أخر الأخبار

المجرم ذو الياقة البيضاء

مقدمة:

عرف العالم في العقود الأخيرة تطورا تكنولوجيا مهولا، وانتشار ظاهرة العولمة حيث أصبح العالم بأسره قرية صغيرة، وقد حمل هذا التطور العلمي في طياته مزايا كثيرة، إلا أنه في مقابل ذلك لم يخل من السلبيات وقد كان من بين مثالب التطور العلمي ظهور أصناف جديدة من الجرائم الحديثة العهد التي لم تكن معروفة من قبل، فإلى جانب الجرائم التقليدية المتعارف عليها، والجرائم التي خصها المشرع المغربي بالتجريم والعقاب في القانون الجنائي، بدأت تطفوا إلى السطح جرائم تكتسي صبغة خاصة، وجدت مرتعا خصبا لها في ميدان الأعمال.

و لا شك أن هذه الجرائم تتطلب مجرما يشذ عن باقي المجرمين سواء من حيث السمات التي يتصف بها، أو من حيث أسلوب اقتراف هذه الجرائم، فهو غالبا ما ينتمي إلى طبقة راقية، ويصطلح عليه المجرم ذي الياقة البيضاء وكذا المجرم ذو الثراء الفاحش.

وقد كان الباحث السوسيولوجي “سيد لوند” هو أول من نبه إلى جرائم ذوي الياقات البيضاء على اعتبار أن هذا النوع من الإجرام يفترض أناس ذوي مكانة راقية في المجتمع وعلى نسبة عالية من الذكاء والتكوين الثقافي وعلى الحيل والتفكير العلمي المصحوب بتكتم شديد مما يجعل حجمها الحقيقي غير معروف، حيث يكون الرقم الأسود فيها مرتفعا.

و تكتسي دراسة موضوع المجرم ذي الياقة البيضاء أهمية بالغة على اعتبار أن هذه الطائفة من المجرمين تُقْدِمُ على جرائمها بعد تخطيط عميق ودراسة متأنية، وهو ما يجعل جرائمهم متقنة وفائقة الخطورة، ليس على نظام المجتمع فقط بل على النظام الاقتصادي برمته.

و هذا الأمر دفعنا إلى بسط الإشكالية التالية؛ من هو المجرم ذي الياقة البيضاء؟ وما هي نوعية الجرائم التي يقترفها؟ وأين تتجلى خطورة المجرم ذي الياقة البيضاء على المجتمع والنظام الاقتصادي للدولة؟ للإجابة على الاشكالات المطروحة سنعتمد التقسيم التالي: (المبحث الأول) كــــــنــــه المجرم ذي الياقة البيضاء، (المبحث الثاني) الجرائم المقترفة من طرف المجرم ذي الياقة البيضاء.

المبحث الأول : كــنـــه المجرم ذي الياقة البيضاء

لقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن خصوصية الفاعل الإجرامي في ميدان الأعمال التي عرفت وسائل العمل بها تقنيات عالية تدار بها العمليات والصفقات، حتى أصبحنا نسمع عن ارتكاب أفعال إجرامية لم نكن يوم نتصورها ولا لنصدقها.

لا يخرج مبدئيا الإجرام عن القاعدة العامة التي هي الإضرار بالمجتمع وكونه أفعال يرفضها المجتمع، لكن الحديث في موضوعنا يرتبط بإجرام إن صح التعبير إجراما من نوع خاص لكونه يتعلق بطائفة معينة في المجتمع ألا وهي رجال الأعمال، فمن هو هذا المجرم؟ وما هي السمات المميزة له؟

هذا ما سنتعرف عليه في صلب هذا المبحث، إذ سنخصص المطلب الأول للحديث عن ماهية المجرم ذي الياقة البيضاء، على أن نسلط الضوء في المطلب الثاني على قيام المسؤولية الجنائية لهذا النوع من المجرمين.

المطلب الأول: ماهية المجرم ذو الياقة البيضاء

يعد الانسان كائن مزدوج في طبيعته، خلق من مادة وروح، وأودع فيه نوعان من القوى، نوع تأخذ بيده وأخرى تدفعه إلى الشر، وتبعا لذلك فإن للانسان نوعان من السلوك، ما يتفق مع الاخلاق والقانون والنظام، وما يختلف عنهما،[1] وهذا الأخير هو الذي يدفع بالفرد الى ارتكاب الجرائم بمختلف ضروبها.

الفقرة الأولى: مفهوم المجرم ذي الياقة البيضاء

يعتبر مصطلح المجرمين ذوي الياقات البيضاء مصطلح حديثا نسبيا، وأول من أطلقه هو عالم الاجتماع SUTHER LAND  حيث وضح أن هذه الجرائم ترتكب من قبل الطبقة الراقية في المجتمع ومن ذوي المناصب الإدارية الكبيرة.[2]

بالرجوع إلى مختلف النصوص التشريعية المنظمة لمجال الأعمال، لا نجد أي تعريف للفاعل الإجرامي الذي يقترف جرائم الأعمال، ولهذا لجأنا للفقه من أجل الوقوف على ماهية هذه الفئة الخاصة من المجرمين، ومن بين أهم التعريفات نجد:

المجرم ذي الياقة البيضاء هو شخص ينتمي إلى طائفة رجال الأعمال ويمارس نشاطا مهنيا وينحدر من طبقة اجتماعية واقتصادية عالية بحيث يستغل مكانته للحصول على منفعة شخصية بوسائل غير مشروعة.[3]

وهناك من يعرفه على أنه شخص يأتي أفعالا إرادية تشكل سلوكا ايجابيا أو سلبيا باستخدام مهارته العلمية لإحداث نموذج إجرامي ذو طبيعة وذلك بالاعتداء على حق أو مصلحة.[4]

يستنتج مما سبق أنه بالرغم من اختلاف هذه التعاريف في الصياغة اللغوية إلا أنها تجمع على فكرة واحدة مفادها؛ أن المجرم ذو الياقة البيضاء هو مجرم  ذو طبيعة خاصة يرتكب جرائم تكتسي صبغة خاصة، ‘ بخلاف الإجرام العادي، فالإجرام المرتبط بميدان الأعمال والتجارة يتم من قبل أشخاص يستعملون معلوماتهم النظرية والمهنية لارتكاب جرائمهم بكل براعة وبدون عنف ولا دم، ولكن بذكاء وتفكير علمي مسنود بتكتم شديد’[5].

