نظام الضمانات في القانون المدني
نقدم لكم في موقع أنفاس قانونية رسالة لنيل دبلوم الماستر بعنوان : “نظام الضمانات في القانون المدني “.
مقدمة:
يعتبر الائتمان عصب الحياة الاقتصادية وقوامها في وقتنا الراهن، فهو أحد الركائز الأساسية في تشجيع الاستثمارات وازدهارها، ذلك أن الرفع من وثيرة الاقتصاد، رهين بوجود استثمارات تلزم لقيامها توفر رأسمال ضخم، وهو الأمر الذي يعجز المستثمرون في كثير من الأحيان عن توفيره.
لذلك يقصدون مؤسسات الائتمان التي تمنحهم السيولة اللازمة في شكل قروض، سواء بالنسب للمستثمرين كأشخاص معنوية بتمويل مشاريعهم المختلفة أو حتى بالنسبة للأشخاص الطبيعيين لمحدودية دخلهم وقدرتهم الذاتية على تمويل ما يقومون به أو يحتاجون إلى اقتنائه.
غير أن منح هذه القروض من طرف المؤسسات البنكية لا يتأتى إلى كل من يطلبها، بل ينبني تقديمها على ثقة أكيدة للمؤسسة مانحة القرض في شخص طالب الائتمان، حيث تطمئن وتضمن حسن توظيف رأسمالها واسترجاعها لديونها دون عناء.
ولقد أحاط المشرع المغربي الدائن العادي، بنوع من الحماية بإقراره نظام الضمان العام، وما يتفرع عنه من وسائل وإجراءات تحفظية أو تنفيذية لتمكنه من حماية حقه في حالة المساس به من قبل المدين.
ولكن بالرغم من ذلك، فإن الدائن الحريص لا يكتفي عادة بما يقرره القانون من وسائل الحماية القانونية في الضمان العام.
ذلك أن فكرة الضمان العام قد أبانت عن محدوديتها وقصورها، لما قد يتعرض له المدين من إعسار أو أن يقوم به من تصرفات تؤثر على ذمته المالية كنقل ملكية أمواله للغير، زيادة على إمكانية تعدد دائني المدين وتقدمهم للمطالبة بحقوقهم، وهنا سيوزع منتوج بيع أموال المدنيين على الدائنين كل حسب نسبة دينه دون مراعاة لأقدمية هذه القروض.
وحتى يستطيع الدائن أن يطمئن إلى استيفاء حقه، يحاول أن يقوي مركزه اتجاه المدين، من خلال ما يفرضه من شروط تحقق له حماية حقه، وتكفل له استيفاء دينه عند حلول أجله، وتتجلى هذه الشروط فيما يطلبه من ضمان خاص، يدعم به الضمان العام، ويدرأ عنه بها غش أو إهمال المدين ويجعله في وضع أحسن بالنسبة لباقي الدائنين.
ويقصد بالضمانات لغة التزام برد مثل الهالك إن كان مثليا، أو رد قيمته إن كان قيميا، وتضامن الغرماء أي ضمن بعضهم بعضا تجاه صاحب الحق، أما في المعجم الفرنسي فيقابلها مصطلح garantie ou sureté ، وتعني الحماية من المخاطر وتوفير الأمان.
أما اصطلاحا فيقصد بها تلك الآلية التي تخول للدائن ضمانة ضد خطر عدم يسر المدين لكونها تضيف للديون طابع الأمان والثقة، وتشجع وتقوي عنصر الائتمان، وتتميز بازدواجية القوانين التي تنظمها: القانون المدني، والقانون التجاري .
كما يعرفها البعض بأنها بمثابة وسيلة يتمكن بموجبها الدائن من تأمين أداء الديون المستحقة له في مواجهة المقاولة المدينة، بحيث أنها تمنح للدائن سواء كان حاصلا على رهن رسمي، رهن حيازي، كفالة، امتيازا لاستيفاء دينه بالأفضلية في مواجهة باقي الدائنين
وكثيرا ما يتم الخلط بين مفهوم الضمانات ومفهوم التأمينات، ولكن الأمر على خلاف ذلك، فمصطلح الضمانات ليس هو نفس مصطلح التأمينات، وهذا الخلط صراحة راجع إلى كون
المشرع المغربي لم يشر للفرق بينهما، فعند الرجوع إلى المقتضيات القانونية المضمنة بالقواعد العامة لا نجد أية إشارة إلى التمييز بين مفهوم الضمانات والتأمينات.
ولكن برجوعنا للقضاء الفرنسي نجد على أنه اعتبر في بعض اجتهاداته بأنه يمكن تفسير مفهوم التأمينات تفسيرا موسعا، أما جانب من الفقه في فرنسا فاعتبر بأن التأمينات تنشأ بمعزل عن القانون والحكم القضائي والاتفاق، وتتميز بغايتها التي تتجلى في تقوية مركز الدائن دون إثراءه، وعليه فهي مختلفة عن مفهوم الضمانات، التي تزيد من حظوظ الدائن في استيفاء ديونه.
ولإعطائه أوجه اختلاف بارزة بين هذين الصنفين نورد بعض النقاط التي تطرق لها الفقه
المصري وتوضح لنا بشكل جلي التباين الحاصل بين النوعين ، وهي كالتالي:
إن فكرة الضمان تعبر عن وظيفة اقتصادية أكثر من تعبيرها عن نظام قانوني محدد، بينما على العكس من ذلك نجد أن فكرة التأمينات تعبر عن نظام قانوني محدد له وسائله الفنية وسماته الخاصة.
كما نجد أن التأمينات تعد نوعا من الضمانات، ولكن العكس غير صحيح إذ أنه ليس بالضرورة أن يكون كل ضمان نوعا من التأمينات، ففكرة الضمانات أوسع بكثير من فكرة التأمينات.
فقانون التأمينات أنشيء كفرع مستقل يقوم حول أنظمة أساسية، هي الكفالة والرهن والاختصاص والامتياز، بينما الضمانات لم تنحصر في فرع معين من فروع القانون وإنما نجدها متعددة ومشتتة في جل القوانين.
والضمانات الخاصة هي ضمانات متعددة ويصعب حصرها في الجانب العملي، ولكن مع ذلك حاول الفقه تصنيفها حسب عدة معايير بغية الوصول لتأطير عام لهذا النوع من الضمانات: إما تبعا لمصدرها، أو تبعا لتقنياتها، أو تبعا للتطورات الحاصلة في المجال العلمي )تقليدية، أو حديثة(.
فإذا أخذنا بالتصنيف تبعا للمصدر، فإننا نجد هناك الضمانات القانونية )وهي التي تنشأ بموجب القانون، أو إرادة المشرع لتمنح دائنا معينا امتيازا تكميليا لصفة في الدين( وكذا الضمانات القضائية )وهي التي تنشأ بموجب قرار قضائي كالإجراءات التحفظية لتجنب إعسار الذمة المالية للمدين( بالإضافة للضمانات الاتفاقية )وهي الأكثر تعددا والتي سوف نركز عليها في هذا البحث بشيء من التفصيل، إذ تنشأ بموجب اتفاق الأطراف كالرهن الرسمي والكفالة. (…
أما إذا أخذنا بالتصنيف تبعا للتطور الحاصل في المجال العلمي فنجد ضمانات تقليدية وضمانات حديثة، وبذلك يبقى التصنيف الأخير وهو الضمانات تبعا لتقنياتها والتي يندرج ضمنها الضمانات العينية والضمانات الشخصية.
ونحن في هذه الدراسة المعمقة لنظام الضمانات في ضوء التشريع المغربي سنحاول اعتماد تقييم شبه خاص، بغية الوصول لتأطير وجرد جميع الضمانات التي نص عليها تشريعنا الوطني، حيث سنقوم باعتماد تقسيم الضمانات تبعا لتقنياتها أي جرد الضمانات الشخصية باعتبارها ضم لذمة إلى أخرى لضمان حق الدائن، والتي تشمل كلا من الكفالة والتضامن بين المدينين وعدم تجزئة الدين، وكذا الضمانات العينية باعتبارها سلطة مباشرة لشخص على شيء معين بالذات والتي تشمل بدورها الرهن الرسمي والرهن الحيازي والامتيازات وكذا الرهن بدون حيازة والبيع دون نقل الملكية، والتي وردت في التشريع المغربي.
وزيادة على ذلك سوف نعتمد تقسيما إضافيا نص عليه بعض الفقه الفرنسي ونظيره المصري وهو نظام الضمانات غير المسماة وهو تصنيف يقابل الضمانات العينية والشخصية)فهو يشبه تصنيف العقود لعقود مسماة وعقود غير مسماة(، والذي يشمل بدوره عدة ضمانات حاولنا أن نأتي ببعضها كتطبيقات أساسية، ومنها نظام الدعوى المباشرة ونظام المقاصة بالإضافة للحق في الحبس، وحوالة الحق والعربون، وصولا لاطلاع الدائن على ذمة ونشاط مدينه كوسيلة للضمان، وأخيرا الشرط الجزائي كضمانة أساسية.
واجهة الرسالة
صورة غلاف رسالة “نظام الضمانات في القانون المدني المغربي”
دوافع اختيار الموضوع :
كطالب باحث في سلك القانون وبمجرد ولوجي لسلك الماستر، بدأت بوادر تفكيري في الموضوع الذي سوف يكون محل رسالتي، وبعد عدة محاولات في تأصيل مواضيع متعددة في القانون المدني وقع اختياري على عنوان الضمانات العينية والشخصية، ولكن وبمساعدة أستاذتي المؤطرة تم توسيع الموضوع شيئا ما ليشمل جميع الضمانات التي أتى بها القانون المدني المغربي فوقع الاختيار على عنوان ” نظام الضمانات في القانون المدني المغربي”، ويبقى من أبرز الأسباب التي دفعتني لاختيار هذا الموضوع ما يلي:
أن الخوض في نظام الضمانات بصفة عامة سوف يقوي معاريفي القانونية وخصوصا في الجانب المدني باعتباره تخصصي، كما أن هذه الدراسة ستدعم لا محالة فكري في ميدان المعاملات المالية، وبذلك سوف أفيد نفسي وغيري من هذه الدراسة المتواضعة.
بالإضافة للسبب السابق يوجد هنالك سبب أخر لا يقل أهمية، وهو الذي دفعني بشكل مباشر لاختيار هذا الموضوع، والذي يتجلى في الأهمية التي يكتسيها موضوع الضمانات في وقتنا الراهن، ففي البيئة التي أعيش فيها سواء كانت الطبقة المتوسطة أو الفقيرة يكثر الائتمان والقروض الصغرى والمتوسطة بصفة عامة وهنا تطلب مؤسسات الائتمان من هؤلاء الأفراد تقديم ضمانات، ولكن أغلب هؤلاء الأفراد لا يعلمون ما يقدمون كضمانة للحصول على هذه القروض، ومن هذا المنطلق جاءت فكرة تجميع هذه الضمانات ولو بشكل مبسط.
أهمية الموضوع :
سبق أن رأينا أن تزايد أهمية الائتمان في العصر الحديث واتساع نطاقه، قد أدى إلى الإقبال الشديد على الضمانات، ولذلك نلاحظ في الوقت الحاضر تزايد عدد الضمانات المستخدمة بمناسبة عملية ائتمانية محددة.
كما أن هنالك اتجاها متزايدا إلى تجميع أكثر من ضمان أو إلى تعزيز المسؤولية التعاقدية، وفي بعض الأحيان نجد أن هناك أكثر من شخص ملتزم بالضمان لحساب الغير.
فهذا السباق إلى الضمانات له دلالة خطيرة وهي وجود أعراض مرضية معينة، فالبحث عن ضمان فعال معناه البحث عن علاج لهذه الاعراض.
وهذه الأعراض تكشف عن عدم ثقة في القوة الملزمة للعقد وعن عجز القانون وعدم قدرة وفعالية إجراءات التنفيذ الجبري على تحقيق أهدافها.
نستطيع إذن القول أن الرغبة الشديدة في الحصول على ضمان، بل وعلى العديد من الضمانات الفعالة تكشف عن عدم وجود الثقة الواجب توافرها في نطاق المعاملات، وهذا يكشف بدوره عن الارتباط الوثيق بين الضمانات والائتمان.
ومن تم فإن الغرض والأهمية من هذا البحث هو محاولة رصد هذه الظاهرة، وذلك عن طريق رصد وتصنيف الضمانات في القانون المدني المغربي، ثم محاولة استخلاص القواعد المشتركة لكل مجموعة منها وإبراز دور كل منها في تحقيق الضمان الذي يسعى إليه الدائن لاستيفاء حقه.
الإشكالية الرئيسية للموضوع :
لكي أقوم بتأطير الموضوع من الناحية الأكاديمية، قررت أن أصيغ إشكالية مركزية يتمحور حولها موضوع “ناظم الضمانات في القانون المدني المغربي”، على أمل أن أحاول الإجابة عليها في متن هذا البحث، وهذا الإشكالية هي كالتالي:
إلى أي حد استطاع التشريع المدني المغربي، ضبط وإصدار نظام قانوني للضمانات قصد مسايرة المجال الائتماني باعتباره عصب الحياة الاقتصادية والاجتماعية في وقتنا الحالي؟ وبناء على هذه الإشكالية الرئيسية خلصنا إلى مجموعة من الإشكالية الفرعية وهي كالآتي: ماهي أبرز الضمانات الشخصية والعينية التي أقرها المشرع المغربي وقام بتنظيمها بمقتضى نصوص خاصة؟
ماهي أهم الضمانات العينية الجديدة التي أتى بها القانون رقم 81.12 المتعلق بالضمانات المنقولة وما مدى الضمان الذي تحققه؟
ما هو موقف التشريع المدني المغربي من نظرية الضمانات غير المسماة؟
وماهي أبرز نماذج هذا النوع من الضمانات التي اعترف بها تشريعنا الوطني، وأين يتجلى الضمان الذي تحققه؟
صعوبات البحث :
كأي طالب باحث يسير في أغوار بحث معين، واجهت مجموعة من الصعوبات وأنا بصدد إنجاز رسالتي “نظام الضمانات في القانون المدني المغربي”، ويمن أن ألخص أهم هذه الصعوبات أو العقبات في النقاط التالية: الظرفية الاستثنائية التي واجهتها بلادنا في ظل وباء كورونا: فقد أعقب سنة 8282 والتي هي سنة تخرجنا ظهور وباء خطير أطلق عليه اسم كوفيد 11، والذي قامت بسبه جل الدولة ومن بينها المغرب بمجموعة من الإجراءات لاحتوائه يبقى أبرزها فرض حالة الطوارئ والحجر الصحي، والذي أثر بشكل كبير على نفسيتنا العلمية، كما أنه ألزمنا البيوت عنوة الأمر الذي أدى إلى عدم حصولنا على مجموعة من المراجع القيمة والتي كنت أود أن أنقح بها رسالتي.
قلة المراجع في هذا الموضوع: من أبرز العقبات التي واجهتنا أيضا هي قلة المراجع العامة في هذا الموضوع، ففي الغالب كنا نجد مراجع تتحدث فقط عن جزء من موضوعنا مثال ذلك رسائل في الضمانات العينية دون الشخصية أو العكس، أما بالنسبة للضمانات الغير المسماة فلا نجد أي مرجع مغربي يتحدث عنها على عكس الفقه المصري.
صدور ضمانات جديدة: من بين الصعوبات أيضا هي صدور ضمانات جديدة لا يوجد أي مرجع فيها باستثناء بعض المقالات، وأقصد هنا قانون الضمانات المنقولة الصادر سنة 8211 والذي أتى بمجموعة من الضمانات المستجدة منها البيع مع شرط الاحتفاظ بالملكية، والرهن دون حيازة.
منهجية الدراسة :
من أجل الإحاطة بمختلف جوانب موضوع “نظام الضمانات في القانون المدني المغربي”، ارتأينا أن نتبع في بحثنا منهجا تحليليا يمكننا من الوقوف على مضمون النصوص القانونية للضمانات في التشريع المغربي.
على أن ندعم هذه الدراسة التحليلية بمنهج وصف، وأخر مقارن من أجل الاطلاع على بعض القوانين الأجنبية، كلما استوجب الأمر ذلك.
خطة البحث :
من أجل الاطلاع بموضوعي هذا من كل الجوانب، قررت أن أعتمد التصميم التالي:
الفصل الأول : الضمانات العينية والشخصية في القانون المدني
الفصل الثاني : دوره باسم الضمانات غير المسماة في ضوء القانون المدني
اطلع على الرسالة كاملة في الملف أسفله