أخر الأخبار

المسؤولية المدنية للأبناك تجاه الزبائن والغير

يقدم لكم موقع أنفاس قانونية أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه بعنوان : المسؤولية المدنية للأبناك تجاه الزبائن والغير

مقدمة :

تلعب البنوك دورا حيويا داخل المجتمع، حيث تقوم بتجميع المدخرات وتوزيعها على المقاولات الاقتصادية والمقترضين، ومن أجل القيام بذلك يقوم البنك بتجميع المبالغ المالية المودعة لديه، هذه الوديعة تسمح للمودع بالحصول على حساب بنكي يتوفر على رصيد يساوي المبلغ المودع والقابل للسحب بواسطة أدوات الوفاء المسلمة من البنك للزبون.

أي أن النقود الورقية التي يتم إيداعها تتحول إلى نقود قيديه وتأخذ قيمتها من مجرد القيد، وقد ثبت أن النقود الورقية المودعة بهذا الشكل لا يتم سحبها من طرف المودعين إلا في حدود لا تتجاوز % 10 من مبلغها الكلي، وما تبقى منها يظل رهن إشارة البنك الذي يقوم باستعمالها في تمويل المشاريع والأفراد بناء على تقدير محدد لعنصري الربحية والسيولة.

إن التمويل الذي يمنح إلى المقاولات والأفراد يعود إلى البنوك من خلال الإيداعات التي يقوم بها المقترضون والتي  تتحول إلى حسابات بنكية (بالاطلاع)، هذه الودائع يقوم البنك بالتصرف فيها بإعادتها إلى الدورة الاقتصادية، وبذلك يتضاعف حجم الودائع وتتشكل كتلة جديدة يطلق عليها الودائع الكلية، والتي تدخل في المعروض النقدي.

وعلى البنك أن يتقيد بثلاثة شروط عند خلقه للنقود القيدية، قابلية النقود القيدية للتحويل من شخص إلى آخر تحويلا غير مادي عن طريق القيد أو عن طريق الأوامر المكتوبة أو المعلوماتية التي يتم إصدارها للبنك، ويجب على البنك أن يمتلك القدرة على مواجهة عمليات السحب المتعلقة بها، وأخيرا أن يكون قادرا على تحويلها من نقود وودائع إلى نقود ورقية متى طلب منه ذلك.

هذا التطور الذي وصلت إليه البنوك جاء عبر تطور تاريخي طويل، فقد عرف النشاط البنكي لدى البابليين واليونان والمصريين والرومان في عصر ما قبل الميلاد، وكان التطور الجوهري في العمل البنكي في العصور الوسطى بفعل الحاجة للصيارفة الذين أصبحوا عنصرا لا غنى عنه لدوران عجلة الاقتصاد، فقد نشطت الزراعة وبدأت الصناعة في الظهور وضربت عدة أنواع من المسكوكات تختلف في النوع والقيمة والوزن يتم طرحها للتداول، وقد زاد في تطور العمل البنكي تدفق المعادن النفيسة على أوروبا خلال هذا العصر والحملات الصليبية التي قام بها الأوروبيون وتغير موقف الكنيسة من مسألة الفائدة تحت الضغط البروتستانتي[1].

أما في القرن السابع عشر فقد كان المودعون يستأمنون الصيارفة على المعادن النفيسة والنقود المعدنية ويتوصلون في مقابل ذلك بإيصالات تمثل قيمة المعادن المودعة، واستقر العمل على الوفاء بالالتزامات بواسطة هذه الإيصالات التي كانت في بدايتها اسمية قابلة للتحويل للغير، ثم اختفى اسم المودع لتصبح إيصالات مجردة ومتشابهة وقابلة للتداول وصالحة للاستخلاص من المصرفي الذي أصدرها بمجرد الطلب.

بعدها لاحظت البنوك إن ما تصدره من إيصالات لا يرد إليها بمجموعه لاستخلاص مقابله من النقود المعدنية، فأصدرت إيصالات تتجاوز قيمة العملة المعدنية المتوفرة لديها كغطاء، ونظرا لخطورة هذا الإصدار الذي يتضمن خلقا للثروات والتحكم في الحياة الاقتصادية وتعريض مصالح المودعين للخطر، أدى  ذلك إلى تدخل الدول فأنشأت مؤسسات الإصدار المركزية واحتكرت إنشاء النقود القابلة للاستبدال مقابل  قدر من النقود الذهبية.

ومع بداية الحرب العالمية الأولى ازدادت الحاجة إلى السيولة، فمنعت الدول من استبدال النقود الورقية بالنقود الذهبية، وأصبح للنقود الورقية قوة إبرائية بناء على أمر القانون، إلى أن وصل التطور إلى النقود الائتمانية أو القيدية المعمول بها الآن.

لقد أصبح البنك في العصر الحديث عصب الحياة الاقتصادية، وأصبح يرتب ضمن المنتجات الأكثر استهلاكا بنفس مستوى استهلاك سوق الأدوات الكهربائية المنزلية أو سوق السيارات.

ويرجع البعض ذلك إلى ما عرفه القطاع البنكي من تطور حيث تم تعميمه على جميع أفراد المجتمع، إذ لم يعد يركز خدماته تجاه  فئة التجار والرأسماليين، ولكن أصبح متجها إلى القيام بمهام وخدمات جديدة الهدف منها استقطاب حجم كبير من الودائع والمدخرات من أجل التحكم بالائتمان الاستهلاكي بدل الاقتصار على الائتمان الاستثماري[2].

ومع ارتفاع معدل الاستهلاك في المجتمعات بسبب ارتفاع مستوى المعيشة وزيادة عدد السكان، ازدادت حاجة المقاولات إلى السيولة لمواكبة متطلبات السوق، أدى ذلك إلى لجوئها إلى الائتمان البنكي وتضاعفت كلفة الاستثمارات الجديدة لاعتمادها على التكنولوجيا المتقدمة، بمعنى أن المقاولات أصبحت أكثر حاجة لرؤوس الأموال، خاصة بعد أن توجهت إلى قطاعات مربحة ولكنها مكلفة كقطاع التقنيات الدقيقة وقطاع السياحة والفنادق والنقل…

وينقسم نشاط البنوك على نحو رئيسي إلى قسمين، عمليات الائتمان وعمليات استقبال الودائع من قبل الجمهور، ففي عملياته الائتمانية يقدم البنك لعميله ائتمانا بمبلغ نقدي، قد يسلمه المبلغ في صورة قرض يرده العميل بعد مدة معينة مع الفوائد، أو قد يخصم ورقة تجارية قبل موعد استحقاقها[3]، وقد يضع البنك هذا المبلغ النقدي تحت تصرف عميله الذي يستخدمه حسب احتياجاته وذلك خلال مدة محددة حتى لا يضطر العميل إلى دفع فوائد عن كل المبلغ بل عن الجزء الذي سحبه فقط، وتعرف هذه العملية بفتح الاعتماد.

