مؤسسة التعرض ودورها في حماية الحق العيني
مقدمة :
تعتبر الملكية العقارية أساس التنمية الاجتماعية والاقتصادية في كل بلد، فكلما كان الوعاء العقاري منظما وخاليا من المشاكل والمنازعات، كلما ساعد على تحقيق الأهداف والوظائف ذات الصلة به.
وفي ظل تعدد الأنظمة العقارية في التشريع المغربي، يبقى العقار المحفظ من أهم الأنظمة التي لها نسبة أكثر في الاستثمار الاقتصادي، نظرا لما يضفي على الملكية العقارية من وضع أكثر ثباتا واستقرارا ويخلق نوعا من الثقة في نفوس المتعاملين بشأنه.
فتحفيظ العقار وتأسيس رسم عقار خاص به، يجعله ذا مناعة قوية ومحصن من أي تأثير أو مزاعم أو ادعاءات، وتتم عملية التحفيظ بعد المرور بعدة مراحل وإجراءات مسطرية ينتج عنها في الأخير إنشاء رسم عقاري نهائي غير قابل للطعن.
ولا شك أن الصفة النهائية لقرار التحفيظ والأثر التطهير المترتب عنه يجعلان مثل هذا القرار ينطوي على خطورة بالغة تحدق بحقوق الغير، فكان لزاما أن تحاط مسطرة التحفيظ بضمانات كافية كفيلة بحماية هذه الحقوق، خاصة وأن مطلب التحفيظ مجرد تعبير عن إرادة منفردة هي الإرادة الحرة لطالب التحفيظ، وهو ما قد يفتح الباب على مصراعيه أمام السطو والاستيلاء على الممتلكات العقارية للغير في ظل نظام يعطي للتحفيظ حجه مطلقة[1].
وهكذا، ومن أجل تبرير هذه الحجية المطلقة لعملية التحفيظ فقد أحاط المشرع العقاري مسطرة التحفيظ بعملية إشهار واسعة من بدايتها إلى نهايتها، غايتها إطلاع العموم على مسلسل تحفيظ الملك موضوع مطلب التحفيظ، وفتح الباب امام الغير الذي يمكن أن تتعرض حقوقه للضياع من جراء التحفيظ للتدخل عن طريق مسطرة التعرض.
لذلك يعتبر التعرض ميزة من مميزات نظام التحفيظ العقاري، ووسيلة من وسائل تطبيق مبدأ التطهير المسبق للحقوق المزمع تحفيظها أو تقييدها، وهي الوسيلة العملية للوقوف في وجه التحايل والترامي على حق الملكية العقارية من طرف بعض سيء النية[2].
وقد نظم المشرع المغربي مؤسسة التعرض على مطلب التحفيظ بمقتضى ظهير 12 غشت 1913 والمعدل بمقتضى القانون 14.07 وخصص له الفرع الرابع من الباب الثاني للقسم الأول من الفصول 24 الى 51 من ظهير التحفيظ العقاري، وكذا بمقتضى القرار الوزاري الصادر في 03 يونيو 1915 الذي يقرر تفاصيل تطبيق النظام العقاري للتحفيظ.
فإلى أي حد استطاع المشرع توفير الحماية اللازمة لأصحاب الحقوق العينية من خلال آلية التعرض؟ وهل وفق المشرع في تعزيز هذه الحماية انطلاقا من الوسائل التي قررها لمسطرة التعرض؟
انطلاقا من هذه الإشكاليات سنحاول تناول مسطرة التعرض في بعدها الحمائي من خلال التصميم التالي :
المبحث الأول : الأحكام الخاصة بمؤسسة التعرض ونطاقه
- المبحث الثاني : التعرض ومبررات نهائيات الرسم العقاري
[1] فاطمة الحروف، حجية القيد بالسجل العقاري، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس الرباط، ملية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، السنة الجامعية 1993-1994، ص 51.
[2] محمد خيري، قضايا التحفيظ في التشريع المغربي، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، الطبعة 5، 2009، ص 189.