وهكذا فإن مرتكبي جرائم الأعمال أقوياء اقتصاديا، فهم رجال أعمال ومنهم هيئات معنوية بالغة القوة،[6] ويكونون من ذوي التخصصات والكفاءات العالية ويتمتعون بذكاء والقدرة على التكيف الاجتماعي في المحيط الذي يعيشون فيه، بل إن بعضهم يتمتع باحترام وثقة عالية من الأشخاص المحيطين بهم في مجال العمل أو في المحيط الاجتماعي.[7]

الفقرة الثانية: خصائص المجرم ذي الياقة البيضاء

يجمع كل الباحثين المهتمين بعلم الاجرام ولاعقاب على أن كل مجرم يتميز بمجموعة من الخصافات والخصائص، ولا يستثنى المجرم ذو الياقة البيضاء من هذه الطائفة إذ يتصف بسمات تميزه عن غيره من المجرمين، ومن أبرز الخصائص التي يتميز بها المجرم في ميدان الأعمال نذكر:

  • الذكاء والسرعة في إنجاز الجريمة

إن الإجرام الحديث نابع من كونه يصدر عن جاني له دراية  قوية في ميدان من الميادين الفنية والتقنية،[8] أي أن الأشخاص المجرمون بمقتضى القانون ليسو أشخاص عادين بل يتميزون بالكفاءة العلمية والعملية والمهنية، حيث يحدثون أضرارا تتجاوز العنف المادي،[9] وذلك راجع إلى الحنكة العلمية والذكاء الذي يمتازون به.

تعتبر السرعة من أبرز السمات التي يتمتع بها المجرم في ميدان الأعمال، إذ يرتكب جرائمه بسرعة خاطفة تمكنه من تفادي اثارة الشكوك حوله.

  • المجرم ذو الياقة البيضاء إنسان اجتماعي

يمكن القول أن هذا النوع من المجرمين بصفته ذكي فهو إنسان اجتماعي، إذ لا يضع نفسه في حالة عداء مع المجتمع الذي يحيط به، بل إنه إنسان يستطيع التوافق والتصالح مع محيطه، فهو شخص مرتفع الذكاء مما يساعده على عملية التكيف مع المجتمع.[10]

فإحساس المجرم أنه محل ثقة من قبل مجموعته، وشعوره أنه خارج إطار الشبهات قد يدفعه إلى التمادي في ارتكاب الجرائم التي لا تكتشف، وإذا اكتشفت فإنها تواجه صعوبة في الإثبات ونقص الأدلة نظرا لكون المجرم في هذا المجال غالبا ما يعمد إلى طمس معالم جريمته.

  • المجرم ذو الياقة البيضاء احترافي

يمتاز المجرم ذي الياقة البيضاء باحترافية عالية، وهذه الفئة من المجرمين المحترفين تعد من أخطر الفئات التي ترتكب الجرائم، لأن الهدف الذي تقوم عليه هذه الفئة ينحصر في نية ارتكاب الفعل الإجرامي، وهذا هو مصدر الخطورة لأن المحترفين يرتكبون جرائم على درجة كبيرة من المهارة والإتقان والقدرة على طمس معالم الجريمة، والغرض دائما هو المكسب والحصول على فائدة مادية أو معنوية.[11]

هذا فيما يخص الفاعل الاجرامي في جرائم الأعمال، وكذا الصفات والخصائص التي يمتاز بها، فمتى يمكن الحديث عن مسؤوليته الجنائية؟

المطلب الثاني: المسؤولية الجنائية للمجرم ذي الياقة البيضاء

تجد المسؤولية الجنائية منطلقها الأول في مبدأ الشرعية، ويترتب عن ذلك أنه لا مسؤولية عن فعل أو عن خطأ لا ينص عليه المشرع بنص خاص.

لكن أمام التطور الذي عرفه العالم على مختلف المستويات، طفت إلى الوجود عدة نظريات تخرج قواعد المسؤولية الجنائية عن مسارها التقليدي، وبالتالي نشوء مظاهر جديدة للمسؤولية الجنائية يشكل ميدان الأعمال مجالا خصبا لتطبيقها.[12]

وعليه فإن دراسة هذا المطلب تقتضي منا تقسيمه إلى فقرتين؛ نخصص الفقرة الأولى لنطاق المسؤولية الجنائية في جرائم الأعمال، والفقرة الثانية نخصصها لتجليات المسؤولية الجنائية في جرائم الأعمال.

الفقرة الأولى: نطاق المسؤولية الجنائية في جرائم الأعمال

لقد قامت مختلف التشريعات ومن بينها التشريع المغربي على اعتماد الشدة في التجريم والعقاب، حيث عملت على تجريم أفعال يعد من قبيل الإهمال الذي يطال النصوص القانونية، وافتراض مسؤولية من قام بهذا الإهمال،  وهو ما يصطلح عليه بالمسؤولية الجنائية المفترضة (أولا)، إضافة إلى قيام المشرع بتحديد مسؤولية رب العمل عن الأخطاء التي قد يرتكبها من يشتغل تحت أمره، وهو ما يعبر عنه بالمسؤولية عن فعل الغير (ثانيا).

أولا: المسؤولية الجنائية المفترضة

إن أساس هذه المسؤولية يقوم كما هو الحال في المسؤولية الجنائية ضمن القواعد العامة على الخطأ[13]، لكن طبيعة هذا الخطأ تتمثل في كونه خطأ مفترضا غير قابل لإثبات عكسه، ويدل عليه الفعل المادي المرتكب دون حاجة لإثباته.

والقول بالمسؤولية الجنائية المادية جاء كرد فعل يتمثل في الخشية من أن يؤدي التزام القواعد العامة في الإثبات إلى تفويت الغاية وإهدار المصلحة التي يحرص المشرع عليها.[14]

ولعل أكثر ما يدفع إلى الأخذ بالمسؤولية الجنائية المفترضة هو الضرر الناجم عن الجريمة بالنسبة للجرائم الضارة أو ما يعرف بالجرائم ذات النتيجة[15]، وجرائم أخرى لا تستند إلى نتيجة ضارة، بل إلى خطر تهدد به لدى قيامها وهو ما يعرف بجرائم الخطر.[16]

وفي كلتا الفئتين من الجرائم فإن الخطأ مفترض توفره، وذلك بمجرد تمام الأفعال المادية المتمثلة في البيع بالنسبة للحالة الأولى، وفي الحيازة بالنسبة للحالة الثانية، وتتجلى بوضوح صورة هذا الخطأ عند إهمال أو تقصير المتهم وعدم بذله للرقابة والعناية اللازمتين.

وبالتالي لا يكون للمتهم أن يحتج بعدم علمه ليعفي نفسه من المسؤولية أو يحتج كذلك بعدم ارتكابه لأي خطأ أو إهمال.

ثانيا: المسؤولية الجنائية عن فعل الغير

كما هو معلوم في نطاق القانون الجنائي أن المسؤولية الجنائية تتسم بطابع الشخصية،[17] ولكن من ناحية أخرى وبالنظر إلى طبيعة بعض الجرائم المرتكبة في ميدان الأعمال، يظهر بأن الكثير من هذه الجرائم يرتكبها أشخاص لا مصلحة لهم من ورائها غير المقابل الذي قد يحصلون عليه جزاء قيامهم بالفعل الجرمي.

ووعيا منها بجسامة الأفعال الجرمية لمثل هذا النوع الحديث من الجرائم سنت مختلف التشريعات ومنها التشريع المغربي مسؤولية جنائية جديدة وسعت من نطاق المسؤولية الجنائية فيما يخص جرائم العمال المرتبطة بالميدان الاقتصادي بشكل كبير، وهو الشيء الذي مكن من تفادي الإفلات من العقاب من قبل بعض الأشخاص الذين يتسترون وراء جرائم تكون من صنعهم ويسندونها إلى غيرهم.

