أخر الأخبار

حق الرجوع في العقود المبرمة عن بعد

حق الرجوع في العقود المبرمة عن بعد في ضوء قانون حماية المستهلك المغربي

مقدمة:

نتج عن التقدم التكنولوجي الذي تحقق منذ منتصف القرن العشرين ظهور أشكال جديدة للمنتوجات والخدمات المعروضة على المستهلكين كما ظهرت أساليب جديدة لتوزيعها تختلف عن المساومة الكلاسيكية، حيث عرف استعمال بعض وسائل الاتصال في مجال البيع مثل الهاتف والتلفزيون والإنترنيت نموا كبيرا وتنوعا سريعا مما أدى إلى ظهور نوع جديد من البيوع أطلق عليه اسم البيع عن بعد والذي يعرف بكونه تقنية للتسويق تسمح للمستهلك بطلب منتوج أو الحصول على خدمة خارج الأماكن المعتادة لاستقبال الزبناء[1].

حيث لم يعد عقد البيع محصورا في الإطار التقليدي بل امتد إلى أنواع جديدة من العقود لم تكن مألوفة كالعقود المبرمة عن بعد والتي أفرد لها المشرع الباب الثاني من القسم الرابع من قانون 31.08 وذلك نظرا لما قد تطرحه هذه العقود من إشكالات يكون ضحيتها في الغالب هو المستهلك باعتباره الطرف الضعيف في العقد، الأمر الذي يتطلب تدخل المشرع لتوفير الحماية الكافية للمستهلك من جهة، ومواجهة الإشكالات التي تطرحها العقود المبرمة عن بعد من جهة أخرى، وذلك عن طريق إقرار حق المستهلك في التراجع عن العقد الذي أبرمه عن بعد باعتباره أحد أهم الآليات التي جاء بها المشرع لتعزيز حماية رضا المستهلك قبل أن يعلن عن قبوله النهائي، إلا أن السؤال الذي يبقى مطروحا هو ما مدى تحقيق حق التراجع في العقد المبرم عن بعد للحماية المنشودة للمستهلك؟ للإجابة على هذا التساؤل ارتأينا اعتماد التصميم التالي:

المبحث الأول: مفهوم حق الرجوع في العقود المبرمة عن بعد والاستثناءات الواردة عليه

يعتبر حق المستهلك في الرجوع في العقد في الواقع الآلية القانونية الأساسية المعدة لضمان حماية فعالة للمستهلك في التعاقد عن بعد[2]، وهذا الحق يمثل في الواقع خروجا عن مبدأ القوة الملزمة للعقد هذا الخروج يجد مبرره في ضرورة حماية المستهلك باعتباره الطرف الضعيف في مواجهة المهني أو البائع إلا أن هذا الرجوع ليس مطلقا قد ترد عليه استثناءات محدودة قانونيا.

وسنتناول في هذا المبحث مفهوم الحق في الرجوع كآلية لحماية المستهلك في المطلب الأول والاستثناءات الواردة عليه في المطلب الثاني.

المطلب الأول: مفهوم حق الرجوع في العقود المبرمة عن بعد

لقد تدخل المشرع لتهذيب مبدأ سلطان الإرادة وما يترتب عليه من آثار وذلك لجعل الحرية والعدالة التعاقدية أقرب إلى الحقيقة فنظم حق الرجوع في العقود المبرمة عن بعد بشكل يمكن المستهلك باعتباره الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية من التفكير والتروي في شروط العقد وآثاره، وذلك نظرا للإغراءات التي يتعرض لها نتيجة تطور تقنيات التواصل والدعاية مما يدفع المستهلك إلى التعاقد دون التمعن أو دراسة الحاجة إلى السلعة أو الخدمة المتعاقد بشأنها وسنحاول في هذا المطلب تحديد مفهوم الحق في الرجوع (الفقرة الأولى) ومبررات هذا الحق (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: تحديد مفهوم حق الرجوع

يستعمل الرجوع في العقد (مهلة التفكير) في مجال العقود الاستهلاكية للدلالة على رخصة يمنحها القانون لأحد طرفي العقد بنقض وإلغاء الاتفاق الذي أبرمه في وقت سابق والملاحظ أن المشرع المغربي على غرار نظيره الفرنسي لم يعرف الحق في التراجع في القانون 31.08 المتعلق بحماية المستهلك والذي اكتفى بالتنصيص عليه في الديباجة كحق أساسي من حقوق المستهلك التي يرمي إلى حمايتها وتعزيزها كما نظم أحكامه في مواد مختلفة من القانون السالف ذكره.

وقد اهتم الفقه الفرنسي بتعريف هذه المكنة الخاصة التي ترخص للمتعاقد أن يعبر عن إرادة بديلة أو مغايرة لإرادة سابقة قصد الانسحاب من العقد قد ذهب بعض الفقه الفرنسي إلى أنه بمثابة “الإعلام عن إرادة مضادة يعتزم من خلاله المتعاقد الرجوع عن إرادته وسحبها واعتبارها كأن لم تكن وذلك بهدف تجريدها من أي أثر كان له في الماضي أو سيكون لها في المستقبل”[3].

كما عرفه اتجاه آخر من الفقه بأنه “سلطة أحد المتعاقدين بالانفراد بنقض العقد والتحلل منه دون توقف ذلك على إرادة الطرف الآخر[4]. وتتم ممارسة حق الرجوع في العقود المبرمة عن بعد بإرادة المستهلك المنفردة دون الحاجة إلى اللجوء إلى القضاء أو الحصول على موافقة الطرف الآخر[5] وهو ما يخالف بشكل صريح مبدأ القوة الملزمة للعقود الذي لا يسمح للمتعاقد بالتحلل من العقد بإرادة منفردة. مما استدعى تحديده في مدة زمنية تجيز للمستهلك خلالها إمضاء العقد أو العدول عنه.

 وقد حدد المشرع المغربي هذه المدة في الفصل 36 من قانون رقم 31.08 “للمستهلك أجل: سبعة أيام كاملة لممارسة حقه في التراجع، ثلاثين يوما لممارسة حقه في التراجع في حالة ما لم يف المورد بالتزاماته بالتأكيد الكتابي للمعلومات المنصوص عليها في المادتين 29 و32 ” كما أن المشرع الفرنسي حدد مدة الرجوع في العقد في سبعة أيام في المادة 121-16 من قانون الاستهلاك. ويبدأ سريان هذا الأجل، للفقرة الأخيرة من المادة36 ابتداء من تاريخ تسلم السلعة أو قبول العرض فيما يتعلق بتقديم الخدمات.

وقد يختلط مفهوم حق الرجوع في العقود المبرمة عن بعد مع خيار الفسخ للعيب لكونهما ينهيان العلاقة التعاقدية بالإضافة إلى أنهما يخولان لطرف واحد هو المشتري والمستهلك، إلا أنهما يختلفان من حيث الأساس الذي يقومان عليه فإذا كان خيار الفسخ للعيب جزاء على عدم التزام البائع بإعلام المشتري بالعيوب الخفية للشيء موضوع التعاقد فإن حق الرجوع هو إمكانية قانونية أصلية منحها المشرع للمستهلك حتى ولو لم يكن هناك كتمان أو إخلال بأي التزام من طرف المورد أو المهني بالإضافة إلى أن الفسخ يمكن أن تنتج عنه مطالبة التعويض عكس الحق في التراجع.

الفقرة الثانية: مبررات خيار الرجوع

لاشك أن الغاية الأساسية من تقرير خيار المستهلك بالرجوع في العقود المبرمة عن بعد هو حماية رضائه الحقيقي وضمان إرادة واعية ومستنيرة، ويتحقق ذلك بواسطة إعطاء فرصة للتروي والتأمل في العقد الذي قد يكون أبرمه متسرعا بدون فكرة واعية وكافية عن المبيع.