وأحيانا يوضع مبلغ الاعتماد ليس تحت تصرف العميل فقط، بل لحساب شخص ثالث (المستفيد)، يحدده العميل ويقوم البنك بتسليمه مبلغ الاعتماد بعد أن يقدم له هذا المستفيد مستندات محددة تثبت شحن بضاعة معينة بطريق البحر أو الجو أو البر وهذا ما يعرف بالاعتماد المستندي، وقد لا يقدم البنك النقود إلى العميل بل يجعله يستفيد من توقيعه بأن يضمنه أمام الغير بموجب هذا التوقيع، كما لو كفل البنك عميله في قرض حصل عليه من شخص آخر وهذه هي الكفالة المصرفية، وقد يتعهد البنك نهائيا وكتابيا بأن يدفع عند أول طلب مبلغا نقديا لجهة يحددها العميل، وهذا التعهد الكتابي يسمى خطاب الضمان، وقد يوقع البنك بالقبول على كمبيالة سحبها عميله حتى يتمكن هذا الأخير من خصمها لدى بنك آخر والحصول على مبلغها فورا وقبل موعد استحقاقها.

ومن أجل تمكن البنك من القيام بالعمليات السابقة، حيث أنه لا يستطيع الاعتماد على موارده الذاتية أو القروض التي يمكن أن يحصل عليها من بنك المغرب، يتوجب عليه أن يستعين بالأموال التي يضعها العملاء بشكل ودائع نقدية والتي تكون في غالب الأحوال مدرجة في حسابات بنكية، على اعتبار أن الأموال الخاصة لا تخصص بالأساس لغرض الإقراض والقيام بالعمليات الائتمانية مادام أن دورها الطبيعي ينحصر في كونها تشكل الضمان العام لالتزامات البنك تجاه أصحاب الودائع.

ومن هنا فلا يمكن إنشاء عقد وديعة نقدية دون فتح حساب بالاطلاع توضع فيه المبالغ التي يتلقاها البنك من العميل، يشكل هذا الحساب وعاء للودائع المتحركة والأموال المنتجة، ومن خلاله يقدم البنك العديد من الخدمات وهي أعمال يقوم بها البنك لحساب عملائه مقابل أجر، بهدف مساعدتهم وتسهيل نشاطاتهم المتعلقة بمهنتهم أو بأمورهم العادية، وذلك لإرضاء هؤلاء العملاء وجذب عملاء آخرين الأمر الذي يترتب عليه زيادة موارده.

 ويقدم البنك هذه الخدمات من خلال عقود بنكية أي لعملائه المرتبطين بعقود بنكية، ولا يتعرض البنك في هذا النوع من النشاط لمخاطر تعثر العميل وعدم سداد مبلغ القرض أو الاعتماد الذي سحبه، لأن البنك يقتصر دوره على القيام بعمل مقابل أجر أو عمولة والخدمات البنكية التي يقدمها البنك لعملائه متنوعة وفي تزايد مستمر على نحو أدى إلى ارتباط شرائح اجتماعية جديدة بالبنوك، وصرنا أمام ظاهرة جديدة يمكن تسميتها إن صح التعبير “بنكنة” المجتمع الحديث، فيقدم البنك لعملائه خدمة التحصيل والوفاء أي تحصيل حقوقه لدى الغير وإصدار بطاقات الوفاء، ويقوم بخدمة تقديم المعلومات والنصائح لعملائه الأفراد والمشروعات.

ونظرا لخطورة المهنة البنكية التي تمثل أهمية كبرى في الحياة الاقتصادية فقد أخضع العمل البنكي لشروط ورقابة صارمة من قبل السلطات وضبط المشرع تنظيمها وتسييرها ومراقبتها.

وتلعب السلطات النقدية سلطات وصاية ومراقبة، وتتحدد في بنك المغرب والوزير المكلف بالمالية، ويتمتعان بسلطات واسعة في تنظيم الجهاز البنكي، حيث يملك سلطة اتخاذ القرارات بعد مجرد استشارة في لجنة مؤسسات الائتمان أو بعد حصوله على موافقتها، وهي اختصاصات كثيرة ورد النص عليها في القانون رقم 03-34[4]، ومنها إصدار العقوبات التأديبية على مؤسسات الائتمان.

حيث تتعرض مؤسسات الائتمان والهيآت الأخرى الخاضعة لمراقبة بنك المغرب التي تخالف القانون البنكي رقم 03-34 للعقوبات التأديبية التي تم أيضا النص عليها في نفس القانون، وقد تتعرض للعقوبات الجنائية المنصوص عليها في القانون أو النصوص التشريعية الخاصة.

 قد يقال إن إخضاع الجهاز البنكي لرقابة بنك المغرب وسلطات وزارة المالية وغيرها من اللجان المتخصصة كفيل بتجنيبه خطر الانزلاق للهاوية، وبالتالي يعد صمام أمان للاقتصاد الوطني، غير أننا نعتقد أنه في كل نظام قانوني توجد إجراءات هدفها العمل ما أمكن على دفع الضرر، ومع ذلك يبقى توقع حصوله أمرا واردا، لذلك يتم الاستعداد لهذا الأمر بنظريات من الجزاء المناسب لجبر الضرر إذا لم تفلح الإجراءات الاحتياطية في دفعه.

فمما لاشك فيه أن البنوك في الأنظمة الاقتصادية الليبرالية مطالبة بأن تلعب دورا تنافسيا إذا ما رغبت في تحقيق أرباح عالية، هذه المنافسة تنعكس آثارها دون شك على المقاولات الاقتصادية والنظام الاقتصادي بمجمله، لذلك قد يكون من ضحايا التنافس بين البنوك الاقتصاد الوطني.