وقد لاقت فكرة المسؤولية الجنائية عن فعل الغير في جرائم الأعمال تطبيقا واسعا منذ أوائل القرن التاسع عشر بفعل انتشار الآلة والعمل لحساب الغير، أي عمل شخص تابع لدى شخص متبوع، سواء كان هذا المتبوع أو الغير شخصا طبيعيا أو معنويا.

وتقوم المسؤولية الجنائية للشخص المتبوع على أساس الافتراض بوجود علاقة بين النشاط المادي الذي قام به الغير و الشخص الذي يحمله القانون مسؤوليته، وهذه العلاقة لها وجهان؛ الوجه الأول هو كون الشخص المتبوع هو المستفيد من التصرف الذي قام به الغير وكان في مقدوره منع حدوثه، أما الوجه الثاني فيتمثل في كون الغير الذي باشر التصرف يعمل تحت إشراف ورقابة الشخص المسؤول.[18]

وتجدر الإشارة أن هناك فرق بين المسؤولية الجنائية عن فعل الغير، والمسؤولية الجنائية المفترضة، فهذه الأخيرة تكون فيها المسؤولية مسؤولية شخصية، أما الأولى فإن المسؤولية فيها تبنى على عمل ارتكبه الغير.

الفقرة الثانية: تجليات المسؤولية الجنائية في جرائم الأعمال

لقد ارتبط وجود المسؤولية الجنائية أساسا ومنذ القدم بالشخص الطبيعي الذي له ارادة تجعله اهلا لتحمل المسؤولية الجنائية (ثانيا)، ونظرا لما أضحى يلعبه الشخص الاعتباري من دور كبير ضمن الاقتصادي المعاصر، وما يمكن أن يرتب نشاطه الغير المشروع فقد تعالت الأصوات حول إسناد المسؤولية الجنائية للشخص الاعتباري (أولا).

أولا: المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي

يعرف الشخص المعنوي على أنه مجموعة من الأشخاص والأموال، تهدف إلى تحقيق غرض معين، يمنحها القانون الشخصية القانونية بالقدر اللازم لتحقيق هذا الغرض.وإذا كانت المسؤولية المدنية للشخص الطبيعي لا تثير أي إشكال، فإن التساؤل الذي يثور هو ما إمكانية مساءلة الشخص المعنوي جنائيا عن الجرائم التي يرتكبها ممثلوه باسمه ولمصلحته؟

لقد اختلفت الآراء الفقهية حول مفهوم المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي، حيث نفى جانب من الفقه وبشدة إمكانية مساءلة الشخص المعنوي جنائيا بخصوص الجرائم التي ترتكب لحسابه، معتبرا أن المسؤولية تقع على من يرتكب الجريمة من أشخاص طبيعيين الذين أوجدوا هذا الشخص المعنوي. وقد استند هذا الاتجاه الفقهي في إنكاره للمسؤولية الجنائية للشخص المعنوي إلى مجموعة من الحجج والبراهين تتمثل في استحالة إسناد الجريمة للشخص المعنوي لقيامه على الافتراض والمجاز، وأن مسؤولية الشخص المعنوي تتعارض مع مبدأ شخصية العقوبة، بالإضافة إلى عدم قابلية تطبيق العقوبات الجنائية على الشخص المعنوي، كما أن معاقبة الشخص المعنوي في رأي هذا الجانب الفقهي الذي هو في الغالب الجانب التقليدي لا تحقق أهداف السياسة العقابية.

وفي مقابل ذلك، فإن جانبا من الفقه الحديث يكاد يجمع على ضرورة مساءلة الشخص المعنوي جنائيا، خاصة في ظل تزايد أعداد الأشخاص المعنوية، وحجم إمكانياتها وقدراتها، مما يجعلها قادرة على ارتكاب عدد من الجرائم قد يؤدي إلى انهيار نظام مالي لدولة بأكملها، لذلك وحسب رأي هذا الاتجاه فإنه يجب إقرار المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي من خلال الارتكاز على مجموعة من الحجج والبراهين تتمثل في تصور الوجود القانوني والفعلي للشخص المعنوي، وعدم تعارض مسؤولية الشخص المعنوي مع قاعدة شخصية العقوبة، وإمكانية ايقاع عقوبات من نوع خاص على الشخص المعنوي، وفعالية الجزاء المقرر للشخص المعنوي مع أهداف السياسة العقابية.

ولقد أقر التشريع المغربي صراحة بالمسؤولية الجنائية للشخص المعنوي وذلك من خلال الفصل 127[19] من القانون الجنائي، إلا أن الآراء تضاربت حول الأساس القانوني الذي اعتمده المشرع المغربي، بين اتجاه يقر بمحدودية الفصل 127 ويعتبره استثناء من القاعدة العامة، واتجاه آخر يرى بأن الفصل 127 يمثل قاعدة عامة تنظم المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي بصفة عامة.[20]

ثانيا: المسؤولية الجنائية للشخص الطبيعي

يعتبر الأشخاص الطبيعيون هم المعنيون أصلا بالمسؤولية الجنائية، مما يعني أن تحميل هؤلاء المسؤولية الجنائية سواء في الشريعة الجنائية العامة أو في القوانين الخاصة المشكلة للقانون الجنائي للأعمال لا يثير أي إشكال قانوني.[21]

المبحث الثاني : الجرائم المقترفة من طرف المجرم ذي الياقة البيضاء

تعد جرائم الأعمال ذات طبيعة مختلفة من حيث النوع عن باقي الجرائم الأخرى وإن كانت لا تختلف عن الجرائم العادية، فهي تختلف من حيث أسلوب ارتكابها ووسائل اكتشافها، على اعتبار أنها تشكل جزءا هاما من الجرائم الاقتصادية المستحدثة والمالية المتطورة، ومن أجل الإلمام والغوص في جرائم رجال الأعمال ارتأينا تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين؛ نبرز في المطلب الأول طبيعة الجرائم المقترفة من طرف المجرم ذي الياقة البيضاء، فيما نعالج في المطلب الثاني أصناف الجرائم المرتكبة  من قبل المجرم ذي الياقة البيضاء.

المطلب الأول: طبيعة الجرائم المقترفة من طرف المجرم ذي الياقة البيضاء

أضحى ميدان الأعمال أرضية خصبة يتفنن فيها المجرمون ذوي الياقات البيض في جرائمهم، معتمدين على ما أفرزه التقدم التكنولوجي الذي ساهم بشكل كبير في جعل هذه الطائفة من الجرائم تتسم بطابع اقتصادي، اجتماعي، وتجاري، وهو ما سندرسه في الفقرة الأولى تحت عنوان توصيف[22] جرائم الأعمال، كما كان للتقدم العلمي المُهْوِل وانتشار ظاهرة العولمة حيث أصبح العالم بأسره عبارة عن قرية صغيرة اليد الطولى في منح جرائم رجال الأعمال خصائص متميزة وهو ما سنسلط عليه الضوء في الفقرة الثانية.

الفقرة الأولى: توصيف جرائم الأعمال

سنبرز طبيعة جرائم رجال الأعمال من خلال ثلاث نقاط أساسية (أولا) الطابع الاقتصادي لجرائم الأعمال، (ثانيا) الطابع المالي لجرائم الأعمال، (ثالثا) الطابع التجاري لجرائم الاعمال.

أولا: الطابع الاقتصادي لجرائم الاعمال

لقد عرفت الجريمة بصفة أساسية أسلوبا مغايرا بفعل التغيرات التي يتم ملاحظتها في زمن العولمة، مما يشكل انعكاسا على المستوى الاقتصادي، بحيث أصبح التمويل والتحريك للأموال الإلكتروني بالسرعة المفرطة في غياب الهوية على مستوى الطرفين.

ولقد قلبت المهارة المرتبطة بالتقنية الحديثة في ارتكاب جرائم الأعمال موازين مهارات اكتشاف الجريمة التقليدية، التي يتم الحصول والعثور عليها في مسرح الحادث الجرمي التقليدي لاختلاف الأدوات المستعملة، وهذا لا يعني أن تبقى العدالة الجنائية مكتوفة الأيدي في ترك الجناة يعثون في الأرض فسادا حتى وإن كان نشاطهم الإجرامي نشاط خفي. وقد ساهم التخلي عن الرقابة الحدودية وعلى تنقل رؤوس الأموال في بروز قوى ذاتية خطيرة النتائج تسييرعلى نحو منظم وتحمل في طياتها سمات فوضوية، بأن فقدت الدول سيادتها على فرض الضرائب وعرضت الحكومات للابتزاز من قبل شركات ضخمة تتحكم في اقتصاديات الدول.

ورغم كل هذه المتغيرات فإن القانون الجنائي المغربي لم يعمل بعد على إقرار  قانون خاص بالجرائم الاقتصادية التي تدخل ضمنه جرائم الأعمال، وإن كانت تعرف شتاتا بين النصوص القانونية، والذي نعتبره جزءا منه نظرا لاختلاف الإجراءات وبذلك نتفق مع القول بأن القانون الجنائي بمفهومه العام لم يعد كما كان يحمي المصالح الجوهرية للحياة الاجتماعية، وإنما أصبح يحمي مصالح أخرى تبدو في نظر المشرع جديرة بالحماية، ومن تم تحولت وظيفة القانون الجنائي من الحماية إلى التوجيه وكان من أسبق المجالات التي تركزت فيها فعالية الوظيفة الجديدة للقانون الجنائي هي الإجرام الاقتصادي.

ويتسع نطاق الجرائم الاقتصادية ليمتد إلى كل فعل يضر بالمصالح المالية العامة للدولة، وكذا مؤسسات الدولة المالية وعرقلة سيرها بفعل التهرب وتبيض الأموال واعتبارها من الجرائم المرتبطة بالأعمال.[23]

ثانيا: الطابع المالي لجرائم الأعمال

تعتبر جرائم الأعمال جرائم ذات طبيعة مالية، لأنها تنصب على المال كما هو الجدل بالنسبة للجرائم المعلوماتية التي لها قيمة اقتصادية ومالية تتمثل في قيمتها التجارية المباشرة التي جعلتها سلعة تباع وتشترى مثل بنوك المعلومات التي تتضمن تحليلا للسوق وكذا المعلومات التي يتم تبادلها بين الشركات في شكل خدمة مالية.فصفة المال التي تقع على مجموعة من الأفعال الداخلة في جرائم الأعمال هي التي تعطيها هذه الصفة من كونها جريمة، كالنصب بفعل الاحتيال الذي يقع على المال بشقيه المادي والمعنوي.

إن الشركات على اختلاف أنواعها صارت اليوم وسيلة لارتكاب الجرائم عن طريق النصب والاحتيال بغية الاستلاء على الأموال داخل وخارج المغرب، مما نتج عنه خلق أزمات تعود سلبا على الأشخاص والدولة على حد سواء من حيث ضياع الأموال.

والمشرع المغربي تنبه إلى الطابع المالي لهذا النوع من الجرائم لما تولاها بالتنظيم، وهكذا فقد عنون بابا خاصا في القانون الجنائي بجرائم الأموال[24]، وقد نظم المشرع من خلاله مجموعة من الجرائم نذكر منها جرائم السرقة، وخيانة الأمانة، النصب، التزوير، وغيرها من الجرائم، ثم نظم فئة أخرى من الجرائم في إطار قوانين خاصة كمدونة الجمارك، ومدونة الضرائب وقانون غسل الأموال وقوانين الشركات.[25]

ثالثا: الطابع التجاري لجرائم الأعمال

تلعب التجارة دورا رياديا في الاقتصاد الوطني، ولذلك كان لا بد من حماية كل تلاعب يطال سوق التجارة، سواء من قبل الشركات أو المؤسسات العمومية المالية وكذا الأشخاص، ولا أدل على ذلك أن المشرع المغربي ما فتئ في كل قانون يسنه إلا ويضع خانة أو بابا للأداة الجزائية الزجرية، كما هو الحال في قانون الشركات، مدونة الجمارك، ومدونة التجارة. وقد أضحت السمة الغالبة اليوم في عالم التجارة من ناحية الخروقات هي التعدي على الملكية الفكرية بخصوص العلاقة التجارية التي تكون محمية بمقتضى القانون لما تخلفه من أضرار على الشركات، مما يستوجب جبر هذه الأضرار، بحيث يتم  اللجوء إلى القضاء بنوعيه المدني والجنائي إلا أن الجناة لا يكترثون للأحكام التي تقتصر على الغرامة أو الحبس موقوف التنفيذ بعد أن يكونوا استفادوا من أموال طائلة مع أن سقف العقوبة أو الغرامة يبقى محددا وخفيفا يجعل الجناة يستمرون في ارتكابهم الجرم في إطار مقاولاتهم أو شركاتهم الصغيرة.

وغني عن البيان أن المقاولة اليوم، غدت وتغدو الدعامة الاقتصادية في كل بلد حيث إن الاتجاه الحديث يروم نحو جعل المقاولة أساس التنمية الاقتصادية، فحماها المشرع من الإخلالات على مستوى التسيير وإساءة استعمال أموال الشركة مما يؤثر سلبا على حرية المبادرة في أوساط رجال الأعمال عندما تعلق الأمر بالإفلاس للشركة عمدا لينشأ تهربا من التبعات أو تقديم رشاوى بغرض الحصول على منفعة عامة أو خاصة للشركة كالتهرب الضريبي أو التخفيف من عبء الضريبة.[26]

الفقرة الثانية: خصائص جرائم رجال الأعمال

تتجلى خصائص جرائم المجرمين ذوي الياقات البيض في كونها جرائم تتسم بالتعقيد (أولا)، ثم في طابعها التركيبي (ثانيا)، وأخيرا في كونها جرائم عابرة للقارات أي جرائم دولية (ثالثا).

أولا: خاصية التعقيد في جرائم الأعمال

لا ريب في أن التقدم التكنولوجي والتطور العلمي، كانا سببا في ظهور أنواع من الجرائم تشكل خطرا على البشرية جمعاء يستفحل خطرها من حيث عدم معرفة الفاعل أو بسبب إفلات الجاني من العقاب جراء صعوبة الإثبات، وهذا هو حال جرائم الأعمال التي يقدم عليها ذوي القبعات الفاخرة، فطبيعة الإجرام في مضمار جرائم الأعمال يتسم بكونه إجراما معقدا، وهذا الأخير يراد به ذلك النوع من الجرائم التي تتم التخطيط لها وارتكابها بشكل محترف ومنظم، أو تلك الجريمة التي ترتكب مقترنة بظروف تؤدي إلى تعقيدها أو صعوبة كشف لغزها أو معرفة مرتكبها، وهي تندرج تحت ثلاثة أنواع؛

الأول يرتكب بعد تخطيط وتنسيق للجريمة، ونوع ثاني يرتكب في الخفاء فيستحيل معرفة مرتكبه أو يصعب إثبات أنه فاعل، ونوع ثالث يأتي بالصدفة البحتة،  فالصدف هي التي تساعد الجاني على أن تصبح جريمته معقدة[27]، وهذا النوع الأخير مستبعد في مجال جرائم الأعمال لأن المجرم ذي الياقة البيضاء يقدم على الجريمة بعد تخطيط محكم وتفكير عميق بحيث لا يبقى هناك مجال للصدفة.

ثانيا: خاصية الطابع التركيبي لجرائم الأعمال

تتصف جرائم رجال الأعمال بكونها جرائم مركبة، والجرائم المركبة هي تلكم الجرائم التي تتألف من فعل تابع للفعل الأصلي، كما هو الشأن في جريمة غسل الأموال، حيث يتم غسل الأموال القذرة المتحصلة من جرائم المخدرات أو الاتجار في البشر، كما أنها جريمة مركبة لمدى الأحكام والدقة في تنفيذها بحيث لا تترك الأثر في كشفها ويصعب حل لغزها.

ثالثا: خاصية الطابع الدولي لجرائم الأعمال

جل جرائم الأعمال تتخطى وتتجاوز الحدود الوطنية من حيث التأثير على الاقتصاد، وكما هو معلوم لم بعد الاقتصاد الوطني محدود بالحدود الجغرافية، بل إن ارتباطه أصبح وثيقا بالاقتصاديات الدولية العالمية، فالتجارة لم تكن يوما قاصرة على جهة معينة بل تتعداها بنسج خيوط في ظاهرها بسيطة إلا أنها في عمقها متجذرة الفروع، فروع تحمل في ثناياها أنواع من جرائم لا يقترفها إلا من كان يتصف بصفات خاصة وهو تماما يتوفر في جرائم الأعمال.

وليس من الغريب أن نقول بأن جرائم الأعمال تدخل في زمرة الجرائم المنظمة، حيث يسبقها تخطيط وترتيب للأدوار بين أطراف متعددة والأخذ بالاحتياطات ودراسة الاحتمالات، بل قد يتم تأويل ما قد يحدث قبل وبعد ارتكاب الجرم، فجريمة المجرم ذي الياقة البيضاء ليست بالجريمة الاعتباطية أبدا، إنما هي جريمة يحكمها التخطيط بقدر محكم مما تتشعب خيوط فك لغزها.

وقد كان من بين العوامل التي أسهمت في جرائم رجال الأعمال جرائم ذات طابع دولي، المضاربة بالبورصة وانفتاح أسواق المال العالمية على بعضها البعض وإلغاء القيود على حركة استعمال رؤوس الأموال فيما بينها، إلى التشجيع على القيام بعمليات لغسيل الأموال الناتجة عن عمليات غير مشروعة عن طريق تحويل هذه الأموال من الداخل إلى الخارج، ثم يقوم العامل بإعادتها مرة أخرى للداخل في صورة ثانوية مستغلا الاتجاه المتسارع نحو تنشيط بورصة الأوراق المالية.[28]

المطلب الثاني: أصناف الجرائم المقترفة من طرف المجرم ذي الياقة البيضاء

إن الجريمة التي يرتكبها المجرم ذي الياقة البيضاء هي مختلفة تماما عن باقي الجرائم العادية، خصوصا من حيث كيفية ارتكابها وطريقة كشفها فهي تشكل خطرا حقيقيا على الاقتصاد الوطني، وتعرف هذه النوعية من الجرائم شيوعا كبيرا في أوساط طبقة رجال الأعمال، ويمكن أن تشمل أنواعا عديدة من الجرائم كجريمة الرشوة وجريمة الاختلاس والسرقة، وجرائم التهرب الضريبي وغيرها عديدة.

إلا أننا سنقتصر في هذا المطلب على دراسة الجرائم التي نص عليها المشرع المغربي في القانون الجنائي؛ من خلال جريمة غسل الأموال (الفقرة الأولى) والجريمة المعلوماتية والالكترونية (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: جريمة غسل الأموال

نظم المشرع المغربي جريمة غسل الأموال من خلال قانون [29]43.05 من مجموع القانون الجنائي، وهذه الجريمة لها انعكاسات سلبية على الفرد والمجتمع ككل ولا تقتصر على بلد معين، بل هي عابرة للحدود، وتهدف إلى إضفاء الشرعية على الأموال المتحصل عليها بطريقة غير مشروعة وإخفاء المصدر الحقيقي، وبالتالي إعادة إدماجها في الاقتصاد، وهناك من يطلق على هذه الجريمة “تبيض الأموال”.

وبرجوعنا إلى التطور التاريخي لهذه الجريمة نجدها قديمة، فكانت في الأول تقتصر على الجرائم المتأتية من المخدرات وكانت تستعمل فيها أساليب تقليدية، ولقد نشأت أول مرة في البيئة الغربية وبالضبط في الولايات المتحدة الأمريكية في فترة ما بين 1920 و 1930.[30]

بالرجوع إلى قانون 43.05 المتعلق بمكافحة غسل الأموال نلاحظ أن المشرع المغربي لم يعرف جريمة غسل الأموال ولكنه أشار إلى الأفعال التي تكون جريمة غسل الأموال، من خلال المادتين 574-1 و 574-2.

وبما أن مسألة إعطاء التعاريف في الغالب من اختصاص الفقه والقضاء، فنجد الفقه لا يتفق على تعريف واحدة لمصطلح غسل الأموال فهناك العديد من التعريفات إلا أنها في مجملها تنصب في قالب واحد أو معنى واحد وهو إخفاء أو تمويه المصادر غير المشروعة لهذه الأموال القدرة المتأتية والناتجة من ارتكاب جرائم منظمة وطبعها بطابع المشروعية.

ويعد تعريف دليل اللجنة الأوربية لغسل الأموال الصادر لعام 1990 الأكثر شمولا وتحديدا لعناصر غسل الأموال من بين التعريفات الأخرى التي تضمنتها عدد من الوثائق الدولية والتشريعات الوطنية، ووفقا للدليل المذكور فإن غسل الأموال هي “عملية تحويل الأموال المتحصلة من أنشطة جرمية بهدف إخفاء أو انكار المصدر غير الشرعي والمحظور لهذه الأموال أو مساعدة أي شخص ارتكب جرما ليتجنب المسؤولية القانونية عن الاحتفاظ بمتحصلات هذا الجرم” وهي ليست جريمة عادية يمكن ارتكابها بصورة عشوائية أو غير مدروسة كالعديد من الجرائم، لأجل هذا سميت بجريمة صناعة الأكاذيب الصادقة.[31]

ولقيام جريمة غسل الأموال يجب توافر الأركان الأساسية (أولا) والمرور بمجموعة من المراحل (ثانيا).