وفي ظل تطور طرق الاتصال الحديثة والتعقيد الذي شهده استخدام الوسائل التكنولوجية في إبرام العقود وبشكل يجعل من الصعب على المستهلك العادي للإلمام بكل جوانب العملية التعاقدية التي يقدم عليها، أصبح لزاما توفير وسائل أكثر فعالية لحماية المستهلك، فالحاجة إلى هذه الحماية تفاقمت في ضوء الرغبة بتمكين المستهلك من تكوين رضاء حر ومستنير بالنسبة للعقد الذي يبرمه ولهذا يعد خيار الرجوع من النظام العام لا يجوز الاتفاق على خلافه وبالتالي لا يحق للمستهلك التنازل مسبقا عنه ولا يجوز بأي شكل من الأشكال تقييده.

 لذلك يمكن القول بأن تقرير هذا الخيار جاء لحماية المستهلك من الآثار السلبية لتطور وسائل التسويق. ففي بيوع المسافة على الأغلب يتعاقد المستهلك في هذه العقود على بضاعة لم يراها أو أنه رآها كصورة موجودة على شاشة الحاسوب أو التلفاز، مما قد لا يمكنه من أخذ الفكرة المناسبة والوافية عن السلعة التي يريد شراءها وفي محاولته للتحلل من العقد قد لا يستطيع المستهلك الاستناد في ذلك إلى القواعد العامة المنظمة للتعبير عن الرضا إذا لم يكن قد تعرض إلى إكراه أو غلط أو تدليس أو غبن فاحش عند إبرام العقد وأصدر قراره على الصورة التي رآها والتي قد لا تعبر عن الحقيقة مما يُوجب إعطاء فرصة التراجع والعدول عن العقد الذي أبرمه في هذه الظروف[6].

المطلب الثاني: الاستثناءات الواردة على حق الرجوع في العقود المبرمة عن بعد

رغم أن المشرع قصر حق التراجع على ثلاث عقود وهي عقد البيع المبرم عن بعد وعقد البيع خارج المحلات التجارية والقروض الاستهلاكية إلا أنه لابد من الإشارة إلى أن استعمال المستهلك لحق الرجوع لا يكون مطلقا بحيث توجد حالات معينة على سبيل الحصر أوردتها المادة 38 من القانون رقم 31.08 وذلك حتى لا يتعسف المستهلك في استعماله لهذا الحق الذي خوله إياه القانون إذ لا يمكن أن يمارس حق التراجع إلا إذا اتفق الطرفان على خلاف ذلك في بعض الالتزامات حيث جاء في المادة 38 أنه:

” لا يمكنه أن يمارس حق التراجع إلا إذا اتفق الطرفان على خلاف ذلك في العقود المتعلقة بما يلي:

– الخدمات التي شرع في تنفيذها بموافقة قبل انتهاء أجل سبعة أيام كاملة.

  • التزويد بالمنتوجات أو السلع أو الخدمات التي يكون ثمنها أو تعريفتها رهنا بتقلبات أسعار السوق الكاملة.

– أيضا التزويد ؛

بالسلع المصنوعة حسب مواصفات المستهلك أو المعدة له خصيصا أو التي يمكن طبيعتها إعادة إرسالها أو تكون معرضة للفساد أو سرعة التلف.

بتسجيلات سمعية أو بصرية أو برامج معلوماتية عندما يطلع عليها المستهلك.

بالجرائد أو الدوريات أو المجلات[7]“.

وبالنظر إلى هذه الالتزامات نجد بأن المستهلك يتحمل فيها نصيبا في نشوءها كما لو تم الشروع في تنفيذها بموافقته أي المستهلك أو أن السلع المصنوعة كانت بالمواصفات التي طلبها أو معدة له خصيصا أو أنه سبق له الاطلاع عليها أو أن طبيعة المنتوج لا تبرر ممارسة هذا الحق كالتزويد بالجرائد أو الدوريات حيث لا يمكن ممارسة حق التراجع إلا إذا تفق الطرفان على خلاف ذلك وهذا الأمر صعب في ظل الوضعية الصعبة التي يتواجد فيها المستهلك باعتباره الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية.

* كما أنه لا يمكن للمستهلك الاستفادة من القواعد المتعلقة بحق التراجع في البيع خارج المحلات التجارية في ثلاث استثناءات وهذه الأخيرة حددتها المادة46 حيث تستبعد خضوع مقتضيات البيع خارج المحلات التجارية كل من:

– الأنشطة المنظمة بنص تشريعي خاص وعلى سبيل المثال لا الحصر المادة112 من مدونة الأدوية والصيدلية الصادرة بمقتضى الظهير الشريف رقم 151-06-1 الصادر في 30 شوال 1427. (22 نوفمبر 2008) بتنفيذ قانون رقم 04-17.

– البيع بالمنازل لمنتوجات الاستهلاك العادي الذي يقوم به المورد أو مأموره خلال حالات متواترة أو أدوية داخل المجموعة العمرانية التي توجد بها مؤسساتهم أو بجوارها.

– بيع المنتوجات المتأنية بصفة حصرية من صنع أو إنتاج شخصي للمواد خارج المحلات التجارية أو لعائلته وكذا تقديم الخدمات المرتبطة بمثل هذا البيع والمنجزة على الفور من لدنهم ويتعلق الأمر بالبيع الذي يجريه الحرفيون أو الفنانون بشأن أعمالهم أو أعمال عائلتهم ويستثنى كذلك ما نص عليه المشرع في الفقرة الأخيرة من المادة 49 التي جاء فيها لا تطبق إمداد هذه المادة على العقود المبرمة وفق الشروط المنصوص عليها في المادة 51:

وبالتالي فإن الاستثناءات الواردة على حق التراجع جاءت لوضع حد من التعسف المستهلك في استعماله لهذا الحق وكذلك لضمان سير التعاملات واستقرارها[8].

إلا أن المشرع وإن كان قد قيد مجال ممارسة حق التراجع وأورد استثناءات لا يمكن معها ممارسة هذا الحق، إلا أنه وبالمقابل وضع ضمانات رئيسية تحمي حق الاستهلاك في التراجع عن العقد المبرم وهو ما سنتناوله في المبحث الثاني.

المبحث الثاني: ضمانات ممارسة حق الرجوع في العقود المبرمة عن بعد والآثار المترتبة عليه

مما لاشك فيه أن إقرار المشرع إمكانية رجوع المستهلك في العقد الذي أبرمه عن بعد قد جاء بهدف تعزيز وحماية رضا المستهلك، الأمر الذي يتطلب إيجاد ضمانات حقيقية وفعالة من طرف المشرع تساعد المستهلك على ممارسة حق الرجوع في العقد من أجل حسن تنفيذ العقد (المطلب الأول)، كما أن ممارسة المستهلك لهذا الحق يرتب آثارا منها ما يتعلق بالعقد المتراجع عنه وأخرى تتعلق بطرفي العقد (المطلب الثاني).

المطلب الأول: ضمانات ممارسة حق الرجوع في العقد المبرم عن بعد

إن تحقيق العدل بين طرفي العقد الاستهلاكي وتوفير الحماية للطرف الأقل خبرة ألا وهو المستهلك، يتطلب إقرار ضمانات كفيلة بحماية هذا الحق، وتتمثل هذه الضمانات أساسا في جعل خيار ممارسة حق الرجوع من النظام العام (الفقرة الأولى) وكذا حصر ممارسة هذا الحق في المستهلك دون المهني (الفقرة الثانية) وجعل ممارسة هذا الحق مجانية دون أداء المستهلك لأي مقابل مالي (الفقرة الثالثة).

الفقرة الأولى: حق الرجوع وعلاقته بالنظام العام

اعتبارا لكون الحق في الرجوع في العقود المبرمة عن بعد قد جاء لحماية الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية الذي غالبا هو المستهلك من تعسف المهني الذي قد يفرض عليه بحكم مركزه الاقتصادي وخبرته المهنية التنازل عن هذا الحق، فقد ربط المشرع حق الرجوع بالنظام العام بمقتضى المادة 44 من قانون حماية المستهلك، الأمر الذي يجعل من كل شرط تعاقدي يحرم المشتري من ممارسة هذا الحق أو التنازل عنه يعد باطلا[9].