كما أن أخطاء البنوك تجاه الأفراد المودعين لديها تخرج عن نطاق الرقابة التي يمارسها بنك المغرب والوزير المكلف بالمالية، أو قد تشكل هذه الأخيرة مجرد إجراء إداري يثبت خطأ البنك قبل اللجوء للقضاء.

 زد على ذلك هيمنة نماذج العقود على العمليات البنكية التي تخضع مبدئيا لقاعدة الرضائية وتنشأ عن تبادل الرضى بين أطرافها، وهذا لا يمنع كون هذه العقود في حقيقة الأمر عقود معدة بشكل مسبق من طرف البنوك ولا يملك الزبون أن يناقش تفاصيلها أو يفاوض عليها، رغم ذلك يشكل إخلال البنك في أحد التزاماته المنصوص عليها في العقد خطأ يوجب مسؤوليته والتعويض.

وهكذا فإن مسؤولية البنك تمثل ضمانة ممنوحة للعموم، مقابل الخبرة والثقة المهنية التي يتمتع بها البنك، فهذا الأخير اتسعت قدرته في مجال الائتمان اتساعا كبيرا بفعل الخبرة المهنية وقدرته على اجتذاب العملاء، عن طريق دراسة السوق وابتكار الأشكال والأساليب التي يقدم الائتمان من خلالها على نحو يحقق إشباعا مباشرا وملائما لاحتياجات الأنشطة الاقتصادية المختلفة، وبالتالي انتعاش الحركة الاقتصادية واستكشاف مجالات الاستثمار لتحقيق تنمية شاملة، وهذا لا يتم إلا عن طريق قيام المؤسسة البنكية بعدة عمليات ائتمانية من شأنها إفراز مسؤوليات متعددة.

والمسؤولية المدنية للبنك تكون إما تقصيرية أو عقدية، وتترتب المسؤولية التقصيرية عند حدوث أي إخلال بالتزام قانوني أو القيام بعمل غير مشروع يحدث ضررا للغير، وقد لحق هذا النوع من المسؤولية تغيرا كبيرا نظرا للتطور الاقتصادي والاجتماعي، حيث انعكس ذلك على التقسيم الذي هم المسؤولية التقصيرية، وأصبحت تقوم على فكرة الخطأ الواجب الإثبات، وقد تكون المسؤولية موضوعية أي دون الرجوع إلى فكرة الخطأ الذي يكون مفترضا[5].

أما المسؤولية العقدية فهي التي تنتج عن الإخلال بالتزام عقدي، حيث يتحمل المتعاقد تبعة ما أحدثه من خلل في العقد نتيجة العيب الذي تسبب فيه عن خطأ أو عيب، فيستحق الطرف الآخر التعويض عما لحقه من ضرر جراء ذلك، بمعنى أن المسؤولية العقدية تقوم عند عدم تنفيذ أحد المتعاقدين لالتزاماته المترتبة عن الاتفاق أو العقد، كأن يتأخر في القيام بتنفيذها، أو يقوم بتنفيذها لكن بما لا يطابق الاتفاق أو العقد[6].

وانطلاقا من أهمية وخطورة الدور الذي تقوم به مؤسسات الائتمان، ومن تعدد الأنشطة التي يمارسها البنك سواء على مستوى فتح حساب بنكي والذي يقدم من خلاله العديد من الخدمات، أو من خلال تقديم الائتمان للأفراد والمقاولات سنقوم بدراسة:

أولا: الحساب البنكي (بالاطلاع) بشكل مفصل لأنه يشكل الوعاء الذي تتحرك فيه الودائع النقدية ويعطي برهانا قويا على خصوصية النشاط البنكي في المغرب، ويفسر في نفس الوقت المميزات التي تتمتع بها الوديعة النقدية وطبيعتها المستقلة عن أحكام الوديعة التقليدية، لذلك وقبل دراسة أحكام الحساب البنكي (بالاطلاع)، يجب دراسة الوديعة النقدية والأحكام العامة التي تخضع لها مع ربطها بأحكام الحساب بالاطلاع، من أجل الوصول إلى نتائج منطقية فيما يتعلق بإلغاء المشرع المغربي للحساب الجاري وحساب الوديعة والاقتصار على أحكام الحساب بالاطلاع، الذي يحمل خصائص الحسابين الأخيرين، والذي يشكل عقدا مستقلا قائما بذاته صالح لتفسير حقيقة الوديعة البنكية.

ولذلك يجب الوصول إلى المدلول الذي تبناه المشرع المغربي للوديعة النقدية، من أجل تحديد الطبيعة القانونية لها، للتوصل لآثار العقد والتي هي عبارة عن حقوق والتزامات الأطراف، لأنه في حال إخلال بالالتزامات المفروضة عليه تترتب المسؤولية العقدية.

وبالتالي يطرح التساؤل حول إمكانية الإلمام بجميع أحكام المسؤولية المدنية المطبقة على الوديعة النقدية دون التطرق لأحكام والتزامات البنك في الحساب بالاطلاع، والتي تترتب عن الإخلال بها مسؤولية البنك في إطار هذا الحساب؟

والحساب البنكي الذي تدرج فيه الوديعة النقدية لا يكون دائما بصورة حساب يفتحه البنك لزبونه فقد تتعدد الحسابات التي يفتحها البنك لزبونه، وقد يفتح الحساب الواحد لعدة زبائن يكون مشتركا بينهم، وبالتالي تطرح إشكالية التزامات البنك في ظل مثل هذه الحسابات ؟.

وباعتبار أن الحساب بالاطلاع عقد من العقود البنكية الذي يتم بتوافق إرادتين الزبون والبنك، فإن من حق البنك رفض فتح حساب بنكي لمن يتقدم إليه بطلب بذلك، بل من واجبه في بعض الأحيان أن يرفض فتح مثل هذا الحساب على اعتبار أن عقد الحساب البنكي يقوم على الاعتبار الشخصي، وهذا يتعارض مع ما أوجبه المشرع على بعض الفئات الاجتماعية من التوفر على مثل هذا الحساب.

وهنا يطرح تساؤل يتعلق بمصير الشخص الذي رفض فتح حساب بنكي له بعد أن تقدم بطلب بذلك لأحد البنوك أو أكثر؟

 وهناك عدة التزامات تقع على البنك عند وضع حد لهذا الحساب، والتي تؤدي مخالفتها إلى تحمله المسؤولية، فالحساب البنكي قد ينشأ لمدة غير محددة ولكي لا نكون أمام التزامات مؤبدة، أعطى المشرع الحق لأي من طرفيه إنهاءه بإرادته المنفردة، كما أن هناك عدة أسباب تؤثر على الاعتبار الشخصي الذي على أساسه وافق البنك على فتح حساب بنكي للزبون مثل الوفاة وانعدام الأهلية أو التسوية أو التصفية القضائية للزبون.

إن إقفال الحساب البنكي يعني نهاية العلاقة بين الطرفين ومن المفترض أن يطالب البنك صاحب الحساب بإعادة أدوات الوفاء المسلمة له، لكن أمام غياب نص قانوني يفرض على البنك القيام بهذا الالتزام، نتساءل حول إمكانية إثارة مسؤولية البنك في حال استخدام هذه الأدوات من قبل الزبون بعد إقفال الحساب؟

هذا فيما يتعلق بتفسير الترابط بين الوديعة النقدية والحساب بالاطلاع، والذي يستخدم من خلاله العميل العديد من الأدوات لاستعادة وديعته لدى البنك مثل الشيك والبطاقة البنكية كوسيلة حديثة لتحريك الودائع، وسنقتصر على تحليل هاتين الأداتين كنموذجين لأدوات تحريك الوديعة من قبل العميل.

فالشيك يطلع بدور هام في الحياة الاجتماعية والاقتصادية للأفراد، حيث يستخدم الشيك كأداة وفاء تقوم مقام النقود في التعامل، لأنه يشكل حقا معين المقدار ومستحق الأداء لدى الاطلاع عليه، فهو أداة لتسوية الديون أو استردادها من خلال النقود التي يملك العميل حق التصرف فيها لدى البنك.

والتعامل في الشيك لا يخلو من خطورة رغم الحماية التي أفردها المشرع لهذه الأداة، فالبنوك تتلقى يوميا عددا كبيرا من الشيكات تلتزم بالوفاء بها لدى الاطلاع إذا كانت صحيحة وتتوفر على جميع البيانات الإلزامية وتوفر المؤونة الكافية.

فمن أهم الالتزامات الملقاة على عاتق البنوك في إطار الوديعة النقدية هو رد الوديعة النقدية لصاحب الحق في الوديعة، وبالتالي تطرح مسؤولية البنك عن رد الوديعة، والتي ستتم مناقشتها من خلال المادة 510 من مدونة التجارة[7]، والتي تفرض على المؤسسة البنكية أن تؤدي تبعا لأمر موقع من صاحب الوديعة أو وكيل عن هذا الأخير، ومن خلال قرينة صحة الوفاء المقررة لصالح البنك عند الوفاء بالشيك، وهنا يطرح تساؤل حول من يتحمل المسؤولية عن رد الوديعة لغير صاحب الحق فيها أو رد مبلغ أكبر من المبلغ الذي حدد في الشيك؟.

كما توجد حالات توجب على المؤسسة البنكية عدم الرد وإلا وقعت تحت طائلة المسؤولية، وهذه الحالات هي المعارضة والحجز على رصيد الحساب، وهذه الحالات تطرح بدورها عدة إشكاليات فالحجز يستدعي تحديد الأساس القانوني الذي استند عليه الحاجز للقول بصحته أو عدم صحته، ومصير العمليات التي تقع على الحساب بعد وقوع الحجز، أما المعارضة فتطرح إشكالا يتعلق بسلطات البنك فيما يخص المعارضة، والتزامات البنك عند وقوع تعرض على الوفاء ؟.

والعميل لا يرمي من وراء فتح حساب بالاطلاع مجرد حفظ الوديعة واسترجاعها بواسطة الشيك أو أدوات الوفاء الأخرى، وإنما يسعى للاستفادة من عدة خدمات يقدمها البنكي ومن أهمها خدمة تحصيل حقوقه لدى الغير، والتساؤل المطروح ما هي الطبيعة القانونية لهذه الخدمة وما هو الأساس القانوني لها، ومتى يتحمل البنك بالمسؤولية وهو بصدد عملية التحصيل؟

أما النموذج الثاني لتحريك الوديعة النقدية فهو البطاقة البنكية والتي تعتبر من وسائل الأداء الحديثة، وقد تم تنظيمها في القسم الرابع من الكتاب الثالث من م.ت، التي جاءت تحت عنوان وسائل الأداء الاخرى، ويرتكز نظام البطاقة البنكية على مجموعة من الروابط التعاقدية تجمع بين أطراف ثلاثة وهي الجهة المصدرة للبطاقة (البنك)، والعميل والتاجر المنخرط، هذه الروابط التعاقدية هي التي تحدد حقوق والتزامات أطراف البطاقة.

وكأي نظام قانوني حديث يجب معرفة الطبيعة القانونية له ومعرفة التزامات الأطراف في إطاره للوصول إلى الأحكام القانونية المطبقة عليه، وتختلف البطاقات البنكية باختلاف الوظيفة التي تقوم بها، فهناك بطاقة سحب النقود من الصراف الآلي، وبطاقة الأداء، وهذه البطاقات قد تمنح الائتمان وقد لا تمنحه حسب الاتفاق المعقود بين الزبون والبنك.

