الأحكام المتعلقة بالتجارة الدولية
مقدمة:
الأحكام المتعلقة بالتجارة الدولية
لكل من يعيش في عالمنا اليوم، يعلم أن التعاون الاقتصادي بين الأفراد والشعوب أصبح من السمات الأساسية لمواكبة تقدم وتطور العصر الحديث وبناء نظام اقتصادي عالمي جديد يروم تحقيق التنمية على جميع المستويات، وكذا الحاجيات المتبادلة بين جميع أقطاب العالم. خاصة بعد بزوغ فجر العولمة مع انتصار العالم الليبرالي نهاية القرن الماضي المؤسس على سياسة الانفتاح ورفع الحواجز وحرية السوق.
ومما لا جدال فيه أن عصب ومركز التبادل والتعاون الاقتصادي العالمي متمثل أساسا في ما يسمى بالتجارة الدولية، أو كما يصطلح عليها أيضا بالتجارة العالمية، أو التجارة الخارجية أي المبادلات التجارية في السلع والخدمات وغيرها من وسائل الإنتاج المختلفة بين عدة دول بهدف تحقيق منافع متبادلة لأطراف التبادل[1].
ولم تكن التجارة الدولية وليدة اليوم بل ظهرت مع نشأة الحضارات القديمة إذ مورست من قبل البابليين والفينيقيين والرومان وكذلك العرب… وقد لعبت التجارة الدولية على مر العصور دورا كبيرا في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية واستمرت حتى عصرنا الحالي[2].
إلا أنه لتقوم التجارة الدولية بدورها التاريخي كمحرك للنمو والتنمية لا بد من توافر بيئة اقتصادية عالمية مناسبة، ونظام تجاري عالمي مساند لعملية التنمية وتحسين شروط التبادل الدولي. والمتتبع لتطورات الاقتصاد الدولي يلاحظ أن هذه الشروط قد توافرت بدرجة معينة في الفترة الممتدة ما بين نهاية الحرب العالمية الثانية وبداية السبعينات بفضل الدور الهام الذي لعبته المنظمات والمؤسسات الدولية النقدية والتجارية والمالية[3].
كمؤسسة صندوق النقد الدولي التي أنشئت بموجب اتفاقية بريتون وودز عام 1944 للقيام بدور مالي في حل مشاكل النقد العالمية وخاصة تحقيق الاستقرار لأسعار الصرف وتخفيض القيود على الصرف الأجنبي وتوفير الموارد المالية اللازمة لمواجهة اختلال التوازن المؤقت فى ميزان المـدفوعات[4]. بالإضافة إلى مؤسسة البنك الدولي والتي أنشئت بموجب الاتفاقية نفسها وذلك سنة 1946 والذي هدفه اليوم تشجيع النمو الاقتصادي والاجتماعي في الدول النامية من خلال مساعدتها في زيادة إنتاجيتها[5].
وبالإضافة إلى المؤسسات النقدية والمالية التي أنعشت تقدم التجارة الدولية وتطورها كان لابد على العالم الاقتصادي الجديد أن يغني هذا التقدم والتطور بمجموعة من الاتفاقيات والهيئات والمؤسسات لتنظيم قطاع التجارة الدولية ووضع أسس وقواعد وأحكام لها تساعد العالم على ممارستها في شكل مقنن ومهيكل يساعد بشكل إيجابي وفعال في النماء الاقتصادي وتوسع رقعت التجارة الدولية بدون مشاكل تعرقل مسيرة التقدم الاقتصادي، بحيث بعد الحرب العالمية تم إنشاء “اتفاقية الجات[6]” لتقود العالم للانتعاش الاقتصادي والرخاء ولتكون إلى جانب صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي الدعائم الأساسية للاقتصاد الوطني.
إلا أنه مع سرعة التطور التجاري وزيادة المعاملات التجارية بين الدول أصبحت مقتضيات اتفاقيات الجات غير ملائمة وكافية لتنظيم المعاملات التجارية الدولية مما تمخض معه إنشاء مؤسسة جديدة وهي ما يعرف اليوم بالمنظمة العالمية للتجارة والتي أنشئت عقب مسيرة من المفاوضات والتي توجت باتفاق نهائي بمراكش في المغرب في أبريل 1994 شاركت في أعماله 120 دولة عضوا بالجات[7]، والتي ساهمت منذ تأسيسها في وضع وبلورة أسس وقواعد وأحكام التجارة الدولية إلى جانب الفعاليات الأخرى المهتمة بالميدان التجاري العالمي.
إذن ما هي الركائز والأسس والأحكام التي تقوم وتنهض عليها التجارة الدولية؟
المبحث الأول: الأحكام العامة للتجارة الدولية
لدراسة أي موضوع لأول مره يجب علينا قبل كل شيء أن نتحدث عن أحكامه العامة. وهذا ما قمنا به في هذا المبحث حيث قسمناه إلى مطليين خصصنا المطلب الأول للحديث عن ماهية التجارة الدولية بينما سنتطرق في المطلب الثاني لمصادر عقود التجارة الدولية.
المطلب الأول: ماهية التجارة الدولية
تعتبر التجارة الدولية من أهم جوانب العلاقات الاقتصادية الدولية، كونها تتعلق بالاعتماد المتبادل بين دول العالم وتمثل همزة الوصل بينها باختلاف سياساتها وقوانينها. الأمر الذي جعلنا نقسم هذا المطلب إلى فقرتين، نتناول في الأولى مفهوم قانون التجارة الدولية، بينما نخصص الفقرة الثانية لتحديد الخصائص المميزة له.
الفقرة الأولى: مفهوم التجارة الدولية
تعرف التجارة الدولية على أنها: فرع من فروع علم الاقتصاد الذي يختص بدراسة المعاملات الاقتصادية الدولية ممثلة في حركات السلع والخدمات ورؤوس الأموال بين الدول المختلفة، فضلا عن السياسات التجارة التي تطبقها دول العالم للتأثير في حركات السلع والخدمات بين الدول المختلفة[8].
وقد أدى تطور النشاط التجاري والذي أصبح عابرا للحدود إلى البحث عن منظومة قانونية قادرة على استيعابه في ظل مجموعة من المعطيات المتناقضة، فرفع الرهان لتجاوز كل الحدود الوطنية دون المس بسيادة أي دولة ما، يتحتم معه الحصول المسبق على رضا وقبول كل الدول بها من أجل سد الفراغات التشريعية في مجال التجارة الدولية، وتجاوز قصور المنهج التنازعي المبني على أساس قواعد الإسناد الوطني وعدم قدرته على الإحاطة بجميع مستجدات هذا النشاط الدولي، من هنا كانت النشأة التلقائية لقانون التجارة الدولية.
وقد جرى العرف على عقد الاختصاص في وضع التعاريف إلى كل من الفقه والقضاء لا التشريع، ومع ذلك فمن خلال البحث في موضوع قانون التجارة الدولية لم نعثر على تعريف موحد لهذا القانون، وذلك راجع لكون اهتمام الفقه المختص بالموضوع انصب بالأساس على جوانب قانونية تقنية وعلمية لهذا القانون أثارت انتباهه أكثر من اكتراثه بوضع تعريف دقيق له، كما يمكن أن يعزى ذلك من جهة أو لى إلى طبيعة العلاقات والروابط القانونية التي يشملها قانون التجارة الدولية بالتنظيم. وإلى الظرفية التي اقترنت بالدعوة الملحة والمستعجلة على الصعيد الدولي، لإفراز قانون خاص بالعلاقات التجارية الدولية الخاصة من جهة ثانية.
خاصة مع ظهور اتجاهات فقهية متضاربة في موقفها تجاه العقد الدولي، إذ توجهت المدرسة الشخصية نحو الدعوة إلى الأخذ بفكرة -العقد بلا قانون- القائمة على أساس تحرر العقد الدولي من سلطان القوانين الداخلية في حالات معينة استجابة لظروف التجارة الدولية. في حين أكدت المدرسة الموضوعية على ضرورة خضوع العقود الدولية لأحكام تنازع القوانين، بما يؤدي إليه ذلك من وجوب إخضاعها لقانون دولة معينة.
وانطلاقا من ذلك أعطيت العديد من التعاريف لقانون التجارة الدولية، فقد ذهب اتجاه فقهي إلى تعريف قانون التجارة الدولية على أنه: مجموعة من القواعد الموضوعية والمادية المستقاة من مصادر متعددة، وتقدم تنظيما قانونيا وحلولا ذاتية لمعاملات التجارة الدولية على نحو يجعل منها قانونا خاصا مستقلا عن القانون الذي يحكم الروابط الداخلية البحثة.
وذهب اتجاه أخر إلى أن قانون التجارة الدولية يهتم بوضع قواعد قانونية يكون موضوعها العمليات التجارية التي يقوم بها الأشخاص قصد حماية مصالح توجد في بلدان مختلفة. وهكذا فإن قانون التجارة الدولية محدد ويضبط مجموع القواعد القانونية التي يتبعها من يقوم بنشاط تجاري دولي.
وهناك اتجاه يرى فيه أصحابه أن قانون التجارة الدولية هو: ذلك القانون الذي يضع مباشرة تنظيما خاصا مستقلا عن كل قانون داخلي، لبعض العلاقات القانونية بالنظر إلى صفتها الدولية.
ويرى اتجاه أخر بأن هذا القانون يتكون من مجموع العادات والأعراف التجارية والمهنية التي تنشأ بطريقة تلقائية بين المتعاملين على مسرح التجارة الدولية، والتي وإن تمتعت بالقوة الملزمة فإن ذلك لا يعني أن القانون التجاري الدولي قد أصبح نظاما قانونيا متكاملا[9].
وانتهت الأونسيترال لتعريف قانون التجارة الدولية بأنه: مجموعة القواعد التي تسري على العلاقات التجارية المتصلة بالقانون الخاص، والتي تجري بين دولتين أو أكثر.
فقانون التجارة الدولية نظام قانوني جديد ومستقل عن النظم القانونية الوطنية، وعن نظام القانون الدولي العام يؤدي إلى التخلي عن القانون الوطني الذي لا يلائم علاقات التجارة الدولية، فهو ينظم العلاقات التجارية بين أطراف تعاقدية توجد منشأتهم في دولتين أو أكثر ويحكم المعاملات التجارية ذات الصبغة الدولية[10].
وتقودنا هذه التعاريف إلى العديد من الاستنتاجات، أو لها أن هناك اتجاهين بخصوص تعريف قانون التجارة الدولية، اتجاه يعطي تعريف ضيق لهذا القانون بحيث يجعله مقتصرا على القواعد الموضوعية التي تقدم حلولا مباشرة، وهي قواعد نابعة من الممارسات التجارية والمهنية والدولية، والتي اكتسبت نوعا من الاستقرار مما جعل تطبيقها في أو ساط التجارة العابرة للحدود أمرا تلقائيا يزكيه احتضان هيأت التحكيم لها.
أما الاتجاه الثاني، فهو الذي يعطي تعريفا موسعا لقانون التجارة الدولية، بحيث يضم هذا الأخير إضافة إلى القواعد الموضوعية أو المادية، قواعد التنازع الموحدة والتي تحدد القانون الواجب التطبيق على العقود التجارية الدولية، وهي قواعد مستقلة عن قواعد الإسناد الوطنية[11].
الفقرة الثانية: خصائص قانون التجارة الدولية
يتميز قانون التجارة الدولية بالعديد من الخصائص تجعل منه قانونا له طابعه المتميز عن باقي القوانين الوطنية، سواء تلك التي تجعل منه منظومة قانونية متميزة عن باقي القوانين الأخرى، والتي تعرف بالخصائص الذاتية لقانون التجارة الدولية (أو لا)، إلى جانب خصائص القواعد القانونية المشكلة لقانون التجارة الدولية (ثانيا).
أولا: الخصائص الذاتية
إن قانون التجارة الدولية ذو طابع خاص ومتميز، ناتج عن كونه قانونا متعدد الاختصاصات، ومدعو لتأطير المعاملات القانونية الدائرة في شكل تعاقدات دولية مرتبطة بالتجارة الدولية. كما يعتبر من جهة ثانية منبعا للحلول العملية لبعض الممارسات التي تفتقد إلى إطار قانوني، ومن جهة ثالثة فهو قانون يضم إلى جانب القواعد الموضوعية ذات التطبيق المباشر مجموعة أخرى من قواعد التنازع ذات الطابع الدولي التي لا يمكن استثناؤها باعتبارها حلا للتنازع القانوني والقضائي في ميدان عقود التجارة الدولية[12].
وتكمن ذاتية قانون التجارة الدولية في إجماع أغلب المهتمين على أنه قانون من التجار وإلى التجار، أي أن مجتمع التجار الدوليين له دور فعال في خلق قواعده، ويرجع الدور الفعال للتجار الدوليين في خلق قواعد قانون التجارة الدولية لطبيعة مجتمع التجار الدوليين المتشكل من مجموع الفاعلين في حقل التجارة الدولية، إذ رغم وجود منافسة محتدمة بين أفراده فإن ذلك لم يمنعهم من المساهمة في تنظيم العلاقات الدائرة داخله إذ يسهم هذا المجتمع في وضع قواعده القانونية من خلال الاعتماد على منهجين، يتجلى الأول في المساهمة الفعلية للتجار الدوليين، سواء من خلال مؤسسات مختصة (كمجموعات مهنية أو معاهد خاصة) أو بكيفية فردية في وضع قواعد قانونية ترمي إلى تنظيم المعاملات التجارية الدولية، وذلك بالاعتماد على أساليب قانونية مختلفة كالعقود النموذجية أو الاتفاقيات والتنظيمات القطاعية والمهنية[13].
ثانيا: خصائص القواعد المشكلة لقانون التجارة الدولية
أ- قواعد آمرة ملزمة ومقترنة بجزاء
إن كل نظام قانوني هدفه تنظيم مصالح أفراد مجتمعه، وقانون التجار الدولي نظام قانوني ينظم مصالح الأفراد الذين يكونون مجتمع التجار ويلتزمون بقواعده، ويحسون بإلزاميتها ويطبقونها، ويمتثلون لها نظرا لكونها تخدم مصالحهم. وإذا كانت القاعدة القانونية في القوانين الوطنية ملزمة للأفراد في مجتمع معين، فهي قبل كل شيء مفروضة عليهم حتى ولولم يرغبوا في تطبيقها، لكن أفراد مجتمع التجار تجمعهم مصالح مشتركة، وهذه المصالح هي السبب المباشر في رضا التجار على تطبيق تلك القواعد، والتي يعتبرون هم أنفسهم مصدرها[14].
فقد استطاع هذا المجتمع في إطار صيرورة تاريخية غير قصيرة أن يتجاوز المفهوم القانوني المألوف للجزاء والعقاب الذي يقترن بسلطة الدولة عن طريق إقرار جزاءات يحتفظ هذا المجتمع لنفسه بحق إنزالها على كل مخالف لقواعد قانونه، سواء بشكل تلقائي ودون حاجة الى سلطة رادعة معينة أو بواسطة يد قضائه المتميز والمتمثل في التحكيم الدولي كجهاز قضائي خاص، إذ أن أغلب الدول أفرزت قوانين خاصة للتحكيم التجاري بتحديد إجراءاته الشكلية والقانون واجب التطبيق فيه. إضافة الى تنظيم أهم جزء خاص بنظام التحكيم والمتمثل في تنظيم وتحديد الآليات القانونية للاعتراف بالقرارات التحكيمية وتنفيذها. وهوما أعطى للقضاء الوطني فرصة المساهمة غير المباشرة في ضمان صفة الإلزام تحت طائلة الجزاء لقواعد التجارة الدولية من خلال التأشير على القرارات التحكيمية بالصيغة التنفيذية[15].
ويتميز قانون التجارة الدولية باشتماله على جزاءات متنوعة تعمل على احترام قواعدها، وهي جزاءات لا تختلف عن الجزاءات المقررة لمخالفة القواعد القانونية في التشريع الوطني. إلا أنها ملائمة للقواعد التي تحكمها، وبعضها جزاءات مالية، توقعها هيئات التحكيم على الطرف الذي يخل بالتزاماته أو جزاءات معنوية تمس بسمعة الطرف الذي لا أخل بالالتزامات الملقاة على عاتقه وبعض الجزاءات قد تتمثل في حرمان المخل من بعض الحقوق كعدم التعامل في البورصات الدولية، أو عدم ارتياد الأسواق العالمية[16].
ب- التجريد والعموم
فقواعد قانون التجارة الدولية وعلى الرغم من طابعها التقني فإنها لا تخاطب بائعا أو مشتريا بذاته، أو تخص نازلة بعينها. فهي كسائر القواعد القانونية تهم أو ضاعا قانونية تدعو الى تطبيقها من جراء حالة العود إليها مما جعل منها مرجعية قانونية اكسبتها حالة التكرار صفة العموم والتجريد. وقد ساهم في ذلك اعتماد أجهزة التحكيم عليها لفض النزاعات المعروضة على أنظارها، انطلاقا من وجود تراضي دولي حولها[17].
ج- الثبات والاستقرار
إن الاستقرار والثبات الذي تتمتع به قواعد القانون بصفة عامة لا يمكن أن يكون هو نفسه بالنسبة لقواعد قانون التجارة الدولية. وأساس ذلك هو تفاعل هذه القواعد مع أكثر من قانون وطني واحد، ومع أكثر من وسط تجاري واحد، مما يتطلب تحيينا مستمرا وتلقائيا لأحكامها، ولعل هذا ما يجعلها أقل استقرارا وثباتا عن مثيلاتها في القوانين الوطنية وإن كان هذا لا يعني بالتأكيد نزع هاتين الصفتين عنها بكيفية مطلقة.
فالطبيعة الخاصة لقانون التجارة الدولية، هي التي تفرض ضرورة مسايرة قواعده لتطور هذا النشاط مما يترتب عليه انخفاض درجة استقرارها وثباتها[18].
المطلب الثاني: مصادر وعقود التجارة الدولية
من المعروف أن التجارة الدولية هي عملية تبادل السلع والخدمات بين الدول، وبذلك فالتجارة الدولية تختلف عن التجارة المحلية التي تتم داخل البلد الواحد، وبالتالي فهي تختلف عنها في مجموعة من النقاط مثل المصادر والعقود، لذا سنتطرق في هذا المطلب لمصادر قانون التجارة الدولية (الفقرة الأولى) ثم لعقود التجارة الدولية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: مصادر التجارة الدولية
المصدر عموما هو منبع الشيء وأصله الذي يستمد منه وجوده وكيانه، واعتمادا على هذا المفهوم، وانطلاقا من الطبيعة الدولية لقانون التجارة الدولية سنحاول الوقوف على أهم مصادر هذا القانون قسمين هذه الفقرة المصادر الوطنية للتجارة الدولية (أو لا) تم المصادر الدولية (ثانيا).
أولا: المصادر الوطنية للتجارة الدولية
سنحاول دراسة المصادر الوطنية من خلال التشريع الوطني، والقضاء الوطني.
أ- التشريع الوطني كمصدر لقواعد قانون التجارة الدولية
إذا كانت كل دولة تملك بديهيا سلطة التشريع داخل ترابها، فإنه من الصعب عليها ممارسة هذا الاختصاص بشأن تصرفات قانونية تتجاوز حدودها الإقليمية لتصطدم باختصاص قانوني لدولة أخرى. لذلك كان لزاما لإيجاد قواعد قانونية تنظم العلاقات التجارية العابرة أن تغير تلك الرؤية التقليدية إلى الدولة من الداخل والتي تجعل منها وحدة قانونية ذات سيادة، إلى نظرة حديثة من الخارج، تنظر إلى الدولة باعتبارها عضوا داخل اتحاد دولي له نظامه الخاص والمستقل عن الأنظمة الوطنية لكل دولة على حدة، وهوما يجعل كل دولة مدعوة لأن تحاول بشكل تلقائي، المساهمة في تشكيل قانون التجارة الدولية[19].
والملاحظ قواعد قانون التجارة الدولية يمكن أن تصدر من داخل الدولة ذاتها باعتبارها أحد حلقات سلسلة التجارة الدولية، ويتجلى ذلك من خلال مجموعة من المظاهر القانونية الوطنية تختلف بحسب كل دولة ومدى تطور قانونها وطبيعة التوجه التشريعي والقضائي داخلها.
وانطلاقا من ذلك أمكننا الوقوف على أهم وسيلة قانونية يمكن استغلالها على الصعيد الوطني، إن صياغة قواعد قانون التجارة الدولية أو استقرارها، ويهم الأمر هنا أحد أهم المبادئ القانونية العريقة، وهو مبدأ سلطان الإرادة.
وقد ذهب الفقه إلى أنه إذا كان المقصود باصطلاح سلطان الإرادة في المجال القانوني بصفة عامة هو اعتبار الإرادة مصدرا ومعيارا للحقوق الشخصية بوصفه الأداة الخالقة للقانون مما ينبثق عنه في المجال القانوني الداخلي عدة مبادئ هامة مثل حرية التعاقد واحترام إرادة المتعاقدين في تفسير وتنفيذ العقد، فإن أهم النتائج المترتبة على سلطان الإرادة في مجال القانون الدولي الخاص هي قدرة المتعاقدين على اختيار قانون العقد، بل ونعتقد أن هذه القدرة الأخيرة تتعدى مجرد الاختبار إلى حد خلق قواعد قانون التجارة الدولية.
ومن هذا المنطق، يعتبر مبدأ سلطان الإرادة، وما يتفرع عنه من قواعد كالعقد شريعة المتعاقدين، والذي لا يخلو أي تشريع وطني منه، ومن المبادئ القانونية التي تؤهل التشريع الوطني ليحتل مكانه كمصدر من مصادر قواعد قانون التجارة الدولية.
وهذا ما أكده المشرع المغربي من خلال دور الإرادة في خلق الالتزامات بمقتضى الفصل 230 من قانون الالتزامات والعقود وهوما يعني أن الإرادة قادرة على المساهمة في خلق واستقرار قواعد قانون العقد، وبالتالي تعتبر مصدرا له، سواء تعلق الأمر بمعاملة داخلية أو دولية، ولكن دائما في ظل القانون وداخل الحدود التي يرسمها.
لكن مع ذلك نلاحظ أن القانون الوطني المغربي لازال محتشما بخصوص الاعتراف الصريح بقدرة الإرادة على تنظيم المعاملات التجارية الدولية علي نحو يجعلها قادرة على المساهمة في خلق استقرار قواعد قانون التجارة الدولية.
ب- دور القضاء الوطني في خلق وتكريس القواعد الموضوعية لقانون التجارة الدولية
لقد ساهم القضاء الوطني عموما في صياغة قواعد قانون التجارة الدولية، ونشير في هذا الصدد إلى أن القضاء الفرنسي عمد إلى إقرار مجموعة من القواعد الموضوعية التي كانت التجارة الدولية في أمس الحاجة إليها، ونخص بالذكر القاعدة التي تعطي لأطراف الرابطة العقدية الدولية الحق في اختيار عملة الحساب.
أما بالنسبة لمساهمة الاجتهاد القضائي المغربي في مجال اغناء التجارة الدولية على وجه العموم، ولو فقط عن طريق العمل على استقر بعض المبتدئ النابعة من أعراف الأوساط التجارية الدولية فيمكننا أن نورد المثال التالي:
قرار المجلس الأعلى سابق، محكمة النقض حاليا عدد 1604[20] والذي أكد فيه ما ذهبت إليه محكمة الاستئناف بالبيضاء التي كانت قد استخلصت في حدود سلطتها الموضوعية أن العرف جرى من قديم على قبول النقص اليسير والتلف البسيط الناتج عن طبيعة البضاعة، والذي لا تتجاوز نسبته %50 بالمائة سواء تعلق بعقد نقل بحري دولي أو داخلي[21].
ثانيا: المصادر الدولية لقانون التجارة الدولية
إن الحديث عن المصادر الدولية للتجارة الدولية يقتضي منا التطرق لمجموعة من النقاط وهي كالتالي:
أ- التحكيم التجاري الدولي
قديما قال أرسطو فيلسوف اليونان في بريطانيا، أن أطراف النزاع يستطيعون تفضيل التحكيم عن القضاء، ذلك لأن المحكم يرى العدالة، بينما لا يعتد القاضي إلا بالتشريع، ولعل هذا الأمر هومن يبن أسباب تفضيل المجتمع التجاري الدولي لقضاء التحكيم على القضاء النظامي.
وإذا كان في الأصل أن التحكيم هو عمل اختياري يلجأ إليه أطراف العلاقة العقدية بشكل إرادي في إطار ممارستهم التعاقدية، فإن السؤال الذي تبادر إلى أذهاننا ونتناول التحكيم التجاري الدولي كمصدر من مصادر قانون التجارة الدولية هو إلى أي حد يمكن اعتبار هذا التحكيم بالفعل عملا اختياريا في ميدان التجارة العالمية؟ ونظن أن تبرير وضع هذا السؤال، هو ما راودنا من حيرة بخصوص باعتبار اختيار إرادي صادر عن أشخاص القانون، يكمن في حل النزاع المرتبط بالتجارة الدولية عن طريق الاحتكام إلى هيئة معينة، يشكل مصدر لقانون مدعو للانطباق مع الأوضاع القانونية المترتبة عن تصرفات عقدية لهذه الأشخاص، إن المسألة في ظننا تؤكد على الطابع المعقد لحقل التجارة الدولية، إذ لكي يمكن اعتبار التحكيم التجاري الدولي مصدرا دوليا لقانون التجارة الدولية، لابد له من نوع من الاستقلال الذي يبعده من طابع الاختيار، ويضفي عليه طابع الإلزام، وبالتالي تنتفي التلقائية عن القواعد الصادرة أو المستقرة لدى هيأة التحكيم التجاري الدولي.
الأمر يقودنا للكشف عن حقيقة مهمة مرتبطة بهذا التحكيم والتي تجعل منه خاصة في الوقت الراهن إذعانا بالنسبة لأطراف العلاقات التجارية، وهذا أمر يمكن ملامسته من خلال تضمن غالبية العقود النموذجية الدولية لبند خاص بالتحكيم، إضافة إلى التوجه التشريعي الوطني لدى كثير من الدول نحو إجازة هذه سواء بكيفية واضحة كما هو الأمر بالنسبة للتشريع المصري أو الفرنسي، أو بكيفية ضمنية من خلال المصادقة على اتفاقيات دولية خاصة بالتحكيم التجاري الدولي، كما هو الشأن بالنسبة للمغرب[22]. وبالتالي أصبح اللجوء للتحكيم لفض نزاعات مرتبطة بالتجارة الدولية أمرا بديهي، يخفي في طياته ثلاثة حقائق رئيسية:
- إجماع وتوافق (خفي) دولي على إبعاد القضايا المتعلق بالتجارة الدولية من ساحات القضاء وقصور القواعد الوطنية.
- إضفاء الشرعية على القواعد الموضوعية ذات التطبيق المباشر، والذائعة الصيت وسط التجار الدوليين من خلال اعتمادها من طرف المحكمين.
- تغليب المنهج الموضوعي على المنهج التنازعي في مجال فض النزاعات الدولية وهوما أهل التحكيم التجاري الدولي للعب دوره، كأحد المصادر الدولية لقانون التجارة الدولية إن لم نقل أهمها.
وعلى هذا النحو أصبح مع مرور الوقت، ما كان في الأصل اختياريا، مصدرا مستقلا ووسيلة لمنح بعض القواعد ذات النشأة التلقائية والمرتبطة بالممارسات والعادات التجارية الدولية، بالصفة القانونية التي تضمن لها القبول والشيوع كقواعد قانونية ملزمة. وقد تم تدعيم هذا الدور للتحكيم بتبني قاعدة موضوعية لعب القضاء الوطني دورا مهما في تكريسها وتتمثل في استقلال شرط التحكيم في العقد الأصلي.
وعلى هذا النحو استطاع التحكيم الدولي أن يكتسب مكانة مهمة في الوقت الراهن.
ب- العادات والأعراف التجارية الدولية والعقود النموذجية
تنص الفقرة الثامنة من الفصل الأول من مبادئ العقود التجارية الدولية الصادرة عن المعهد الدولي لتوحيد القانون الخاص على ما يلي:
- يلزم الأطراف بالأعراف والعادات التي على أساسها تم التعاقد، وكذلك بالعادات التي تسري بينهم.
- كما يلزم الأطراف بالأعراف التجارية الدولية التي اكتسبت اعترافا دوليا بها، والتي عادة ما يتم إدراجها في عقود خاصة بمعاملة معينة ما لم يثبت عدم صلاحيتها.
وباعتبار أن هذا المبدأ المقرر في هذه المادة يصلح لأن يسري على جميع عقود التجارة الدولية وفقا لديباجة هذه المبادئ، يمكنا أن ننتبه إلى أننا أمام مصدر مهم لقواعد قانون التجارة الدولية.
ولا نظن أن هذا الأمر بجديد باعتبار أن العرف يعد مصدرا معترفا به في الفقه والقضاء والتشريع كمصدر أصيل للقاعدة القانونية، وطالما أن العادة التجارية استطاعت بتدعيم من إرادة الأطراف أو لا، وتزكية أجهزة التحكيم التجاري الدولي ثانيا، من أن ننتقل من مجرد شروط عقدية لا تملك سلطة إلزام في ذاتها إلا من خلال إدراجها في صلب العقد، إلى عادات تجارية ذات صفة قانونية، وعلى الرغم من أن هناك من يعارض على الصفة القانونية للعقد، فإن واقع التجارة الدولية يؤكد سيادة كل من الأعراف والعادات التجارية الدولية في تنظيم الروابط العقدية الدائرة في مجتمع التجار الدولي.
والخلاصة التي يمكن أن نخرج بها هي أن واقع المعاملات القانونية في ساحة التجارة الدولية، يؤكد خضوع هذا النوع من المعاملات إلى قواعد نابعة من أعراف تجاري دولية تتعدد بحسب نوع المعاملة، وتطبق ما لم يتم استبعاده بصريح العبارة.
ج- الاتفاقيات الدولية
تعتبر الاتفاقيات الدولية أهم مصادر قانون التجارة الدولية، وترجع هذه الأهمية إلى المكانة التي تحتلها من ضمن مجوعة من القواعد القانونية المؤطرة للنشاط التجاري الدولي من جهة، وتفضيل الفاعلين الاقتصاديين إلى إخضاع عقودهم لها من جهة أخرى.
إن الاتفاقيات الدولية في الأصل عملية تشريع مشتركة تسهل النشاط التجاري الخاص الدولي حسب ما تتضمنه قواعد ودرجة الإقبال عليها، ومن ثم يخرج من إطار الاتفاقيات الدولية التي تعتبر مصدرا لقانون التجارة الدولية الاتفاقيات المبرمة بين الدول بهدف تسهيل المبادلات التجارية بينها وبين تحديد حجمها، أو التسهيلات أو الإعفاءات الجمركية التي قد يتفق عليها مثل اتفاقية الكات.
وعن طريق الاتفاقيات الدولة اتخذ العمل التشريعي لقواعد قانون التجارة الدولية ثلاثة أبعاد رئيسية وهي:
- البعد الثنائي: يتجلى في الاتفاقيات التي تبرم بين دولتين من أجل ضبط أثر المعاملات الخاصة الدولية.
- البعد الجهوي أو الإقليمي: إذ أن المصالح الاقتصادية المشتركة بين مجموعة من الدول التي اختارت توحيد جهودها لتوفير إطار قانوني واضح…. للتصرفات العقدية المرتبطة بالتجارة الدولية.
- البعد الدولي: والمتمثل في مساهمة هذه الاتفاقيات الدولية في الحد من مشكلة تنازع القوانين سواء بتحديد قواعد التنازع الموحد، والواجبة التطبيق، أو من خلال وضع القواعد القانونية الموضوعية القادرة على تقديم… المباشرة.
والخلاصة أن الاتفاقيات الدولية استطاعت بما تقدمة من قواعد مفيدة تحسين سير النشاط التجاري الدولي أن تحتل المكانة الأو لى ضمن مصادر قانون التجارة الدولية.
د- المبادئ القانونية المشتركة وقواعد العدالة
إذا كان من المقبول على الصعيد الوطني، أن يستند القاضي في تعليل حكمه إلى المبادئ القانونية المشتركة، وقواعد العدالة، باعتبارها مصدرا من مصادر القاعدة القانونية. فإن السؤال الذي يلح علينا يتمحور حول إمكانية اعتبار المبادئ القانونية المشتركة وقواعد العدالة مصدرا لقواعد قانون التجارة الدولية.
وقبل أن نحأو ل الإجابة عن هذا السؤال، نرى ضرورة بيان أو جه الترابط ما بين المبادئ القانونية، وقواعد العدالة التي علينا تنأو لها في منزلة واحدة كمصدر من مصادر قانون التجارة الدولي. فإذا كانت المبادئ العامة للقانون هي في الأصل مجرد مبادئ مشتركة بين القوانين الداخلية المختلفة ولا تتمتع بخصوصية تجعلها عن هذه القوانين، فإن القاسم المشترك بينها مبدئيا اتصافها بصفة العدالة، بمعنى أنها مبادئ قانونية مشتركة عادلة.
وعليه، فإن قواعد العدالة والبادئ القانونية المشتركة في بعدها الدولي الذي يجعلها مرتبطة بقانون التجارة الدولية، تشكل بالفعل مصدرا لقواعد هذا القانون، وتجسيدا لواقع عملي لا يمك تغييبه[23].
وبعد أن تطرقنا لأهم المصادر الوطنية والدولية سننتقل للحديث عن بعض نماذج عقود التجارة الدولية في الفقرة الثانية.
الفقرة الثانية: عقود التجارة الدولية
بعد التعاقد على بيع البضاعة وفق المصطلح الذي تم اختياره، تأتي مرحلة ثانية وهي مرحلة نقل البضاعة، والتي قد يتم تسديدها للعملة الوطنية أو الأجنبية. ونظرا لأهمية النقل فهو إما أن يكون بحريا أو جويا أو بريا أو النقل المتعدد الوسائط، ونحن سنقتصر على النقل البحري تم النقل الجوي.
أولا: النقل البحري
يعتبر عقد النقل البحري من العقود ذات الطابع الدولي نظرا لارتباطه بالملاحة البحرية التي تقوم بها السفن.ولقد تناول المشرع المغربي عقد النقل البحري في القسم الأول من الكتاب الأول من قانون التجارة البحرية لسنة 1919، بحيث خصص له ثلاثة أبواب[24]، ويتميز هذا العقد بعدة خصائص سواء من حيث طريقة التعاقد أو من حيت الآثار المترتبة عليه أو من حيث أطرافه، كما ينتج عنه عدة أثار.
أ- خصائص عقد النقل البحري للبضائع
يعتبر عقد النقل البحري من العقود الرضائية، إذ يكفي لقيامه توافق إرادتين متطابقتين، فهو ليس بعقد عيني يشترط لقيامه تسليم الشيء المراد نقله بحرا، ولا يعتبر عقد شكلي، ويعتبر هذا العقد كذلك من عقود الإذعان، بحيث ينفرد الناقل البحري بتحديد مضمونه.
ومن خصائص هذا العقد كذلك نجد أنه عقد ملزم للجانبين، فهو يرتب التزامات متبادلة في ذمة الطرفين، كما أنه عقد فوري، أي ينشأ وينتج آثاره في لحظة واحدة ولو طال الزمن المطلوب واللازم لتنفيذ العقد خلاله مادام يتم دفعة واحدة، لذا نستنتج أنه ينقضي بمجرد تقديم الطرفين لأداءيهما.
ومن الملاحظ أن عقد النقل البحري لا يخضع لحرية الإثبات المقررة في المواد التجارية، ودليل ذلك هو الفصل 207 من القانون البحري الذي ينص على أن عقد النقل البحري يثبت بتذكرة شحن، أو بأي محرر آخر، وذلك يعني أن يتم الإثبات كتابة مع استبعاد وسائل الإثبات الأخرى كاليمين…
وبالنسبة لأطراف هذا العقد نجد اتفاقية الأمم المتحدة لنقل البضائع بالبحر لعام 1978 قد عرفت كل من الناقل والناقل الفعلي والشاحن أو المرسل إلية، حيث عرفت أشارت في الفصل الأول من الاتفاقية في فقرته الأولى إلى أن المقصود بالناقل هو كل شخصا أبرما عقدا، أو أبرم لاسمه عقدا مع الشاحن لنقل بضائع بطريق البحر. كما أشارت الفقرة الثانية من نفس الفصل إلى أن المقصود بالناقل الفعلي كل شخص عهد إليه الناقل بتنفيذ نقل البضائع أو بتنفيذ جزء من هذا النقل ويشمل كذلك أي شخص آخر عهد إليه بهذا التنفيذ.
وعرفت الفقرة الثالثة من نفس الفصل الشاحن بأنه كل شخص أبرم مع الناقل عقدا أو أبرم باسمه أو نيابة عنه مع الناقل عقدا لنقل بضائع بطريق البحر، أو كل شخص يسلم البضائع للناقل تسلم بالفعل البضائع باسمه أو نيابة عنه للناقل في إطار عقد النقل البحري. وأخيرا أشارت الفقرة الرابعة من نفس الفصل إلى أن المقصود بالمرسل إليه هو الشخص الذي له الحق في تسلم البضائع.
ومن الأطراف كذلك نجد الوسطاء البحريون أو الوكلاء البحريون، وهم كل الأشخاص يقومون بكل عمليات التحميل والتوزيع ويقومون بإحصاء طرود الشاحنات ويقومون بتسجيل حالة البضائع وإجراء بعض التحركات قصد علاج بعض المواقف التي تدعو إليها الضرورة[25].
ب- أثار عقد النقل البحري للبضائع
يترتب على عقد النقل البحري للبضائع التزامات ومسؤوليات على عاتق كل من الناقل أو على عاتق الشاحن.فبخصوص التزامات الشاحن، يلتزم هذا الأخير بتغليف البضاعة بشكل يجعلها تحافظ على جودتها أثناء الرحلة البحرية بالشكل المعتاد، ما لم يجري العرف التجاري أو العادة أو الاتفاق على غير ذلك، كما أنه على الشاحن أن يقوم بإيصال البضائع إلى الميناء المتفق عليه وفي الوقت المحدد لذلك هذا بالإضافة إلى التزامات أخرى.
وإذا تعلق الأمر بنقل بضائع خطيرة، فإنه ينبغي وضع علامات بارزة وبلون مميز، أو أشكال هندسية تنبه الربان ليتأتى له وضع مثل هذه البضائع بأماكن خاصة أثناء عملية الرص، ونقل البضائع الخطرة منظمة في المغرب بمقتضى القرار الوزاري المؤرخ ف 15/4/ 1945 والذي أدخلت عليه تعديلات.
ولقد نص الفصل 226 من القانون البحري على أن الشاحن الذي لم يشحن كمية البضائع المتفق عليها يكون ملزما بأداء أجرة النقل بكاملها. كما يكون ملزما علاوة على ذلك بأداء الصوائر التي اضطرت السفينة إلى أدائها بسبب كل شحن مشترط في العقد، إلا أنه مقابل ذلك يجب أن تسقط لفائدته الصوائر التي وفرت على السفينة بسبب عدم الشحن وكذلك ثلاثة أرباع أجرة نقل البضائع التي شحنت عوضا عن البضائع المتفق عليها[26].
أما بالنسبة لالتزامات الناقل البحري فتتمثل في تنفيذ عملية النقل، وهذا الالتزام تتفرع عنه عدة التزامات منها ما يتعلق بالسفينة، إذ يلتزم الناقل بوضع سفينته الصالحة للملاحة تحت تصرف الشاحن حتى يقوم هذا الأخير بعملية الشحن، ومنها ما يتعلق بالبضاعة ورصدها ونقلها وحفظها والعناية بها وتفريغها.
ثانيا: عقد النقل الجوي
يعتبر عقد النقل الجوي للبضائع من بين الوسائل السريعة التي يلجأ إليها البعض التجار لنقل بضاعتهم من دولة لأخرى.
كما أن النقل الجوي قد ينصب على تأجير الطائرة بأكملها أو جزء منها حسب حجم البضاعة والكمية المنقولة وحسب حجم الطائرة.
ويتم إنزال البضائع بالمطارات الدولية أو الداخلية، وقد أشار الفصل 55 من مدونة الجمارك والضرائب الغير المباشرة إلى أنه لا يمكن أن تنزل الطائرات التي تقوم بالملاحة الدولية إلا بمطار دولي معاذ في حالة طرأت قوة قاهرة أو إنجاز عملية مساعدة إنقاذ[27]. ويخضع النقل الجوي للبضائع لتشريعات محلية ودولية، فعلى المستوى الداخلي صدر مرسوم تنظيم الملاحة الجوية المدنية بتاريخ سابع صفر 1382 هجرية الموافق للعاشر من شهر يونيو1962.
وعلى المستوى الدولي هناك عدة اتفاقيات منها ما انضم إليها المغرب، ومنها من لم ينضم إليها ومن بين الاتفاقيات التي انضم إليها نجد اتفاقية فارسوفيا المؤرخة في 12 أكتوبر 1929 التي انضم إليها المغرب بموجب ظهير 8 يناير 1958 والتعديلات التي أدخلت عليها بمقتضى بروتوكول لاهاي بتاريخ 28 شتنبر 1955، والذي انضم إليه المغرب بموجب ظهير 16 فبراير 1977.
بالنسبة لأطراف هذا العقد نجد الناقل الجوي والشاحن، إذ يرتبط هذا الأخير بالناقل الجوي بواسطة بوليصة الشحن والتي يحررها المرسل أو الناقل في ثلاث نسخ، توقع النسخة الأو لى من طرف المرسل ويحتفظ بها الناقل، وتوقع النسخة الثانية من طرف الناقل والمرسل، وتوجه البضاعة إلى المرسل إليه، أما النسخة الثالثة فتسلم للمرسل عند قبول نقل البضاعة، وتوقع من طرف الناقل، هذا الأخير الذي من بين الالتزامات التي تقع على عاتقه بعد إيصال البضاعة المنقولة وتفريغها بمطار الوصول، وإشعار المرسل إليه بوصولها.
المبحث الثاني: التأطير القانوني لعقود التجارة الدولية بين الإشكالات والحلول
رغم محاولة الدول لحل مشاكل التجارة الدولية الحديثة سواء من خلال تشريعاتها الداخلية أو من خلال ما تبرمه مع غيرها من الدول الأخرى من اتفاقيات لتنظيم حاجيات تلك التجارة، فإنها عجزت عن ملاحقة أنماطها الحديثة، وذلك يعود إلى مجموعة من الإشكاليات المرتبطة بالتنظيم القانوني المنظم لعقود التجارة الدولية (المطلب الأو ل) الشيء الذي حتم على الدول البحث عن الحلول الملائمة لتنظيم هذه العقود بشكل يلبي حاجيات التجارة الدولية (المطلب الثاني).
المطلب الأول: إشكالات التأطير القانوني المنظم لعقود التجارة الدولية
أمام الضرورات الاقتصادية الملحة التي أخفقت الدول في السيطرة عليها وتوجيهها وإزاء عجز الأنظمة الداخلية عن التنظيم الانفرادي لعلاقات التجارة الدولية، كان طبيعيا أن يكون للمتعاملين في ميدان التجارة الدولية الحرية في الخروج من قبضة القوانين الوطنية التي لا تتلاءم وحاجيات التجارة الدولية[28]، إلا أن تحرير العقد التجاري الدولي من سلطان القوانين الداخلية على هذا النحو وخضوعه لأحكام القانون الدولي يطرح إشكالية تنازع القوانين (الفقرة الأولى ) واختلاف المبادئ المنظمة للعقد التجاري الدولي(الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: إشكالية تنازع القوانين
بداية إن مصطلح تنازع القوانين يقتضي الوقوف على معنى التنازع ومقوماته، بحيث يذهب البعض إلى أن مصطلح تنازع القوانين لا يفيد المعنى المقصود، فليس هناك ثمة تنازع بين القوانين لأن التنازع يفرض المساواة في السيادة، وهي مختفية وبذلك يكون التنازع عبارة عن مفاضلة يجريها المشرع الوطني عبر قواعد التنازع[29] لاختيار أفضل القوانين لحكم العلاقة وهذه المفاضلة تقتضي التضحية بأحد القوانين لحساب قوانين أخرى هي أكثر ملاءمة لحكم العلاقة وتحقيقا للعدالة وتتوافق مع توقعات الأفراد، فتنازع القوانين هو مصطلح مجازي افتراضي[30].
وإذا كان الأصل في العقود التجارية الدولية إسوة بغيرها من الروابط الخاصة المتضمنة عنصرا أجنبيا، هو خضوعها للنظرية العامة لتنازع القوانين، فالقاضي يقوم بتكييف الروابط محل النزاع المطروح عليه ويتبين مثلا أنها رابطة عقدية تتسم بالطابع الدولي فهو يحيلها إلى القانون الذي تشير به قواعد تنازع القوانين في قانونه، وهو عادة قانون الإرادة في هذه الفرضية، فإن لم يكن المتعاقدين قد حددوا القانون الواجب التطبيق فهو يقوم في هذه الحالة باللجوء إلى ضوابط الإسناد الاحتياطية المقررة في قانونه والتي تحدد القانون المختص بحكم العقد الدولي عند سكوت الإرادة عن هذا التحديد، وبهذه المثابة يقوم المنهج السافيني للتنازع على فكرة أساسية هي اختيار القانون الأقرب للرابطة المطروحة من بين القوانين المختلفة التي ترتبط بها وتتزاحم على الانطباق عليها، مما سيؤدي في نهاية الأمر إلى تطبيق القانون الوطني لدولة معينة على الروابط الخاصة ذات الطابع الدولي[31],
وقد اختلفت التيارات الفقهية عند غياب الاتفاق في تقرير الرابطة العقدية ووزن مراكز الثقل فيها، ما لم يكن المشرع قد حددها مسبقا بضوابط الإسناد في نوعين وهما الإسناد الجامد والإسناد المرن للرابطة العقدية[32].
الفقرة الثانية: اختلاف المبادئ المنظمة للعقد التجاري الدولي
لعل من أهم الإشكالات التي يثيرها النظام القانوني التجاري الدولي هو غياب التوحيد واختلاف مبادئ التجارة الدولية من قطب لأخر وكذا إشكالية إلزامية هذه القواعد للنظام القانوني التجاري الدولي الذي يحكم العلاقات الدولية، فمكونات النظام التجاري الدولي الذي يحكم العلاقات التجارية الدولية تتراوح بين العادات والأعراف التجارية (أو لا) والمبادئ القانونية المشتركة (ثانيا) ثم قواعد العدالة (ثالثا).
أولا: العادات والأعراف التجارية
تعد العادات والأعراف التجارية من أهم مصادر قانون التجارة الدولية حيث دأبت الأو ساط المهنية والتجارية على اتباع عادات مجسمة لمعاملات التجارة الدولية، وذلك في إطار كل مهنة أو تجارة على حدة مثل العادات السائدة في الأسواق المالية، أو الشروط العامة التي وضعتها بعض المؤسسات المهنية ذات الطابع الدولي، مثل غرفة التجارة الدولية والمجلس الاقتصادي الأوربي التابع للأمم المتحدة.
ولعل من أبرز الإشكالات التي تطرحها هذه العادات هو مدى إلزاميتها، حيث انقسم الفقه بهذا الخصوص إلى تيارين[33]:
الاتجاه الأول: يرى أن هذه العادات لا تشكل قواعد قانونية بالمعنى المعروف وإنما هي مجرد عادات ذات صفة اتفاقية أو تعاقدية، حيث لا تصبح قاعدة قانونية إلا إذا تحولت إلى عرف.
الاتجاه الثاني: يرى بأن اتباع العادات التجارية الدولية التي نشأت في مجتمع التجار ورجال الأعمال عبر الحدود يكسبها طابع الإلزامية سواء تم تقنينها، أو مع مرور الوقت تحولت هذه العادات إلى أعراف ملزمة.
وعليه يتبين أن هناك جدلا قائم حول ما إذا كانت العادات الاتفاقية تكتسي الصبغة الإلزامية في إطار المعاملات التجارية الدولية.
ثانيا: المبادئ القانونية المشتركة
يقصد بالمبادئ المشتركة استخلاص مجموعة من المبادئ المشتركة من الأنظمة الداخلية لكل دولة في إطار النزاع التجاري الدولي مع نظيرتها، وتستعين مؤسسات التحكيم في تطبيق هذه المبادئ القانونية المشتركة للدول المختلفة خاصة في المسائل التي لم تستقر في شأنها الأعراف والعادات كما قد يلجأ إليها الأطراف في اتفاقاتهم، إلا أن جانب من الفقه يرى أنها لا تعد من مكونات النظام القانوني الدولي وتتسم بالغموض بالنظر لعدم إمكانية تجديدها، كما أن اختلاف أنظمة أعضاء المجتمع الدولي التجاري يجعل من الصعب أساسا القول بوجود مبادئ قانونية مشتركة[34].
ثالثا: قواعد العدالة
يقصد بقواعد العدالة مجموعة من القواعد التي تهدف إلى تحقيق التوازن الإنساني، وفي مقامنا تحقيق التوازن العقدي في منازعات التجارة الدولية، وتطرح هذه النقطة إشكالا انقسم الفقه في معالجته إلى مؤيد لضرورة بحث القاضي عن قواعد العدالة في النظام القانوني واجب التطبيق وبين من يرى بأن يطبق قواعد النظام القانوني الذي تختاره الأطراف بصرف النظر عن مدى تحقيق التوازن بين أطراف العلاقة التعاقدية[35].
المطلب الثاني: الحلول المقترحة لتنظيم عقود التجارة الدولية
أمام الإشكالات سالفة الذكر سواء تلك المتعلقة بتنازع القوانين، أو تعدد واختلاف المبادئ المنظمة لعقود التجارة الدولية، فقد اعتبر بعض الفقه أن السبيل إلى نمو وازدهار وحل مشاكل عقود التجارة الدولية[36]، يستلزم تخلص هذه الأخيرة من قيود القوانين الوطنية التي تجهل القلق وعدم الأمان القانوني اللازمين للعقود التي تتم بين رجال الأعمال والتجارة عبر الحدود[37]، مما دفع المتعاملين في حقل التجارة الدولية إلى التحكيم التجاري الدولي باعتباره آلية لتسوية المنازعات بشكل يتلاءم مع خصوصيات عقود التجارة الدولية (الفقرة الأولى) إلى جانب محاولة الدول توحيد القانون الدولي المطبق على عقود التجارة الدولية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: التحكيم كآلية لتسوية منازعات عقود التجارة الدولية
يعتبر التحكيم في الوقت الحالي الوسيلة الأصلية في تسوية منازعات عقود التجارة الدولية، حيث يكاد لا يخلو أي عقد تجاري دولي من التنصيص في صلبه على شرط التحكيم، بحيث يرجع الفضل في ذلك إلى ما يمتاز به من خصائص تتلائم مع طبيعة هذا النوع من العقود ومتطلبات الأعمال الحديثة، ومنها أنه يمنح لأطراف منازعة عقود التجارة الدولية سلطات واسعة في تعين القانون الموضوعي والإجرائي الذي يحكم النزاع في حالة وقوعه، وفي ذلك حل لمشكلة تنازع القوانين الذي يعد عائقا لتسوية هذا النوع من المنازعات أمام القضاء الرسمي للدولة.
كما أنه يخول للأطراف حق اختيار المحكمين لهم تخصص وتجربة مهنية في التعامل مع منازعات عقود التجارة الدولية تمكنهم من تسوية النزاع بشكل سريع وفعال وعادل، كما أنه يوفر للأطراف المتنازعة خاصيتان ملائمتان لهذا النوع من المنازعات وهما السرية والسرعة، حيث إن منازعات عقود التجارة الدولية لا تتحمل التأخير في التسوية زيادة على الطابع المميز للأعمال التجارية الذي يتطلب المحافظة على السمعة والسر المهني، وبالتالي يعد مبدأ علانية الجلسات في القضاء الرسمي أحد أهم العقبات التي تقف أمام منازعات عقود التجارة الدولية عكس التحكيم التجاري الدولي الذي يوفر السرية سواء في إجراءات التحكيم، وكذا أثناء صدور الحكم التحكيمي[38].
ومما لا جدال فيه، أن اللجوء للتحكيم لحسم المنازعات الناشئة في مجال التجارة الدولية يلقى قبولا أكثر من قبل المتعاملين في الوسط الدولي، بل وأصبح اليوم الطريقة الشائعة لفض المنازعات، ونتيجة لهذا الإقبال اختصت العديد من الغرف التجارية في هذا المجال وأنشئت فيها هيئات للتحكيم كما أنشئت مراكز عديد للتحكيم على الصعيدين الوطني والدولي وأهمها:
- محكمة التحكيم البحرية في لندن؛
- غرفة التحكيم البحرية في باريس؛
- محكمة التحكيم للغرفة التجارية الدولية في باريس إذ جاء في أحد الأحكام الصادرة عن هذه الأخيرة، حيث قضت محكمة التحكيم عام 1970 بعد استبعاد تطبيق القانون الألماني بأن الأطراف قد رغبوا في أن يروا النزاع قد تم تسويته دون أية رجوع إلى قانون وطني، واستنادا فقط إلى أساس الأحكام التعاقدية ووفقا للواقع والأعراف الدولية.
ويلاحظ أن أغلب المنازعات التي تنشأ عن التعامل التجاري بين أطراف من الدول النامية والدول الصناعية يصار إلى حلها بالتحكيم عن طريق إحدى المؤسسات التحكيمية، وبالأخص عندما تكون النظم الاقتصادية والقانونية تختلف من بلد لآخر، فلا يمكن أن تتحقق مصالح مثل هذه الأطراف في مجال التعامل التجاري الدولي إلا عن طريق التحكيم المنظم بسبب تعقد المسائل الإجرائية والقواعد الموضوعية في مثل هذه القضايا.
ورغم أن كلا من بروتوكول واتفاقية جنيف قد تداولا مشكلة كيفية تنفيذ الحكم إلا أن أحكامهما لم تكن تتميز بسهولة التطبيق، كما أن عدد الدول التي صادقت على بروتوكول واتفاقية جنيف لم يكن عددا كبيرا، بالإضافة إلى ذلك لم تصادق عليهما دول لها دور كبير في التجارة الدولية (الاتجاه السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية).
ومن أجل إيجاد قواعد دولية جديدة للاعتراف ولتسهيل تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية أعدت الغرفة التجارية الدولية مشروعا أقرته في مؤتمرها 14 الذي عقد في فيينا عام 1953 حيث قام المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة طرح هذا المشروع للمناقشة وانعقد المؤتمر في مدينة نيويورك حيث تمخضت عنه اتفاقية نيويورك للاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية 1958[39] والتي صادقة عليها أغلب الدول من بينها المغرب والذي أخضع الطعن في المقرر التحكيمي الأجنبي لاتفاقية نيويورك، والتي تسمو من حيث التطبيق في القانون الداخلي وهوما كرسه الاجتهاد القضائي المغربي في قراراته الصادرة في هذا الشأن[40].
الفقرة الثانية: محاولة توحيد القانون الدولي
بفعل زيادة التجارة الدولية باعتبارها دعامة أساسية للنظام الاقتصادي لكل الدول على السواء، ظهرت مجموعة من الإشكالات المنصبة على العقود التجارية في إطار المنازعات الدولية، أصبح المجتمع التجاري الدولي يسعى إلى خلق قواعد موحدة تحكم النشاط التجاري الدولي، بغض النظر عن طبيعة النظام الاقتصادي أو القانوني الذي يسود في دولة من الدول ويتم هذا التوحيد إما بوضع شروط عامة (أو لا) أو بإعداد عقود نموذجية (ثانيا) أو جمع العادات والأعراف التجارية (ثالثا).
أولا: وضع شروط عامة
يقصد بها مجموعة من الشروط التي يتفق عليها التجار في تجارة سلعة معينة في منطقة جغرافية معينة، ويلتزمون بإرادتهم الحرة باتباعها فيما يبرمونه من صفقات تتعلق بهذه السلعة، وهذه الشروط الموحدة تؤدي إلى توحيد الأحكام التي تسري على هذه العقود، والقضاء على إشكالية تنازع القوانين بشأنها[41].
ثانيا: إعداد عقود نموذجية
تتولى هيئات دولية إعداد مشاريع قوانين تخص مسائل التجارة الدولية، لكي تستفيد منها الدول لا سيما النامية عند تشريعها لقوانينها التجارية الداخلية، وبذلك يكون هذا بمثابة مساعدة فنية تقدم إلى هذه الدول، ومثال ذلك القانون النموذجي بشأن التحكيم التجاري الدولي الذي وضعته لجنة الأونيسترال سنة 1985.
ثالثا: جمع العادات والأعراف التجارية الدولية
تحاول جهات دولية غير حكومية لتكون عاملا مساعدا للمتعاملين في التجارة الدولية وغرفة التجارة الدولية تميزت بهذا المجهود حيث جمعت الأعراف بشـأن البيوع البحرية كما جمعت الأعراف الخاصة بتمويل البيوع الدولية بأسلوب الاعتماد المستندي وأن معظم الدول أخذت هذه الأعراف بنظر الاعتبار كقواعد في قوانينها التجارية[42].
خاتمة :
رغم التطور والتقدم الذي وصلت والانفتاح الذي وصلت إليه التجارة الدولية من قبيل رفع مستوى الإنتاج وتحسن مناخ الاقتصاد وجلب الاستثمار وغيرها من الإنجازات والتطورات التي وصل إليها هذا النظام الاقتصادي، فلا تزال التجارة الدولية تعاني من مجموعة من السلبيات والتحديات والتي تؤثر غالبا على الدول النامية نذكر من بينها المنافسة الشديدة من قبل الدول المتقدمة تقليص قدرة الدول النامية على تصميم وتصور سياساتها التنموية المستقلة، تآكل المزايا الخاصة التي كانت تتمتع بها الدول النامية للنفاذ إلى أسواق الدول المتقدمة وخاصة في المنتجات التي كانت تتمتع فيها بمزايا نسبية…
ولتجاوز هذه العوائق والتحديات نقترح بعض التوصيات والاقتراحات:
– الرفع من الكفاءة الإنتاجية وتطوير جودة المنتجات.
– العمل الجماعي والتنسيق المستمر في المؤتمرات الدولية المتعلقة بهذا المجال
– الاهتمام بالتعليم والبحث العلمي والتقني وربط مراكز البحوث والتطوير بالقطاعات الإنتاجية.
– إصلاح آليات وطرق عمل المؤسسات المرتبطة بالتجارة الدولية
– إعادة النظر في قواعد التجارة الدولية سواء في مجال التجارة أو الاستثمار أو غيرها حتى تحظى برضا دول وشعوب العالم بجميع مستوياتهم .
– عمل كل دولة على بناء قوة اقتصادية ذاتية وطنية وإقليمية بإعادة هيكلة اقتصادها
[1]- عبد العظيم حمدي، اقتصاديات التجارة الدولية، دار النهضة للطباعة والنشر، الأردن، طبعة 2000، الصفحة: 13.
[2]- محمد حشماوي، الاتجاهات الجديدة للتجارة الدولية في ظل العولمة الاقتصادية، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في العلوم الاقتصادية، جامعة الجزائر، كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير، سنة -20072006، الصفحة: 2.
[3]- محمد حشماوي، نفس المرجع، الصفحة: 3.
[4]- ميراندا زغلول رزق، التجارة الدولية، مطبعة بيروت، طبعة 2010، الصفحة: 185.
[5]- نفس المرجع، الصفحة: 195.
[6]- الجات GATT، هي اختصار عن اللغة الإنجليزية الاتفاقية العامة للتعريفة الجمركية والتجارة وعقدت في أكتوبر 1947م، بين عدد من البلدان تستهدف التخفيف من قيود التجارة الدولية وخاصة القيود الكمية قد تضمنت خفض الرسوم الجمركية على عدد من السلع.
[7]- ميراندا زغلول رزق، مرجع سابق، الصفحة: 231.
[8] – مريم عريبي، أثار سياسات تحرير التجارة الدولية على تحقيق الأمن الغذائي المستدام في الدول النامية، مذكرة مقدمة كجزاء من متطلبات نيل شهادة الماجستير، جامعة فرحات عباس سطيف، الجزائر، كلية العلوم الاقتصادية والعلوم التجارية وعلوم التسيير، السنة الجامعية 2016-2017 ، الصفحة: 3.
[9] – المصطفى البيتر، مفهوم قانون التجارة الدولية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، وحدة قانون المقاولات، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال، الرباط، السنة الجامعية 2004-2005، الصفحة: 28 و29.
[10] – أحمد السعيد الزرقد، أصول قانون التجارة الدولية –البيع الدولي للبضائع–، المكتبة العصرية للنشر والتوزيع، مصر، طبعة 2008، الصفحة: 2.
[11] – محمد عبد الله محمد المؤيد، منهج القواعد الموضوعية في تنظيم العلاقات الخاصة ذات الطابع الدولي، دار النهضة العربية، القاهرة، طبعة 1998، الصفحة: 30 و31 .
[12] – مصطفى البيتر، مرجع سابق، الصفحة: 75 و76.
[13] – محمد عبد الله محمد المؤيد، مرجع سابق، الصفحة: 58.
[14] – علي غزواني، قانون التجار الدولي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي، الرباط، ،السنة الجامعية 2006-2007، الصفحة: 68.
[15] – المصطفى البيتر، مرجع سابق، الصفحة: 99 و100.
[16] – أحمد الزرقد، مرجع سابق، الصفحة: 25 و26.
[17]- المصطفى البيتر، مرجع سابق، الصفحة: 91.
[18]- نفس المرجع، الصفحة: 94 و95.
[19]- طارق جمعة، تأمينات التجارة الخارجية، دار الفكر الجامعي، الطبعة الأولى، سنة 2008، ص 57
[20]- قرار عدد 1604 الصادر عن الغرفة التجارية بالمجلس الأعلى في الملف التجاري عدد 824/91 الوارد في القرار الصادر عن استئنافية البيضاء بتاريخ 16/05/1989 في الملف عدد 2033/83 (شركات التأمين والشمال الإفريقي وسند السعادة والجديدة والأطلسية والاتحاد الإفريقي ضد ربان باخرة ترادأو سان) منشور في مجلة قضاء المجلس الأعلى العدد 56 (عدد خاص بالقضاء التجاري) السنة 22 يوليوز 2000، الصفحة: من 160 إلى 162.
[21]- المصطفى البيتر، مرجع سابق، الصفحة: 135.
[22]- أبوزيد رضوان، التحكيم التجاري الدولي، دار الفكر العربي، القاهرة، مصر، طبعة 1981، الصفحة: 3.
[23]- المصطفى بيتر، مرجع سابق، الصفحة: 155.
[24]- مقال منشور بالموقع الالكترونيwww.droitentreprise.org web تاريخ الاطلاع 2/12/2016 الساعة 21:15.
[25]- امحمد برادة غزيول، التصدير والاستيراد والاشكاليات القانونية، منشورات جمعية تنمية البحوث والدراسات القضائية، مطبعة الأمنية، الرباط، طبعة 1993، الصفحة: 131.
[26]- امحمد برادة غزيول، مرجع سابق، الصفحة: 237.
[27]- نفس المرجع، الصفحة: 156.
[28]– محمود محمد ياقوت، نحو مفهوم حديث لقانون عقود التجارة الدولية -دراسة تحليلية مقارنة-، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، مصر، طبعة 2012، الصفحة: 50.
[29] -Je an-Michel jaunet Philippe de le becque, droit commerce international 3 éduction Dalloz 2001 ,p :102 .
[30] عبد الرسول عبد الرضا الأسدي، أحكام التنازع الدولي للقوانين، منشورات الحلبية الحقوقية، الطبعة الأولى، سنة 2012، الصفحة: 9.
[31] محمود محمد ياقوت، مرجع سابق، الصفحة: 62.
[32] يعتمد الإسناد الجامد على ضوابط محددة وذاتية لتحديد القانون الأوثق صلة بالعقد، ومن ثم فدور القاضي هنا يقتصر على إكمال تلك الضوابط للوصول إلى القانون الواجب التطبيق بينما الإسناد المرن يقصد به الاستناد إلى ضوابط مرنة، تهدف إلى تركيز الرابطة العقدية في ضوء ظروف التعاقد وملابساته في كل حالة على حدة وصولا لتطبيق القانون الذي يشكل مركز الثقل في الرابطة العقدية.
[33] نورة الزنكي، تسوية منازعات عقود التجارة الإلكترونية، رسالة لنيل الماستر في القانون الخاص، جامعة القاضي عياض، مراكش، الموسم الجامعي 2012-2013، الصفحة: 52.
[34] فوزي محمد سامي، التحكيم التجاري الدولي -دراسة مقارنة لأحكام التحكيم التجاري الدولي-، دار الثقافة، طبعة 2012، الصفحة: 35.
[35] محمود محمد ياقوت، مرجع سابق، الصفحة: 67.
[36] طارق البختي، التحكيم في إطار العقود التجارية الدولية، مقال منشور بالموقع الإلكتروني التالي: www.marocarbitrage.com تاريخ الاطلاع، 3 دجنبر 2016، على الساعة: 22:30.
[37] العربي العنتوت، حدود سلطة المحكم في التحكيم التجاري الدولي، رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، سطات، الموسم الجامعي 2008-2009، الصفحة: 104.
[38] عبد الكبير العلوي الصوصي، رقابة القضاء على التحكيم -دراسة القانون المغربي والمقارن-، دار القلم، الرباط، الطبعة الأولى، سنة 2012، الصفحة: 327 و328.
[39]- فوزي محمد سامي، مرجع سابق، الصفحة: 35.
[40]- قرار محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء رقم 3479/2011 صدر بتاريخ 06/09/2011، رقمه بمحكمة الاستئناف التجارية: 903/2010/14.
[41] أحمد الزقرد، مرجع سابق، الصفحة: 59.
[42] أحمد الزقرد، مرجع سابق، الصفحة: 61.