أولا: أركان جريمة غسل الأموال

إذا كانت الجريمة بصفة عامة هي عمل أو امتناع مخالف للقانون الجنائي ومعاقب عليه بمقتضاه (الفصل 110 من القانون الجنائي) فإنها بالطبع تقوم على مجموعة من الأركان:

  1. الركن القانوني: يعتبر الركن القانوني أو الشرعي من بين الأركان الأساسية لقيام الجريمة وتوقيع العقوبة، ونجد المشرع المغربي يتطرق بشكل مباشر إلى مبدأ الشرعية من خلال الدستور الحالي، وكذلك من خلال الفصل الثالث من القانون الجنائي حيث ينص ” لا يسوغ مؤاخذة أحد على فعل لا يعد جريمة بصريح القانون ولا معاقبته بعقوبات لم يقررها القانون”.[32]

وقد نظم المشرع المغربي جريمة غسل الأموال ضمن مجموعة القانون الجنائي من خلال قانون رقم 43.05 المتعلق بمكافحة غسل الأموال في الفرع السادس مكرر، فصول من 574-1 الى 574-7، والجدير بالذكر أن المشرع المغربي تأخر كثيرا قبل إصدار هذا القانون وبذلك يكون مشرعنا قد استجاب للاتفاقيات الدولية بهذا الخصوص.

  1. الركن المادي: هو كل سلوك يقع على محل الجريمة، ويترتب عليه حدوث نتيجة معينة مع ضرورة وجود علاقة سببية بين الفعل و النتيجة.
  2. السلوك الإجرامي:

حدد المشرع المغربي من خلال قانون مكافحة غسل الأموال السلوك المادي لجريمة غسل الأموال في عدة صور نص عليها في الفصل 574-1.[33]

  • النتيجة الاجرامية:

تعتبر النتيجة الاجرامية أحد عناصر الركن المادي للجريمة وهي الأثر الذي يترتب عن السلوك الإجرامي، ويمثل مساسا بالمصلحة المحمية جنائيا والنتيجة الجرمية في جريمة غسل الأموال تتمثل في تغيير صورة المال الذي يتم الحصول عليه من وسائل غير مشروعة يصبح عليه كأنه تحصل بطريقة مشروعة، ومن تم إدخال هذا المال في الدورة الاقتصادية وظهوره في مظهر مشروع وهذا ما يكون له تأثير كبير على المصلحة المالية للدولة.[34]

  • العلاقة السببية:

لقيام الركن المادي يشترط أن تكتمل فيه كل عناصره، ومن بينهما العلاقة السببية التي ترتبط الفعل الجرمي بالنتيجة، أي وجود علاقة بين هذين الأخيرين تؤكد أن النتيجة المتمثلة في الضرر الحاصل، إنما حصلت جزاء الفعل الجرمي الذي قام به المعتدي.[35]

  • الركن المعنوي: هو إرادة الجاني ارتكاب الفعل الجرمي أي القصد الجنائي وهو عنصر نفسي محض، مع ضرورة علمه بالنتيجة التي تؤدي إليها فعله، وهنا نطرح سؤال: هل من الممكن أن ترتكب جريمة غسل الأموال عن طريق الخطأ؟

بالرجوع إلى اتفاقية فينا 1988 فإن الركن المعنوي الذي نصت عليه هو القصد الجنائي العام بعنصرية العلم والإرادة، لذا فإنه لا يمكن أن ترتكب هذه الجريمة عن طريق الخطأ.[36]

  • العنصر المفترض: لقد اعتمد المشرع المغربي في تجريمه لجريمة غسل الأموال، على ضرورة ارتكاب جريمة أصلية منصوص عليها على سبيل الحصر في قانون 43.05 حيث حدد المشرع المغربي الجريمة الأولية في إطار قانون غسل الأموال في عدد من الصور غير مشروعة في المادة 574-2 وعددها 24 جريمة، وهذه الجرائم يعاقب عليها المشرع ولو ارتكبت خارج المغرب، وبذلك وسع المشرع من نطاق هذه الجرائم.

ثانيا: مراحل جريمة غسل الأموال

باعتبار جريمة غسل الأموال هي جريمة لاحقة للجريمة الأصلية والتي تكون إما الاتجار في المخدرات أو تهريب العملة أو الاتجار في الأعضاء البشرية. فإنها تمر بمراحل مهمة حددها الفقهاء في ثلاث مراحل (مرحلة الإيداع، مرحلة التمويه، مرحلة الدمج).

  • مرحلة الإيداع: في هذه المرحلة يتم توظيف الأموال المحصل عليها بطريقة غير مشروعة وقدرة سواء بإيداعها بالمؤسسات البنكية أو تداولها بالبورصة من شراء وبيع، أو بالاستثمار داخل وخارج أرض الوطن،[37] وفي هذه المرحلة يكمن دور المؤسسة البنكية كمراقبة لفائدة الصالح العام وبموجب القانون وتحت طائلة العقاب. كما أن الجهات المسؤولة تعمل في هذه المرحلة على ايقاف دخول هذه الأموال إلى النظام المصرفي وبالتالي تفادي تعقيد مهمة البحث والتحقيق أكثر فأكثر.
  • مرحلة التمويه: الهدف من هذه المرحلة هو تضليل الجهات الرقابية والأمنية والقضائية من معرفة المصدر غير المشروع، حيث غالبا ما يكون الأشخاص الذين يقومون بغسل الأموال يملكون مشاريع أو استثمارات قانونية، وهذا يسهل عليهم عمليه التمويه والتضليل، وفي هذه المرحلة تواجه الجهات المكلفة بالبحث والتحري وصعوبات معقدة نظرا لانتقال الأموال بسرعة عبر البنوك ليتم دمجها مع الأموال المشروعة وهي المرحلة الأخيرة.[38]
  • مرحلة الدمج: في هذه المرحلة يتم إضفاء نوعا من المصداقية والمشروعية على الأموال القذرة، ويتم ذلك خلال المساهمة في الاقتصاد الوطني أو الأجنبي اعتمادا على أهل الخبرة والاختصاص وهي مرحلة نعتبرها مرحلة توريط الاقتصاديات بأن تجد نفسها تعتمد في بناء اقتصادها على تلك الأموال الأجنبية والتي لها طابع اجتماعي، خاصة الدول السائرة في طريق النمو والتي تكون محتاجة لتلك الأموال[39].ومن الأمثلة التي يقوم عليها عملية الدمج نذكر بيع وشراء العقارات، المضاربات في البورصة، الاتجار في الذهب.