وإذا ما انتهينا من تحديد التزامات البنك في عقد البطاقة البنكية، ننتقل للحديث عن مسؤولية البنك عند إخلاله بأحد هذه الالتزامات، حيث أدى استخدام وسائل الأداء الحديثة في البنوك وبالخصوص البطاقة البنكية إلى توسيع مسؤولية هذه الأخيرة في مواجهة الأضرار التي تحصل لمستخدم هذه البطاقة (العميل) وذلك في اتجاهين:

  • الاتجاه الأول: عند فشل الوسائل التي يستخدمها البنك في تنفيذ عقد البطاقة، فرغم استخدام البنك وسائل وأدوات أثبتت نجاعتها وفعاليتها الفنية في حماية ودائع العملاء، إلا أن ذلك لم يمنع من وقوع البنك في أخطاء فنية قد تسمح للغير بالدخول إلى حسابات البنك دون إذن، أو أن يتم تسجيل مبالغ تفوق المبالغ التي استخدمها العميل من خلال النظام الرقمي، وهنا يطرح تساؤل حول من يتحمل مسؤولية فشل النظام الرقمي، وهل يمكن تحميل البنك كامل المسؤولية عن أية أضرار تلحق بالعميل نتيجة فشل النظام الأخير؟.
  • أما الاتجاه الثاني: فيتعلق بتحمل البنك المسؤولية الناتجة عن استخدام الغير للبطاقة نتيجة سرقتها أو فقدها، حيث يجب علينا تحديد الحد الفاصل بين مسؤولية الحامل (العميل) والبنك المصدر، هذا الحد هو عبارة عن التزام له تأثير على مسؤولية المصدر والحامل سلبا أو إيجابا، وقد قام العقد الرابط بين المصدر والحامل بتحديد شكله وطريقة القيام به وآثاره، وهو يعد إعلان من العميل للبنك عن سرقة وفقد البطاقة، وإخطاره بمنع استعمال البطاقة من هذه اللحظة لأن أي استعمال لها سيكون من قبل الغير، لذلك فإن قيام العميل بالتعرض وفق الشكل الذي حدده العقد يعفيه من المسؤولية عن استعمال البطاقة بواسطة الغير بعد المعارضة، وقيام مسؤولية البنك عن السحب والوفاء.

ثانيا: يقوم البنك بمنح الائتمان للأفراد والمقاولات، ومن الصعب دراسة جميع صور الائتمان التي تقدمها البنوك، حيث أن العرف البنكي لا يقف عند حد معين في مجال الائتمان فهو دائم التجدد، وسنقتصر على دراسة نموذجين: وهما عقد فتح الاعتماد باعتباره من أهم صور الائتمان التي تسعى المقاولات للحصول عليه نظرا لقلة تكلفته، ولأنه لا يرتب فوائد على المبالغ غير المستخدمة منه، وعقد الاعتماد المستندي الذي ينشأ حقوقا مباشرة للغير في ذمة البنك.

وإذا كان فتح الاعتماد البنكي هو عبارة عن التزام البنك بوضع وسائل للأداء تحت تصرف المستفيد أو الغير المعين من طرفه في حدود مبلغ معين من النقود، فإن الفقه اختلف حول تحديد الطبيعة القانونية لعقد فتح الاعتماد، ويرجع سبب الخلاف إلى محاولة الفقه رد عقد فتح الاعتماد إلى أحد الأنظمة القانونية المعروفة في القانون المدني، وتظهر أهمية تحديد الطبيعة القانونية في معرفة الآثار القانونية لهذا العقد والتزامات أطرافه والذي يترتب على الإخلال بها مسؤوليته التي هي محور دراستنا.

إن عقد الاعتماد البنكي يقوم على الاعتبار الشخصي، وذلك لأن عقد الاعتماد ينشئ علاقة مستمرة يتكرر فيها تدخل البنكي لمؤازرة زبونه وهذا الأمر ينعكس على دائني الزبون والاقتصاد الوطني، وانطلاقا من ذلك يجب التشدد بمطالبة البنك بالحرص واليقظة في تنفيذ واجباته المهنية، وتنبيهه إلى المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها في حال عدم مراعاة هذه الواجبات مثل ضياع الأموال المقدمة للعميل وتعرضه للمساءلة من قبل الغير، ومن هنا نتساءل عن ماهية الالتزامات المهنية المفروضة على البنك؟ وماهية العناصر التي يعتمد عليها البنكي للتحري والاستعلام عن الزبون؟ وعن كيفية القيام بتقدير وملائمة العناصر المجمعة عن وضعية الزبون؟.

إن المؤسسة البنكية تتمتع بحرية كاملة في فتح الاعتماد، حيث أنه إذا قدر البنك توافر جميع العناصر المتطلبة لمنح الاعتماد سواء المتعلقة بشخص العميل أو في ملفه الائتماني، فإنه قد يفتح الاعتماد أو لا يفتحه، وذلك لأنه لا يوجد أي نص يلزم البنك بفتح الاعتماد على غرار المادة 112 من القانون رقم 03-34.

وبالتالي يطرح تساؤل حول مسؤولية البنك في الحالة التي تتوفر في ملف الزبون وشخصه جميع العناصر اللازمة لفتح الاعتماد، فهل يعتبر البنك في هذه الحالة متعسفا في استعمال حقه برفض فتح الاعتماد؟.

وعقد فتح الاعتماد إما أن يكون محدد المدة أو غير محدد المدة، فإذا كان عقد الاعتماد غير محدد المدة فإنه يجوز لأي طرف من أطرافه وفي أي وقت إنهائه بالإرادة المنفردة، ويجب احترام الإجراءات المنصوص عليها في القانون للإنهاء، والصعوبة تكمن في تحديد وجود اعتماد من عدمه في الحالة التي يسمح فيها البنك للزبون بأن يكون رصيده مدينا في ظل غياب أي اتفاق بين الطرفين، فهل يعتبر قطع هذه التسهيلات من قبل البنك ودون احترام مهلة الإشعار خطأ يستوجب مسؤوليته؟.

أما إذا كان عقد فتح الاعتماد محدد المدة فإنه لا يجوز إنهائه إلا بانتهاء مدته، في مقابل ذلك يجوز للبنك إنهاء عقد الاعتماد المحدد المدة وغير محدد المدة في حال توافر أحد الحالات المنصوص عليها في القانون والتي تعفي المؤسسة البنكية من الأجل، والتساؤل المطروح في حال إنهاء عقد الاعتماد المحدد المدة خارج الحالات المنصوص عليها في المادة 252 من م.ت هل يلتزم البنك بالإشعار الكتابي ومدة الإخطار تحت طائلة المسؤولية؟.

إن أغلب المقاولات التي تسعى للحصول على اعتمادات مالية، هي المقاولات التي تمر بصعوبات مالية ولا تستطيع مواجهتها بالاعتماد على مواردها الذاتية، هذه الصعوبات تختلف عن فكرة التوقف عن الدفع التي تضع المقاولة تحت نظام معالجة صعوبات المقاولة، حيث أن المقاولة تتأثر بوقائع من شأنها الإخلال باستمرارية استغلالها لكنها لم تصل بعد إلى حد التوقف عن الدفع، وهنا نتساءل عن المؤشرات والمعايير التي يجب اعتمادها للقول بوجود هذه الصعوبات وبأن المقاولة لم تصل بعد لحد التوقف عن الدفع، وهل يعتبر البنك مخطئا في حال منح اعتماد لمقاولة تمر بمثل هذه الصعوبات؟.

وانطلاقا من تحديد مفهوم التوقف عن الدفع الموصل لافتتاح مساطر معالجة صعوبات المقاولة، يطرح تساؤل حول ما إذا كان البنك مخطئا في حال منح زبون متوقف عن الدفع اعتمادا أو الإبقاء على اعتماد سابق أو في حال إنهاء اعتماد سابق على التوقف عن الدفع؟.

إن منح الاعتماد أثناء مرحلة التوقف عن الدفع قد يؤدي إلى التمديد المصطنع للحياة التجارية للمقاولة ويؤدي إلى زيادة خصومها، وينتج عن ذلك حدوث أضرار للمقاولة أو دائنيها، ومن أجل تحديد الضرر الذي أصاب الدائنين والذي يختلف بحسب ما إذا كان حقه تجاه المقاولة نشأ قبل منح الاعتماد أو بعد فتح الاعتماد، أما تحديد الضرر الذي أصاب المقاولة (العميل) يبدو أكثر صعوبة نظرا لتعدد الأسباب التي من الممكن أن توصل المقاولة لحالة التوقف عن الدفع، وهنا يطرح تساؤل حول أحقية البنك في إنهاء الاعتماد بشكل تلقائي عند صدور الحكم بالتوقف عن الدفع؟ وهل يحق للمقاولة المتوقفة عن الدفع رفع دعوى التعويض في مواجهة البنك أم أن هذه الدعوى يحتكرها السنديك؟.

ولكن الحاجة للسيولة والنقود لا تقتصر على التجارة الداخلية، فلا يوجد بلد في هذا العالم يستطيع الاعتماد على موارده الذاتية في الصناعة والتجارة والخدمات، ونظرا للخطورة التي تكتسيها المعاملات بين التجار الموجودين في بلدان مختلفة وانعدام الثقة بين الطرفين، تسعى المقاولات الداخلية إلى الحصول على تعهد (ائتمان) من قبل البنك بالدفع لمصلحة تاجر (مقاولة) موجود في بلد آخر عند شحن البضاعة ووصول المستندات الممثلة لها للبنك، هذا التعهد الذي يطمئن المودع بأنه يتعامل مع طرف مليء وموثوق به وأنه سيحصل على الثمن عند شحن البضاعة ووصولها إلى المستورد المشتري.

لذلك فإن الاعتماد المستندي يعتبر من أهم وسائل خلق الائتمان من قبل البنوك لتسوية البيوع التجارية الدولية، لأن البنك يلعب دور الوسيط الموثوق به والذي يقدم الأمان والاطمئنان لأطراف البيع الدولي، ولتحقيق الثقة بين أطراف الاعتماد المستندي يتم التعامل فيه بالمستندات.

إذا كان من أهم المبادئ التي يقوم عليها الاعتماد المستندي هي مبدأ التعامل بالمستندات، فإنه من المهم أن نتساءل حول العناية المطلوبة من البنك في فحص هذه المستندات؟

ولكن ماذا لو كانت المستندات مطابقة وتأكد البنك من الصحة الظاهرية للمستندات، وتوصل المشتري ببضاعة مخالفة لما تم الاتفاق عليه، فهل يحق لهذا الأخير المعارضة لدى البنك في تنفيذ التزامه تجاه البائع، أم يجب عليه اللجوء للقضاء للحصول على أمر قضائي مقتضاه منع البنك من الوفاء ؟.

وعادة ما يتم تدخل بنوك أخرى غير البنك المصدر في تنفيذ عملية الاعتماد المستندي، وهذه البنوك هي البنك المبلغ والبنك المعزز، وقد يكون البنك المبلغ والبنك المعزز بنكا واحدا يقوم بتبليغ الاعتماد مع إضافة تأييده إليه، وهنا يطرح تساؤل حول من يتحمل المسؤولية في حال مخالفة البنوك الوسيطة لشروط الاعتماد، وهل من الممكن أن يتحمل تبعة عدم تنفيذ البنك الوسيط لالتزامه تجاه البنك المعدد للمشتري؟.

غلاف أطروحة المسؤولية المدنية للأبناك تجاه الزبائن والغير

دواعي اختيار الموضوع وأهميته

رغم الدور الذي أصبح يلعبه البنك في العصر الحديث سواء عند ممارسته لمهمة تلقي الودائع من الجمهور ووضع وسائل الدفع رهن تصرفهم، أو عند توزيع الائتمان البنكي بكل أنواعه، إلا أن هناك غيابا شبه مطلق للنصوص التي تحدد معالم مسؤوليته في حال تضرر الزبون الفرد، أو في حال تمويل مقاولة غير كفأة وليست لها قدرة مالية وإنتاجها ضعيف، ومن دون التأكد من جدية وصحة حساباتها، ومن مدى المردودية الناتجة عن استعمالها لهذه القروض والتسهيلات مما يؤدي إلى تضرر المقاولة والغير المتعامل معها، وقد يتضرر الاقتصاد الوطني ككل بحسب أهمية المشروع الذي تعرض للضرر.

لاشك أن الحرية التي يتمتع بها البنك في ظل النظام الاقتصادي الليبرالي تجعله يسعى لتحقيق أرباح عالية، وبذلك تشتد المنافسة بينه وبين البنوك العاملة في نفس البيئة، هذه المنافسة تنعكس آثارها ولاشك على المقاولات والاقتصاد الوطني في حال منحه للائتمان لمقاولة لا تستحق المساعدة، وبالتالي نتساءل ألا يمكن مساءلة البنك عن تلك الأضرار؟ وبالتالي حماية المقاولة والغير المتعامل معها والاقتصاد الوطني واليد العاملة.

وقد يلعب البنك دورا في التجارة الخارجية من خلال بناء جسور الثقة بين البائع والمشتري المنتمين لبلدان مختلفة، نتيجة توسط البنك في الاعتماد المستندي والتي يترتب على الإخلال بها مسؤوليته، ومع ذلك يتصف هذا الموضوع بالتغير المستمر نتيجة التطور السريع في العمليات البنكية، والذي كان آخر تغير أحدث على الاعتماد المستندي صدور النشرة 600 للأصول والأعراف الموحدة للاعتمادات المستندية لسنة 2007، ولقد حظي الاعتماد المستندي باهتمامي، أولا لأنه يسهل انسياب التجارة الدولية في الوقت الذي سببت فيه القومية وسياسات الحماية الاقتصادية تهديدات لنظام التجارة العالمية، ثانيا لأنه شكل جديد من الاعتمادات ينشىء حقوق مباشرة للغير قبل البنك.

وكما سبق القول فإن البنوك لا تستطيع القيام بنشاطاتها بمجرد الاعتماد على مواردها الذاتية، بل تستعين بالأموال التي يضعها الزبائن لديها في شكل ودائع نقدية والتي تكون في غالب الأحوال مدرجة في حسابات بنكية، ولذلك يجب أن تكون مسؤولية البنك جسيمة نتيجة استعمال أموال ليست في ملكيته، كما أن البنك يعد مهنيا محترفا يمارس نشاطا يكتسي صفة المصلحة العامة والثقة التي وضعها فيه الزبون، جعل القضاء يتشدد في مسائلته، سواء عند رد الوديعة النقدية، أو عند تقديم بعض الخدمات المرتبطة بفتح حساب بنكي.

ولقد وسع من مسؤولية البنك استخدام المعلوماتية في البنوك والتي عادت بفوائد كثيرة على هذه الأخيرة، ومن هذه الفوائد السرعة وانخفاض التكلفة، فبفضل استخدام المعلوماتية تحول العمل البنكي من العمل اليدوي إلى العمل الآلي الذي لا يحتاج إلى عمل إنساني كبير، وأختزل المدة بين إصدار الأمر وتنفيذه، وأصبح بإمكان الزبون استرداد وديعته وهو بعيد عن بنكيه وفي خارج أوقات عمل البنك، وبإمكانه استخدام الاعتماد الموضوع تحت تصرفه، وقد اخترنا البحث في مسؤولية البنك عن البطاقات البنكية لاعتبارها الأكثر استخداما في الوقت الحالي، ولذلك يجب تحديد مسؤولية البنك في العقود التي يبرمجها مع زبنائه ومسؤوليته في حال الإخلال بها.

 وتخضع المسؤولية المدنية للبنك للقواعد القانونية العامة للمسؤولية والتي لا تختلف في طبيعتها وجوهرها عن قواعد المسؤولية المدنية بصفة عامة، حيث تقتضي ضرورة توافر الأركان الأساسية للمسؤولية من ضرر وخطأ وعلاقة سببية، بالرغم من تميز العمل البنكي بخصائص معينة مستمدة من طبيعة الأعمال التي تقوم بها البنوك والعقود التي تبرمها مع عملائها، بالإضافة إلى القواعد والأعراف البنكية المستقرة في هذا الشأن.

هذا التميز مستمد من طبيعة عمل البنوك والأعمال التي تمارسها، حيث ينصرف مصطلح بنك قانونا إلى كل المؤسسات الخاضعة لقانون 03-34 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، إلى جميع الأشخاص المعنوية التي تمارس على وجه الاعتياد والاحتراف جميع العمليات البنكية، سواء تعلق الأمر بتلقي الودائع من الجمهور أو وضع مختلف وسائل الدفع رهن تصرف العملاء أو القيام بإدارتها وتوزيع الائتمان، ولهذا فإن عبارة ” على وجه الاعتياد والاحتراف” تفرز بطريقة مباشرة مسؤولية مهنية أي مسؤولية ذات طبيعة خاصة بالمقارنة مع باقي المسؤوليات المعروفة في القانون المدني، ومن ثم يكون من الصعب التوصل بدقة للقواعد الأساسية التي تحكم مسؤولية البنك على المستوى المدني دون الرجوع إلى كل العوامل التي يختص بها المجال البنكي، والتي من شأنها أن تؤثر في كيفية تحديد الخطأ وتقديره، وفي مدى الضرر الذي يجب أن يعوض عنه، وفي مدى إمكانية قبول العلاقة السببية بين الخطأ والضرر.

وقد ترتب على ذلك إطلاق حرية القضاء في تحديد الالتزامات والواجبات المفروضة على البنوك وقيام المحاكم بالبحث في سلوك الأطراف لتحديد المسؤولية، وكان من نتيجة ترك المسألة لتقدير القاضي وجود اختلافات كثيرة في الأحكام القضائية في جميع القضايا المتعلقة بالعقود البنكية المعروضة عليه، لأن القاضي يقوم بفهم كل حالة على حدة طبقا لظروف ووقائع الدعوى وما يتراءى له من تحقيق العدالة دون إتباع أي أساس قانوني موحد في معالجة المشكلة، حيث ترى بعض المحاكم أن إحدى الوقائع تشكل إهمالا بسيطا في حين تبدو في نظر بعض المحاكم الأخرى أخطاء جسيمة، فلا شك أن البنوك بحاجة لقضاء ثابت ومستقر بعد ازدياد أهمية البنوك في الحياة الاقتصادية والاجتماعية.

ونتيجة لذلك ومن أجل الوصول إلى تحقيق نظرية العدل والإنصاف في المسؤولية البنكية والتي تحمي المؤسسة البنكية باعتبارها داعم للاقتصاد الوطني، وفي نفس الوقت تحمي الزبون الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية، غير أنه من الصعب الوصول إلى هذه النظرية نظرا لتعدد العقود البنكية واختلاف مواضيعها، فإن من المنطقي الوصول إلى توحيد الأحكام القضائية على مستوى المحاكم التجارية من أجل تشخيص كامل للإخلالات المهنية البسيطة أو الجسيمة التي تضع البنك أمام المسؤولية سواء كانت عقدية أو تقصيرية، هذا التوحيد الذي يصب أخيرا في مصلحة الأبناك والاقتصاد الوطني ومصلحة العملاء، لأن تحديد التزامات كل الأطراف والمسؤولية المترتبة عن الإخلال بها وتوحيد الأحكام القضائية بشأنها يؤدي إلى استقرار البيئة التجارية، وبالتالي جلب عدد أكبر من العملاء المودعين والمستثمرين والمقترضين.

خطة البحث والمنهج المتبع

إذا كان عنوان البحث يوحي بضرورة تقسيم التزامات البنك سواء في عقد إيداع النقود أو في عمليات الائتمان البنكي إلى التزامات تجاه الزبناء وأخرى تجاه الأغيار، فإن ذلك لا يستدعي تخصيص باب لكل واحد منها، وإنما سنقوم بدراستها مجتمعة لإبراز ذلك التوازن في المصالح التي يتعين على البنك الحفاظ عليها في مواجهة كل منها، وذلك لتداخل التزامات البنك في العقد الواحد تجاه الزبون والغير إذ أن إخلال البنك بأحد التزاماته المفروضة عليه يؤثر على الزبون والغير في نفس الوقت.

فمثلا في عقد الحساب البنكي الذي يشكل الوعاء الذي تتحرك فيه الودائع النقدية، قد يبدو خطأ البنك في أنه إخلال بالالتزام عقدي، وهذا لا يعني أن الزبائن هم الوحيدون المتضررون من الأخطاء المرتكبة من طرف البنك، بل قد يلحق بالغير أضرار ترجع بالأساس إلى سوء تسيير ومراقبة البنك للخدمات التي يقدمها لزبائنه، فعندما يتقدم شخص لفتح حساب بنكي ويوافق البنك على ذلك، ثم يستخدم هذا الشخص حسابه في تحصيل شيكات مزورة، أو أن يستخدم حسابه لسحب شيكات دون مؤونة، ثم يكتشف الحامل أنه كان ضحية نصاب استولى على أمواله واختفى، ويتنصل البنك الذي فتح الحساب من كل المسؤولية، وهو لن يستطيع الإفلات من المسؤولية في بعض الحالات، لأنه لو اتخذ قدرا كافيا من العناية والحرص عند فتح الحساب وتشغيله لكان تجنب وقوع الضرر الذي أصاب الغير.

أما فيما يتعلق بعمليات الائتمان فقد يؤدي قرار البنك الخاطئ بإنهاء الاعتماد إلى حدوث ضرر بالزبون والغير، وهذا لا يعني أن الضرر دائما يكون مزدوجا، فقد يصيب الضرر الغير وحده عندما يتواطأ البنك مع الزبون على منحه ائتمانا يوفر له مظهرا خادعا للغير من المتعاملين معه، وقد يصيب الضرر الزبون وحده في حالة الوفاء بشيك مزور غير صادر عن الزبون.

لذلك سنقوم بدراسة مسؤولية البنك في أهم العمليات التي يمارسها وهي الإيداع والائتمان، ولصعوبة الإلمام بجميع الخدمات البنكية التي يقدمها البنك في عقد الإيداع سنقصر الدراسة على فتح الحساب وإغلاقه ودراسة أهم خدمات الصندوق التي يقدمها البنك في إطاره، ونظرا لتعدد عمليات الائتمان التي يقدمها البنك سنقوم بدراسة عقد فتح الاعتماد وعقد الاعتماد المستندي.

وقد أتبعت في كتابة هذا البحث منهج التحليل والمقارنة والتطبيق:

فقد تم جمع مختلف النصوص التي تحكم التزامات البنك سواء في القانون البنكي وفي مدونة التجارة وقانون الالتزامات والعقود وغيرها من القوانين، ومناقشتها وتحليلها من أجل ضبط التزامات البنك في كل عقد من العقود البنكية التي سوف يتطرق لها البحث.

      كما تم مقارنة بعض النصوص والأحكام التي نظمت التزامات البنك في القانون المغربي، مع بعض القوانين الأجنبية التي نظمت نفس الالتزامات من أجل إظهار الخصوصية التي يتمتع بها العمل البنكي في المغرب وللوصول إلى التكييف الصحيح لها.

   ونظرا لأهمية الجانب العملي التطبيقي في إظهار مسؤولية البنك، فقد حاولت ما أمكن الحصول على السوابق القضائية ومناقشتها وتحليلها، لتبين كيفية معالجة القضاء لحالات المسؤولية التي عرضت عليه، ومن أجل توحيد الأحكام القضائية التي تحكم نفس المسألة.

وبذلك تكون خطة الأطروحة كالتالي:

الباب الأول: المسؤولية المدنية للأبناك عن الودائع النقدية

الباب الثاني: المسؤولية المدنية للأبناك في إطار عقود الائتمان


للاطلاع على أطروحة “المسؤولية المدنية للأبناك تجاه الزبائن والغير” أنظر الملف أسفله


[1] – د. غريب الجمال، المصارف والأعمال المصرفية، بدون ناشر، القاهرة 1978، ص:11.

[2] – عبد القادر ورسمة غالب، التعريف القانوني للصيرفة الشاملة، مجلة الحقوق، السنة 25 دجنبر 2001 ص:262.

[3] – د. علي جمال الدين عوض، عمليات البنوك، عمليات البنوك من الوجهة القانونية، دار النهضة العربية، القاهرة 1989، ص 741.

[4] – ظهير شريف رقم 78-105 صادر في 15 محرم 1427 (14 فبراير 2006) المتعلق بتنفيذ القانون رقم 03-34 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، الجريدة الرسمية، السنة الخامسة والتسعون، عدد 5397، ص 435.

[5] – أنور العمروسي، المسؤولية التقصيرية والمسؤولية العقدية في القانون المدني، الأركان، الجمع بينهما، التعويض، دراسة تأصيلية مقارنة، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، 2004، ص22.

[6] – د. عبد العزيز اللصاصمة، المسؤولية المدنية التقصيرية الفعل الضار، الدار العلمية الدولية، ودار الثقافة للنشر والتوزيع،عمان، الأردن، 2002، ص 15-18.

[7] – ظهير شريف رقم  1.96.83 صادر في 15 ربيع الأول 1417(فاتح أغسطس 1996) بتنفيذ القانون رقم 95-15 المتعلق بمدونة التجارة منشور في الجريدة الرسمية عدد 4418 بتاريخ 19 جمادى الأولى 1417(13اكتوبر 1996).

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

"لا تقرأ وترحل شاركنا رأيك"

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من أنفاس قانونية

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading