أخر الأخبار

شكلية العقود التجارية

عرض من إنجاز طلبة ماستر الأعمال بتطوان الفوج الأول حول موضوع “شكلية العقود التجارية”.

مقدمة

مما لا شك فيه أن تعريف العقود التجارية يعد أمرا صعبا، فقد أثار جدلا واسعا بين فقهاء القانون التجاري، فهناك من اعتمد على معيار شخصية الأطراف بمعنى إذا كان طرفا العقد تاجرين فإن العقد يعتبر تجاريا، وهناك من اعتمد على معيار موضوع العقد.

وقد رأى بعض الفقه أن العقود التجارية تنقسم إلى عقود تجارية مسماة – هي التي نظمها المشرع – وغير مسماة – والتي أحجم عن تنظيمها – ونجد اتجاه  آخر يقسمها إلى عدة أنواع منها البيوع التجارية، والوساطة كالسمسرة، وعقود الخدمات كعقد النقل، وأخيرا عقود الضمان. وتخضع هذه العقود شأنها شأن العقود المدنية لسلطان إرادة أطرافها بحيث تلعب هذه الإرادة دورا أساسيا في كثير من الأحيان في مجال العقود التجارة، على اعتبار أن العقد شريعة المتعاقدين، وبمعنى آخر تكون للعقد التام الأركان والشروط نفس القوة الإلزامية التي تكون  للقانون، وهذا ما نستشفه من الفصل 230 من قانون الالتزامات والعقود[1].

ولم يمنع تدخل الدولة في النشاط التجاري سلطان الإرادة من الاحتفاظ بدوره وأهميته – سواء عند سكوت النص أو عندما تكون النصوص تفسيرية أو تكميلية او في غيرها من الحالات – نظرا للمرونة التي تتميز بها التجارة، ولسرعة التطور الذي يطرأ على أساليبها وفنونها لدرجة أن بعض الفقه أصبح ينادي بعدم تقنين القواعد المنظمة للتجارة – وإن كان المنطق يرفض ذلك – بدعوى أن هذه القواعد تحكم عمليات تقوم على السرعة والحركة لا على الثبات والاستقرار[2].

وتعتبر الشكلية من أهم القيود الواردة على مبدأ سلطان الإرادة وبمقتضاها لا تعتبر الإرادة كافية وحدها لإبرام العقد، بل يلزم صياغتها في شكل معين، وهي عبارة عن مجموعة من الإجراءات القانونية والبيانات التي ينبغي اتباعها عند إبرام العقود، وعادة مايكون القانون هو الذي يفرضها أو يشترطها[3] كما هو الحال في الكتاب الثاني من مدونة التجارة والدي نظم  الأصل التجاري وبالأخص العقود أو التصرفات الواردة عليه بالإضافة إلى الكتاب الرابع الدي خصصه المشرع للعقود التجارية والتي تخضع لإجراءات شكلية خاصة  كرست  لحماية أطراف العقد وكذا دائنيهم.

إذن، إلى أي حد استطاعت الشكلية تقوية الائتمان التجاري وحماية الأطراف المتعاقدة والأغيار في العقود التجارية؟ وبناءً على هذه الإشكالية يمكننا الاهتداء لطرح الإشكاليات الفرعية التالية: أين تتجلى الشكلية في العقود التجارية؟ وما هو دورها وأهميتها؟ وما هي خصوصياتها؟

للإجابة على هذه التساؤلات ارتأينا وضع التصميم التالي: (المبحث الأول) شكلية التصرفات الواردة على الأصل التجاري، (المبحث الثاني) شكلية العقود التجارية الواردة في الكتاب الرابع من مدونة التجارة.

المبحث الأول: الشكلية في التصرفات الواردة على الأصل التجاري

جعل المشرع المغربي التصرفات أو العقود الواردة غلى الأصل التجاري والتي نظمها في القسم الثاني من الكتاب الثاني من مدونة التجارة، والمتمثلة في عقد بيع الأصل التجاري ورهنه وتقديمه حصة في شركة وكذا عقد التسيير الحر، خاضعة لشكليات خاصة تختلف حسب طبيعة ونوع العقد أو التصرف الوارد على الأصل التجاري، والتي يمكن تمييزها بين تصرفات تؤدي إلى تفويت الأصل التجاري ونقل ملكيته (المطلب الأول)، وبين التصرفات الواردة على الأصل التجاري الغير الناقلة للملكية (المطلب الثاني).

المطلب الأول: الشكلية في التصرفات الناقلة لملكية الأصل التجاري

من بين التصرفات أو العقود المتعلقة بالأصل التجاري نجد هناك عقود تؤدي إلى تفويت الأصل التجاري ونقل ملكيته والمتمثلة في بيعه وكذا تقديمه حصة في شركة. إذن فما هي الشكليات أو الإجراءات الشكلية المتطلبة في هذا النوع من العقود هذا ما سنحاول الإجابة عنه في الفقرتين المواليتين، بحيث سنخصص الفقرة الأولى لشكلية عقد بيع الأصل التجاري، والثانية لشكلية عقد تقديم الأصل التجاري حصة في شركة. 

الفقرة الأولى: الشكلية في عقد بيع الأصل التجاري

حماية لأطراف عقد بيع الأصل التجاري وكذا دائنيهم أخضع المشرع هذا العقد لمجموعة من الإجراءات الشكلية المتمثلة حسب المواد المنظمة لهذا العقد في الكتابة (أولا)، والشهر(ثانيا).

أولا: شرط الكتابة

سنحاول من خلال هذا المحور أن ندرس طبيعة شرط الكتابة في عملية بيع الأصل التجاري (أ)، تم معرفة البيانات الواجب توفرها في هدا العقد (ب).

أ- طبيعة الكتابة

حسب المادة 81 من مدونة التجارة التي نصت على أنه “يتم بيع الأصل التجاري أو تفويته وكذا تقديمه حصة في شركة أو تخصيصه بالقسمة أو بالمزاد بعقد رسمي أو عرفي” باستقراء ما جاءت به هذه المادة يتطلب أن يكون عقد بيع الأصل التجاري مكتوبا سواء عبر محرر رسمي أو عرفي، إلا أن الإشكال المطروح والمختلف فيه هنا هو: هل يعتبر شرط الكتابة في بيع الأصل التجاري شرط انعقاد أم شرط إثبات؟

فهناك من يقول أن ‘شرط الكتابة ليس شرط انعقاد، وإنما شرط إثبات فقط ودلك يمكن في حال تخلفه إثبات البيع باليمين والإقرار’[4] ومبرر هذا الاتجاه هو عدم ترتيب البطلان على عقد البيع في حال تخلف الكتابة وبالتالي لا يعتبر شرط الكتابة في عقد بيع الأصل التجاري من النظام العام.

في حين ذهب اتجاه فقهي أخر إلى أن شرط الكتابة يمكن أن يكون شرط انعقاد لإيراد المشرع بيانات يجب توفرها في عقد بيع الأصل التجاري والتي لا يمكن أن تتوفر هذه البيانات إلا من خلال انعقاد العقد بشكل مكتوب.

وبالإضافة إلى ذلك فقد خول المشرع للمشتري إمكانية طلب إبطال العقد بمجرد تخلف احد هذه البيانات أو عدم صحتها إذا تضرر من دلك[5].

وتجدر الإشارة إلى أن معظم الآراء تصب في كون شرط الكتابة في عقد بيع الأصل التجاري هو شرط إثبات فقط وليس شرط انعقاد لأنه لا يترتب على تخلفه بطلان العقد. إذن فبعد التعرف على طبيعة الكتابة في عقد بيع الأصل التجاري فماذا عن محتوى هذه الكتابة وبعبارة أخرى بيانات هذا العقد.  

ب- بيانات عقد بيع الأصل التجاري

حرص المشرع المغربي في مدونة التجارة من خلال الفصلين 81 و 82 على إعطاء عملية البيع المنصبة على الأصل التجاري شفافية أكثر حماية لمشتري هذا المال المعنوي وذلك من خلال إدراج بيانات ضمن عقد البيع التي نصت عليها المادة 81 كالآتي:

– اسم البائع وتاريخ عقد التفويت ونوعيته وثمنه مع تمييز ثمن العناصر المعنوية والبضائع والمعدات.

– حالة تقييد الامتيازات والرهون المقامة على الأصل.

– وعند الاقتضاء الكراء وتاريخه ومدته ومبلغ الكراء الحالي واسم وعنوان المكري.

– مصدر ملكية الأصل التجاري.

بالإضافة إلى ذلك فقد أعطى المشرع امتيازا أخرا المشتري من خلال المادة 82 والمتمثل في إمكانية المشتري من طلب التصريح بإبطال العقد إذا لم يشتمل هذا العقد على أحد البيانات المنصوص عليها في المادة 81، أو إذا كانت هذه البيانات غير صحيحة وذلك في حالة لحقه ضرر من ذلك.

وحسب رأينا فإن البيانات التي أوردها المشرع لحماية المتعاقدين خاصة  وشرط الكتابة في عقد بيع الأصل التجاري عامة يبقى شرطا شكليا مهما يِؤدي دورا محوريا من الجانب الوظيفي بغض النظر عن كونه شرط انعقاد أو أثبات، فالكتابة تفيد من الناحية العملية إشهار البيع، وكذا تقييد امتياز البائع، وإثبات التفويت وتاريخه وغيرها من الامتيازات والحماية التي يمكن أن توفرها شكلية الكتابة سواء لأطراف العقد أو لدائنيهم.

ثانيا: شرط الشهر

إلى جانب شرط الكتابة أوجبت المادة 83 من مدونة التجارة شرطا ثانيا وهو الشهر أي شهر عملية بيع الأصل التجاري وذلك لتمكين دائني البائع  من معرفة عملية البيع وهذا يعزى إلى كون الأصل التجاري يعتبر من أهم الضمانات التي يعول عليها الدائنين لاستيفاء ديونهم لهذا يعتبر الشهر في عملية بيع الأصل التجاري من الضمانات المهمة التي قدمها القانون التجاري لدائني بائعه، وحسب المادة 83 فإن عملية الشهر هذه تمر عبر مرحلتين، فهناك الشهر الذي يقوم به البائع (أ)، تم الشهر الذي يقوم به المشتري (ب). 

أ- الشهر الذي يقوم به البائع

حسب مقتضيات الفقرة الأولى من المادة 83 فإنه بعد ما يتم تسجيل عقد البيع فإنه يجب على البائع إيداع نسخة من العقد العرفي أو الرسمي لدى كتابة ضبط المحكمة التجارية التي يوجد بها الأصل التجاري أو مركزه الرئيسي إذا تعددت فروعه وذلك داخل أجل 15 يوما من تاريخ البيع.

ويقوم بعد ذلك كاتب الضبط بنشر مستخرج من هذا العقد في السجل التجاري، هذا المستخرج الذي يتضمن كافة البيانات التي تهم عملية البيع من تاريخ العقد، الأسماء الشخصية والعائلية لكل من المشتري والبائع وموطنهما ونوع الأصل التجاري ومقره الرئيسي وثمن البيع المحدد والفروع التي قد يشملها وبيان أجل التعرضات وكذا اختيار موطن للمتعرضين في دائرة المحكمة التجارية التي يتم في دائرتها بيع الأصل التجاري.

وبعدما يتلقى كاتب الضبط ذلك يقوم بنشر المستخرج المقيد بالسجل التجاري في الجريدة الرسمية وكذلك في أحد الجرائد المخول لها نشر الإعلانات القانونية على نفقة الأطراف، أما عملية الشهر الثانية التي يقوم بها المشتري فلا تقل أهمية عن الأولى بل يمكننا أن نقول بأنها تلعب دورا محوريا أكتر أهمية من عملية الشهر التي يقوم بها البائع وهذا ما سنحاول معالجته من خلال المحور الأتي.

ب- الشهر الذي يقوم به المشتري

إذا كان القانون قد أوجب على البائع ضرورة شهر عقد بيع الأصل التجاري داخل أجل 15 يوما من تاريخ عقد البيع، فقد أوجب في الفقرة الأخيرة من المادة 83 تجديد عملية الشهر وذلك حتى يكون كل الدائنين على بينة من وقوع البيع وبالتالي الدفاع عن حقوقهم لكن هذه المرة يقوم بعملية تجديد الشهر المشتري وذلك بين اليوم الثامن والخامس عشر بعد الإشهار الأول الذي يقوم به البائع، ولعل ازدواجية وإشهار عقد بيع الأصل التجاري تفسر بإعلام الدائنين وفي نفس الوقت دعوتهم إلى ممارسة حق التعرض القانوني الدي نصت عليه المادة 84.

فإجراءات الشهر هذه سواء التي يقوم بها البائع أو المشتري توفر حماية مهمة لدائنيهم هذا من خلال معرفة دائني البائع بوضعيته الجديدة، وكذلك إمكانية تفاديهم في نفس الوقت لعملية تهريب الأصل التجاري التي يمكن أن يقوم بها البائع والتي قد تؤدي إلى حرمانهم من الضمان الأكثر أهمية بالنسبة لديونهم[6]، بالإضافة إلى دلك إحاطة دائني المشتري علما بالحقوق التي بقيت للبائع في ذمة مدينهم حتى لا ينشغلوا بانتقال ملكية الأصل التجاري إلى هذا الأخير في حين أنها مثقلة بديون للبائع تتمتع بحق امتياز[7].

الفقرة الثانية: الشكلية في تقديم الأصل التجاري حصة في شركة

يعمد كثير من التجار إلى تقديم أو تفويت أصولهم التجارية حصة عينية في شركة معينة وغالبا ما يكون الدافع وراء ذلك تطوير نشاط الأصل التجاري أو تحديد مسؤوليتهم في حدود حصتهم بالأخص في الشركات ذات المسؤولية المحدودة، وفي حالات أخرى لا يستطيع فيها المالكون استغلال أو الاستمرار في استغلال أصولهم التجارية بوقوعهم في حالات التنافي أو نقصان الأهلية[8].

وكما هو الحال في بيع الأصل التجاري تكون حقوق الدائنين مهددة جراء هذا التفويت الناقل للملكية من ذمة مدينهم (مقدم الأصل)، إلى ذمة شخص أخر وهو الشركة في هذه الحالة[9]، وهذا ما جعل المشرع المغربي يأخذ هذا المعطى بعين الاعتبار فقرر لهم حماية خاصة في المادتين 104 و 105 من مدونة التجارة وهي حماية شبيهة بتلك المقررة لصالح دائني بائع الأصل التجاري، بل أن المادة 104 أحالة على نفس الإجراءات الشكلية التي يخضع لها بيع الأصل التجاري المحدد في المادة 83. بحيث نصت في فقرتها الأولى على أنه “يجب أن يتم شهر تقديم الأصل التجاري حصة في شركة وفق الشروط المحددة في المادة 83″، من خلال هذه الفقرة يتضح أن عملية شهر ونشر عملية تقديم الأصل التجاري حصة في شركة يتم عبر مرحلتي الشهر المنصوص عليهما في المادة 83.

إلا أنه يوجد إجراء شكلي خاص قرره المشرع لتوفير حماية أكتر لدائني مقدم الأصل التجاري حصة في شركة وهو مسطرة التصريح بالديون التي تلعب دور مسطرة التعرض على الثمن التي رأيناها في البيع على اعتبار من المتعذر عليهم ممارسة التعرض على الثمن فهو غير موجود ويقابله الحصة أو السهم التي يحصل عليها التاجر المدين مقابل تقديم أصله حصة في شركة[10]، وهذا ما نصت عليه الفقرة الثانية من نفس المادة والتي جاء فيها “يجب على كل دائن، غير مقيد، للشريك الذي قدم الأصل التجاري حصة في شركة، أن يصرح بالمبلغ المستحق داخل أجل خمسة عشر يوما الموالية للنشر الثاني المنصوص عليه في المادة 83 على أبعد تقدير لدى كتابة ضبط المحكمة التي تلقت العقد. ويسلم له كاتب الضبط إيصالا بذلك”.

بالإضافة إلى الدور الذي تلعبه مسطرة التصريح بالديون لفائدة دائني مقدم الأصل التجاري، فإنه تقوم بدور إعلامي لفائدة باقي الشركاء في الشركة التي قدم فيها الأصل التجاري كحصة وذلك بإعلامهم بالديون التي تتقل هذا الأصل، وذلك لتمكينهم داخل أجل 30 يوما من النشر الثاني من طلب إبطال الشركة أو على الأقل إبطال الحصة المقدمة.

وتجدر الإشارة أنه حسب الفقرة الأولى من المادة 105 “إذا لم يقدم الشركاء أو أحدهم داخل الثلاثين يوما الموالية للنشر الثاني دعوى بإبطال الشركة أو الحصة أو إذا لم يقع التصريح بالإبطال تبقى الشركة ملزمة على وجه التضامن مع المدين الرئيسي بأداء الدين الثابت المصرح به في الأجل المذكور”.

المطلب الثاني: الشكلية في العقود غير الناقلة لملكية الأصل التجاري

لا شك أن المقصود بالعقود غير الناقلة لملكية الأصل التجاري هي رهنه وكذا وضعه في إطار التسيير الحر، ولقد استوجب المشرع في عقد رهن الأصل التجاري (الفقرة الاولى) وكذا عقد التسيير الحر (الفقرة الثانية) لهذا الأصل بعض الشكليات، الغاية منها إثبات هذه العقود وحماية الأطراف وكذا الأغيار من خلالها.

الفقرة الأولى: الشكلية في عقد رهن الأصل التجاري

باستقرائنا للمادة 108 و 109 من مدونة التجارة يتضح لنا طغيان الجانب الشكلي على هذا العقد، وذلك من خلال تنصيص المشرع على كتابته (أولا) وكذا شهره (ثانيا).

أولا: الكتابة

يستشف من مضمون الفقرة الاولى من المادة 108 من مدونة التجارة أنه “يجب أن يثبت رهن الأصل التجاري بواسطة عقد مكتوب رسمي أو عرفي، و أن تودع نسخة من العقد الرسمي أو نظير من العقد العرفي لدى كتابة ضبط المحكمة التي يستغل في دائرتها الأصل التجاري موضوع الرهن، أو المؤسسة الرئيسية للأصل المذكور، وذلك داخل أجل 15 يوما من تاريخ إبرام العقد، وفي حالة وجود فروع من الأصل يشملها الرهن يجب الإشارة إليها كذلك، ويقيد مستخرج من هذا العقد في السجل التجاري حيث يتم تضمينه تاريخ العقد والأسماء الشخصية والعائلية لمالك الأصل والدائن المرتهن وموطنهما وبيان الفروع ومقارها التي يشملها الرهن”[11].

ويستشف من هذه المقتضيات أن الكتابة التي تطلبها المشرع من أجل إثبات عقد رهن الأصل التجاري، قد تكون رسمية أو عرفية وفقا للمادة 83 من مدونة التجارة التي تحيل عليها المادة 108 من نفس المدونة، وبديهي أن يرد العقد كتابة مادام أن المشرع يتطلب ضرورة إيداع العقد لدى كتابة ضبط المحكمة التجارية التي يستغل الأصل في دائرة نفوذها[12].

وغاية المشرع من التنصيص على كتابة هذا العقد هي حماية الأطراف والأغيار خاصة الدائنين وكذا للأهمية القصوى للأصل التجاري في ضمان الديون هذا من جهة، أضف الى هذا الآثار الخطيرة التي يرتبها الرهن والتي يصعب إثباتها أو الاحتجاج بها بدون الكتابة خاصة الرسمية منها، وبالإضافة إلى كتابة هذا العقد ألزم المشرع كذلك إشهاره.