الفقرة الثانية: الجريمة المعلوماتية والالكترونية

نظم المشرع المغربي الجريمة المعلوماتية والإلكترونية بمقتضى قانون 07.03[40] من مجموعة القانون الجنائي وذلك في الفصول 607-3 الى 607-11 وبالضبط في الباب العاشر المعنون بـ”المس بنظم المعالجة الالية للمعطيات” في الجزء الاول من الكتاب الثالث.

وعرفت الجريمة بالمجتمع المغربي كباقي المجتمعات تطورا كبيرا، فمع انتشار الإنترنت واستخدامه في المعاملات التجارية إضافة إلى دخول جميع فئات المجتمع إلى قائمة المستخدمين، ظهرت جرائم عصرية يطلق عليها إسم “الجرائم الإلكترونية” جرائم تتخذ من الحاسوب والإنترنت ساحة نموذجية مسرحها افتراضي وأبطالها وضحاياها من الواقع ولها عدة أصناف من قبيل سرقة الحسابات البنكية وفبركة الصور والأشرطة…[41]

فبالرغم ما لعبته التكنولوجية المتطورة من دور معم في حياة أفراد المجتمع حيث حققت لهم تنمية اجتماعية وإقلاعا اقتصاديا، إلا أنها كان لديها جانب سلبي، سخر من قبل ذوي النوايا السيئة من أجل الوصول إلى غاياتهم على حساب الغير حسن النية سواء كان هذا الغير شخصا معنويا أو شخصيا طبيعيا.

وبرجوعنا إلى مدلول الجريمة المعلوماتية أو الإلكترونية نجده يتسع بأن يشمل كل الجرائم التي ترتكب بوسائل تكنولوجية جد متطورة يدخل ضمنها جرائم الحاسوب والجرائم الإلكترونية، حيث يتم استخدام الآلة كوسيلة لارتكاب الجرم، فهي جريمة نابعة من طابع تقني يصعب أمر اكتشافها.[42]

ونظرا لازدياد الجرائم المتعلقة بالحاسوب فقد شرعت أغلب الدول بوضع تشريعات جنائية خاصة لمكافحة جرائم الكمبيوتر المستحدثة على علم الإجرام، ومن هذه الدول نجد: الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا وباقي دول الاتحاد الأوروبي الذي وضع اتفاقية بودابست حول جرائم الكمبيوتر بتاريخ 23 نوفمبر 2001[43]، وباعتبار هذا النوع من الجرائم عابر للحدود فالمغرب لم يسلم منه فقد تغلغلت الجريمة الإلكترونية والمعلوماتية بالمملكة المغربية في السنوات الأخيرة وهذا ما جعل القضاء المغربي ففي اختبار حقيقي، ودفع بالمشرع إلى تعزيز مجموعة القانون الجنائي بترسانة قانونية تعالج هذه الجريمة تتمثل في قانون 07.03.

فجرائم المعلومات والجرائم الإلكترونية هي جرائم تدخل ضمن ما يطلق عليه بجرائم ذوي الياقات البيض بحيث ترتبط ارتباطا وثيقا بشكل أو بآخر بكل أنواع جرائم الأعمال، كما أن الجرائم الإلكترونية وما ينجم عنها بالتجسس ومن اختراق للفيروسات المدمرة لمواقع حيوية كالاستثمار والبورصة وجميع الأسواق المالية،[44] وكمثال على الجريمة الإلكترونية جريمة انتحال الشخصية المعلوماتية، بحيث يتم سحب أموال من رصيد الضحية بواسطة بطاقة ائتمانية مزورة.

وتعد الجرائم المتعلقة بالحاسب الآلي نمطا حديثا من أنماط الجريمة لم تعرفها إلا المجتمعات المعاصرة. فقد أدى الاستخدام الواسع لأجهزة الحاسوب في المعاملات الحكومية المدنية والعسكرية والمعاملات التجارية إلى دفع بعض الأشخاص إلى الاستفادة غير القانونية من هذه التكنولوجيا المتقدمة.

ومن الأمثلة على استخدام الحاسب الآلي كأداة للجريمة سرقة خدمات وذلك بأن يقوم مجرم الحاسب بالاستخدام غير القانوني للحاسب أو استخدام الحاسب قانونيا ولكن لأغراض غير مسموح بها بما في ذلك الدخول غير القانوني على نظام الحسابات الخاصة، ويمكن استخدام المعلومات الموجودة على الحاسب لأغراض شخصية ومن أجل تحقيق الأرباح الشخصية كما يمكن استخدام الحاسب من إجراء أنواع متعددة من العمليات غير القانونية كالدخول على حسابات العملاء وتحويلها إلى حساب شخص أو سرقتها بالإضافة إلى سرقة الممتلكات عن طريق الحاسب بطريقة غير شرعية كل ذلك من الوسائل التي يستخدمها المجرمون للاستفادة من التكنولوجيا لتحقيق المكاسب الشخصية غير المشروعية مستفدين مما وصلت إليه التكنولوجيا من تقدم للوصول إلى أغراضهم، فعلى سبيل المثال تقدم تكلفة الخسائر التي تتكبدها الشركات الأمريكية بسبب الاستخدام غير القانوني للكمبيوتر بما قدره من خمسمائة مليون إلى خمسة بلايين دولار سنويا.[45]

خاتمة:

في الختام يتضح على أن جرائم رجال الأعمال تعرف انتشارا واسعا في مقابل الجرائم العادية، ثم إن الفاعل الإجرامي في هذه النوعية من الجرائم استطاع توسيع دائرة جرائمه بالنظر إلى الجانب الفكري والتقني المتطور الذي يتمتع به، لهذا كان من الضروري على المشرع المغربي التدخل لإقرار قانون جنائي خاص بميدان الأعمال وذلك تماشيا مع اطراد جرائم رجال الأعمال والاقتصاد وتزايدها بشكل مهول ، وكذا صياغة نصوص قانونية أكثر صرامة في التعامل مع المجرمين ذوي الياقات البيض.


[1]  نبيل محمد توفيق السمالوطي، الدراسة العلمية للسلوك الإجرامي، دار الشروق، جدة،  طبعة 1994 ، ص 20 ، بصيغة pdf منشور بــموقع :   www.repository.nauss.edu.sa/handle

[2]   أنظر الموقع الإلكتروني : http://www.manshawi.com   تم الاطلاع عليه بتاريخ  17/04/2016 على الساعة 13:03.

[3]  عبد الرحمان حمزاوي، مقال منشور بموقع القانونية، www.alkanounia.com ، تم الاطلاع عليه بتاريخ 17/04/2016، على الساعة 10:45.

[4]  حمزة بن عقون، السلوك الاجرامي للمجرم المعلوماتي، بحث مكمل لنيل شهادة الماجستير في العلوم القانونية تخصص علم الاجرام وعلم العقاب، جامعة الحاج لخضر – باتنة، الجزائر-  كلية الحقوق والعلوم السياسية،  السنة الجامعية 2011/2012، ص 28.

[5]  عبد المجيد  غميجة، دور العدالة الجنائية في ميدان الأعمال والاقتصاد : المقاولة والسياسة الجنائية، مداخلة بخصوص المناظرة الوطنية حول السياسة الجنائية واقع وآفاق، المنظمة من طرف وزاروة العدل  في مكناس 9 – 11 دجنبر  2004، ص 4.

[6]  عبد الحفيظ بلقاضي، محاضرات في القانون الجنائي للأعمال، ألقيت على طلبة الإجازة القانون الخاص السادسي الخامس، السنة الجامعية 2006/2007 كلية العلوم القانونية والاقتصادية السويسي الرباط، ص 15.

[7]  حمزة بن عقون، السلوك الاجرامي، مرجع سابق، ص 28.

[8]  إدريس النوازلي، الاثبات الجنائي لجرائم الاعمال بالوسائل الحديثة، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، مختبر الدارسات والابحاث، وحدة التكوين القانون التجاري المقارن، جامعة محمد الاول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، وجدة، السنة الجامعية 2012/2013، ص 155.

[9]  أنظر الموقع الإلكتروني: www.droitetsciencesjuridiques.wordpress.com/2013/09/16 تم الاطلاع عليه بتاريخ 17/04/2016 على الساعة 10:51.

[10]  عمر أبو الفتوح، عبد العظيم الحمامي، الحماية الجنائية للمعلومات المسجلة إلكترونيا، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية القاهرة، طبعة 2010، ص 80/ 81، منقول عن حمزة بن عقون، مرجع سابق، ص 30.

[11]  إدريس النوازلي، الاثبات الجنائي لجرائم الأعمال، مرجع سابق، ص 163.

[12]  فاطمة الديب، القانون الجنائي للأعمال خصوصياته وتطبيقاته، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، جامعة سيدي محمد بن عبد الله كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، فاس، السنة الجامعية 2007/2008، ص 43.

[13]  يعرف الخطأ بأنه كل فعل أو ترك إرادي تترتب عليه نتائج لم يردها الفاعل مباشرة ولا بطريق غير مباشر، ولكن في وسعه تجنبها، ويتمثل هذا الخطأ في عدم اتخاذ واجب الحيطة والحذر الذي يقتضيه النظام القانوني.

[14]  عبد العالي برزجو، ترشيد السياسة الجنائية في مجال الأعمال، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص وحدة التكوين والبحث في التجارة الدولية، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، طنجة، السنة الجامعية 2011/2012، ص 81.

[15]  كمثال على هذه الجرائم: جريمة بيع بضاعة مغشوشة او فاسدة، فهذه الجريمة لخا نتيجة ضارة نلحق بالمستهلك، وتتمثل في الاضرار بماله او بصحته او الاثنين معا.

[16]  كمثال على هذه الجرائم: جرائم حيازة سلع منتهية مدة صلاحيتها، فهذه الجريمة لا ينتج عنها ضرر في ذاتها وانما فيما تمثله من خطر على صحة وحياة وسلامة المستهلك او على الاقتصاد الوطني.

[17]  بمعنى أن أي شخص مسؤول عما ارتكبه من أفعال ولا يجوز أن تنتقل المسؤولية الى غيره.

[18] فاطمة الديب، القانون الجنائي خصوصياته وتطبيقاته، مرجع سابق، ص 48.

[19]  ينص الفصل 127 من القانون الجنائي على أنه :” لا يمكن أن يحكم على الأشخاص المعنوية إلا بالعقوبات المالية والعقوبات الإضافية الواردة في الأرقام 5 و6 و7 من الفصل 36 ويجوز أيضا أن يحكم عليها بالتدابير الوقائية العينية الواردة في الفصل 62.

[20]  عبد العالي برزجو، ترشيد السياسة الجنائية في مجال الأعمال، مرجع سابق، ص 96 وما بعدها.

[21]  هشام الزربوح، خصوصية القانون الجنائي للأعمال بالمغرب، اطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، جامعة مولاي اسماعيل كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، مكناس، السنة الجامعية 2013/2014 ، ص 211.

[22]  توصيف يعني إعطاء الوصف المناسب، التوصيف هو الوصف بصيغة التفعيل يعني الوصف الملائم تماما.

[23]  إدريس النوازلي، الاثبات الجنائي  لجرائم الأعمال بالوسائل الحديثة، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، الطبعة الأولى 2014، ص 58 – 60.

[24]   خصص المشرع المغربي الباب التاسع من الكتاب الثالث من القانون الجنائي، للجرائم المتعلقة بالأموال، في الفصول من 505 الى  607 مكرر مرتين.

[25]  ادريس النوازلي، الاثبات الجنائي لجرائم الاعمال، مرجع سابق، ص 69- 70.

[26]  ادريس النوازلي، الاثبات الجنائي، مرجع سابق، ص 69/ 70.

[27]  إدريس النوازلي، الاثبات الجنائي، مرجع سابق، ص 75.

[28]  إدريس النوازلي، الاثبات الجنائي، مرجع سابق، ص 82.

[29]  ظهير شريف رقم 1.07.72 صادر في 28 من ربيع الاول 1428 ( 17 ابريل 2007) بتنفيذ القانون رقم 43.05 المتعلق بمكافحة غسل الاموال.

[30]  خبالي حسن، جريمة غسل الاموال، منقول من الموقع الالكتروني www.marocdroit.com  تم الاطلاع عليه في 18/04/2016 على الساعة 13:52.

[31]  إدريس النوازلي، الاثبات الجنائي، مرجع سابق، ص 89/90.

[32]  فاطمة الديب، القانون الجنائي للأعمال خصوصياته وتطبيقاته، مرجع سابق، ص 12.

[33]  تكون الافعال التالية جريمة غسل الاموال عندما ترتكب عمدا وعن علم.

[34]   خبالي حسن، جريمة غسل الأموال، مرجع سابق.

[35]  فاطمة الديب، القانون الجنائي للاعمال، مرجع سابق، ص 14.

[36]  خبالي حسن، جريمة غسل الأموال، مرجع سابق.

[37]  إدريس النوازلي، الاثبات الجنائي، مرجع سابق، ص 101,

[38]  خبالي حسن، جريمة غسل الأموال، مرجع سابق.

[39]  إدريس النوازلي، الاثبات الجنائي، مرجع سابق، ص 102.

[40]  قانون رقم 07.03 المتعلق بنظم المعالجة الآلية للمعطيات، صدر بتنفيذه الظهير رقم 1.03.197 الصادر في 16 رمضان 1424 (11 نوفمبر 2003).

[41]  محمد بجرجي، الاهتمام الدولي والمحلي بالجريمة الإلكترونية، مقال منشور بمجلة القانون والأعمال الالكترونية، www.droitentreprise.com  تم الاطلاع عليه بتاريخ 18/04/2016 على الساعة 16:35.

[42]  ادريس النوازلي، الاثبات الجنائي، مرجع سابق، ص 115.

[43]  محمد بجرجي، الاهتمام الدولي والمحلي بالجريمة الإلكترونية، مرجع سابق.

[44]  إدريس النوازلي، الاثبات الجنائي، مرجع سابق، ص 116.

[45]  إدريس النوازلي، الاثبات الجنائي، مرجع سابق، ص 125/126.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

"لا تقرأ وترحل شاركنا رأيك"

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من أنفاس قانونية

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading