مسؤولية حارس الأشياء
خص قانون الالتزامات والعقود المغربي لمسؤولية حارس الاشياء الفصل 88 حيث قال : ” كل شخص يسأل عن الضرر الحاصل من الأشياء التي في حراسته إذا تبين أن هذه الأشياء هي السبب المباشر للضرر، وذلك ما لم يثبت :
1 أنه فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر
2 وأن الضرر يرجع إما لظرف طارئ أو لقوة قاهرة أو لخطأ المضرور “.
وقد أراد المشرع المغربي بهذا النص أن يستجيب للحاجات الاجتماعية الملحة الت يخلقها التطور الاقتصادي والتقدم الصناعي، مع ما رافقه من ظهور الآلات والأدوات الخطرة التي جعلت الأرواح والأموال عرضة لكثير من الأخطار والأضرار .
ويقتضي بحث مسؤولية حارس الأشياء أن نبحث في أساس هذه المسؤولية في مبحث أول، على أن نعرض لشروط تحقق هذه المسؤولية في مبحث ثان.
المبحث الاول : أساس مسؤولية حارس الاشياء
مسؤولية حارس الأشياء قوامها الخطأ المفترض في الجانب الحارس، وهو خطأ في الرقابة وعدم بذل العناية الخاصة التي تتطلبها حراسة الشيء.
دفع مسؤولية حارس الأشياء : قام بهذا الصدد نقاش لمعرفة ما إذا كانت قرينة الخطأ التي بنيت عليها مسؤولية حارس الأشياء هي قرينة قاطعة لا تقبل إثبات العكس أم أنها قرينة قانونية تقبل الدليل العكسي. وللمسألة أهمية كبيرة .
فإذا اعتبرت قرينة الخطأ قرينة قاطعة، امتنع على حارس الشيء دفع المسؤولية عنه لمجرد أن يثبت قيامه بواجب القرابة على الوجه الأكمل، بل لا بد له حتى يتحلل من المسؤولية من إقامة الدليل على أن الضرر الذي أصاب المضرور يرجع لسبب لا يد له فيه كالقوة القاهرة أو الحادث الفجائي أو خطأ المضرور نفسه أو خطا الغير. أما إذا اعتبر قرينة الخطأ قابلة للدليل العكسي فبوسع حارس الشيء أن يدفع عنه المسؤولية، إذا ما أثبت أنه قام بواجب الرقابة والحراسة وفعل ما كان ضروريا لمنع الضرر.
إن المشرع المغربي الذي لم يتشدد في مسؤولية حارس الحيوان حينما اعتبر قرينة الخطأ التي بنيت عليها هذه المسؤولية قرينة قابلة للبينة المعاكسة، انحاز هذه المرة إلى جانب المضرور وقرر اعتبار قرينة الخطأ التي بنيت عليها مسؤولية حارس الأشياء قرينة قاطعة لا يجوز معها للمسؤول دفع مسؤوليته إلا إذا أثبت :
- أنه فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر ؛
- 2- وأن الضرر يرجع إما لظرف طارئ أو قوة قاهرة أو خطأ المضرور.
ولما كان خطأ الغير يدخل في مفهوم الظرف الطارئ والقوة القاهرة، فإنه يصح أخذه بعين الاعتبار في معرض دفع مسؤولية حارس الاشياء. ثم إن خطأ المضرور لا يمكن الاعتداد به في معرض دفع المسؤولية عن حارس الشيء، إلا إذا كان الشخص المضرور ممن يتحمل بالمسؤولية التقصيرية لتمتعه بالإدراك والتمييز . أم إذا كان المضرور عديم التمييز لجنون أو صغر فلا يستطيع حارس الشيء التمسك بخطأ المضرور لتجنب المسؤولية، بل لا بد له من إقامة الدليل عل أن الضرر يرجع لظرف طارئ أو قوة قاهرة .
وعلى هذا قرر القضاء أنه لا يكفي لدفع المسؤولية أن يثبت حارس الشيء أنه قام باتخاذ الحيطة لمنع وقوع الضرر وأن أي خطأ لا يمكن أن يسند إليه، بل لا بد له أن يثبت علاوة على ذلك أن الضرر يرجع لسبب لا يد له فيه كالقوة القاهرة أو خطا المضرور. وما لم يثبت ذلك فمسؤوليته تبقى قائمة رغم انتفاء الخطأ من قبله.
وعلى العكس قرر القضاء أنه لا يكفي لدفع المسؤولية أن يثبت الحارس أن الحادث قد وقع نتيجة خطأ المضرور أو بصورة أعم نتيجة ظرف طارئ أو قوة قاهرة، بل لا بد علاوة على ذلك أن يثبت قيامه بكل ما هو ضروري لمنع وقوع الضرر.
المبحث الثاني : شروط مسؤولية حارس الأشياء
يجب حتى تتحقق مسؤولية حارس الأشياء توافر الشرطين التاليين :
الشرط الأول : أن يتولى شخص حراسة شيء / الشرط الثاني : أن يحدث الشيء ضررا للغير .
الشرط الأول : يجب أن يتولى شخص حراسة شيء
تتطلب الإحاطة بهذا الشرط بيان مدلول الحراسة ثم تحديد مفهوم الشيء. فالحراسة يقصد بها هنا السلطة الفعلية في الرقابة والتوجيه والتصرف فحارس الشيء هو من له عليه السلطة الفعلية في رقابته وتوجيهه والتصرف في أمره. وفي ضوء هذا المعيار يمكن تقرير القواعد التالية :
أولا : لا يتحتم أن يكون حار س الشيء من يحوز الشيء حيازة مادية لأن الحراسة شيء والحيازة المادية شيء آخر : فسائق السيارة الذي يعمل لدى صاحبها مثلا له الحيازة المادية، ولكنه لا يعتبر حارسا، لأنه لا يملك السلطة الفعلية في التوجيه وفي التصرف بأمر السيارة. ثم إن مسؤولية حارس الشيء تبقى قائمة حتى لو زالت حيازته المادي للشيء.
ثانيا : كذلك لا يتحتم أن يكون الحارس من يتمتع بالحيازة القانونية فلو أن الشيء سرق من مالكه، فإن الحراسة تنتقل إلى السارق بانتقال السلطة الفعلية إليه.
ثالثا : الأصل أن مالك الشيء هو الحارس، لأنه هو صاحب السيطرة الفعلية على الشيء. وعليه إذا رفع المضرور الدعوى على المالك فلا يكون عليه أن يثبت أن المالك هو الحارس، إذ يقوم هذا الافتراض لصالحه. بل يترتب على المالك أن يثبت أنه لم يكن هو الحارس وقت وقوع الضرر، ويستطيع أن يثبت ذلك بجميع الطرق.
رابعا : ويعتبر بائع الشيء قبل التسليم هو الحارس فلا تنتقل الحراسة إلى المشتري إلا بالتسليم
خامسا : وتنتقل الحراسة من المالك إلى صاحب حق الانتفاع والمرتهن رهن حيازة كما تنتقل في المنقول إلى المستأجر والمستعير والوديع والناقل.
سادسا : وإذا انتقل الشيء إلى يد التابع، فالأصل أن تبقى الحراسة للمالك، لأنه هو الذي يملك السلطة الفعلية في التوجيه والتصرف في أمر الشيء. أما إذا خول المالك التابع سلطة التوجيه والتصرف في أمر الشيء، فالتابع يصبح هو الحارس. وكذلك إذا استعمل التابع الشيء لمنفعته الشخصية انتقلت إليه الحراسة.
سابعا : إذا سلم الشيء إلى من يتولى إصلاحه كما لو سلمت سيارة إلى ميكانيكي لإصلاحها، فإن الحراسة تنتقل إليه وذلك مالم يكن صاحب الشيء قد احتفظ بإشرافه عل الشيء إبان إصلاحه.
ثامنا :يعتبر معلم القيادة هو الحارس للسيارة أما من يتعلم القيادة فلا يعتبر حارسا. وعليه إذا دهس من يتعلم القيادة شخصا وهو يقود السيارة وأورث له ضرر، فالمسؤول عن هذا الضرر بوصفه حارسا لا يكون من يتعلم القيادة، بل المعلم الذي تقع عليه كحارس تبعة التعويض على المضرور.
الشيء : يراد بالشيء في هذا المقام كل شيء مادي غير حي شرط أن لا يكون ورد بشأنه نص خاص. وعليه تخرج من هذا النطاق الأشياء غير المادية التي ليست مما يقع تحت الحس. وكذلك تخرج الحيوانات لأنها أشياء مادية حية وتخضع لحكم خاص، وتخرج أيضا المباني فيما يتعلق بالأضرار التي تنجم عن انهيارها أو تهدمها الجزئي بسبب القدم أو عدم الصيانة أو عيب في البناء، كما يخرج ما هو معتبر جزءا من العقار كالأشجار والعقارات بالتخصيص فيما يتعلق بالأضرار التي تنجم عن سقوطها أو تهدمه الجزئي، لأن كل ذلك يخضع لأحكام خاصة ورد عليه النص في الفصلين 89 و90 من قانون الالتزامات والعقود.
والشيء المقصود هنا، يستوي فيه أن يكون منقولا كالسيارة أو يكون عقارا بطبيعته كالأرض إذا انخسفت والمباني في غير حال انهيارها أو تهدمه الجزئي بسبب القدم أو عدم الصيانة أو عيب في البناء. والأشجار في غير حالة سقوطها أو تهدمها الجزئي لسبب من هذه الأسباب أو يكون من متممات البناء كالصاعد أو يكون عقارا بالتخصيص، كالآلات الزراعية المرصدة على استغلال عقار بطبيعته في غير حالة سقوطها أو تهدمه الجزئي.
وقانون الالتزامات والعقود إذ قرر مسؤولية حارس الأشياء عن الأضرار التي يمكن أن تحدثه للغير لم يميز بين أن يكون الشيء خطيرا أم غير خطير. وقد كان موفقا في ذلك على ما يبدو إذ أن مجرد كون الشيء أحدث ضررا للغير يدل على أنه كان شيئا خطيرا في الظروف التي حصل فيها الضرر وأن حراسته تتطلب عناية خاصة، هذا فضلا عن أن التمييز بين الأشياء الخطرة والأشياء غير الخطرة يصعب عمليا تطبيقه.
الشرط الثاني : يجب أن يحدث الشيء ضررا للغير
لا تتحقق مسؤولية حارس الشيء، إلا إذا أصاب الغير ضرر بفعل الشيء. لذا وجب أن نبحث في فعل الشيء ثم في ضرر الغير .
فعل الشيء : يعتبر الضرر ناشئا بفعل الشيء إذا كان الشيء قد تدخل تدخلا إيجابيا تسبب في إحداث الضرر، والتدخل الإيجابي يقتضي بطبيعة الحال أن يكون الشيء في وضع أو حالة تسمح عادة بأن يحدث الضرر كأن تكون السيارة التي أحدثت الضرر سائرة في الطريق، أو كأن تكون الحصادة تعمل في الحقل.
أما إذا كان دور الشيء سلبيا، كأن يرتطم شخص بسيارة واقفة ويصاب بسبب ذلك برضوض فلا يكون الضرر في هذه الحالة من فعل الشيء. ولا يستلزم التدخل الايجابي أن يكون هناك اتصال مادي مباشر بين الشيء والمضرور، فلو أن سيارة وقفت فجأة فاضطرت سيارة أخرى تسير خلفها إلى الانحراف عن الطريق لتفادي الاصطدام فارتطمت ببناء وتضررت، فإن السيارة الأولى تكون قد تدخلت إيجابيا في إحداث الضرر. ولو أن أحد المارة إذ يتفادى سيارة تسير بسرعة فائقة زلت قدمه فجرح كان ذلك تدخلا من السيارة في إحداث هذا الجرح.
وبديهي أن لحارس الشيء أن يناقش شرط التدخل الإيجابي وثبت أن دور الشيء لم يكن إلا دورا سلبيا، كما أن له إقامة الدليل على أنه رغم تدخل الشيء تدخلا إيجابيا فإنه فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر، وأن الضرر إنما يرجع لسبب أجنبي لا يد له فيه كقوة قاهرة أو حاث فجائي أوخطا من المضرور أو خطا من الغير، فإذا نجح في هذا الدليل أو ذاك انتفت مسؤوليته لعدم توافر الشروط المتطلبة لتحققها.
ضرر الغير : يسأل الحارس عن أي ضرر يصيب الغير بفعل الشيء الذي هو تحت حراسته، كأن تدهس السيارة أحد المارة وتكسر ساقه، أو تتطاير شرارة من القاطرة وتحرق مزروعات صاحب الحقل أو يقع أص من الزهور من عال فيصيب أحد المارة ويسبب له رضوضا. والغير المقصود هنا هو كل من سوى الحارس : فقد يكون أجنبيا عن الحارس وقد يكون هو تابع الحارس وقد يكون هو مالك الشيء إذا كان الشيء في حراسة شخص غير مالكه.
على أن شرطا أساسيا يجب أن يتوافر في الغير الأجنبي عن الحارس حتى يستطيع مساءلة هذ الحارس على أساس قرينة الخطأ المنصوص عليها في الفصل 88 وهو أن يكون الضرر قد لحق به دون أن يكون اشترك في استعمال الشيء .أما أولئك الذين يسهمون في استعمال الشيء، فإنهم يعتبرون راضين بتحمل المخاطر التي يمكن أن يكونوا عرضة لها من جراء هذا الاشتراك في الاستعمال ولا يستطيعون مطالبة حارس الشيء بالتعويض عن الأضرار التي يمكن أن تلحق بهم نتيجة استعمالهم الشيء إلا على أساس المسؤولية الشخصية القائمة على إثبات الخطأ. وقد طبق القضاء في المغرب هذه النظرية في حق الأشخاص الذين يطلبون من حار س سيارة أو دراجة نارية نقلهم بالمجان.
وتجدر الملاحظة، إلى أن مسؤولية حارس الشيء تنقلب من مسؤولية تقصيرية إلى مسؤولية عقدية، إذا وجد ثمة عقد بين المضرور والحارس وكان الضرر قد حصل بمناسبة تنفيذ هذا العقد. فالناقل مثلا يكون مسؤولا بمقتضى العقد عن سلامة الراكب. فإذا أصيب هذ الأخير بضرر أثناء النقل كانت مسؤولية الناقل مسؤولية عقدية لا مسؤولية تقصيرية. وكذلك تجدر الإشارة، إلى أن أحكام المسؤولية الموضوعية يجب استبعادها إذا نجم الضرر عن عدة أشياء من الجوامد كتصادم سيارتين. فقرينة الخطأ المفترض المقررة في جانب حارس كل من هذه الأشياء تتهاتر عندها وتحل المسؤولية التقصيرية الشخصية محل المسؤولية الموضوعية.