خص المشرع المغربي لمسؤولية مالك البناء عن الأضرار الناجمة عن تهدمه الفصلين 89 و90 من قانون الالتزامات والعقود ففي ضوء هذين النصين سنحدد أساس المسؤولية، ثم نعين الشخص الذي تترتب عليه هذه المسؤولية، ثم نعرض لشروط تحققها، ثم نبحث في جواز مطالبة المسؤول عن البناء باتخاذ التدابير الوقائية لمنع تهدمه.
أساس المسؤولية :
مسؤولية مالك البناء تقوم على فكرة الخطأ المفترض، وهو الخطأ والإهمال في رقابة البناء كي لا ينهار أو يتهدم.
دفع المسؤولية : إن قرينة الخطأ التي قررها المشرع المغربي في الفصل 89 من قانون الالتزامات والعقود هي من نوع القرائن القاطعة التي لا يستطيع مالك البناء دفعها عن طريق إقامة الدليل على أنه لم يرتكب أي خطأ، كأن يثبت مثلا أنه عهد بإشادة البناء إلى مهندس موثوق تتوفر فيه كل الضمانات، وأنه كان يستحيل عليه كشف العيب في البناء.
وعليه فمسؤولية مالك البناء لا تنتفي، إلا إذا أثبت أن الضرر الذي أصاب المضرور يرجع لخطأ المضرور نفسه أو يرجع لقوة قاهرة، وما لم يقم مالك البناء بإثبات شيء من ذلك، فإن مسؤوليته تبقى قائمة.
على من تترتب المسؤولية : تترتب المسؤولية في الأصل على المالك لأنه هو الملزم برعاية البناء، ولا يهم أن يكون المالك حائزا البناء بنفسه فهو يظل مسؤولا ولو أجره أو أعاره لغيره، لأن السيطرة الفعلية على البناء تبقى للمؤجر أو المعير ويبقى هو المكلف بالمحافظة على البناء وصيانته حتى لا يصيب الغير ضرر منه. و لا يلتزم المستأجر أو المستعير بشيء من ذلك.
أما إذا كانت ملكية البناء منفصلة عن ملكية الأرض كما في حق السطحية فتلزم المسؤولية صاحب حق السطحية. وكذلك إذا أنشأ المالك حق انتفاع أو رهن حيازة على بنائه، فإن المنتفع أو الدائن المرتهن هو الذي يتحمل المسؤولية .
وإذا التزم شخص غير المالك برعاية البناء كمقاول عهد إليه المالك بتشييد البناء أو بإصلاحه، انتقلت المسؤولية إلى هذا الشخص أثناء وجود البناء في عهدته. ووجد المشرع أن يوضح أنه في حالة قيام نزاع على الملكية بين عدة أشخاص، فإن المسؤولية تلزم الحائز الحالي للعقار ( الفقرة الأخيرة من الفصل 89).
شرط المسؤولية : لا بد لتحقق المسؤولية مالك البناء أو من عهد إليه برعايته من توافر الشرطين التاليين :
الشرط الأول : يجب أن يقع الضرر نتيجة تهدم البناء أو تهدم الأشياء المعتبرة جزءا من العقار :
يقتضي إيضاح هذا الشرط أن نبين المقصود بالبناء وبالأشياء المعتبر جزءا من العقار ثم المقصود بالتهدم.
يقصد بالبناء كل ما شيده الإنسان متصلا بالأرض اتصال قرار بحيث يعتبر عقارا بطبيعته دون ما نظر لنوع المواد التي استعملت في البناء، ولا للغرض الذي من أجله شيد ولا لكون البناء قد شيد فوق سطح الأرض أو في باطنها.
ويقصد بالأشياء المعتبرة جزءا من العقار الأشجار والآلات المندمجة في البناء كالصاعد ومطافئ الحريق مثلا. والتوابع الأخرى سواء كانت من قبيل العقارات بطبيعتها كالشرفة والسلم وأنابيب المياه أو الأعمدة الخشبية التي تسند السقف، أم من قبيل العقارات بالتخصيص كالخزن والأسرة في الفندق والآلات والادوات في المصنع.
أما المقصود بالتهدم فهو تفكك البناء أو الأشياء المعتبرة جزءا من العقار وانفصالها عن الأرض أو عن الأصل المرتبطة فيه. ويستوي أن يكون التهدم تهدما كليا كانهيار البناء بمجموعه أو الشرفة أو السلم، أو يكون تهدما جزئيا كانهيار السقف أو أحد الجدران، أو سقوط غصن من أغصان الشجرة.
ويجب الانتباه، إلى أن الضرر الذي لا يحصل بسبب التهدم لا يقع تحت حكم الفصل 89. فلو أن شخصا مثلا زلت قدمه وهو يمشي في فناء بناء دهن بمادة لزجة فوقع وأصيب، أمكنه المطالبة بالتعويض عما أصابه من ضرر ولكن مطالبته تكون على أساس مسؤولية حارس الأشياء المنصوص عليها في الفصل 88 لا بالاستناد إلى المسؤولية المنصوص عليها في الفصل 89 والخاصة بتهدم البناء.
وينتج عن ذلك أن حارس البناء المطالب بالتعويض على أساس الفصل 88 لا يستطيع دفع المسؤولية عن نفسه بمجرد أن يثبت أن الضرر يرجع لخطأ المضرور أو لقوة قاهرة أو حادث فجائي، بل لا بد له علاوة على ذلك أن يقيم الدليل على أنه اتخذ جميع الاحتياطات اللازمة لمنع الضرر وإلا يبقى مسؤولا ولو كان من الثابت أن الضرر كان مرده حادثا فجائيا أو قوة قاهرة أو خطأ المضرور نفسه.
الشرط الثاني : يجب أن يكون التهدم قد وقع بسبب القدم أو بسبب عدم الصيانة أو بسبب عيب في البناء.
أما إذا وقع التهدم لغير ذلك من الأسباب كأن يكون حصل نتيجة حريق اجتاح البناء أو نتيجة هدمه طواعية من قبل صاحبه، فإن الأضرار التي يمكن أن يلحقها مثل هذا التهدم بالغير تقع تحت طائلة الفصل 88 المتعلقة بالمسؤولية حارس الأشياء، ولا تخضع لحكم الفصل 89 التي حصرت مسؤولية مالك البناء بالأضرار التي تنجم عن تهدمه بأحد الأسباب الحصرية التالية : القدم أو عدم الصيانة أو العيب في البناء.
جواز مطالبة مالك البناء باتخاذ تدابير وقائية : نص الفصل 90 على أن ” لمالك العقار الذي يخشى لأسباب معتبرة، انهيار بناء مجاور أو تهدمه الجزئي، أن يطلب من مالك هذا البناء أو ممن يكون مسؤولا عنه وفقا لأحكام الفصل 89 أن يتخذ الإجراءات اللازمة لمنع وقوع الانهيار “.
فهذا حكم وقائي أراد به المشرع المغربي أن يواجه حالة لا يكون فيها البناء قد تهدم فعلا، بل إنما هو مهدد بالانهيار بمجموعه أو في جزء منه .ففي هذه الحالة يجوز لمن تهدده ضرر من جراء احتمال انهيار البناء، أ ن يطالب من المالك أو غيره ممن يكون مسؤولا عن البناء كصاحب حق السطحية أو المنتفع أو الدائن المرتهن أو الحائز الحالي للعقار إذا كان ثمة نزاع على الملكية ‘في اتخاذ الإجراءات اللازمة للحيلولة دون وقوع الانهيار .