عرض رصد فيه مجموعة من طلبة ماستر قانون الأعمال بتطوان أهم قواعد المنازعات العقارية على ضوء مدونة الحقوق العينية، ستجد أسماء الطلبة أسفل الصفحة.
مقدمة:
لقد صدر بالجريدة الرسمية عدد 5998 بتاريخ 27 ذي الحجة 1432، الموافق لـ 24 نونبر 2011 الظهير الشريف رقم 1.11.178 الصادر بتاريخ 25 ذي الحجة 1432، الموافق لـ 22 نونبر 2011، بتنفيذ القانون رقم 39.08 بمثابة مدونة الحقوق العينية، ويشتمل هذا القانون على 334 مادة موزعة على فصل تمهيدي يتضمن الأحكام العامة “المواد 1 إلى 7” وكتاب أول يتحدث عن الحقوق العينة العقارية “المواد من 8 إلى 221” وكتاب ثاني يتناول أسباب كسب الملكية والقسمة العقارية “المواد من 222 إلى 334”.
ومن المعلوم أن إصدار مدونة الحقوق العينية جاء في إطار السياق العام لجمع وتوحيد القواعد المؤطرة للعقار بصورة عامة، بشكل يضمن الرجوع إلى نص قانوني موحد عوض نصوص قانونية وقواعد فقهية متفرقة هذا من جهة، ومن جهة ثانية تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية أو ما يعبر عنه “بالأمن العقاري” فتوحيد النصوص القانونية للعقار في إطار مدونة شاملة ومتكاملة يسهل على المتعامل في العقار الاطلاع على تلكم النصوص، كما يسهل مأمورية القاضي في النزاعات المرتبطة بالعقار عموما، وعلى التطبيق السليم لها باعتبارها مرجعية موحدة.
وقبل صدور مدونة الحقوق العينة لم يكن هناك مرجع قانوني خاص ينظم العقار الغير محفظ بالمغرب، بل كان القضاء يرجع للبت في المنازعات المرتبطة بهذا الصنف من العقارات إلى القواعد الفقهية، وخاصة الراجح والمشهور وما جرى به العمل في فقه الإمام مالك، وهو ما كان يؤدي إلى تضارب الأحكام والقرارات القضائية، تبعا لتعدد وتشعب الآراء والمقتضيات الفقهية في هذا الإطار، بالإضافة إلى ضعف تكوين القضاة وعدم إلمامهم بالقواعد الفقهية ذات الصلة بالفقه المالكي.
والمشرع المغربي في سعيه لإصدار مدونة الحقوق العينة لم ينطلق من فراغ، بل استند إلى أرضية تتمثل في ظهير 1915 المتعلق بالحقوق العينية والمطبق على العقار المحفظ، وقواعد الفقه الإسلامي المطبقة على العقار غير المحفظ، والأعراف المعمول بها في هذا المجال.
ونظرا لأهمية العقار في تحقيق النمو والازدهار للمجتمع، فإن المنازعات حوله تتنوع وتتعدد، وهي منازعات تمس جميع أصناف العقار، خاصة العقار غير المحفظ والعقار في طور التحفيظ، حيث يتم الفصل فيها من خلال تطبيق القضاء لمجموعة من القواعد الموضوعية والإجرائية، ومن هنا تنبع أهمية موضوع قواعد المنازعات العقارية في ضوء مدونة الحقوق العينية.
ولقد وضعت مدونة الحقوق العينة من خلال موادها مجموعة من القواعد القانونية المتعلقة بالمنازعات العقارية، فما هي أهم القواعد المرتبطة بالمنازعات العقارية في ضوء مدونة الحقوق العينية؟
للإجابة عن الإشكال المطروح سنخصص (المبحث الأول) للقواعد المستنبطة من الكتاب الأول من مدونة الحقوق العينية، فيما سنرصد (المبحث الثاني) للقواعد المستخرجة من الكتاب الثاني من مدونة الحقوق العينية.
المبحث الأول : القواعد المستنبطة من الكتاب الأول
لقد استهل المشرع المغربي القانون رقم 39.08 بمثابة مدونة الحقوق العينية، بفصل تمهيدي خصصه لأحكام عامة موزعة على سبعة مواد، ثم أتبعه بكتاب أول تحت عنوان “الحقوق العينية العقارية”، إذ قسمه إلى ثلاثة أقسام حيث خصص القسم الأول منه للحقوق العينة الأصلية، في حين تضمن القسم الثاني الحقوق العينية التبعية، أما القسم الثالث فيتعلق بالحجز والبيع الجبري للعقارات.
وعليه سنساير المشرع في نهجه ونقسم هذا المبحث إلى مطلبين؛ المطلب الأول سنخصصه للحديث عن القواعد الواردة في الفصل التمهيدي، على أن نرجئ الحديث في المطلب الثاني عن القواعد المستمدة من الكتاب الأول من المدونة.
المطلب الأول : القواعد الواردة في الفصل التمهيدي[1]
لقد تضمن الفصل التمهيدي على قلة مواده قواعد جد هامة تسعف القاضي لا محال في الوقوف على حقيقة كل منازعة على حدة، لذلك سنحاول التنقيب في بعض مواده لعلها تبوح لنا بمكامنها أو ما تحتويه من قواعد.
الفقرة الأولى: نطاق تطبيق مدونة الحقوق العينية
نصت المادة الأولى من القانون 39.08 الخاص بمدونة الحقوق العينية على نطاق تطبيق هذا القانون بالنص على انه : ((تسري مقتضيات هذا القانون على الملكية العقارية والحقوق العينية العقارية ما لم تتعارض مع تشريعات خاصة بالعقار.
تطبق مقتضيات الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1331 (12 غشت 1913) بمثابة قانون الالتزامات والعقود في ما لم يرد به نص في هذا القانون، فان لم يوجد نص يرجع إلى الراجح أو المشهور وما جرى به العمل من الفقه المالكي)).
يتضح إذن من المادة السابقة بأن مدونة الحقوق العينية تطبق على الملكية العقارية[2] بصفة عامة وكذا الحقوق العينية المتفرعة عنها وسواء كانت العقارات محفظة أو غير محفظة أو في طور التحفيظ.
ولا يسري هذا القانون إذا تعارض مع تشريعات خاصة بالعقار حيث تكون الأولوية لهذه التشريعات الخاصة كما هو الشأن بالنسبة للقانون 14.07 أو القانون المتعلق بالملكية المشتركة 18.00 أو القانون المتعلق بالتجزءات العقارية…
وفي حالة انعدام النص القانوني في مدونة الحقوق العينة فان المشرع نص صراحة على أولوية تطبيق قانون الالتزامات والعقود وعند عدم وجود النص في هذا الأخير يتعين الرجوع إلى الفقه المالكي الراجح منه[3] والمشهور[4] وما جرى به العمل في هذا الفقه، وبذلك أنهى المشرع الخلاف الذي كان دائرا بين أوساط الفقه حول أولوية التطبيق بين الفقه المالكي وقانون الالتزامات والعقود.
الفقرة الثانية: حجية التقييد في السجلات العقارية وفق المادة الثانية من مدونة الحقوق العينية
لقد نص المشرع المغربي بموجب المادة الثانية من قانون 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية على قاعدة غاية في الأهمية بموجبها تم التلطيف من الحجية المطلقة للتقييدات في السجلات العقارية فأصبحت لها حجية نسبية خلال أجل أربع سنوات من تاريخ التقييد، وحجية مطلقة بعد مرور أربع سنوات من تاريخ التقييد، وجاء في مضمون المادة الثانية ” إن الرسوم العقارية وما تتضمنه من تقييدات تابعة لإنشائها تحفظ الحق الذي تنص عليه وتكون حجة في مواجهة الغير على أن الشخص المعين بها فعلا هو صاحب الحقوق المبينة فيها.
إن ما يقع على التقييدات من إبطال أو تغيير أو تشطيب من الرسم العقاري لا يمكن التمسك به في مواجهة الغير المقيد عن حسن نية، كما لا يمكن أن يلحق به أي ضرر، إلا إذا كان صاحب الحق قد تضرر بسبب تدليس أو زور أو استعماله شريطة أن يرفع الدعوى للمطالبة بحقه داخل أجل أربع سنوات من تاريخ التقييد المطلوب إبطاله أو تغييره أو التشطيب عليه“.
وما يمكن ملاحظته من خلال الفقرة الأخيرة من هذه المادة، أنها حاولت التوفيق بين مصالح المقيد بحسن نية، ومصالح المالك الأصلي، فأوجدت استثناء على مبدأ الحجية المطلقة للتقييدات المضمنة بحسن نية، وذلك بالسماح بطلب التشطيب عما هو مضمن بالسجلات العقارية عن طريق التزوير أو التدليس داخل أجل أربع سنوات، وهو ما يعني أن حصر نطاق المطالبة القضائية من حيث الموضوع والأجل كان الهدف منه هو؛ محاولة التوفيق بين المصالح المتعارضة لكل من المالك الأصلي والمقيد بحسن نية،[5] إذ قيد نطاق المطالبة القضائية بالتشطيب عما هو مضمن بالرسم العقاري بحسن بقيدين هما:
- أن يكون موضوع المطالبة القضائية تدليس أو تزوير.
- أن يكون التقييد موضوع طلب التشطيب لم يمر عيه أجل أربع سنوات.
إذن يمكن القول أن التقييد في السجلات العقارية مؤسسة مهمة في نظام التحفيظ العقاري، لكن مزاوجة المشرع بين الحجة النسبية والحجة المطلقة، جعله يزيغ في بعض الأحيان عن الوظيفة الأساسية التي تقوم عليها التقييدات؛ وهي حماية المالك المقيد، لذلك جاءت مقتضيات المادة 2 من القانون رقم 39.08 فحاولت مواجهة الاستعمال السيئ لمبدأ الحجية النسبية للتقييدات، بأن جعلت له سقف زمني محدد في أربع سنوات من تاريخ التقييد بمرورها يصبح المقيد حسن النية محصنا من كل مطالبة قضائية قد تؤثر على مركزه القانوني كصاحب حق عيني.[6]
الفقرة الثالثة : إعمال قواعد الترجيح بين الحجج في إثبات الملكية العقارية
معلوم أن القاعدة في مجال الإثبات هي ” أن البينة على المدعي واليمين على من أنكر”، لكن قد تجد المحكمة في ملف النازلة دليلين متساويين في القوة ومتعارضين في البينة، ولا يكون للقاضي أن يفصل بينهما إلا بإعمال قواعد الترجيح قصد تغليب حجة أحدهما على الآخر وبالتالي القضاء له وفقا لحجته المستجمعة لأسباب الترجيح المحددة[7] قانونا.
والترجيح في اللغة مصدر رَجَحَ، يقال رَجَحَ الميزان أي مَالَ[8]، أما اصطلاحا: فيقصد به تقوية أحد الدليلين على الآخر[9].
وقد تضمنت المادة الثالثة من قانون 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية القواعد التي يقع بها الترجيح بين الحجج، وهي:
أولا: ذكر سبب الملك مقدم على عدم بيانه
المقصود بسبب الملك هو مجموع الوثائق التي توضح الطريقة التي توصل بها الحائز إلى حيازة الملك.
فإذا شهدت بينتان بملكية شيء وبينت إحداهما السبب ولم تبينه الأخرى، قدمت ذات السبب[10]، ومثال ذلك كما لو قال المدعي أن هذه القطعة الأرضية لفلان وهو الذي يستغلها أو ورثها عن أبيه، وقالت بينة المدعى عليه أنها له ولم تزد على ذلك، أي لم تذكر سبب تملكه، فإن البينة الأولى تقدم على الثانية.
وقد أقر المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) هذه القاعدة في أحد قراراته حيث نص على أن ” المحكمة كانت على صواب لما استبعدت رسوم الأشرية الموجودة بعلة أنها غير مؤسسة على أصل الملك، وبالتالي فإن قرارها جاء على صواب ومرتكزا على أساس، وغير خارق لقواعد مسطرة التحفيظ، ويضيف القرار تعليله أن الأشرية المجردة لا تثبت الملك ولا ينتزع بها من يد الحائز”[11].
ثانيا: تقديم بينة الملك على بينة الحوز
فإذا شهدت إحدى البينتين بالملك والأخرى بالحوز، قدمت الشهادة بالملك ولو كان تاريخ الحوز سابقا، لأن الحوز أعم من الملك، لأنه يكون بالملك وبالإكراه وبالوديعة وبالعارية وبغير ذلك، والأعم لا يعارض الأخص لأنه إشعار له بأخص معين.[12]
فإذا تنازع شخصان حول ملكية أرض مثلا؛ وأدلى أحدهما ببينة تشهد له بأن تلك الأرض على ملكه، وأتى الآخر ببينة تشهد بأن تلك الأرض في حيازته، ولم تذكر أنه يملكها، فإن البينة الأولى تقدم على الثانية، لأن الحوز قد يكون عن ملك وقد يكون عن غيره، فهو أعم والملك أخص، والأعم لا يدل على الأخص.
وتبعا لذلك فلو أرفق المدعي مقاله بما يفيد تملكه للعقار وأدلى المدعى عليه برسم يثبت أنه يحوز العقار، فإن رسم الملكية يرجح على رسم الحيازة.[13]
ثالثا : زيادة العدالة[14] والعبرة ليست بالعدد
المشهور لدى فقهاء المذهب الملكي في هذا الصدد هو ترجيح البينة التي يكون شهودها أمثر عدالة من شهود البينة الأخرى، وهو المعبر عنه بزيادة العدالة.
كأن يكونوا أكثر منهم شهرة بالخير والصلاح، ولكونهم لا تنطوي عليهم الحيل،[15] فتقدم هذه الحجة التي لا عدالة فيها زائدة، لقول الشيخ خليل ” ” وبمزيد عدالة لا عدد” وتمكن العبرة في هذه القاعدة أنه في مقدور كل من الخصمين أن يزيد في عدد الشهود، في حين قد يصعب على أحدهما إشهاد من هو أكثر عدالة.
رابعا: تقديم بينة النقل على بينة الاستصحاب
القاعدة هي أن الأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يقوم الدليل على خلافه، لأن الأصل إذا اعترض عليه دليل خلافه بطل.
كما معروف أيضا فالأصل هو الاستصحاب إلى أن يثبت الناقل، فإذا ا استدل بحجج متعرضة وكانت إحدى الحجج تتمسك بالاستصحاب أي الأصل، والأخرى تثبت النقل عن ذلك الأصل، رجحت الناقلة على الحجة المستصحبة.
وتجدر الإشارة إلى أن البينة الناقلة لا تقدم على المستصحبة إلا إذا بينت سبب النقل من بيع أو ارث…فإن لم تبين ذلك فلا تقدم.
فمثلا: لو تنازع شخصان على ملكية منزل فأدلى المدعي ببينة تشهد بأن تلك المنزل له، واتى المدعى عليه ببينة تشهد بأن تلك الدار له وانه اشتراها من المدعي، فان هذه البينة الأخيرة تقدم على البينة الأولى.
وفي مثال آخر فمن مات عن دار واثبت ولده أنه لم تخرج عن ملك والده إلى أن مات وأثبتت زوجته أنه أعطاها إياها في صداقها مثلا، قدمت بينتها لأنها ناقلة.
خامسا: تقديم بينة الإثبات على بينة النفي
الحجة المثبتة للحقوق والأشياء تقدم على الحجة النافية لها، فمثلا: إذا أدلى المدعي ببينة تفيد أن الملك له، ووجه ببينة المدعى عليه التي تنفي كونه مالكا فإن بينة المدعي مثبتة، وبينة المدعى عليه نافية، فتقدم المثبتة على النافية.[16] كذلك الأمر إذا شهدت إحدى البينتين بان الصدقة مثلا وقعت في حال مرض الموت، وذلك قصد التوصل إلى إبطالها، وشهدت البينة الأخرى بان الصدقة وقعت في حالة الصحة، قدمت الثانية على الأولى.
سادسا : تقديم بينة الأصالة على خلافها أو ضدها
يقصد بتقديم الأصالة أي أن الحجة التي شهدت بالأصل تقدم على الحجة التي شهدت بخلافه كالحرية على الرق، والجرح على التعديل، والصغر على البلوغ، والصحة على المرض، وصحة العقل على خلله، إلا أن يغلب الفساد والسفه على الرشد، والإكراه على الطوع، والعسر على اليسر والكفاءة على ضدها.[17]
فمثلا لو ادعى أحد الخصمين أنه دائن للآخر الذي أنكر المديونية وأدلى كل واحد منهما بحجة تثبت ادعاءه فإن بينة الثاني الذي أنكر الدين هي التي ترجح لأن الأصل في الإنسان براءة الذمة إلى أن يثبت العكس.
سابعا : تقديم تعدد الشهادة على شهادة الواحد
فشهادة الشاهدين فأكثر تقدم على شهادة الواحد، وحسب القواعد الفقه المالكي، فإن شهادة الشاهدين مقدمة على شهادة الواحد أو شهادة مع يمين أو شاهد مع امرأتين لقوله تعالى :” فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان”[18] ما لم يكن الشاهد الذي مع المرأتين أعدل فيقدم هو والمرأتان على الشاهدين الاثنين، وتبعا لذلك فشهادة الذكرين تقدم على ما ذكرت من الشهود.
ثامنا : تقديم البينة المؤرخة على البينة غير المؤرخة
يقصد بها ذكر التاريخ، فإذا كانت إحدى البينتين مطلقة، والأخرى مؤرخة، ترجح البينة المؤرخة على البينة المطلقة بسبب اشتمالها على التاريخ[19].
فإذا تنازع شخصان على عقار وبينت الحجج أن ذلك العقار في حيازة الأول وملكه منذ خمس سنوات، في حين لم تذكر حجة الطرف الثاني تاريخا محددا، فإن حجج الطرف الأول ترجح على الثاني بسبب ذكرها التاريخ.
تاسعا : تقديم البينة السابقة على البينة اللاحقة تاريخا
قد تكون لدينا حجتان وكلتاهما مؤرختين، في هذه الحالة يتعين ترجيح الحجة ذات التاريخ القديم على الحجة ذات التاريخ الحديث، يعني تاريخ التصرف لا تاريخ التحرير، أي تاريخ وضع اليد وليس تاريخ التحرير.
فإذا قالت إحداهما يملكه عامين، والأخرى عاما، قدمت ذات العامين، لأن الملك تثبت الأقدم والأصل والاستصحاب وبقاء ما كان على ما كان.[20]
عاشرا : تقدي بينة التفصيل على بينة الإجمال[21]
فإذا تنازع شخصا حول ملكية عقار، وأدلى المدعي ببينة تشهد بأن المدعي فيه ملك له من أكثر من عشر سنين، وشهدت بينة المدعي عليه بحوزه للعقار مدة عشرين سنة، فالأولى تعتبر مجملة، والثانية مفصلة، فترجح الثانية على الأولى، وقد طبق القضاء المغربي ذلك عندما قضى بما يلي :” إن الإجمال في بيان مدة الحيازة يعد عيبا في رسم موجب الاستمرار الذي استدل به لإثبات التملك على الشياع، وغير عامل لإجماله في بيان مدة الحيازة”[22].
الفقرة الرابعة : توثيق التصرفات العقارية وفق المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينة
باعتبار أن الإنسان تجمعه علاقة وطيدة بالعقار وكون هذا الأخير محرك للتنمية الاقتصادية، فإن المشرع المغربي تفطن إلى ذلك وعمل على إصدار مدونة الحقوق العينية التي تنظم التعاملات التي تجري على العقارات، فمن خلال المادة الرابعة من القانون رقم 39.08 نجد أن المشرع نص على شكلية إبرام التصرفات العقارية.
نستشف من هذه المادة أن الجدل الذي كان يثور حول الكتابة في بيع العقار لم يعد ممكنا، فإذا كان هناك من يفسر الفصل 489 من قانون الالتزامات والعقود تفسيرا ضيقا ويقول بأن عقد بيع العقار هو عقد رضائي وأن الكتابة لا تعتبر إلا وسيلة إثبات لهذا التراضي، فإن المدونة ومن خلال المادة الرابعة وضعت جوابا صريحا لذلك :” يجب أن تحرر – تحت طائلة البطلان – جميع التصرفات المتعلقة بنقل الملكية أو إنشاء الحقوق العينة الأخرى أو نقلها أو تعديلها أو إسقاطها بموجب محرر رسمي، و بمحرر ثابت التاريخ يتم تحريره من طرف محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض ما لم ينص قانون خاص على خلاف ذلك“.
فالمشرع في المادة الرابعة استعمل عبارة “يجب” وكذلك عبارة “تحت طائلة البطلان” فيجب تعني الإلزام وأن عدم القيام بالشيء الذي وجب القيام به يجعل الشيء كأن لم يكن، كما أن مصطلح البطلان يفيد أن الالتزام لم يوجد أصلا ولم تقم له قائمة.[23]
يمكن القول أن عدم توفر شكلية الكتابة في البيوعات العقارية وخصوصا التصرفات الواردة عليها عموما يجعل العقد والعدم سواء.
من هنا نتساءل ما هي الأهداف التي يطمح المشرع تحقيقها من خلال المادة 4 من هذه الحقوق العينية؟
إن المتأمل في المادة الرابعة من القانون رقم 39.08 يجد أن المشرع المغربي يروم تحقيق أهداف كثيرة سواء على المدى القريب أو المدى البعيد ومن بين هذه الأهداف:
أولا : الحفاظ على استقرار المعاملات
لقد راهن المغرب منذ سنوات قليلة عل القطاع العقاري حتى يكون رأس قطار التنمية، ذلك أن هذا القطاع ترتبط به عدة قطاعات صناعية وحرفية في غاية الأهمية، من قبيل الصناعات الحديدية وصناعة الإسمنت وصناعة الصباغات والصناعات الكهربائية…ثم إن العديد من الحرف لها ارتباط وثيق بهذا القطاع الحيوي من قبيل النجارة والألمنيوم والكهربائيين والسباكين….[24]
بالإضافة إلى أن عدم جعل الكتابة شكلية في المعاملات العقارية سينتج عنها العديد من النزاعات ولهذا حفاظا على استقرار المعاملات بغية تحقيق ذلك جعل المشرع تحرير التصرفات العقارية لا يكون إلا من طرف الموثق أو العدل أو المحامي المقبول للترافع أمام محكمة النقض.[25]
ثانيا: الحفاظ على حقوق الخزينة
إن الدولة لجأت إلى إجبارية تحرير التصرفات العقارية لدى الموثق أو عدل أو محامي مقبول لدى محكمة النقض وجعلهم ملتزمين بالتضامن مع الأطراف عن الحقوق الواجبة دفعها للخزينة.
وتبعا لذلك فالدولة لها الحق في فرض الضرائب واستخلاصها لما لها من سلطان وسيادة، ويتم استخلاصها لفائدتها وفوق ترابها، وانطلاقا من هذا المعطى وبما أن الدولة اعتبرت القطاع العقاري من أهم القطاعات التي تساهم في خلق الثروة فإنها تحرص أشد الحرص على استخلاص الضرائب والرسوم.[26]
ثالثا: مسؤولية محرر الوثيقة
وفقا للمادة الرابعة لمدونة الحقوق العينية يتم تحرير التصرفات في محرر رسمي[27] أو في محرر ثابت التاريخ[28] من طرف محامي مقبول للترافع أمام محكمة النقض وبالرجوع إلى أرض الواقع والممارسة اليومية نجد أن محرري العقود العرفية لا يتحملون أي التزام جزاء الأخطاء المهنية إلي يمكن أن يقوموا بها،[29] اللهم إذا استثنيا وكلاء الأعمال والموثق طبق مقتضيات ظهير 4 ماي 19595 والمحامي.
إذن يمكن القول أن المشرع من خلال المادة الرابعة التي تنص على إلزامية توثيق التصرفات العقارية قد ساير الواقع العملي.
المطلب الثاني : القواعد المتعلقة بالحقوق العينية العقارية
لقد تضمن الكتاب المتعلق بالحقوق العينية العقارية بشتى ضروبها سواء الأصلية أو التبعية جملة من القواعد المتعلقة بالمنازعات العقارية سنحاول الوقوف على بعضها في هذا المطلب وفق الفقرات الآتية.
الفقرة الأولى : حصرية الحقوق العينية واتصالها بالنظام العام
بالرجوع إلى القانون 39.08 نجد أن المشرع خصص الكتاب الأول منه للحقوق العينية العقارية نظرا لأهميتها القصوى، إذ عمل على سن مقتضيات قانونية خاصة بكل حق على حدة، وذلك بأن ميز بين الحقوق العينة الأصلية التي أفرد بها القسم الأول كاملا (المواد 14 إلى 141) والحقوق العينية التبعية التي خص لها المشرع القسم الثاني من الكتاب الأول (المواد 142 إلى 213).
وقد عرف المشرع المغربي الحق العيني العقاري في المادة 8 بأنه سلطة مباشرة يخولها القانون لشخص معين على عقار معين.
من خلال هذا التعريف نلاحظ أنه يلزم لوجود الحق العيني العقاري توفر ثلاثة عناصر:
- شخص يخول هذا الحق
- موضوع الحق (شيء مادي معين بذاته يرد عليه الحق)
- سلطة مباشرة على الشيء تمنح صاحب الحق مباشرة هذه السلطة تجاه سائر الناس دون تدخل من أي أحد. غير أنه يتعين لكي تعتبر هذه السلطة عنصرا من عناصر الحق العيني أن تكون سلطة قانونية أي أن مصدرها القانون.
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي عدد الحقوق العينية في المادتين 9 و10، بحيث خصص الأولى للحقوق العينية الأصلية، فيما الثانية للحقوق العينية التبعية، لكن الإشكال الذي كان يثار سابقا هو حول مدى إمكانية إنشاء حق عيني آخر غير تلك المنصوص عليها في المادتين 9 و10؟
إن المتفحص للقانون 39.08 يجد أن المشرع المغربي قد قطع دابر هذا الخلاف، إذ وضع قاعدة صريحة وقاطعة وذلك من خلال المادة 11 التي جاء فيها ” لا يجوز إنشاء حق عيني آخر إلا بالقانون”.
فعلى ضوء هذه المادة يمكن القول أنه لا يجوز إنشاء أي حق عيني آخر غير الحقوق المنصوص عليها في المادتين 9 و 10، الواردة على سبيل الحصر وليس على سبيل المثال، وبالتالي على القاضي العقاري عند النظر في القضايا العقارية أن يِؤخذ هذه القاعدة بعين الاعتبار.
قاعدة : حق الملكية أصل كل الحقوق.
يعتبر حق الملكية أم الحقوق العينية وباقي الحقوق متفرعة عنه ومرتبطة به، ولهذا نص الإعلان العالمي لحقو الانسان المصادق عليه سنة 1948 في جنيف في فصله 17 على أنه:” لكل شخص حق التملك بمفرده أو بالاشتراك مع غيره“، ولأهميته القصوى عمل المشرع المغربي على العناية به إذ نص الفصل 35 من دستور فاتح يوليوز 2011 على أنه:” يضمن القانون حق الملكية. ويمكن الحد من نطاقها وممارستها بموجب القانون، إذا اقتضت متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد. ولا يمكن نزع الملكية إلا في الحالات ووفق الإجراءات التي ينص عليها القانون” وهكذا يكون المشرع خول لكل مواطن الحماية الدستورية لحق الملكية، بحيث إنه لا يجوز المساس بهذا الحق إلا وفق الشروط والحالات المقررة في القانون.
بالإضافة إلى ذلك عمل المشرع المغربي على تنظيم هذا الحق في القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية، وخصص له الباب الأول من القسم الأول من الكتاب الأول في المواد 14 إلى 23، وبالعودة إلى المادة 14 نجدها تعرف حق الملكية بكونه:” يخول حق الملكية مالك العقار دون غيره سلطة استعماله واستغلاله والتصرف فيه، ولا يقيده في ذلك إلا القانون أو الاتفاق”، فهذه المادة توضح بجلاء العنصر الذي يميز حق الملكية عن باقي الحقوق الأخرى إذ يملك صاحبه سلطات ثلاث الاستعمال والاستغلال وكذا التصرف وهذا الأخير هو جوهر هذا الحق.
لكن المشرع المغربي لم يجعل هذا الحق مطلقا، بل أورد عليه استثناءات وقيود عديدة، إذ ورد في المادة 19 على أن “: لمالك العقار مطلق الحرية في استعمال ملكه واستغلاله والتصرف فيه وذلك في النطاق الذي تسمح به القوانين والأنظمة الجاري بها العمل”، أيضا لا يجوز لمالك العقار أن يستعمله استعمالا مضرا بجاره ضررا بليغا، والضرر البليغ يزال[30].
كما أنه لا يجوز حسب المادة 23 أن يتم المساس بحق الملكية ولا حرمان صاحبه من التصرف فيه واستعماله، ولا نزع ملكيته منه إلا في الحدود التي ينص عليها القانون ولأجل المنفعة العامة مع تعويض مناسب.
الفقرة الثانية : منع بعض التصرفات القانونية المنصبة على بعض الحقوق المشاعة
سعى المشرع المغربي إلى تحقيق التوازن العقدي بين حقوق والتزامات العقد أو الالتزام بين طرفي الحق العيني من أجل تحقيق العدالة والأمن العقاري وتفعيل مساهمة العقار في تشجيع الاستثمار وتنشيط الدورة الاقتصادية، لذلك عمل على منع بعض التصرفات القانونية الواردة على بعض الحقوق المشاعة، خاصة حق السطحية (م 116) وحق الزينة (م131) وحق الهواء والتعلية (م139) والمغارسة (م 265)، إلا باتفاق جميع الشركاء توقيا لحالات النزاع المستحكم المتعلق بها ولتخفيف العبء على المحاكم بشأن النزاعات المثارة بشأنها، لهذا تعتبر هذه القاعدة التي وضعها المشرع جد مهمة تسهل على القاضي فض أي منازعة على هذه الشاكلة، ما دام المشرع قد حدد مدة قانونية بانقضائها ينقضي الحق.
الفقرة الثالثة : تحديد المدة القصوى لبعض الحقوق
عمل المشرع المغربي على إيجاد نوع من التوازن بين أطراف العلاقة المنصبة على الحقوق العينية بحيث قام بتحديد المدة القصوى لحياة بعض الحقوق لمنع كل تعسف من قبل كل طرف يسعى للسيطرة على بنود العقد حماية للتراضي ولحقوق الطرف الضعيف في العلاقة، وأيضا لتشجيع الاستثمار وخلق اكبر تنافسية ممكنة.
وهكذا نصت المادة 100 من المدونة على أنه ” ينقضي حق الانتفاع الممنوح للأشخاص المعنوية بانصرام مدة أقصاها أربعون سنة”
كما نصت المادة 121 على أنه” يخول الكراء الطويل الأمد للعقارات للمستأجر حقا عينيا قابلا للرهن الرسمي ويمكن تفويت هذا الحق وحجزه طبقا للشروط المقرر في الحجز العقاري.
يجب أن يكون هذا الكراء لمدة تفوق عشر سنوات دون أن تتجاوز أربعين سنة وينقضي بانقضائها”
ونصت أيضا المادة 134 على أنه ” يجب أن لا تتجاوز مدة حق الزينة أربعين سنة، فإذا نص العقد على مدة أطول أو سكت عن تحديد المدة فان المدة المعتبرة هي أربعون سنة.”
من خلال هذه المواد يتضح أن المشرع المغربي من خلال وضعه لمدة قصوى لبعض الحقوق إنما كان يهدف إلى التقليص ما أمكن من النزاعات التي تثار بخصوص مدة بعض الحقوق خاصة الكراء الطويل الأمد.
الفقرة الرابعة : التقييد الاحتياطي[31] الإجباري كشرط لقبول الدعوى
لإعطاء القوة والمصداقية للرسم العقاري وتفادي إشكالية تعديل وتحيين الرسوم العقارية وإبطال التسجيلات ولزرع الطمأنينة تم فرض إجبارية التقييد الاحتياطي، باعتباره الإجراء الوحيد لضمان الحقوق العينية والتحملات العقارية على الرسم العقاري، لكون نشأة الحقوق ونقلها وتعديلها وإسقاطها مرتبط بإجراء التقييد، وهذا يضفي على البيانات الواردة به القوة الثبوتية المطلقة في مواجهة الكافة.
ولذلك يعتبر التقييد الاحتياطي بالرسم العقاري شرطا جوهريا لحفظ الحق والإعلان عنه بالرسم العقاري تطبيقا لمبدأ الأثر الإنشائي للتسجيل وفق مقتضيات القانوني العقاري مما يخول الاحتجاج به في مواجهة الغير، لضمان الأمن القانوني للمعاملات العقارية، فمن خلال التقييد الاحتياطي تبقى الحقوق مضمونة وفي منأى من الضياع طالما أن المشرع خول أصحابها حق الاستفادة من رتبة التقييد من تاريخ إجرائه، وذلك في مواجهة أصحاب التقييدات اللاحقة سواء أكانت نهائية أم مؤقتة، لذلك يعتبر تقييد عقاري مؤقت قابل للتحول إلى تقييد نهائي للحق في المستقبل بأثر رجعي، فدوره يتمثل في حفظ التقييدات المؤقتة للمراكز القانونية وضمان الاحتجاج بها في مواجهة الأغيار.
إن التقييد الاحتياطي يهدف إلى حماية حق عيني على العقار المطلوب إجراء القيد عليه لحفظ حق الطالب لا المحافظة على حق شخصي.
كما نصت المادة 13 من المدونة ” إن الدعاوى الرامي إلى استحقاق عقار محفظ أو إسقاط عقد منشئ أو مغير لحق عيني لا مفعول لها اتجاه الغير إلا من تاريخ تقييدها بالرسم العقاري تقييدا احتياطيا”.
المبحث الثاني : القواعد المستخرجة من الكتاب الثاني من مدونة الحقوق العينية
خصص المشرع المغربي الكتاب الثاني من مدونة الحق العينية لأسباب كسب الملكية والقسمة، وذلك من خلال قسمين؛ أما القسم الأول فهو يتعرض لأسباب كسب الملكية في المواد 222 إلى 311، وأما القسم الثاني فقد أفرده المشرع للقسمة في المواد 313 إلى 334 ولكل من القسمين قواعده المتميزة، وفي سبيل استخراج القواعد الأساسية التي يرتكز عليها الكتاب الثاني من مدونة الحقوق العينية يحسن بنا تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين؛ نعالج في المطلب الأول القواعد المرتبط بأسباب كسب الملكية، فيما نتطرق في المطلب الثاني للقواعد المتعلقة بالقسمة.
المطلب الأول : القواعد المرتبطة بأسباب كسب الملكية
يضمن الكتاب الثاني المرتبط بأسباب كسب الملكية بين دفتيه مجموعة من القواعد ذات الصلة بالمنازعات العقارية، التي يجب على القاضي العقاري إعمالها وهو بصدد النظر في قضايا عقارية، ولهذا سنحاول الوقوف على أهمها في الفقرات الآتية.
الفقرة الأولى : إحياء أراضي الموات والحريم
قاعدة : إحياء الأراضي الموات لا يخول لمحييها ملكيتها وإنما يخوله فقط حق استغلالها فيما تبقى رقبتها للدولة.
عرف المشرع الأراضي الموات في المادة 222 من مدونة الحقوق العينية قائلا :” أراضي الموات التي لا مالك لها تكون ملكا للدولة، ولا يجوز وضع اليد عليها إلا بإذن صريح من السلطة المختصة طبقا للقانون” وأردف المشرع قائلا في المادة 223 ” من أحيى أرضا من الأراضي الموات بإذن من السلطة المختصة فله حق استغلالها” ونص المادة 223 هو الشاهد لدينا، إذ أقرت هذه المادة أن من أحيى أرضا ميتة فله حق استغلالها فقط، أما ملكيتها فتعود للدولة، جاء في المادة 223 ونص ما به الغرض منه “…فله حق استغلالها” وزيادة في الإيضاح فإن القضاء أثناء تعاطيه مع نزاع عقاري يهم إحياء الأراضي الموات سيمكن محيي تلك الأرض بإذن من السلطة المختصة من حق استغلالها لا غير، استنادا إلى القاعدة الواردة في المادة 223.
قاعدة : تكبيل يد الغير ما عدا أهل البلدة أو مالك الدار أو رب البئر أو الشجر من استغلال الحريم أو إحداث أي شيء فيه.
الحريم في اللغة هو ما حرم فلا ينتهك ولا يمس، وفي اصطلاح الفقهاء هو ما تمس إليه الحاجة لتمام الانتفاع المعمور.[32]
وموضع الشاهد في هذه القاعدة هو ما سطره المشرع بالمادة 226 من مدونة الحقوق العينية حين أشار أنه :” يختص أهل البلدة أو مالك الدار أو رب البئر أو الشجر بالحريم ويمنع الغير من استغلاله أو إحداث أي شيء فيه، وكل ما يضر بهذا الحريم يزال”، تحمل هذه المادة في طياتها قاعدة تنير الطريق أمام القاضي عند بته في نزاع يتعلق بالحريم، ألا وهي غل يد الغير ويقصد بالغير في هذا المقام كل شخص ليس من أهل البلدة وليس مالكا للدار أو رب البئر أو شجر من استغلال الحريم أو إحداث أي شيء فيه.
ولم يترك المشرع الحبل على الغارب، بل تولى بنفسه تحديد الحريم على النحو التالي : حريم :
- الجماعة أو البلدة مداخلها ومخارجها المؤدية إلى هذه الجماعة أو البلدة.
- الدار ما تقف به أهلها في إقامتهم بها، وتشترك الدور المجتمعة في حريم واحد ينتفع به أهل كل دار بما لا يضر بغيرهم من الجيران.
- البئر أو الثقب أو أي مورد من موارد المياه السطحية أو الجوفية هو ما يسع واردها ويكون إحداث شيء فيه ضارا ب هاو بمائه.
- الشجرة ما تحتاج إليه في سقيها ومد جذورها وفروعها مع مراعاة الأحكام المنصوص عليها في المواد المتعلقة بقيود الجوار.
الفقرة الثانية : الالتصاق بالعقار
يعد الالتصاق سببا من أسباب كسب الملكية يكون بمقتضاه لصاحب الشيء أن يتملك ما اتصل به اتصالا يتعذر فصله منه دون تلف، ويميز المشرع في مدونة الحقوق العينية بين نوعين من الالتصاق وهما: الالتصاق بفعل الطبيعة (أولا) والالتصاق بفعل الإنسان (ثانيا).
أولا : الالتصاق بفعل الطبيعة
قاعدة : إذا جاء الطمي على أرض أحد فهو ملكه.
نجد هذه القاعدة بوضوح منقطع النظير، فهي تستنتج بالبداهة من المادة 227 من مدونة الحقوق العينية ونصها :” الطمي الذي يأتي به السيل إلى أرض يملكها الغير يصبح ملكا لصاحب هذه الأرض” وبما أنه بالمثال يتضح المقال نسوق المثال الآتي: الطمي الذي تتركه مياه الفيضان بعد انسحابها فيكون طبقة على الأرض، فيصبح ملكا لصاحب الأرض وسبب ذلك هو الالتصاق بالطبيعة.
قاعدة : الأراضي التي تغطيها المياه لفترة مؤقتة فتزول تبقى في ملكية صاحبها الأصلي وليس لأحد أن ينازعه فيها، أما الأراضي التي تنحسر عنها المياه الراكدة البحيرات والبرك والمستنقعات تبقى ملكا عاما للدولة.
وإلى الأراضي التي تنحسر عنها المياه الراكدة أومأت المادة 229 بقولها :” الأراضي التي تنحسر عنها المياه الراكدة كالبحيرات والبرك والمستنقعات تبقى على حالها ملكا عاما للدولة، كما أن الأراضي التي غمرها تلك المياه مؤقتا تظل على ملكية أصحابها”.
ثانيا : الالتصاق بفعل الإنسان
تنتظم مقتضيات الالتصاق بفعل الإنسان من خلال المواد من 231 إلى 238 من مدونة الحقوق العينية، وجميع هذه المقتضيات تدور في فلك قاعدة مركزية وهي:
قاعدة : كل ما يضم للعقار أو يدمج فيه فهو للمالك.[33]
وعلق المشرع إعمال القاعدة أعلاه، على توفر جملة من القواعد ورد النص عليها في المواد من 235 إلى 238 وهي التالية:
- يحوز لمالك الأرض أن يقيم عليها جميع أنواع المغروسات والبناءات التي يرتئيها مع التقيد بالقوانين والأنظمة، كما يمكنه أن يحدث تحتها كل بناء وله أن يقوم بكل تنقيب يرتئيه.[34]
- كل البنايات والأغراس والمنشآت الموجود فوق الأرض أو داخلها تعد محدثة من طرف مالكها وعلى نفقته وتعتبر ملكا له ما لم تقم بينة على خلاف ذلك.[35]
- إن مالك العقار الذي أقام بها بناءات وأغراس ومنشآت بمواد ليست له، يجب عليه أداء القيمة التي كانت لتلك المواد وقت استعمالها.[36]
- إذا قام أحد بإحداث أغراس أو بناءات أو منشآت عن سوء نية وبدون علم مالك العقار فلهذا الأخير الحق إما في الاحتفاظ بها مع أداء قيمة المواد وإما إلزام محدثها بإزالتها على نفقته. أما إذا أحدثت الأغراس والبناءات أو المنشآت من طرف شخص انتزعت منه الأرض في دعوى الاستحقاق ولم يحكم عليه برد ثمارها نظرا لحسن نيته فان مالك العقار لا يمكنه أن يطالب بإزالة المنشآت والأغراس المذكورة.[37]
- إذا تجاوز مالكا حد أرضه بحسن نية عند إقامة بناء عليها وامتد البناء ليشمل جزءا صغيرا من أرض جاره لا يتجاوز عرضه 50 سنتيمترا فإن المحكمة بعد الموازنة بين مصالح الطرفين إما أن تأمر بإزالة البناء المقام بأرض الجار على نفقة من أقامه أو تجبر مالك الجزء المشغول بالتنازل عن ملكيته لجاره مقابل تعويض مناسب.[38]
الفقرة الثالثة : الحيازة
قَـــــنَّـــــنَ المشرع المغربي الحيازة كسبب من أسباب كسب الملكية في الكتاب الثاني من مدونة الحقوق العينية من خلال المواد 239 إلى 263، وسنحاول الوقوف على أهم القواعد والدعائم التي تقوم عليها الحيازة عبر نقطتين؛ بالتعرف (أولا) على ضوابط الحيازة، ثم نعرج (ثانيا) على نطاق الحيازة.
أولا : ضوابط الحيازة
قاعدة : الحيازة الاستحقاقية تفيد الملك أما الحيازة العرضية فيلا تفيد الملك.
يجدر بنا بادئ ذي بدء، تقديم تعريف للحيازة، فبالرجوع إلى الفقه نجد الأستاذ عبد الرزاق السنهوري – رحمه الله- يعرف الحيازة بأنها :” وضع مادي به يسيطر الشخص سيطرة فعلية على شيء يحوز التعامل فيه أو يستعمل بالفعل حق من الحقوق “ويعرفها الأستاذ محمد ابن معجوز بأنها :”وضع الإنسان يده على شيء ويبقى تحت تصرفه مدة من الزمن”.[39]
وقد عرف المشرع المغربي الحيازة من خلال المادة 239 ونصها :” تقوم الحيازة الاستحقاقية على السيطرة الفعلية على الملك بنية اكتسابه ولا تقوم هذه الحيازة لغير المغاربة مهما طال أمدها”. وتشكل هذه المادة مربط الفرس في القاعدة التي صدرنا بها حديثنا، إن المتمعن في المادة 239 سيتضح له أن المشرع أقر قاعدة على جانب من الأهمية وهي ضرورة أن تكون الحيازة استحقاقية مما يفيد ضمنيا إقصاء الحيازة العرضية التي لا تلبث أن تزول.
فالقاضي وهو بصدد تعامله مع نصوص المدونة وإنزالها على نزاع عقاري معروض لن يلتفت البتة للحيازة العرضي إنما سيأخذ بالحيازة الاستحقاقية لا غير، تفعيلا للقاعدة التي تجد مصدرها في المادة 239 التي عبرنا عنها بالحيازة الاستحقاقية تفيد الملك أما الحيازة العرضية فلا تفيد الملك، والبرزخ القائم والفاصل بين الحيازة العرضية والاستحقاقية هو أن هذه الأخيرة تتوفر على العنصر المادي المتمثل في السيطرة المادية على الشيء موضوع الحيازة، والعنصر المعنوي الذي يتجسد في عنصر النية أو القصد أو المراد به أن تكون لدى الحائز نية استعمال العقار واستغلاله والتصرف فيه لحسابه الشخصي، أما الحيازة العرضية فإنها تفتقر للعنصر المعنوي.
وقد أرسى المشرع للحيازة شروطا لا تقوم لها قائمة بدونها ورد النص عليها في المادة 240 من مدونة الحقوق العينية وهي كالتالي: يشترط لصحة حيازة الحائز أن يكون :
- واضعا يده على الملك؛
- يتصرف فيه تصرف المالك في ملكه؛
- ينسب الملك لنفسه والناس ينسبونه إليه كذلك؛
- ألا ينازعه في ذلك منازع؛
- أن تستمر الحيازة طول المدة المقررة في القانون؛
- وفي حالة وفاة الحائز يشترط بالإضافة إلى ذلك عدم العلم بالتفويت .
والواقع أن كل شرط من هذه الشروط يشكل قاعدة يتعين على القضاء إعمالها والتحقق من وجودها للقول بوجود الحيازة وستكون لنا وقفة مع كل شرط على حدة في الأسطر القادمة.
- يشترط لصحة حيازة الحائز:1/ أن يكون واضعا يده على الملك.
وضع اليد على الملك هو ما يصطلح عليه عند الفقهاء بالحوز، فالحوز مرادف لوضع اليد ويطلق عليه اختصار “اليد” والمراد بهذا الشرط هو أن يضع الحائز يده بوجه شرعي على العقار المحوز، قال الزقاق في لاميته:
يد نسبة طول كعــــــشرة أشـــــــهـــر وفعل بلا خصم بها الملك يـــجـــــتــــلا
ويقول الشيخ خليل في مختصره :” وصحة الملك في التصرف وعدم المنازعة وحوز طال…”[40]، ويتحقق الحوز بكل عمل مادي أو قانوني يفيد السيطرة الفعلية على العقار.[41]
- يشترط لصحة حيازة الحائز: 2/ أن يتصرف فيه تصرف المالك في ملكه”.
الشرط الثاني في الحيازة هو التصرف، وهو مباشرة الحائز مختلف أنواع التصرفات على الشيء المحوز من استعمال واستغلال وسائر التصرفات التي يحق للمالك أن يجريها على ملكه، كأن يشهد الشاهد أنه رأى الحائز للعقار يتصرف فيه تصرف المالك في ملكه كالهدم والبناء في الدور والغرس في الأرض والحرث والفلاحة، وهذا هو مدلول الشيخ خليل :” وصحة الملك في التصرف”.
- يشترط لصحة حيازة الحائز:3/ أن ينسب الملك لنفسه والناس ينسبونه إليه كذلك.
ويقصد بشرط النسبة أن حائز الشيء المحوز ينسبه لنفسه والناس ينسبونه إليه كذلك يقول مثلا: هذه داري، ويقول الناس: هذه دار فلان، وبناء عليه يشهد الشاهد في بينة إثبات الملك بأنه سمع المشهود له ينسب الشيء المشهود له لنفسه ويضيفه إليه ويقول هذا ملكي، وينسبه الناس له ملكا أيضا.
- يشترط لصحة حيازة الحائز: 4/ ألا ينازعه في ذلك منازع.
معنى هذا الشرط أن الحائز لم ينازعه فيما يحوزه ويدعي ملكيته طيلة المدة المقررة، وبالتالي يجب على من يريد إثبات ملكية المحوز أن يقيم بينة يشهد شهودها أن الحائز يحوز المشهور به بلا منازع ولا معارض طيلة مدة الحيازة. فشرط عدم المنازعة من شروط صحة الملك لقول الشيخ خليل في مختصره :” وصحة الملك في التصرف وعدم المنازعة…”[42]وهذا هو الشاهد من قول الزقاق في لاميته:” فعل بلا خصم”.
- يشترط لصحة حيازة الحائز: 5/ أن تستمر الحيازة طول المدة المقررة في القانون.
تولى المشرع تحديد مدة الحيازة في المادة 250 التي تنص أنه: إذا حاز شخص أجنبي غير شريك ملكا حيازة مستوفية لشروطها واستمرت دون انقطاع عشر سنوات كاملة والقائم حاضر عالم ساكت بلا مانع ولا عذر فانه يكتسب بحيازته ملكية العقار”. وإلى هذه المدة يشير ابن عاصم في التحفة بقوله:
والأجنبي إن يحز أصلا بحق عشر سنين فالتملك استحق
وتضيف المادة 251 بأنه : تكون مدة الحيازة بين الأقارب غير الشركاء الذين ليس بينهم عداوة أربعين سنة، وعشر سنوات إذا كان فيما بينهم عداوة”.
- يشترط لصحة الحيازة: 6/ في حالة وفاة الحائز يشترط بالإضافة إلى ذلك عدم العلم بالتفويت. المقصود بهذا الشرط هو أن من يريد إثبات ملكية عقار يحوزه ينبغي عليه أن يقيم بينة يشهد شهودها بالإضافة إلى الشروط السابقة أعلاه أنهم لا يعلمون الحائز المدعي للملكية قد فوت ما يدعيه أو خرج عن ملكه.
ثانيا: نطاق الحيازة
قاعدة: حصر نطاق الحيازة في المغاربة فقط.
هذه القاعدة تفتقت عن المادة 239 من مدونة الحقوق العينية ونص ما به الغرض منها “…لا تقوم هذه الحيازة لغير المغاربة مهما طال أمدها:
يتبن من هذه المادة أن المشرع حصر مجال إعمال الحيازة في المغاربة فقط، أما غير المغاربة (الأجانب) فليس لهم إمكانية الحيازة.
قاعدة: حصر نطاق الحيازة من حيث الأشخاص.
انبثقت هذه القاعدة عن مضمون المادة 255 التي جاء فيها “: لا محل للحيازة بين الأب وابنه وإن سفل- ولا بين الأم وأبنائها وإن سفلوا – بين النائب الشرعي ومن هم في نظره- بين الوكيل وموكله- بين المكلف بإدارة الأموال العقارية وأصحاب هذه الأموال.
ويمكن اعتبار هذه القاعدة بمثابة خطاطة ترشد القاضي فيما يخص نطاق الحيازة من حيث الأشخاص كلما رفع إلى نظره نزاع عقاري يتعلق بنطاق الحيازة من حيث الأشخاص.
قاعدة: مجال الحيازة هو العقارات غير المحفظة.
لما عددت المادة 261 العقارات التي لا تعمل فيها الحيازة قالت:” لا تكتسب بالحيازة…العقارات المحفظة…” مما يعني بصريح النص القانوني أن نطاق الحيازة محصور في العقارات غير المحفظة فقط، أما العقارات المحفظة فهي ليست محلا للحيازة، وقد يكون من المفيد استعراض نص المادة 261 كاملا وقد جاء فيه :” لا تكتسب بالحيازة: أملاك الدولة العامة والخاصة – الأملاك المحبسة – أملاك الجماعات المحلية – العقارات المحفظة – أملاك الجماعات السلالية – الأملاك الأخرى المنصوص عليها صراحة في القانون”.
الفقرة الرابعة: الشفعة
قاعدة: حصر الشفعة على البيع وحده.
لقد حظيت الشفعة كسبب من أسباب كسب الملكية باهتمام بالغ سواء في الشريعة الإسلامية أو في القوانين التي تنظم العقار، نظرا للأهمية التي تكتسيها، إذ تعتبر وسيلة لرفع الضرر عن الشركاء والحفاظ على الشيوع تلافيا لدخول الشريك الأجنبي، بالإضافة إلى كونها تساعد على التماسك بين الشركاء من ناحية والعمل على اكتساب الملكية من ناحية أخرى.
وقد عمل المشرع المغربي بداية على تنظيم الشفعة في ظهير 1913 المنظم للالتزامات والعقود، إذ عرفها في الفصل 974 :”إذا باع احد المالكين على الشياع لأجنبي حصته الشائعة، جاز لباقيهم أن يشفعوا هذه الحصة لأنفسهم…”وهو نفس التعريف الذي كرسه ظهير 1915 الملغى والمتمم بالقانون رقم 39.08 المتعلق بالحقوق العينية، إذ نصت المادة 292 على أن الشفعة أخذ شريك في ملك مشاع أو حق عيني مشاع حصة شريكه المبيعة بثمنها بعد أداء الثمن ومصروفات العقد اللازم والمصروفات الضرورية والنافعة عند الاقتضاء”.
وتجدر الإشارة إلى أن الشفعة كنظام قانوني لا يجوز الأخذ بها في نطاق التصرفات التي بمقتضاها يكتسب المشتري تلك الحصة المشاعة عن طريق البيع، مما يدل على أن المشرع قصر الشفعة على البيع وحده المنصب على العقارات و الحقوق العينة القابلة للتداول سواء أكان العقار محفظا أو غير محفظ، ولا شك أن من شأن ذلك التقليل من التصرفات التي تبيع الشفعة ما دامت تعتبر رخصة وليست حقا، وما دامت استثناء وليست أصل.
وخير دليل على أن المشرع قصر الشفعة على العقارات التي تنتقل بعوض ما أورده في المادة 303 إذ نصت على أنه:” لا شفعة فيما فوت تبرعا ما لم يكن التبرع صوريا أو تحايلا. كما لا شفعة في الحصة الشائعة التي تقدم في صداق او خلع”.
قاعدة: عدم جواز الشفعة في البيع بالمزاد العلني.
قبل صدور مدونة الحقوق العينة كان القضاء المغربي يؤسس قبوله للشفعة بالنسبة للبيوع التي تتم بالمزاد العلني على المقتضيات الواردة في الفصل 25 من ظهير 2 يونيو 1915 الذي أجاز الشفعة في البيوع العقارية دون التمييز بين البيع الرضائي والبيع الجبري، بل إن قضاء المجلس الأعلى تواتر في العديد من قراراته على اعتبار الشفعة حق ثابت لكل من يملك مع آخرين على الشياع عقارات أو حقوق عينية.
في المقابل جاءت مدونة الحقوق العينية لتحسم في هذا الأمر إذ جعلت الشفعة ممنوعة في البيوعات القضائية أي البيع الذي يتم في المزاد العلني، بحيث نصت في المادة 302 على انه :” إذا بيعت الحصة المشاعة في المزاد العلني وفق الإجراءات المنصوص عليها في القانون فلا يجوز أخذها بالشفعة”.
قاعدة: الشفعة حقا غير قابل للتجزئة.
فيعني أنه للشفيع أن لا يطلب تملك بعض المبيع وترك بعضه، وهذا ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 296 من مدونة الحقوق العينية على أنه:” إذا باع شريك حصته لأجنبي في ملك مشاع، فيجب على الشريك أن يأخذ الحصة المبيعة بكاملها أو أن يتركها”، إذ يترتب على أخذ المبيع ضرر بالمشتري وعليه يجب على كل شفيع أن يطالب بكل العقار تفاديا لاحتمالات تجزئة الشفعة.
المطلب الثاني: القواعد المتعلقة بالقسمة
تعتبر القسمة من بين أهم الوسائل القانونية التي على ضوءها يتم إنهاء حالة الشياع، إذ بواسطتها يستطيع كل شريك أن يحصل على جزء مفرز من الملك المشاع، ولقد عمل المشرع المغربي على سن مقتضياتها في القسم الثاني من الكتاب الثاني من مدونة الحقوق العينية، بحيث خصص لها عشرين مادة من المادة 313 إلى المادة 332، لهذا ستعمد إلى استنباط بعض القواعد المتعلقة بالمنازعات العقارية من هذا القسم.
الفقرة الأولى: دعوى القسمة لا تقبل التجزئة
لقد نصت المادة 316 :” لا تقبل دعوى القسمة إلا إذا وجهت ضد جميع الشركاء وتم تقييدها تقييدا احتياطيا إذا تعلقت بعقار محفظ” لقول الشيخ خليل ” واجبر لها كل انتفع كل” وقال ابن عاصم ” وينقض القسم لوارث ظهر” أي أن دعوى القسمة لا تقبل التجزئة، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على أن دعوى القسم لا تقبل إلا حلا واحدا يلزم جميع أطرافها، وعليه فإن الطعن سواء بالاستئناف أو النقض يجب أن يوجه ضد جميع أطراف الحكم الابتدائي والقرار الاستئنافي، وبالتالي وجوب إدخال جميع الشركاء على الشياع في دعوى القسمة تجنبا لإلحاق الضرر بهم، بل أكثر من ذلك إن إدخال جميع الشركاء في دعوى القسمة يعتبر من صميم النظام العام وبالتالي أي إجراء يخالف هذا المقتضى يعتبر لاغيا ويحكم ببطلانه.
وقد أكد هذه القاعدة القضاء في العديد من المناسبات، إذ ورد في حكم صادر عن ابتدائية فاس[43] على أن”الاستجابة لطلب القسمة بين الشركاء لا يكون إلا إذا تم إدخال جميع الشركاء في الدعوى”.
الفقرة الثانية: لا يجبر أحد على البقاء في الشياع
تجد هذه القاعدة سندها في المادة 27 التي لها ارتباط وثيق بالقسم الثاني(المتعلق بالقسمة) من الكتاب الثاني من مدونة الحقوق العينية إذ تنص على أنه ” لا يجبر احد على البقاء في الشياع، ويسوغ لكل شريك أن يطلب القسمة وكل شرط يخالف ذلك عديم الأثر”[44].
وبالتالي تبقى القسمة السبب الرئيسي في انقضاء الشياع، وحق الشريك حسب المادة 27 أعلاه في طلب القسمة يتعلق بالنظام العام لا يصح التنازل عنه وهو حق لا يسقط بالتقادم، إذ يسوغ للشريك أن يتمسك به مهما مضى الوقت على البقاء في الشيوع.
وعليه فللشريك كامل الحق في طلب إجراء القسمة،[45] مع مراعاة القيود المنصوص عليها في المادة 314 من مدونة الحقوق العينية والمتمثل في قابلية الملك للقسمة وكذا عدم زوال المنفعة المقصود منه بالنسبة لكل جزء من أجزائها بعد القسمة.
مما لا ريب فيه أن القانون 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية سد ثغرة كبيرة في النظام القانوني المغربي، حيث يسر على كثير من المهتمين بالمجال العقاري التعرف مسبقا على القاعدة القانونية التي يجب أن يطبقها القاضي على كل نزاع على حدة، مع ما يترتب على ذلك من اطمئنان للمتعاملين في المجال العقاري، وربحا للوقت عند الفصل في المنازعات وتوحيد الاجتهادات القضائية المتعلقة بها.
هذا؛ ويتعين على القاضي العقاري إعطاء التفسير السليم للنص القانوني وبيان حكم القانون في النازلة، وهو مدعو إلى اليقظة في المادة العقارية لكي يصدر الأحكام منسجمة مع الواقع ومع روح المدونة لإعطاء الثقة للمستثمر في المجال العقاري.
[1] بالرجوع إلى مدونة الحقوق العينية نجد أن الفصل التمهيدي سابقا في الترتيب عن الكتاب الأول ولا يدخل تحته ولا نطاقه، وإنما مراعاة منا للمنهجية العلمية في البحث التي تقتضي التقسيم الثنائي، أثر إدراجه في المبحث الأول.
[2] تطبق على الملكية العقارية سواء كانت محفظة أو غير محفظة، والملكية العقارية هي السلطة التي يخولها القانون للشخص من اجل استغلال واستعمال وكذا التصرف في العقار.
[3] ما كان دليله قويا.
[4] هو ما كثر قوله والعمل به.
[5] أحمد العطاري، حجية التقييد في السجلات العقارية بين ظهير التحفيظ العقاري ومدونة الحقوق العينية، سلسلة دراسات وأبحاث العدد 9، المنازعات العقارية دراسات وأبحاث في ضوء نظام التحفيظ العقاري ومدونة الحقوق العينية والمستجدات التشريعية في المادة العقارية، منشورات مجلة القضاء المدني، الجزء الثاني، مطبعة المعارف الجديدة الرباط 2014 ، الصفحة 170.
[6] أحمد العطاري، مرجع سابق ص 169.
[7] عبد الإله عزمي، إعمال قواعد الترجيح في دعاوى استحقاق العقار وفق قرارات المجلس الأعلى، مقال منشور في “المنازعات العقارية من خلال اجتهادات المجلس الأعلى”، مطبعة الأمينة، الرباط، 2007، ص 329.
[8] القاموس المحيط للعلامة محي الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية 1987، ص 279.
[9] محمد رياض،أصور الفتوى والقضاء في المذهب المالكي، الطبعة الثانية 1998، ص 523، منقول عن فاطمة الزهراء علاوي، قواعد الترجيح بين الحجج وفق القانون الجديد لمدونة الحقوق العينية – سلسلة الأنظمة والمنازعات العقارية- النظام القانوني الجديد للحقوق العينية بالمغرب في ضوء القانون 39.08، مطبعة المعارف الجديدة الرباط، الإصدار الخامس، 2012 ص 37.
[10] عبد الإله عزمي، مرجع سابق ص 331.
[11] قرار المجلس الأعلى عدد 304 صادر بتاريخ 23/01/2001/ ملف مدني عدد 2285/1/01/2000 قرار غير منشور ، ورد عند فاطمة الزهراء علاوي، مرجع سابق ص 38.
[12] عبد الإله عزمي، مرجع سابق، ص 331.
[13] فاطمة الزهراء علاوي، مرجع سابق، ص 39.
[14] يقصد بزيادة العدالة في الفقه الإسلامي توفر صفات خاصة في الشهود كحسن السيرة والضبط، أما في القانون الوضعي فالقصد من الشهود الأكثر عدالة العدول الذين يزاولون خطة العدالة ويعينون لهذا الغرض من قبل وزير العدل.
[15] محمد ابن معجوز، وسائل الإثبات في الفقه الإسلامي، ص 163، منقول عن فاطمة الزهراء علاوي، مرجع سابق، ص 40.
[16] أبي عيسى سيدي المهدي الوزاني النوازل الجديدة الكبرى المسماة المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى المتأخرين من علماء المغرب، الجزء السابع، مطبعة فضالة المحمدية، 1998 ص 475، منقول عن فاطمة الزهراء علاوي، مرجع سابق ، ص 41.
[17] عبد الإله عزمي، مرجع سابق، ص 333.
[18] سورة البقرة الآية 281.
[19] فاطمة الزهراء علاوي، مرجع سابق، ص 42.
[20] عبد الإله عزمي، مرجع سابق، ص 333.
[21] الإجمال عند الفقهاء هو احتمال اللفظ لمعنيين فأكثر، وقيل أنه الشهادة الخالية من التفصيل المشترط في صحة الشهادة الموصلة إلى غالب الظن.
[22] قرار المجلس الأعلى عدد 110، صادر بتاريخ 02/05/1985 ، مجموعة قرارات المجلس الأعلى، المادة المدنية 1983/1991، ص 216، مذكور عند فاطمة الزهراء علاوي، مرجع سابق، ص 43.
[23] كبوري محمد، قراءة في المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية- سلسلة الأنظمة والمنازعات العقارية- النظام القانوني الجديد للحقوق العينية بالمغرب في ضوء القانون رقم 39.08، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، الإصدار الخامس، 2012، ص 76.
[24] كبوري محمد، مرجع سابق، ص 77و 78.
[25] الطالبي رمضان، توثيق التصرفات العقارية على ضوء المادة 4 من مدونة الحقوق العينية، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص- ماستر العقار والتنمية- كلية العلوم الاقتصادية والاجتماعية طنجة، السنة الجامعية 2013/2014، ص 73.
[26] الطالبي رمضان، مرجع سابق، ص 73.
[27] المحرر الرسمي أو الوثيقة الرسمية هي التي يتلقاها الموظفون العموميون الذين لهم صلاحية التوثيق في مكان تحرير العقد، وذلك في الشكل الذي يحدده القانون.
[28] المحرر الثابت التاريخ أو الوثيقة العرفية ، هي الورقة المعترف بها ممن يقع التمسك بها ضده أو المعتبرة قانونا في حكم المعترف بها منه، ويكون لها نفس قوة الدليل التي للورقة الرسمية في مواجهة كافة الأشخاص على التعهدات والبيانات التي تتضمنها وذلك في الحدود المقرر في الفصلين 419 و 420 من قانون الالتزامات والعقود.
[29] كبوري محمد، مرجع سابق، ص 79.
[30] المادة 21 من مدونة الحقوق العينة.
[31] عرفه مامون الكزبري – رحمه الله- إجراء يقوم به صاحب حق تعذر عليه تسجيله لسبب من الأسباب، ليضمن لنفسه في المستقبل إمكانية هذا التسجيل عند زوال المانع وذلك بأن يضع قيدا تحفظيا على رسم التمليك وعلى نسخة هذا الرسم يتضمن الإشارة إلى الحق الذي يدعيه والذي امتنع عليه تسجيله في الوضع الحاضر لقيام مانع حال دون ذلك، فهذه الإشارة من شأنها أن تحفظ لصاحب الحق عند زوال المانع إمكانية تسجيل حقه”.
[32] محمد محبوبي، أساسيات في الحقوق العينة العقارية وفق القانون رقم 39.08 المتعلق بالحقوق العينية، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الرباط، الطبعة الأولى، ص 87.
[33] المادة 233 من مدونة الحقوق العينية.
[34] م 234 من مدونة الحقوق العينية.
[35] م 235 من م. ح .ع .
[36] نص المادة 236 من مدونة الحقوق العينية.
[37] متن المادة 237 من مدونة الحقوق العينية.
[38] المادة 238 من مدونة الحقوق العينية.
[39] محمد المحبوبي، أساسيات في الحقوق العينية، مرجع سابق، ص 93.
[40] عبد المجيد الكتاني، مقال بعنوان شروط إثبات الملك في ضوء مدونة الحقوق العينية وأحكام الفقه المالكي – سلسلة دراسات وأبحاث- المنازعات العقارية، منشورات دار القضاء المدني، ص 55.
[41] عمر أزوكار، التحفيظ العقاري في ضوء التشريع المغربي وقضاء محكمة النقض، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الاولى، ص 296.
[42] عبد المجيد الكتاني، شروط إثبات الملك، مرجع سابق، ص 66.
[43] حكم عدد رقم 38 بتاريخ 31/1/08 ملف عقاري رقم 68/06 صادر عن المحكمة الابتدائية، منقول عن إدريس الفاخوري، قضايا المنازعات العقارية –قضاء محكمة النقض ومحاكم الموضوع- دار نشر المعرفة، مطبعة المعارف الجديدة الرباط، طبعة 2014، ص 463.
[44] وهو نفس المقتضى الذي يؤكده قانون الالتزامات والعقود إذ ينص في الفصل 978 :” لا يجبر احد على البقاء في الشياع، ويسوغ دائما لأي واحد من المالكين أن يطلب القسمة. وكل شرط يخالف ذلك يكون عديم الأثر.”
[45] حكم رقم 38 بتاريخ 31/1/08 ملف عقاري رقم 68/06 صادر عن المحكمة الابتدائية، منقول عن إدريس الفاخوري، قضايا المنازعات العقارية، مرجع سابق، ص 463.
- إعداد الطلبة :
- زكرياء أدغير
- سمير بوجيدة
- علي المتني
- بدر القصير
- محمد الخياط الدري
- عبد الغفور الخرازي