ويعد هذا من الضمانات الأساسية التي وضعها المشرع والتي تعطي للحق في الرجوع قوة إلزامية، حيث تم تشريع هذا الحق بموجب قواعد آمرة من النظام العام لا يجوز الاتفاق على مخالفتها وذلك لتحقيق توازن بين طرفين غير متكافئين من الناحية الاقتصادية وبالتالي فإنه يمنع الاتفاق على حرمان المستهلك أو تقييد حريته في ممارسة حقه في الرجوع.

الفقرة الثانية: الصفة التقديرية للحق في الرجوع.

انطلاقا من هذه الصفة فللمستهلك إرجاع المبيع بإرادة منفردة دون الحاجة إلى تبرير سبب الإرجاع على أن يمارس هذا الحق داخل أجل 7 أيام وذلك من تاريخ تسلم السلعة أو قبول العرض فيما يتعلق بتقديم الخدمات وذلك بمقتضى المادة 36 من قانون حماية المستهلك، وبالتالي فإن رخصة الرجوع تتميز بالصفة التقديرية إذ تخضع لتقدير المستفيد منها – المستهلك – وبالتالي لا يلزم بتبرير قراره بالرجوع ولا يقع على القضاة كذلك واجب تحليل الأسباب التي دفعت بالمشتري إلى الرجوع[10]، الأمر الذي يسهل على المستهلك ممارسة هذا الحق ويضمن له الحماية المرجوة، ومبرر ذلك أن منح المستهلك خيار الرجوع في العقد هو الاستيثاق من أن البضائع محل العقد تتفق مع حاجاته الشخصية[11] حيث قد يقع أن يتوصل المستهلك بمنتوج لا يتلاءم مع ما كان ينتظر على اعتبار أنه لا يمكن له تقدير مدى صلاحية المنتوج واتخاذ موقف نهائي بشأنه إلا بعد تسلمه، الأمر الذي دفع بالمشرع لإقرار الصفة التقديرية لهذا الحق.

الفقرة الثالثة: مجانية ممارسة الحق في الرجوع.

لقد منح المشرع المستهلك إمكانية ممارسة حق الرجوع دون دفع أي مقابل مالي كجزاء عن ذلك باستثناء مصاريف الإرجاع وهو ما أكده المشرع في المادة 36 من (قانون حماية المستهلك)، الأمر الذي يضمن فعالية ممارسة هذا الحق من قبل المستهلك، فلو فرض القانون مقابلا ماليا لممارسة حق التراجع لتعذر على المستهلك الرجوع في التعاقد ولما تحقق التوازن الذي يهدف هذا الحق إلى تحقيقه بين طرفي العقد كما أكدت محكمة العدل الأوربية على عنصر المجانية بقولها: “أن التوجيهات الأوربية تعارض اشتمال العقد شرطا يقضي بإلزام المستهلك بدفع مبلغ جزافي من المال كتعويض عن الضرر المحتمل الذي قد يصيب المهني لدافع منفرد هو مجرد ممارسة المستهلك لحقه في الرجوع عليه فإذا كان المشرع قد وضع ضمانات رئيسية لحماية حق المستهلك في ممارسة حق التراجع فإن ممارسة هذا الحق ترتب آثار هامة والتي سنتناولها في المطلب الثاني.

المطلب الثاني: آثار ممارسة حق الرجوع

باعتبار حق الرجوع من أهم آليات حماية المستهلك فإن ممارسة هذا الحق ترتب آثار هامة منها ما يتعلق بالعقد المتراجع عنه (الفقرة الأولى) وأخرى تتعلق بطرفي العقد (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: آثار الحق في التراجع بالنسبة للعقد المتراجع عنه

باستقرائنا النصوص القانونية التي نظمت الحق في التراجع في قانون 31.08، يتضح أن المشرع المغربي لم ينص على آثار ممارسة الحق في التراجع على العقد المبرم صراحة إذ لم يشر إلى إلغائه.

وهذا ما يطرح التساؤل حول طبيعة هذا العقد المتراجع عنه، هل يبقى صحيحا؟

بالرجوع إلى المادة 97 من مدونة التأمين، فإنها تنص على أنه يترتب على ممارسة الحق في التراجع كرخصة قانونية تتم ممارستها بصورة أصلية، وبمعزل عن الجزاء الذي ينتج عن الإخلال بركن أو شرط أو التزام عقدي أو غير عقدي، فإن العقد المتراجع عنه يبقى صحيحا من الشكل والموضوع، فهو عقد مبرم بتوافق إرادتي غير معيبتين وبجميع أركان التعاقد وشروطه إلا أنه يلحقه الإلغاء لسبب خارج عن ظروف وأركان انعقاده، ولا يمكن تنفيذه أو إلزام أي طرف بمضمونه بعد ممارسة الحق في التراجع وسندنا في هذا القول على إبقاء العقد صحيحا، هو أن المشرع نفسه في المادة 41 من قانون 31.08 أعطى إمكانية تعويض السلعة أو الخدمة بأخرى لها نفس الجودة والثمن في الحالة التي يمارس فيها المستهلك حقه في التراجع إذا كانت هذه الإمكانية معلنا عنها قبل إبرام العقد أو منصوص عليها في العقد بصورة واضحة ومفهومة.

الفقرة الثانية: آثار الحق في التراجع بالنسبة لطرفي العقد

إذا مارس المستهلك الحق في التراجع فإنه ينتج آثار سواء من ناحيته هو (أولا) أو من ناحية البائع “المهني الطرف الآخر في التعاقد” (ثانيا).

أولا: آثار الحق في التراجع بالنسبة للمستهلك

إن ممارسة المستهلك لحقه في العدول يستتبع انقضاء العقد السابق إبرامه ويترتب على ذلك أن يكون عليه رد السلعة أو المنتج إلى المهني أو التنازل عن الخدمة.

والمستهلك الذي يمارس حقه في العدول خلال المدة المقررة لا يتحمل في مقابل ذلك أية جزاءات أو مصروفات فيما عدا المصروفات المحتملة لإرجاع المنتج أو السعلة[12]. وذلك استنادا إلى المادة 36 من قانون 31.08.

ويمكن هنا أن نبدي الملاحظات التالية:

  • أن حق المستهلك في العدول عن عقد البيع أو تقديم الخدمات عن بعد حقا مطلقا يمكنه ممارسته بطريقة تعتقد بصفة أساسي على شخص المستهلك إن شاء أتم العقد وإن شاء عدل عنه، مادامت مدة سبعة أيام سارية، وبدون إبداء أسباب أو مبررات هذا العدول.
  • أن حق المستهلك في العدول عن إتمام العقد عن طريق رده للمنتج المبيع أو تحديد حقه في مجرد استبدال هذا المنتج يعد من النظام العام، الذي لا يجوز الاتفاق على خلافه، وأي بند قد يتضمنه العقد يحرم بمقتضاه المستهلك من ممارسة هذا الحق، أو حتى يحد منه، يعد باطلا ولا يعتد به.
  • تعد المهلة التي يسمح للمستهلك فيها بممارسة هذا الحق وهي غالبا مدة سبعة الأيام من النظام العام كذلك، فلا يجوز النيل منها أو تقليصها أيا كانت المبررات، وأن أي بند عقدي يخالفها يعد باطلا ولا يعتد به كذلك.

ثانيا: آثار الحق في التراجع بالنسبة للمهني (المورد)

ألزمت المادة 37 من قانون 31.08 المورد، برد المبلغ المدفوع من طرف المستهلك بخصوص المنتوج أو السلعة أو الخدمة المتراجع عنها كاملا، وذلك فور توصله بقرار التراجع من طرف المستهلك، وعلى أبعد تقدير داخل أجل 15 يوما من تاريخ ممارسة الحق في التراجع، وقد يتحمل المورد مصاريف الإرجاع كما هو الشأن في الحالة المنصوص عليها في المادة 41 من قانون 31.08 إذا قام بتعويض السلعة أو الخدمة بأخرى مماثلة في الجودة والثمن بعد ممارسة الحق في التراجع، وتفاديا للمماطلة في إرجاع المبالغ المدفوعة إلى المستهلك رتب المشرع جزاءات على المورد إذ جاء في المادة 37 من قانون 31.08، أنه بعد انصرام أجل 15 يوما من ممارسة الحق في التراجع، فإن المبالغ التي لم يتم دفعها تترتب عليها فوائد بقوة القانون وبالسعر القانوني المعمول به.

 ثم إن المادة 178 أضافت عقوبة بغرامة تتراوح بين 1200 و50000 ألف درهم على المورد الذي يرفض إرجاع المبالغ إلى المستهلك وفق الشروط المنصوص عليها في المواد 37 و40 من قانون 31.08 وفي حالة العود ترفع هذه الغرامة إلى الضعف.

ومع ذلك يمكن للمورد التحلل كليا أو جزئيا من المسؤولية وذلك في حالة السبب الأجنبي، وهو ما تشير إليه المادة 26 من قانون 31.08 التي تنص على حالات الإعفاء من المسؤولية كليا أو جزئيا في:

  • حالة خطأ المدعي المستهلك.
  • حالة فعل غير متوقع لا يمكن تجاوزه.
  • حالة القوة القاهرة.

خاتمة:

وختاما يمكن القول بأن حماية المستهلك تعد من الواجبات الأساسية للدولة الحديثة نتيجة للتطور الذي أصبحت تعرفه العقود، مما تطلب معه ضرورة تدخل المشرع لحماية رضا المستهلك من خلال تقريره مجموعة من الحقوق للمستهلك من بينها الحق في التراجع دون أن يشكل ذلك خروجا عن مبدأ سلطان الإرادة، لأنه وأمام التحولات الاقتصادية أصبح من الواجب إعادة النظر في القواعد المشبعة بمبدأ سلطان الإرادة والتدخل لتحقيق التوازن بين أطراف العقد والحد من مختلف الأساليب الإغرائية المعتمدة في جلب المستهلكين.


[1] – أبو بكر مهم، قراءة في المقتضيات المتعلقة بالبيع عن بعد، مجلة الدفاع، العدد السادس، مطبعة النجاح الجدية، 2011، ص: 71.

[2] – أفرياط محمد، حماية المستهلك في المعاملات الإلكترونية، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون والمقاولة، جامعة مولاي إسماعيل، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، مكناس، السنة الجامعية 2009-2010.

[3] – د.عمر محمد عبد الباقي، الحماية العقدية للمستهلك، دراسة مقارنة بين الشريعة والقانون، مطبعة القدس، الطبعة الثانية، 2008، ص: 768.

[4] – ذ. أيمن مساعدة ود. علاء خصاونة، خيار المستهلك في البيوع المنزلية وبيوع المسافة، مقال منشور في مجلة حماية المستهلك، منشورات مجلة القضاء المدني، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، الطبعة الأولى، 2014.

[5] – محمد، البيع عبر الأنترنيت وحماية المستهلك، مجلة قانون البحرين، مجلة 1 العدد 2، 2008، ص: 63.

[6] – خيار المستهلك بالرجوع في البيوع المنزلية وبيوع المسافة، مقال منشور بمجلة حماية المستهلك، منشورات مجلة القضاء المدني، ذ. أيمن مساعدة، ذ. علاء خصاونة، طبعة 2014، :70.

[7]  – المادة 38 من قانون حماية المستهلك.

[8]  – عبد الكريم عباد: حماية المستهلك في عقد التجارة الإلكترونية، مجلة الدفاع، العدد 6، 2011، ص: 107-108.

[9] – ذ. بوعبيد عباس، الثراء عن طريق التلفزيون أية حماية للمستهلك، مجلة المنتدى، العدد الثالث، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، 2002، ص: 118.

[10] – د. أبو عبيد عباس، مرجع سابق، ص: 119.

[11] – ذ. أيمن مساعدة، د. علاء خصاونة، خيار المستهلك بالرجوع في البيوع المنزلية وبيوع المسافة، مقال منشور بمجلة حماية المستهلك، منشورات مجلة القضاء المدني، 2014. ص: 87.

[12] – أفرياط محمد، مرجع سابق، ص:111-112.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

"لا تقرأ وترحل شاركنا رأيك"

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من أنفاس قانونية

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading