي ساهم بها كل منهم فيه، حيث يعتبرون مسؤولين عن هذا الضرر على وجه التضامن فيما بينهم.
وفي التشريعات الأخرى غير القانون المدني يمكن أن نذكر على سبيل المثال الحالات التالية :
آ – في القانون التجاري يمكن ذكر تضامن الشركاء في شركة التضامن (المادة 32) وتضامن موقعي سند السحب (المادة 165).
ب – وفي قانون الجنائي يمكن ذكر التضامن بين المحكوم عليهم من أجل نفس الجناية أو نفس الجنحة أو نفس المخالفة بالنسبة للغرامات والرد والتعويضات المدنية والصوائر (الفصل 109 ).
طبيعة المعاملة كمصدر للتضامن بين المدينين : قد يكون التضامن بين المدينين نتيجة حتمية لطبيعة المعاملة كأن يلتزم مثلا مهندسا يعملان في مكتب واحد بتنظيم مخطط بناء وتقديمه لمالك أرض، ففي هذه الحالة يترتب على المهندسين تنظم مخطط البناء وتقديمه إلى المالك حتى ولو لم يشترط أي تضامن في السند المنشئ للالتزام، لأن طبيعة العمل هنا تحتم قيام التضامن بين المدينين.
العقد أو الارادة بوجه عام كمصدر للتضامن بين المدينين : قد ينشأ التضامن بين المدينين من اتفاق يجري فيما بينهم وبين الدائن، كأن يبع أحد سيارته إلى شخصين مناصفة فيما بينهما ويشترط في عقد البيع أو في عقد منفصل تابع لعقد البيع تضامن المشتريين في الوفاء بالثمن، وقد ينشأ التضامن عن إرادة منفردة كالوعد بجائزة يعلن عنه عدة أشخاص على وجه التضامن فيما بينهم لمن يعثر على شيء ضائع أو يقوم بأي عمل آخر.
التضامن بين المدينين لا يفترض : إن التضامن بين المدينين لا يفترض افتراضا، بل لا بد من الاتفاق عليه اتفاقا واضحا لا لبس فيه ولا غموض. ولا شك أن أهمية هذه القاعدة هي التي دعت المشرع المغربي إلى النص عليه في مطلع بحث التضامن بين المدينين، حيث ورد في الفصل 164 أن ” التضامن بين المدينين لا يفترض ويلزم أن ينتج صراحة عن السند المنشئ للالتزام أومن القانون أو أن يكون النتيجة الحتمية لطبيعة المعاملة “.
وعلى عكس التضامن بين الدائنين الذي يمكن أن يحصل صراحة كما يجوز أن يقع ضمنا، فإن التضامن بين الدائنين يشترط فيه أن يحصل صراحة حسب الفصل 164 المذكور. وليس من الضروري في الشرط الصريح أن يرد بلفظ “التضامن “، بل يكفي أن تستعمل عبارة تفيد هذا المعنى. كأن يشترط الدائن على مدينيه أن يكونوا جميعا متكافلين بالدين إزاءه، أو أن يكون كل منهم مسؤولا شخصيا عن كامل الدين.
على أن القاعدة القائلة بعدم افتراض التضامن بين المدينين ليست مطلقة، بل هي قاصرة على المسائل المدنية وهذا ما قرره المشرع في الفصل 165 التي ورد فيه : ” التضامن يقوم بحكم القانون في الالتزامات المتعاقد عليها بين التجار لأغراض المعاملات التجارية، وذلك ما لم يصرح السند المنشئ للالتزام أو القانون بعكسه “.
المبحث الثاني : آثار التضامن بين المدينين
لا بد لجلاء آثار التضامن بين المدينين أن نبحث هذه الآثار من زاويتين : من حيث علاقة الدائن بالمدينين المتضامنين (أولا ) ثم من حيث علاقة المدينين المتضامنين بعضهم ببعض (ثانيا).
أولا: علاقة الدائن بالمدينين المتضامنين :
القواعد الأساسية التي تسود علاقة الدائن بالمدينين : يمكن جمع الأحكام التي تسود علاقة المدينين المتضامنين بالدائن حول القواعد الأساسية التالية :
1 – للدائن أن يستوفي الدين كله من أي مدين متضامن ؛
2 – للمدين أن يتمسك بأوجه الدفع الخاصة به وبالأوجه المشتركة بين المدينين جميعا، ولكن ليس له أن يحتج بأوجه الدفع الخاصة بغيره من المدينين ؛
3- ينقضي الالتزام في حق جميع المدينين المتضامنين بالوفاء ؛
4 – ينقضي الالتزام كذلك في حق جميع المدينين المتضامنين بأسباب أخرى اعتبرها المشرع بمنزلة الوفاء ؛
5 إذا قام أحد المدينين المتضامنين بعمل ضار، فإن بقية المدينين لا يضارون بهذا العمل ؛
6 إذا قام أحد المدينين لمتضامنين بعمل نافع، فإن المدينين الآخرين يفيدون منه.
فلنبحث في هذه القواعد على التعاقب :
1) للدائن استيفاء الدين كله من أي مدين متضامن : نص الفصل 166 على أن للدائن الحق في ” أن يجبر أيا من المدينين المتضامنين على أداء الدين كله أو بعضه، ولكن لا يحق له أن يستوفيه إلا مرة واحدة “. فالدائن يستطيع أن يختار أي مدين متضامن ويطالبه بالدين جميعه، وهذا يرجع لوحدة المحل في الالتزام التضامني.
ويبقى للدائن اختيار من يريد من المدينين في ممارسة حق المطالبة بتأدية الدين حتى لو كان مدينا آخرا من مدينه قد منحه رهنا حيازيا أو رهنا رسميا. وليس للمدين إذا طالبه الدائن بالدين كله أن يقتصر على دفع حصته من الدين. فللدائن رفض هذا الوفاء الجزئي والإصرار على استيفاء الين كله.
وإذا اختار الدائن أحد المدينين المتضامنين وطالبه بالدين كله ثم رأى بعد ذلك أن يطالب بالدين مدينا غيره ظهر له أن مطالبته أقل مشقة وأكثر جدوى، فإن رجوعه على المدين الأول ليس بمانع من رجوعه على المدين الآخر : فله إدخال المدين الثاني بالدعوى الأولى واستصدار حكم على المدينين معا على وجه التضامن، وله إن شاء أن يترك دعواه الأولى ويقيم دعوى جديدة على المدين الثاني وحده ويطالبه فيها بالدين كله. وهذا ما أشار إليه المشرع المغربي في مطلع الفصل 176عندما قال :” مطالبة الدائن الموجه ضد أحد المدينين المتضامنين، لا تمتد إلى الآخرين ولا تمنع الدائن من أن يوجه إليهم مطالبة مماثلة “.
2) حق المدين في التمسك بالدفوع الخاصة به وبالدفوع المشتركة دون الدفوع الخاصة بغيره : نص الفصل 168 على أن ” لكل مدين متضامن أن يتمسك بالدفوع الشخصية الخاصة به وبالدفوع المشتركة بين المدينين المتضامنين جميعا. ولا يسوغ له أن يتمسك بالدفوع الشخصية المحضة المتعلقة بواحد أو أكثر من المدينين معه “.
فمن هذا النص يتبن أن أوجه الدفع التي يمكن أن يثيرها المدين المتضامن على نوعين : دفوع يسوغ له أن يتمسك بها ودفوع يمتنع عليه أن يتمسك بها.
فالدفوع التي يحق للمدين المتضامن التمسك بها : هي الدفوع الشخصية الخاصة، والدفوع المشتركة بين المدينين المتضامنين جميعا. فلكل من المدينين المتضامنين أن يتمسك بالدفوع الشخصية الخاصة به. فإذا كان التزامه موقوفا على شرط أو مقيد بأجل وطالبه الدائن بتنفيذ الالتزام قبل تحقق الشرط أو حلول الأجل جاز له دفع هذه المطالبة.
وإذا كانت إرادته يوم التزم قد شابها عيب من عيوب الرضى كالغلط أو التدليس أو الاكراه أو كان التزم وهو ناقص الأهلية، فله التمسك بالعيب الذي شاب إرادته كما له التمسك بنقص أهليته إذا ما طالبه الدائن بتنفيذ التزامه.
وكذلك لكل من المدينين المتضامنين أن يتمسك بالدفوع المشتركة بين المدينين جميعا، فإذا كان العقد الذي أنشأ الالتزام التضامني باطلا في الأصل لفقدان ركن من أركان العقد، كانعدام المحل أو السبب أو كعدم مشروعية المحل أو السبب. كان لكل مدين يلاحقه الدائن أن يتمسك ببطلان العقد.
أما الدفوع التي يمتنع على المدين المتضامن التمسك بها : فهي الدفوع الخاصة بغيره من المدينين المتضامنين، فإذا كان الالتزام أحد المدينين المتضامنين منجزا، فليس له إذا طالبه الدائن بتأدية الدين أن يتمسك بكون التزام مدين آخر من المدينين المتضامنين هو معلق على شرط لم يتحقق أو مربوط بأجل لم يحل بعد. وإذا كان أحد المدينين المتضامنين قد شاب إرادته عيب من عيوب الرضى أو كان ناقص الأهلية يوم التزم فليس لغيره أن يحتج بذلك.
3 ) انقضاء الالتزام في حق جميع المدينين المتضامنين بالوفاء : ينقض بالالتزام التضامني في وجه جميع المدينين المتضامنين إذا وفاه أحدهم، ومن حق كل واحد من المدينين المتضامنين أن يقوم بهذا الوفاء ولا يستطيع الدائن أن يرفض الاستيفاء، كما لا يستطيع أن يصر على المدين في أن لا يوفيه إلا حصته في الدين إذا كان المدين راغبا في تأدية الدين كله، على أنه إذا أوفى أحد المدينين المتضامنين بحصته في الدين فقط، وذلك بموافقة الدائن فعندها يكون للدائن أن يرجع على أي من المدينين المتضامنين الآخرين بالباقي من الدين.
وإذا رفض الدائن استيفاء الذي من أحد المدينين، فإنه يجوز لهذا المدين أن يعرضه عليه عرض حقيقيا ويتبع هذا العرض بالإيداع الفعلي وفقا للإجراءات المقررة للعرض والإيداع في الفصل 275 وما يليه.
وبمجرد وفاء أحد المدينين بالدين أو في حالة تمنع الدائن عن الاستيفاء بمجرد إتمام المدين إجراءات العرض الحقيقي والإيداع الفعلي تبرأ ذمته من الدين، كما تبرأ ذمة جميع المدينين الآخرين. وهذا ما أشار إليه الفصل 169 حيث ورد فيه أن الوفاء إيداع الشيء المستحق من شأن كل منهما إبراء ذمة جميع المدينين المتضامنين.
4 ) انقضاء الالتزام بأسباب أخرى اعتبرها المشرع بمنزلة الوفاء : إن المشرع المغربي قد توسع في الأسباب التي تؤول إلى انقضاء الالتزام التضامني في حق جميع المدينين المتضامنين فلم يقصرها على الوفاء والوفاء بمقابل والتجديد على غرار ما فعلت بعض التشريعات. بل أضاف إلى هذه الأسباب أيضا سببين آخرين هما : المقاصة والإبراء من الدين.
فقد ورد في الفصل 169 أن “الوفاء بمقابل وإيداع الشيء المستحق والمقاصة الواقعة بين أحد المدينين والدائن يبرئ ذمة جميع المدينين الآخرين “.
وورد في الفصل 171 أن “التجديد الحاصل بين الدائن وأحد المدينين المتضامنين يبرئ ذمة الآخرين، ما لم يرتضوا الانضمام إليه في التحمل بالالتزام الجديد، ومع ذلك إذا اشترط الدائن انضمام المدينين المتضامنين الآخرين فامتنعوا عنه، فإن الالتزام القديم لا ينقضي “.
فالتجديد يقضي إذن الدين القديم على وجه قاطع وما يستتبع ذلك من براءة ذمة المدينين المتضامنين جميعا ويقيم مكانه دينا جديدا. وإذا أراد الدائن أن ينقل التضامن إلى الدين الجديد فعليه أن يحصل على موافقة باقي المدينين المتضامنين في أن يلتزموا متضامنين في هذا الدين. فإذا لم يوافقوا على ذلك وكان الدائن قد اشترط لتمام التجديد موافقتهم فإن التجديد لا ينعقد ويظل الالتزام القديم قائما.
كما ورد في الفصل 172 أن “الإبراء من الدين الحاصل لأحد المدينين المتضامنين يفيد جميع الآخرين، ما لم يظهر الدائن صراحة رغبته في عدم حصول الإبراء إلا لذلك المدين وبالنسبة إلى حصته من الدين. وفي هذه الحالة الأخيرة لا يثبت لباقي المدينين المتضامنين الرجوع على من أبرئ إلا بالنسبة إلى نصيبه في حصة المعسر منهم.
فإبراء أحد المدينين المتضامنين من الدين يكون إذن سببا لانقضاء الدين بالنسبة لجميع المدينين المتضامنين، هذا مالم يعلن الدائن صراحة أنه يقصر الإبراء على المدين الذي أبرأه وبالنسبة إلى حصته من الدين فقط.
أما أسباب الانقضاء الأخرى غير الوفاء والوفاء بمقابل والمقاصة والتجديد و الإبراء أي أسباب الانقضاء الكامنة في اتحاد الذمة والتقادم، فإن المشرع المغربي لم يرتب على حصولها لمصلحة أحد المدينين انقضاء الالتزام التضامني بالنسبة للمدينين الآخرين. بل قصر أثره على براءة ذمة هؤلاء المدينين في حدود حصة المدين الذي برئت ذمته بسبب اتحاد الذمة. فقد ورد بهذا المعنى في الفصل 175 أن “اتحاد الذمة الحاصل بين الدائن وبين مدينيه المتضامنين لا ينهي الالتزام إلا بالنسبة إلى حصة هذا المدين ” ما فيما يخص التقادم فقد قرر المشرع المغربي في الفصل 176 أن “التقادم الذي يتم لصالح أحد المدينين لا يفيد الآخرين “.
5 ) الأعمال الضارة الصادرة عن أحد المدينين لا تضر بقية المدينين : إذا قام أحد المدينين المتضامنين بعمل ضار فإن بقية المدينين لا يضارون بهذا العمل. ذلك أن الوكالة التبادلية أو النيابة التبادلية القائمة بين المدينين المتضامنين، إنما تعتبر قائمة فيما ينفعهم لا فيما يضرهم. وعليه كانت القاعدة الأساسية أن كل عمل يقوم به مدين متضامن ويكون من شأنه الإضرار بالآخرين، لا يسري أثره في حقهم.
وتترتب على هذه القاعدة النتائج التالية :
آ- إذا طالب الدائن أحد المدينين المتضامنين مطالبة قضائية، فإن هذه المطالبة لا تضر المدينين الآخرين، ولا يكون لها أثر إزاءهم وهذا ما قرره الفصل 176 بقوله : “مطالبة الدائن الموجهة ضد أحد المدينين المتضامنين لا تمتد إلى الآخرين ولا تمنع الدائن من أن يوجه إليهم مطالبة مماثلة “.
ب- إذا انقطعت مدة التقادم أو وقف سريانه بالنسبة لأحد المدينين المتضامنين، فإن ذلك لا يضر بباقي المدينين ولا يسوغ للدائن أن يتمسك بقطع التقادم أو بوقفه اتجاههم. وقد ورد بهذا المعنى في الفقرة الثانية من الفصل 176 أن ” وقف التقادم وقطعه بالنسبة لأحد المدينين المتضامنين لا يوقف التقادم ولا يقطعه بالنسبة للآخرين “.
ج – إذا ارتكب أحد المدينين المتضامنين خطأ في تنفيذ التزامه وترتب على هذا الخطأ مسؤوليته قبل الدائن، فباقي المدينين لا يضارون بذلك (الفصل 177).
د- إذا ثبت المطل على أحد المدينين المتضامنين، فإن هذا المطل لا ينتج أثرا بالنسبة لباقي المدينين (الفصل 177)
ه – إذا سقط الأجل في حق أحد المدينين المتضامنين في الحالات المنصوص عليها في الفصل 139، فإن هذا السقوط يبقى محصورا بالمدين الذي سقط عنه الأجل فلا ينتج أي أثر في مواجهة بقية المدينين المتضامنين إذا كانوا منحوا أجلا في السابق ويبقى من حقهم التمسك بالأجل الذي كان ممنوحا لهم (الفصل 177).
و- إذا صدر حكم ضد أحد المدينين المتضامنين لصالح الدائن، فإن بقية المدينين المتضامنين لا يضارون به، ما لم ينتج العكس من السند المنشئ للالتزام أو من طبيعة المعاملة (الفصل 177).
ز – إذا صالح أحد المدينين الدائن، وانطوى الصلح على ما من شأنه أن يحمل المدينين بالتزام أو أن يزيد فيما هم ملتزمون به، فإن هذا الصلح لا يمكن الاحتجاج به ضدهم، إلا إذا قبلوا به (الفصل 174).
6 ) الأعمال النافعة التي يقوم بها أحد المدينين المتضامنين يفيد منها الباقون : لئن كانت النيابة أو الوكالة التبادلية تحظر على المدين المتضامن أن يقوم بما من شأنه الإضرار ببقية المدينين، فإن هذه النيابة أو هذه الوكالة تؤهله لأن ينوب عنهم في الأعمال التي تعود عليهم بالنفع. فمثل هذه الأعمال إذا صدرت عن أحد المينين المتضامنين يفيد منها بقية المدينين وتسري في حقهم. وتترتب على ذلك النتائج التالية :
آ- مطل الدائن لأحد المدينين المتضامنين ينتج أثره لصالح الآخرين (170).
ب- إذا صالح أحد المدينين المتضامنين الدائن وتضمن الصلح الإبراء من الدين أو أي سبب من أسباب انقضائه، فإن هذا الصلح يفيد منه سائر المدينين (الفصل 173).
على أن المشرع استثنى من هذه القاعدة صدور الحكم ضد الدائن لصالح أحد المدينين المتضامنين. فبالرجوع إلى الفصل 177 يتضح أن ” قوة الأمر المقضي به لا تنتج آثارها إلا بالنسبة إلى المدين الذي كان طرفا في الدعوى وذلك فيما يقضى به له وعليه، ما لم ينتج عكس ذلك من السند المنشئ للالتزام أو من طبيعة المعاملة “.
ثانيا : علاقة المدينين المتضامنين بعضهم ببعض
القواعد الأساسية التي تسود علاقة المدينين بعضهم ببعض : إن علاقة المدينين بعضهم ببعض تسودها أحكام الوكالة والكفالة (الفصل 178) ويمكن جمع هذه الأحكام حول القواعد الأساسية التالية :
1 ) رجوع المدين المتضامن الذي وفى الدين على الآخرين ؛
2) انقسام الدين بقوة القانون بين المدينين بنسبة حصة كل واحد منهم فيه ؛
3) تحمل المليئين الذمة من المدينين المتضامنين حصة المعسرين أو الغائبين منهم؛
4) التزام صاحب المصلحة في الدين وحده بكل الدين وسنبحث تباعا في مختلف هذه القواعد.
1) رجو ع المدين المتضامن الذي وفى الدين على الآخرين : التضامن بين المدينين لا يقوم إلا في العلاقة فيم بينهم وبين الدائن. أما في العلاقة المدينين بعضهم ببعض، فإن الدين ينقسم عليهم ويكون لمن وفى الدين منهم للدائن حق الرجوع على الآخرين كل بقدر حصته.
وحق الرجوع يثبت للمدين إذا وفى الدين فعلا أو قضى الدين نحو الدائن بطريقة تقوم مقام الوفاء كالوفاء بمقابل أو المقاصة، وهذا ما أشار إليه الفصل 179 بقوله :” المدين المتضامن الذي يؤدي الدين كاملا، أو الذي يترتب على وقوقع المقاصة بينه وبين الدائن انقضاء الدين بتمامه، لا يحق له الرجوع على الآخرين إلا بقدر حصة كل منهم في الدين”.
2 ) انقسام الدين بقوة القانون بين المدينين بنسبة حصة كل واحد منهم فيه : لقد نص الفصل 179 على أن ” الالتزام المتعاقد عليه تضامنيا تجاه الدائن ينقسن بقوة القانون بين المدينين “. فالمدين الذي وفى الدين لا يجوز له الرجوع على أي مدين آخر إلا بقدر حصته. ولتحديد هذه الحصة يجب الرجوع مبدئيا إلى السند المنشئ للالتزام التضامني والعمل بمقتضاه.
أما إذا لم يوجد اتفاق يعين حصة كل من المدينين المتضامنين في الدين، فإنه يتعين جعل الدين حصصا متساوية بين المدينين وذلك عملا بالمبدأ الوارد عليه النص في الفصل 961 وبمقتضاه ” عند الشك يفترض أن أنصباء الشركاء (في الشيء أو في الحق ) متساوية “.
3 ) تحميل المليئين من المدينين المتضامنين لحصص المعسرين أو الغائبين منهم : ورد في الفصل 179 أنه ” إذا كان أحد المدينين المتضامنين معسرا أو غائبا، قسمت حصته في الدين على بين كل المدينين الآخرين الموجودين والمليئي الذمة مع حفظ حق هؤلاء في الرجوع على من دفعوا عنه حصته. هذا كله ما لم يوجد شرط يقضي بخلافه “. فإذا دفع أحد المديين المتضامنين الدين كله وتعذر عليه الرجوع على أحد المدينين لإعساره أو لغيابه، فإن من حقه الرجوع على كل من المدينين المتضامنين الآخرين بحصتهم في الدين وبنصيبهم في حصة المعسر أو الغائب.
وبديهي أن المدينين الذين يتحملون نصيبا من حصة المدين المعسر أو الغائب يبقى لهم الحق في الرجوع على من دفعوا عنه حصته، ثم أنه إذا وجد شرط يقضي باستبعاد تقسيم حصة المدين المعسر أو الغائب على المدينين الآخرين الموجودين والمقتدرين، أو إذا وجد شرط يقضي بعدم تطبيق هذه القاعدة بحق البعض منهم، فإنه يعمل بهذا الشرط لأن هذه القاعدة ليست من متعلقات النظام العام وبوسع المدينين المتضامنين الاتفاق على ما يخالفها.
4 ) التزام صاحب المصلحة في الدين وحده بكل الدين : لقد نص الفصل 180 على أنه ” إذا كنت المعاملة التي من أجلها حصل التعاقد على الالتزام التضامني لا تخص إلا أحد المدينين المتضامنين، التزم هذا المدين تجاه الباقين بكل الدين، ولا يعتبر هؤلاء بالنسبة إليه إلا ككفلاء”. فمن هذا النص يتبين أنه قد يحصل أن لا يكون المدينون المتضامنون هم جميعا أصحاب مصلحة في الدين التضامني، بل تكون المصلحة عائدة لبعضهم دون الآخرين أو تكون المصلحة لأحد هم فقط، ففي هذه الحالة يبقى المدينون جميعا سواء من كان منهم صاحب مصلحة أو لا مسؤولين على وجه التضامن قبل الدائن الذي له أن يرجع على أي منهم بالدين كله.
أما فيما بينهم فيعتبر أصحاب المصلحة دائنين أصليين ويعتبر الباقون كفلاء. ونتيجة لذلك لا يتحمل الدين إلا صاحب المصلحة فيه.