ثانيا: الشهر

طبقا للمادة 109 من مدونة التجارة “يجب تقييد الرهن تحت طائلة البطلان بالسجل التجاري؛ بطلب من الدائن المرتهن داخل أجل 15 يوما تبتدئ من تاريخ إبرام العقد، على أن يتم تكرار هذا الإجراء لدى كتابة ضبط كل محكمة يوجد بدائرتها فرع يشمله الرهن، إلا أن هذا التقييد لا يخضع للنشر حسب مدلول الفقرة الأخيرة من المادة 109”.

كما ألزم المشرع من خلال المادة 137 من مدونة التجارة القيام بإجراءات تجديد التقييد لدى كتابة ضبط المحكمة التجارية المختصة كل خمس سنوات تحت طائلة إلغاء التقييد الأول بصفة تلقائية.

وانطلاقا من هذه المقتضيات يتضح أن وضعية الدائن المرتهن في عقد الرهن لا تختلف كثيرا عن وضعية البائع في عقد بيع الأصل التجاري، غير أن حقوق المرتهن تبقى مضمونة في مواجهة الدائن رغم عدم كتابة العقد وإشهاره حيث يخضعان في علاقتهما لمبدأ العقد شريعة المتعاقدين[13].

ولقد هدف المشرع من وراء التنصيص على هذه الشكليات في عقد رهن الأصل التجاري الى إطلاع الأغيار وإعلامهم بوضعية الأصل التجاري، وكذا بالاحتجاج به في مواجهة الدائنين والأغيار[14]، إضافة كما قلت سابقا الى أهمية هذه الشكليات في إثبات العقد ومن ثم توفير الحماية اللازمة للأطراف المتعاقدة وكذا الأغيار خاصة الدائنين منهم.

الفقرة الثانية: الشكلية في عقد التسيير الحر للأصل التجاري

إذا كان المشرع لم يشترط كتابة هذا العقد على خلاف الوضع بالنسبة لبيع الأصل التجاري أو تفويته أو تقديمه حصة في شركة أو رهنه، وبالتالي حافظ على طابعه الرضائي، فإنه بالمقابل ومن خلال المادة 153 من مدونة التجارة حرص المشرع على إحاطته بمجموعة من القواعد الشكلية تأخذ طابعا إشهاريا، وشهر هذا العقد يتم من خلال نشره على شكل مستخرج في الجريدة الرسمية و في جريدة مخول لها نشر الإعلانات القانونية في أجل أقصاه 15 يوما من تاريخ إبرام العقد[15].

وبالتالي، فعملية إشهار ونشر عقد التسيير الحر تقتضي بالضرورة كتابته في محرر مكتوب يتم تقييده في السجل التجاري من خلال التنصيص على البيانات التي تخص الأصل التجاري وأطراف العقد وكذا مدته[16].

كما أنه ومن أجل حماية المتعاملين مع مسير الأصل التجاري من الوقوع في غلط، ألزم المشرع مكري الأصل التجاري تشطيب اسمه من السجل التجاري أو تغيير تقييده الشخصي بالتنصيص على وضع الأصل التجاري في التسيير الحر، وذلك تحت طائلة اعتباره مسؤولا بالتضامن مع المسير الحر في مواجهتهم[17].

كما ألزم المشرع كذلك المسير الحر بأن يذكر في الأوراق المتعلقة بنشاطه التجاري والمستندات الموقعة من طرفه لهذه الغاية أو باسمه رقم تسجيله بالسجل التجاري وموقع المحكمة التي سجل فيها وصفته كمسير حر للأصل التجاري، وإلا عوقب بغرامة تتراوح بين 2000 إلى 10000 درهم[18].

ونظرا لأهمية الشهر بالنسبة لهذا العقد جعل المشرع هذا العقد باطلا إذا لم تحترم الإجراءات سالفة الذكر دون أن يسمح لطرفي العقد التمسك بالبطلان تجاه الغير[19].

ولكي يكون العموم كذلك على  علم  بوضعية الأصل التجاري بعد انتهاء التسيير الحر، فإن كافة إجراءات الشهر المتطلبة عند انعقاده تستلزم أيضا عند انتهائه[20].

وتهدف هذه الإجراءات الشكلية في مجملها الى تدعيم الثقة والشفافية في المعاملات التجارية وإحاطة الأغيار خاصة الدائنين علما بكل الوضعيات الجديدة التي أصبح فيها الأصل التجاري الذي يبقى دائما أهم ضمانة بالنسبة لهم، وكذا حماية مصالح الأطراف والدائنين الذين خول لهم المشرع في حالة وضع الأصل التجاري في إطار التسيير الحر أو رهنه المطالبة بديونهم دون انتظار حلول الأجل وذلك داخل أجل ثلاثة أشهر من تاريخ نشر عقد التسيير الحر بالجريدة الرسمية[21]، إلا أنه يستشف من المواد المنظمة لهذه الشكليات بعض الثغرات والتضارب في مضمونها والتي يؤاخذ عنها المشرع المغربي من قبيل: عدم إلزامه كتابة هذا العقد في حين أن جل القرارات الصادرة بهذا الخصوص قضت ببطلان العقد في حالة تخلف الكتابة[22].

كما لا نعثر ضمن هذه المواد على أي شروط يجب توفرها في أطراف هذا العقد مما يكرس الطابع الرضائي له، أضف إلى هذا المادة 158 التي ترتب البطلان على عدم احترام اجراءات الشهر والتي تبقى معلقة على التزامات شخصية وهذا ما فيه مخالفة صريحة للقواعد العامة التي تقضي بأن الإخلال بإجراءات الشهر يؤثر فقط على إمكانية الاحتجاج بهذا العقد تجاه الأغيار وليس على صحته[23]، وبالتالي يجب على المشرع التدخل لرفع الضبابية التي تهيمن على هذه المواد وذلك لتفادي أي نزاعات قد تثار بهذا الخصوص.

المبحث الثاني: شكلية العقود التجارية الواردة في الكتاب الرابع من مدونة التجارة

تعتبر الشكلية من العناصر المهمة والجوهرية لانعقاد مجموعة من العقود، لذا سنحاول التصدي لهذه الشكلية في مطلبين اثنين: نخصص الأول لشكلية الكتابة فيما نخصص المطلب الثاني لشكلية الشهر.

المطلب الاول: شكلية الكتابة

باستقرائنا للمواد المنظمة للعقود التجارية الواردة في الكتاب الرابع من مدونة التجارة، نجد مجموعة من العقود الخاضعة لشكلية الكتابة، وأخرى غير خاضعة إلا أن ما يهمنا في الأمر هي تلك الخاضعة لهذه الشكلية، ويتعلق الأمر بكل من عقد الرهن والوكالة التجارية محاولين التصدي له في فقرة أولى، فيما نخصص في الفقرة الثانية إلى الائتمان الإيجاري  والعقود البنكية.

الفقرة الأولى: شكلية الكتابة في كل من عقد الرهن والوكالة التجارية

إذا كانت الشكلية في العقود التجارية هي إفراغ العقد في شكل معين يستلزمها القانون إذ تعتبر ركن التصرف القانوني، يعتبر شرط الكتابة أحد هذه الشروط، ذلك أن المشرع اشترط في قيام بعض العقود أن تكون كتابية باعتباره وسيلة إثبات أمام القضاء، ومن بين العقود الخاضعة لشكلية الكتابة نجد عقد الرهن، الذي يعتبر من الحقوق العينية التبعية المنصبة على عين تخصص لضمان تنفيذ الالتزام الأصلي حيث يثبت للدائن حق الأفضلية في اقتضاء دينه من ثمن هذا العين وهو الرهن الرسمي والرهن الحيازي، وإذا كان عقد الرهن كما أسلفنا الذكر من العقود التي تخضع لشكلية الكتابة، يعتبر رهن أدوات ومعدات التجهيز ورهن بعض المنتجات من أهمها، فالمشرع اشترط في رهن أدوات ومعدات التجهيز أن يحرر عقد رسمي أو عرفي ويتعلق الأمر هنا بالرهن الحيازي، وهذه القاعدة تجد أساسها القانوني في المادة 356 من مدونة التجارة في فقرتها الأولى “يتم الرهن بموجب محرر رسمي أو عرفي”.

وهو نفس الأمر الذي ينطبق على رهن بعض المنتوجات والمواد، إذ يجب إثباتها بمحرر رسمي أو عرفي يبين فيه اتفاق المتعاقدين على إثبات المقتضيات المنصوص عليها بمقتضى المواد من (380 إلى 392) حيث تنص المادة 379 من مدونة التجارة في فقرتها الأولى على أنه “يجب أن يثبت الرهن بمحرر رسمي أو عرفي يبين فيه اتفاق المتعاقدين على اتباع المقتضيات المنصوص عليها في هذا الباب”. كما ألزم المشرع تقييد هذا العقد في سجل خاص يمسك بكتابة ضبط المحكمة التي يوجد بدائرتها المنتوجات والمواد المرهونة[24]، ذلك أنه برجوعنا الى المادة 381 من مدونة التجارة نجدها تنص على أنه “يقيد كل عقد أبرم وفق الشروط المبينة في هذا الباب في سجل خاص يمسك بكتابة ضبط المحكمة التي توجد بدائرتها المنتوجات والمواد المرهونة”.

أما فيما يتعلق بعقد الوكالة التجارية فيتضح من الشروط المنظمة لها على أن المشرع لم يشترط شكلية معينة لصحتها، وبذلك يكفي منح الوكالة شفويا كما يمكن استنتاجها ضمنيا ومن خلال تنفيذها من طرف الوكيل التجاري، غير أنه يتضح من المادة 397 من مدونة التجارة التي تنص على “يثبت عقد الوكالة التجارية، وعند الاقتضاء تعديلاته بالكتابة” أي أن المشرع استلزم الكتابة لإثبات عقد الوكالة التجارة، إلا أن هذا المقتضى استثناء من قاعدة حرية الإثبات[25] في المادة التجارية المنصوص عليها في المادة334 من مدونة التجارة[26].

ولا يخفى ما للكتابة من فوائد بالنسبة للطرفين ذلك أن التعاون المستمر بينهما يفترض الدقة والوضوح، لذلك يكون من مصلحة جميع الأطراف التعبير عن حقوقه وواجباته كتابتا،  حتى إن كان المشرع لم يشترط شكلا كتابيا معينا، فهذه الكتابة تكون مقبولة سواء كانت رسمية أو عرفية، ولا شك أن حماية الوكيل التجاري تستلزم تفسير شرط الكتابة شرطا واسعا[27]، هذا فيما يتعلق بشرط الكتابة في كل من عقد الرهن والوكالة التجارية، فماذا عن شكلية الكتابة في عقد الائتمان الإيجاري والعقود البنكية؟

الفقرة الثانية: الشكلية في عقد الائتمان الإيجاري والعقود البنكية

نظم المشرع المغربي عقد الائتمان الإيجاري في المواد من 431 الى 486 من مدونة التجارة، ويعتبر تقنية تمويلية متعددة الصور تقوم، في أبرز صورها مؤسسة  مالية  لشراء  المعدات أو أدوات التجهيز أو آلات (منقول) لفائدة مقاولة تتسلم هذا المنقول من أجل استغلاله لمدة معينة تسمى المدة المحتومة، مقابل كرائه يؤدى بصفة دورية خلال هذه المدة التي تبقى فيها مؤسسة التمويل مالكة للمنقول شريطة تقديمها للمقاولة ووعدا من جانب واحد ببيع هذا المنقول بعد انتهاء المدة المحتومة لقاء ثمن محدد مسبقا يسمى القيمة الباقية.

وبرجوعنا إلى المادة 433 من مدونة التجارة نجدها تنص على أن “تنص عقود الائتمان الإيجاري، تحت طائلة البطلان،  على الشروط التي يمكن فيها فسخها وتجديدها بطلب من المتعاقد المكتري كما تتضمن تلك العقود كيفية التسوية الودية للنزاعات الممكن حدوثها بين المتعاقدين” ذلك أن خصوصيات الائتمان الإيجاري يجعل منه عقدا شكليا إذ يجب إفراغه في محرر مكتوب ليتسنى تضمينه بعض البيانات التي تم التنصيص عليها في مدونة التجارة، وهكذا فإنه يجب التصريح في عقود الائتمان تحت طائلة البطلان على الشروط التي يمكن فيها فسخها وتجديدها من المتعاقد المكتري، هذا وتنص تلك العقود على كيفية التسوية لنزاعات ممكن حدوثها بين المتعاقدين وهو ما أكدته المادة سالفة الذكر[28].

أما فيما يتعلق بالعقود البنكية، فالمشرع نظمها في القسم السابع من الكتاب الرابع من مدونة التجارة من خلال المواد من (487 إلى 544)، وتدخل العقود البنكية في إطار العقود التي تتطلب شكلية الكتابة غير أن المشرع لم يتطلب شكلية معينة من أجل إبرامها، وهكذا فإن الأبناك من الناحية العملية تتعامل مع عملائها بواسطة عقود مكتوبة أو ما يطلق عليها بالعقود النموذجية التي تقوم بإعدادها مسبقا.

وقد اعتبر المشرع المغربي من خلال المادة 492 من مدونة التجارة على أن كشف الحساب بمثابة وسيلة إثبات لكن إذا كان صادرا وفق الشروط المحددة في المادة 118 من قانون 34.03 المتعلق بنشاط مؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها[29]، ففي مجال قروض البنوك التي تقدمها لزبائنها فالعقود التي تبرمها في هذا الإطار نكون مكتوبة ومحددة لشروط التعاقد، كما أنه غالبا ما تكون مرفقة بملحق للعقد المبرم يكون عبارة عن ضمانات كتقديم رهن رسمي على عقار أو رهن على أصل تجاري لضمان تنفيذ المقترض لالتزاماته تجاه المؤسسة البنكية[30]، وهو ما يبرز وبوضوح الدور المهم لشكلية الكتابة في مثل هذه العقود قصد ضمان الثقة والاستمرارية بين المؤسسة البنكية وزبائنها.

المطلب الثاني: شكلية الشهر في العقود التجارية

كما هو معلوم فإن للشهر وظيفتان الأولى تتعلق بالإخبار أو الإعلام للأغيار، والثانية تتعلق بالإثبات لتلك العمليات المبرمة بين الأطراف، ومن أجل ذلك فإن شكلية الشهر تكتسي أهمية بالغة، حيث تهدف إلى حماية الأطراف المتعاقدة من جهة، والأغيار من جهة ثانية حيث يجنبهم الشهر إبرام عقود تسبب لهم العديد من النزاعات بعد إبرامها.

ونظرا لخصوصيات شكلية الشهر فإن المشرع المغربي اقتصرها على عقدين من العقود التجارية، عقد الرهن (الفقرة الأولى) وعقد الائتمان الإيجاري (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: شكلية الشهر في عقد الرهن

ميز المشرع المغربي بين الرهن الذي يفترض فيه التخلي عن الحيازة والرهن دون التخلي عنها، وهذا الأخير هو الذي يخضع لشكلية الشهر، وينقسم الرهن دون التخلي عن الحيازة إلى قسمين رهن أدوات ومعدات التجهيز (أولا) ورهن بعض المنتوجات والمواد (ثانيا).

أولا: شكلية الشهر في رهن أدوات ومعدات التجهيز

نظم المشرع المغربي شكلية الشهر في رهن أدوات ومعدات التجهيز من خلال المواد من  357 الى 361 من مدونة التجارة، حيث أوجب المشرع تقييد الرهن في سجل خاص تمسكه كتابة ضبط المحكمة التي تستغل الأدوات المرهونة بدائرتها، وبخصوص التشريع المقارن نجد المشرع الفرنسي حدد أجل التقييد في خمسة عشر يوما[31]، وذلك داخل أجل عشرون يوما من تاريخ تحرير المحرر المنشئ للرهن، فبعد هذا الإجراء يجب على الدائن المرتهن أو الغير أن يدلي بنسخة من محرر البيع أو القرض المنشئ للرهن الحيازي أو بنظير منه إذا كان عرفيا، ويرفقه بجدولين محررين يتضمنان البيانات التالية:                                                     

ـ الإسم الشخصي والعائلي والموطن لكل من الدائن والمدين ومهنتهما.

ـ تاريخ العقد وطبيعته.

ـ مبلغ الدين المصرح به في السند والشروط المتعلقة بالاستحقاق.

ـ المميزات الأساسية للمعدات مثل: العلامة ـ رقم السلسلة ـ الصنف وغيرها من المميزات.

ـ المكان الذي يجب أن تنصب به المعدات، أو الإشارة عند الاقتضاء بأن هذه المعدات قابلة للانتقال.                                                                                              

   ـ الموطن المختار من طرف الدائن المرتهن في دائرة المحكمة المطلوب التقييد في كتابة ضبطها.

فبعد تقديم الدائن المرتهن للجدولين، يجب عليه أداء مصاريف إنجاز التقييد وهو ما نص عليه المشرع في المادة 62 من الظهير الشريف رقم 1.84.54 الصادر سنة 1984 المتعلق بالرسوم القضائية في المجالات المدنية والتجارية والإدارية محددا في 150 درهم إضافة إلى مبلغ نسبي قدره 0,50 من مبلغ القرض وفي حالة تعديل العقد فإنه ينطبق نفس الحكم من حيث الرسم القضائي، ليقوم كاتب الضبط بعد ذلك بنقل مضمونهما في السجل، ليثبت الرهن بعقد يحرر ويقيد كعقد بيع يسلم للطالب نظيرا منه مع أحد الجدولين.

لذلك يكون من الضروري بالنسبة للدائن المرتهن أو من ينوب عنه الإسراع بتقييد الرهن ليتفادى بذلك جميع المخاطر وخاصة فقدان الامتياز على باقي الدائنين، إضافة إلى ذلك فإن نظام الشهر المرتكز على التقييد، يحمي حقوق الأغيار أيضا، لأنه فيه إعلام لهم بتعلق بحق الدائن المرتهن بالمعدات المرهونة، وأن هذه المعدات لم تعد جزءا من أموال الدائن الحرة يتصرف فيها كيف يشاء[32].

وتجدر الإشارة إلى أنه إذا كان المشتري مقيدا في السجل التجاري بصفته تاجرا يمارس أحد الأنشطة التجارية، وجب أن يقيد هذا الرهن كذلك في السجل التجاري الذي تمسكه المحكمة التي توجد في موطن مؤسسته التجارية، وينبغي التذكير أنه يشطب على التقييد بمرور خمسة سنوات ما لم يتم تجديده.

ثانيا: شكلية الشهر في رهن بعض المنتوجات والمواد

كما سبق أن تطرقنا فإن رهن بعض المنتوجات والمواد لا ينشئ إلا بموجب محرر رسمي أو عرفي يتضمن العديد من البيانات التي تخص المتعاقدين كالاسم الشخصي والعائلي وموطن وصفة كل واحد منهما، وكذا تلك المتعلقة بالقرض من حيث مبلغه ومدته، ومواصفات ومقدار وقيمة المنتوجات المرهونة ومكان إيداعها وغيرها من البيانات[33].

فبعد القيام بذلك أوجب المشرع بموجب المادة 381 تقييد كل عقد في سجل خاص يمسك بكتابة ضبط المحكمة التي توجد بدائرتها المنتوجات والمواد المرهونة، وتحقيقا لأهداف الشهر يتوجب على كاتب الضبط أن يسلم لكل طالب قائمة الرهون المقيدة في اسم المقترض منذ أقل من سنة وثلاثة أشهر أو شهادة تثبت عدم وجود أي تقييد.

وما يلاحظ في هذا الشأن أن المشرع لم يقيد الدائن المرتهن بأجل معين لإنجاز التقييد خلافا لما هو عليه الوضع في رهن الأصل التجاري ورهن أدوات ومعدات التجهيز، كما لم يلزم الدائن بتقديم طلب إجراء التقييد، بالإضافة إلى أن المشرع لم يرتب جزاء البطلان في حالة عدم إجراء التقييد، وهذا ما أكده المجلس الأعلى في أحد قراراته الصادرة بتاريخ 18 مارس 2010 الذي جاء فيه: ‘إن عقد الرهن المنصب على بعض المواد والمنتوجات الذي لم يتم تقييده بالسجل الخاص المعد لذلك أو لم يتم تجديد تقييده، لا يصبح معدوما، وإنما يترتب عن ذلك فقط فقدان الدائن المرتهن لرتبته في الامتياز مع بقائه محتفظا بصفته كدائن مرتهن’[34].

وينبغي التذكير أنه يشطب تلقائيا على التقييد بعد مرور سنة وثلاثة أشهر ما لم يقم الدائن بتجديده داخل تلك المدة، وفي حالة تجديده يبقى الدائن محتفظا بدرجة امتيازه الأصلية، كما يتوجب على المقترض عند الوفاء بالدين أن يخبر كاتب الضبط ليشير في السجل إلى تسديد الدين أو إلى رفع اليد وتسلم شهادة التشطيب للمقترض[35].

الفقرة الثانية: شكلية الشهر في عقد الائتمان الإيجاري

يتكون عقد الائتمان الإيجاري من ثلاثة أطراف المورد وشركة التمويل (المكري) والمستفيد (المكتري). إلا أن هناك طرفا آخر قد يكون له تأثيرا كبيرا على العلاقة العقدية ألا وهو الغير حسن النية الذي قد يتعامل مع المستفيد على أنه مالك للمنقولات أو العقارات محل عقد الائتمان الإيجاري الأمر الذي يسبب ضررا لشركة التمويل، وتجنبا لذلك أوجب المشرع شهر عقود الائتمان الإيجاري من خلال المواد 436 إلى 442 من مدونة التجارة.

يهدف شهر عمليات الائتمان الإيجاري إلى معرفة الأطراف والأموال موضوع العقد لدرء أي لبس بالنسبة للأغيار، وبما أن هذا الشهر يخدم بدرجة أولى مصالح مؤسسة الائتمان الإيجاري فإنها هي من تبادر إلى تقديم طلب لكتابة الضبط التي يكون المكتري مسجلا بصفة رئيسية بالسجل التجاري الممسوك من طرفها، أما إذا كان المكتري غير مسجلا بالسجل التجاري فإن كتابة الضبط التي يستغل في دائرتها مؤسسته التي تعاقد لحاجياتها، وفي حالة قيام الأطراف بإدخال تعديلات على العقد يتوجب أيضا على الأطراف شهر تلك التعديلات.

وفي حالة ما لم يتم شهر عمليات الائتمان الإيجاري لا يمكن الاحتجاج بها في مواجهة الأغيار كما أن مؤسسة الائتمان بدورها لا تستطيع مواجهة دائنين المكتري أو ذوي الحقوق المستأجر المكتسبة بعوض ما لم تثبت علمهم بعمليات الائتمان الإيجاري[36].

وحري بالذكر أن الشهر لا ينتج آثاره إلى من تاريخ تقييده، ويتم التشطيب عليه إما باتفاق الأطراف أو بناء على حكم حائز لقوة الشيء المقضي به، كما أن التشطيب يتم تلقائيا بمرور خمسة سنوات ما لم يتم تجديده.

ومن إجراءات الشهر أيضا حصول الأطراف وكل طالب على نسخة أو مستخرجا من التقييدات يسلمها لهم كاتب الضبط[37].

وتجدر الإشارة إلى أنه في حالة ما إذا تعلق الأمر بالائتمان الإيجاري العقاري فإنه يقيد في المحافظة العقارية بالإضافة إلى التعديلات التي تطرأ عليه وفق الظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري، ومن الملاحظ أن المشرع المغربي لم يربط عملية التسجيل بمدة الكراء كما فعل المشرع الفرنسي الذي لا يشترط تسجيل عقد الكراء في السجل العقاري إلا إذا تجاوزت مدته 12 سنة[38].

خاتمة

إشكالات بخصوص الموضوع :

  • إشكالية قصور وغموض بعض النصوص المنظمة للشكلية في م ت ؛ وكذا بروز الشكلية الاتفاقية التي تفتقر للنصوص التشريعية المنظمة لها مما أدى الى اختلاف في مدى تأثير هذا النوع من الشكلية على صحة العقد وأثاره.
  • إشكالية ملائمة ومسايرة هذه الشكليات للعقود التجارية الإليكترونية أو التي قد تنفذ بواسطة أليات إليكترونية ؛ومدى حجية هذه الشكليات سواء في انعقاد هذه العقود أو إثباتها.
  • إشكالية صعوبة إثبات بعض العقود التجارية الشفوية والتي يطغى عليها الطابع الرضائي من جهة؛ وكذا اشتراط المشرع بعض الشكليات التي قد تساهم في تعطيل خاصية السرعة التي تميز العقود التجارية.
  • إشكالية إجراءات النشر الالزامية عند انتهاء عقد التسيير الحر للأصل التجاري ؛وهل يلزم القيام بهذه الإجراءات في حالة تجديد عقد التسيير الحر أم يتم الاكتفاء فقط بالإشهار الأول.
  • إشكالية المادة 158 من م ت ؛والتي ترتب بطلان عقد التسيير الحر للأصل التجاري في حالة عدم احترام إجراءات الشهر ؛أضف إلى هذا عدم إلزامية المشرع لكتابة هذا العقد ؛مما خلق تضارب على مستوى الاجتهاد القضائي بهذا الخصوص.
  • كما أنه إلى أي حد يمكن اعتبار الشكلية الواردة في م ت ؛ استثناء من مبدأ الرضائية ؛ وقيدا على المبادرات الفردية في المعاملات التجارية.

إقتراحات بخصوص الموضوع :

  • نقترح تدخل المشرع لإيجاد توازن بين الرضائية والشكلية في العقود التجارية.
  • نقترح تعديل بعض المواد المنظمة للشكلية بمدونة التجارة.
  • نقترح كذلك وضع إطار قانوني أكثر شمولية يتضمن الإحاطة بمجموعة من الثغرات التي تعتري تلك النصوص المنظمة للشكلية في م ت.
  • نقترح توحيد القواعد القانونية المتعلقة بالشكلية ؛ وتحديد دورها بنصوص صريحة ومنسجمة.
  • كما نقترح تطوير وتحديث النصوص المتعلقة بالشكلية حتى تساير التطور التكنولوجي والإليكتروني الذي غذى مجالا خصبا لإبرام العقود التجارية.

 [1]الفصل 230 من ق.ل.ع: “الالتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها، ولا يجوز إلغاؤها إلا برضاهما معا أو في الحالات المنصوص عليها في القانون”.

[2] أحمد شكري السباعي: الوسيط في القانون التجاري المغربي والمقارن، الجزء الأول، مكتبة المعارف، الرباط، 1983، ص: 142.

[3] سهيلة طمين: الشكلية في عقود التجارة الإلكترونية، رسالة لنيل شهادة الماجستير في القانون الدولي للأعمال، جامعة مولود معمري، تيزي وزو، الجزائر، ص: 4.

[4] فؤاد معلال: شرح القانون التجاري المغربي الجديد، الطبعة الأولى، 1999، ص: 195.

[5] عبد الرحيم شميعة: القانون التجاري الأساسي، مطبعة سجلماسة، طبعة 2013، ص: 235.

[6] احمد بقالي: حجز وبيع الأصل التجاري بين مدونة التجارة وقانون المسطرة المدنية ومدونة تحصيل الديون العمومية، مطبعة دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، الطبعة الأولى، 2014، ص: 59.

[7] فؤاد معلال: م س. ص: 196. 

[8] زكرياء بن عبو: الشكلية في الأصل التجاري مقال منشور في موقع العلوم القانونية، تاريخ الاطلاع: الأربعاء 11 أبريل 2016.

[9] زكرياء المرابط: الدور الحمائي للشكلية في المادة التجارية (الأصل التجاري نموذجا)، مقال منشور بمجلة قانون الأعمال، تاريخ الاطلاع: 11 أبريل 2011.

[10] زكرياء المرابط: م.س.

[11] محمد بنحساين: القانون التجاري الأساسي، طبعة 2010، ص: 147.

[12] محمد المقرين: رهن الأصل التجاري كأداة مضمونة للائتمان، مجلة القصر، العدد 16، 2000، ص: 21.

[13] عبد العاطي بوجمعة: بيع ورهن الأصل التجاري الشروط والآثار، مجلة المرافعة، العدد11، 2000.

[14] عز الدين بنستي: دراسات في القانون التجاري المغربي الجزء الثاني الأصل التجاري، الطبعة الأولى، 2001.

[15] محمد:بنحساين م س، ص: 158.

[16] عز الدين بنستي ، م س، ص: 214.

[17] عز الدين بنستي ، م س، ص: 216.

[18] المادة 154 من مدونة التجارة ” يجب على المسير الحر أن يذكر في كل الأوراق المتعلقة بنشاطه التجاري وكذا المستندات الموقعة من طرفه لهذه الغاية أو باسمه، رقم تسجيله بالسجل التجاري وموقع المحكمة التي سجل فيها وصفته كمسير حر للأصل … “

[19] المادة 158 من مدونة التجارة ” يعد باطلا كل عقد تسيير حر مبرم من المالك أو المستغل للأصل التجاري لا يتوفر على الشروط المنصوص عليها في المواد أعلاه، غير أن المتعاقدين لا يحق لهم التمسك بهذا البطلان تجاه الغير “

[20] ا الفقرة الرابعة من المادة 153 من مدونة التجارة ” يخضع انتهاء التسيير الحر لإجراءات الشهر ذاتها “

[21] الفقرة الاولى من المادة 152 من مدونة التجارة ” إذا كان الثمن مؤدى بأقساط فإن قوائم الترتيب تسلم مجزأة ومطابقة لها وتكتب جميع البيانات المفيدة على هامش التقييدات أولا بأول حين أداء القوائم المجزأة … “

[22] محمد مومن: التسيير الحر للأصل التجاري في القانون المغربي، مطبعة الوراقة، مراكش، 2005، ص: 158.

[23] محمد مومن ، م.س، ص: 182.

[24] عبد الرحيم بحار: القضاء التجاري والمنازعات التجارية (دراسة تأصيلية مقارنة)، الطبعة الأولى، بدون دار النشر،  2014، ص: 126.

[25] بوعبيد عباسي: العقود التجارية (دراسة تحليلية وفق القانون المغربي والمقارن معززة بأهم الإحكام والقرارات الصادرة في الموضوع)، المطبعة والوارقة الوطنية، مراكش، الطبعة الأولى، 2013، ص: 195.

[26] المادة 334 من مدونة التجارة: “تخضع المادة التجارية لحرية الإثبات. غير أنه يتعين الإثبات بالكتابة إذا نص القانون أو الاتفاق على ذلك”.

[27] بوعبيد عباسي: م.س، ص: 195.

[28] محمد الشواي: العقود التجارية (محاضرات الفصل السادس من الموسم الدراسي 2015 – 2014)، جامعة عبد  المالك السعدي، الكلية المتعددة التخصصات تطوان، ص: 7.

[29] تم إلغاء القانون الصادر بتاريخ 6 يوليوز 1993 المتعلق بنشاط مؤسسات الائتمان ومراقبتها وتم تعويضه بالقانون رقم 34.03 الصادر بتاريخ 14 فبراير 2006.

[30] عبد الرحيم بحار: م.س، ص: 127.

[31] بوعبيد عباسي: م.س، ص: 111.  

[32] بوعبيد عباسي: م.س، ص: 114. 

[33] نورة غزلان الشنيوي: العقود الخاصة المدنية والتجارية مع آخر المستجدات، مطبعة الورود إنزكان، الطبعة الأولى 2016، ص: 300.    

[34] القرار عدد 422 الصادر في الملف عدد 946 بتاريخ 3 مارس 2009. أورده عباسي بوعبيد: م س، ص: 151.

[35] وذلك ما تضمنته المادة 383 من مدونة التجارة.

[36] عرض حول موضوع الائتمان الإيجاري على المنقول في ضوء الفقه والقضاء، من إنجاز طلبة ماستر المقاولة والقانون بسطات، منشور في مجلة القانون والأعمال الإلكترونية، تاريخ الاطلاع 5 أبريل 2016.

[37] عبد الرحمان فريقش: الائتمان الإيجاري، مقال منشور في الموقع الالكتروني التالي:

  www.fraikechassocies.com ، تاريخ الاطلاع: 2 أبريل 2016.

[38] محمد الشواي ، م.س، ص: 8.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

"لا تقرأ وترحل شاركنا رأيك"

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من أنفاس قانونية

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading