أخر الأخبار

مسطرة الفصل التأديبي

مسطرة الفصل التأديبي

مقدمة :

إن الحق في الشغل يعد ضرورة من ضروريات الحياة وعاملاً أساسيا في تنمية الشعوب ووسيلة مشروعة للحصول على مقابل مادي لتوفير الحاجيات الضرورية للأجير وأسرته، لهذا دأبت مختلف التشريعات والدساتير والمواثيق الدولية على التنصيص عليه، وهذا ما سار المشرع المغربي عليه من خلال تنصيصه في ديباجة القانون 65.99 بمثابة مدونة الشغل على :”أن العمل وسيلة أساسية من وسائل تنمية البلاد وصيانة كرامة الإنسان”، وقد كرس هذا الحق دستوريا بالنص عليه في الفصل 31 من دستور 2011.

وبما أن نجاح أو إخفاق أي مقاولة أو مشروع يرتبط بمدى تنفيذ التعليمات والأوامر الصادرة عن رب العمل، على أساس أنه:”لا وجود لمؤسسة قابلة للحياة والتواصل دون أوامر وتوجيهات حتى تستطيع تحقيق أهدافها”، فاستقرار عقد الشغل متوقف على وضع حد لكل ما من شأنه إعاقة العمل والسير العادي داخل المقاولة، وذلك لن يتأتى إلا من خلال الاعتراف للمشغل بسلطة تأديبية تخول له القيام بتأديب أجرائه في حالة زيغ أحدهم عن تعليماته أو أوامره وارتكاب أحدهم مخالفة تمس بشخصه أو بمصلحة مقاولته، لكن في المقابل دون إغفال توفير الحماية اللازمة للأجراء من خلال توفير ضمانات كافية لحماية هؤلاء، تحد من تعسف المشغلين عند توقيعهم العقوبات التأديبية خاصة عقوبة الفصل التي تعد مظهراً من مظاهر المس باستقرار الشغل[1].

وإذ كانت أغلب التشريعات قد اعترفت لرب العمل بممارسة سلطته التأديبية، فإن هذه الأخيرة يمكن تعريفها على أنها:”سلطة قانونية، موضوعها فرض قاعدة سلوكية على الأجراء الذين يشتغلون في مشروع من المشاريع، وذلك عن طريق جزاءات محددة توقع على المخل بهذه القاعدة التي تتبلور في شكل أوامر وتعليمات للمشغل، قد تكون عامة موجهة لجميع الأجراء، أو للبعض منهم، وقد تكون موجهة لجميع الأجراء،  وقد تكون موجهة لأجير بعينه فقط” [2]

وتعد السلطة التأديبية أهم السلطات التي يتمتع بها المؤاجر، لأنها تشكل استثناء من الأصل العام الذي يجعل الدولة الشخص الوحيد الذي له صلاحية توقيع العقاب، وذلك من خلال تفويض الدولة لسلطتها في العقاب  للمؤسسات التي تنشأ في ظلها، لكن بالرغم من كون المؤاجر لا يعتبر سلطة عمومية ولا يعترف له بأي تمثيل للسلطة العمومية خلال تدبيره لمقاولته أو مشروعه، إلا أن سلطته في تأديب أجرائه ظلت محل إجماع ولم يسبق أن تم التشكيك فيها[3].

كما تجدر الإشارة، إلى كون أن السلطة التأديبية للمشغل، كانت في عهد ما قبل الحماية في المغرب مطلقة يمارسها المشغل أو ما يصطلح عليه ب “المعلم” بصورة شبه مطلقة أي بدون أي قيود تقريبا، اللهم ما كان من الضوابط والأعراف المهنية، أو المستمدة من سلطة المحتسب، ولم تظهر الأحكام القانونية المنظمة لممارسة السلطة التأديبية من قبل المشغلين في التشريع المغربي إلا بمناسبة صدور ظهير 23 أكتوبر 1948 الذي تناول السلطة التأديبية من خلال تحديد الاخطاء الجسيمة وكذا العقوبات التأديبية، خاصة عقوبة الفصل التأديبي، بالإضافة إلى تحديد الإجراءات المتبعة في ممارسة عقوبة الفصل .

ونظراً لما شاب هذه المقتضيات التشريعية من قصور وغموض أحيانا لأنها لم تعد مواكبة للتطورات التي عرفتها المرجعيات القانونية، من اتفاقيات دولية وقانون مقارن، وكذا استجابة لمطالب الجهات النقابية والحقوقية المهتمة بهذه الفئة المستضعفة في المجتمع، وبما أن الفصل من العمل يعد أكبر خطر يهدد الأجير خلال حياته المهنية، كان هنالك حاجة ملحة إلى إصدار القانون 99 – 65 بمثابة مدونة الشغل [4]، حيث نظم المشرع بموجبه مسطرة الفصل التأديبي في الفرع الخامس من الباب الخامس من القسم الأول المتعلق بعقد الشغل في الكتاب الأول من المدونة تحت عنوان مسطرة الفصل التأديبي، حيث أدخل المشرع العديد من التعديلات على موضوع السلطة التأديبية الرامية بالأساس إلى حماية الأجراء من تعسفات المشغلين وكذا تحقيق الانضباط داخل المقاولة.

 فقد أحاط المشرع السلطة التأديبية للمشغل بمجموعة من القيود والشروط الشكلية منها والموضوعية التي يتعين على المشغل احترامها أثناء ممارسته لهذه السلطة من قبل احترام مسطرة الفصل ومبدأ التدرج في العقوبة، وكذا خضوع القرارات الصادرة عن المشغل في مجال سلطته التأديبية للرقابة القضائية.

وأمام هذا وذاك حري بنا طرح التساؤلات التالية :

إلى أي حد استطاع المشرع المغربي من خلال مسطرة الفصل التأديبي للأجراء توفير الحماية اللازمة

للأجراء من تعسف المشغل في استعمال سلطته التأديبية؟

وما الضمانات التشريعية والقانونية التي سنها المشرع لحماية الأجراء؟

وهذا ما سوف نحاول الإجابة عليه من خلال مبحثين أساسيين:

المبحث الأول : نطاق سلطة المشغل في الفصل التأديبي

المبحث الثاني : القيود الواردة على سلطة المشغل التأديبية


[1]  عزيز أفقير، السلطة التأديبية للمشغل بين الضمانات التشريعية والرقابة القضائية، بحث لنيل دبلوم الماستر، قانون الأعمال، نوقشت بجامعة الحسن الثاني، المحمدية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، المحمدية، السنة الدراسية  2007/2008، الصفحة 1.

[2]  عبد اللطيف خالفي، الوسيط في مدونة الشغل، الجزء الأول، علاقات الشغل الفردية، المطبعة الوراقة الوطنية، مراكش 2004، ص: 42.

[3]  سهام ويزة، الفصل التأديبي للأجير، بحث لنيل دبلوم الماستر في العلوم القانونية نوقشت بجامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الرباط، أكدال، السنة الدراسية 2010 – 2011، ص1.

[4]  ظهير شريف رقم 1.03.194،  صادر في 14 من رجب 1424 الموافق ل 11 شتنبر 2003،  بتنفيذ القانون رقم 65.99 المتعلق بمدونة الشغل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

"لا تقرأ وترحل شاركنا رأيك"

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من أنفاس قانونية

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading