مقدمة: نظم المشرع الكراء الطويل الأمد في ظهير 2 يونيو 1915 من الفصل 87 الى 96 ونظمته مدونة الحقوق العينية 39-08 من الفصل 121 إلى 129 والذي يعتبر من بين الحقوق العينية التي تخول لصاحبها الانتفاع بكراء عقار لمدة حددها ظهير 1915 في مدة لا تقل عن 18 سنة ولا تزيد عن 99 سنة. بينما قلصتها مدونة الحقوق العينية إلى 40 سنة على الأكثر مقابل عوض للمكري وقيام المكتري بكل الإصلاحات الضرورية لصالح العقار وحسن فعل المشرع بتقليص المدة انسجاما مع مدة الكراء الفلاحي في ق.ل.ع.
وبإطلالة بسيطة على نشأة هذا النوع من الكراء نجد أن جذوره ابتدأت من القانون الروماني حيث استأثر قلة من الملاك لأغلبية العقارات والتملص من أعبائها عن طريق كرائها مدة طويلة بعوض.
أما القانون الفرنسي فقد كان ينظم الكراء الطويل الأمد عن طريق الأعراف و التقاليد إلى أن ظهر قانون 29 دجنبر 1790 الذي نظم هدا النوع من الأكرية حيث أصبح محددا في 99 سنة امتد العمل بهذا القانون حتى مجيء القانون الزراعي الفرنسي 25 يونيو 1902 الذي وضع عدة حلول للمشاكل التي يطرحها هذا النوع من الكراء و على هذا المنوال صارت معظم الدول الأوربية، أما دول شمال إفريقيا مثل المغرب وتونس فقد عرفت الكراء الطويل الأمد مع دخول المستعمر الذي استغل هذا النوع من الكراء من أجل إحكام سيطرته على الأراضي الفلاحية واستنزافها. ورغم أن تونس أوقفت العمل بهذا النوع من الاكرية إلا أن المغرب لا زال يضع لهذا الكراء قواعد عامة استمرت إلى حدود الساعة .
أما حاليا فقد تقلص العمل بهذا النوع من الأكرية بين الخواص نظرا لعدم وجود مصلحة الطرفين فيه بسبب التغيرات الاقتصادية والاجتماعية وظهور أنواع أخرى من الأكرية إلا أن الكراء الطويل الأمد ما زال ممثلا في كراء الأراضي المخزنية والجماعية و لعل الظرفية الاقتصادية واستقطاب رؤوس الأموال الجادة و الاستثمارات تبت الروح في هذا النوع من الأكرية من جديد.
هل يمكن اعتبار الكراء الطويل الأمد عنصر فعال في عجلة الاقتصاد الوطني ؟ وهل يمكن اعتباره كذلك عنصرا فعالا في علاقته بين الخواص من جهة وبين الخواص والدولة من جهة ثانية ؟
واجهة العرض
المبحث الأول : ماهية الكراء الطويل الأمد:
المطلب الأول :تعريف الكراء الطويل الأمد وخصائصه :
الفقرة الأولى :تعريف الكراء الطويل الأمد:
الكراء الطويل الأمد هو نوع من الكراء يمنح مستأجر العقار المحفظ حقا عينيا قابلا للرهن الرسمي، وذلك هو ما ينص عليه الفصل 87من ظهير 2 يونيو 1915 م. وقد حدد المشرع أمد الكراء في مدة تفوق عشر سنوات دون أن تتجاوز أربعين سنة ،وينقضي بانقضائها )1 (وهذا يعني أن الكراء الطويل الأمد يختلف عن الكراء العادي في كونه يعقد لمدة طويلة ، وفي أنه يعطي صاحبه حقا عينيا يخول له حق التتبع والأولوية كما هو الشأن في الكراء العادي ،وهو قابل للرهن الرسمي و يمكن تفويته و حجزه طبقا للشروط المقررة في الحجز العقاري.
أما في التشريع الفرنسي فالكراء الطويل الأمد هو كراء عقار تمنح للمكتري بمقتضاه حقوق عينية وانتفاع أكثر شمولية من الكراء العادي ، وذلك بتبسيط الدفع السنوي ويستعمل خاصة عندما يكون من الضروري إحداث تعديلات مهمة من أجل زراعة أراضي غير صالحة للزراعة. فالكراء الطويل الأمد كان عقدا عرفيا في فرنسا ولم ينظم بنص تشريعي إلا سنة 1902 ، وذلك بموجب قانون 25 يونيو 1902 المتعلق بالكراء الطويل الأمد .و في سنة 1955 تم إدخال الترتيبات المتعلقة بالكراء الطويل الأمد في المدونة القروية. بموجب الفصول من937 إلى 950 و التي تم تغييرها بمرسوم 16 مارس 1983 بدون تعديل لمحتواها.
إذن بتضمين مقتضيات الكراء الطويل الأمد في المدونة القروية ثم في القانون الزراعي، فإنه في الواقع كراء زراعي مع العلم أنه بالإمكان ملاحظة وجود أكرية طويلة الأمد حضرية مثلا وجود أراضي معدة للبناء .
الفقرة الثانية: خصائص الكراء الطويل الأمد:
يتميز الكراء الطويل الأمد بعدة خصائص نحصرها في ما يلي :
(1)-الفقرة الأولى من المادة :121 من مدونة الحقوق العينية .
هو حق عيني للانتفاع بعقار محفظ حتى لا يكون هذا الحق العيني محط نزاع خاصة و أنه من اللازم تسجيله في السجل العقاري حتى ينتج أثاره فيما بين الأطراف أنفسهم.
- يعتبر الكراء الطويل الأمد من الحقوق العينية الأصلية إذ يخول للمكتري رهن حقه العقاري رهنا رسميا ،فيحصل بذلك على ما يحتاج إليه من الائتمان خاصة الائتمان الطويل الأمد)2( .و من تم فيه تنازل للمكتري عن حقوق عينية على العقار وكذا حق التمتع بالعقار موضوع العقد، الشيء الذي يمكن معه القول بأن هذا العقد يخول للمكتري حق التصرف شبه الكامل في العقار. كما يمكن لهذا الكراء الطويل الأمد الاستفادة من حق الالتصاق خلال مدته.
- يرد الكراء الطويل الأمد على العقارات من أراضي ومبان ، ولا يرد على المنقول، إلا أن يكون عقارا بالتخصيص (3) وتدخل فيه كل أنواع البنايات القروية والحضرية.
- الكراء الطويل الأمد حق مؤقت، تتراوح مدته بين حد أدنى لا يمكن أن يقل عن عشر سنوات وحد أقصى لا يمكن أن يتجاوز أربعين سنة. ولا يجوز تجديده تجديدا ضمنيا لمدة مماثلة، وإنما ينبغي أن يكون التجديد صريحا.
- إذا كان الكراء الطويل الأمد شائعا بين عدة أشخاص، فإنه يخول لكل مشاع حق أخذ حصة شريكه المبيعة عن طريق الشفعة.
- يمكن أن ينشأ عن حق الكراء الطويل الأمد حق انتفاع وذلك خلال مدته.
- يجوز للغير إيقاع الحجز على الكراء الطويل الأمد وذلك طبقا للشروط المقررة في الحجز العقاري.
- الكراء الطويل الأمد حق قابل للانتقال أو التحويل، إذ يمكن أن ينتقل إلى ورثة المكتري كراء طويل الأمد في حالة وفاة هذا الأخير، لكن للمدة المتبقية من العقد فقط.
(2)- محيي الدين إسماعيل علم الدين :”أصول القانون المدني “الحقوق العينية الأصلية و التبعية، الجزء الثالث مكتبة عين الشمس 1977 ،م.ص :306
(3)- محيي الدين إسماعيل :مرجع سابق ،ص 306.
المطلب الثاني :كيفية انعقاد الكراء الطويل الأمد وإثباته
الفقرة الأولى : كيفية انعقاد الكراء الطويل الأمد :
إن الأركان الموضوعية العامة الواجب توافرها في عقد الكراء الطويل الأمد هي نفسها الأركان التي تقوم عليها كافة العقود وتتمثل في الرضا والأهلية والمحل والسبب.
فالرضا يجب أن يكون صحيحا خاليا من عيوب الإرادة ،فهو التعبير عن إرادة المتعاقدين المتمثلة في الإيجاب والقبول وأن يكون هذا الرضا صادرا من ذي الأهلية المتمتع بأهلية التصرف أي أن تكون له صلاحية إنجاز التصرفات الإدارية عن طريق التعاقد وما ينشأ عنها من إلزام، فالفصل 3 من قانون الالتزامات والعقود ينص في الفقرة الثانية على ما يلي(4) :”كل شخص أهل للإلزام والالتزام مالم يصرح قانون أحواله الشخصية بخلاف ذلك“.
ويمكن للولي كراء أرض المحجور كراء طويل الأمد، إذا كان في ذلك مصلحة له بعد الحصول على إذن خاص بذلك من القاضي المختص، أما إذا كان المحجور أجنبيا غير مغربي فلا بد من إجراء مداولة مجلس العائلة أو أي سلطة تقوم مقامه وأن تصادق المحكمة على ذلك.
وفيما يخص العقارات المهونة(5) أي التي تعينها الزوجة الاجنبية مهرا لزوجها، فلا يمكن لزوجها أن يكريها كراء طويل الأمد إلا برضى الزوجة وبإذن من المحكمة طبقا للفصل 88 من ظهير 2 يونيو 1915. وبالنسبة لركن المحل هنا، فعقد الكراء الطويل الأمد يتعلق بحق عيني لا ينشأ بين طرفيه إلا بالتسجيل فإنه يتعين أن يكون محل عقد الكراء الطويل الأمد عقارا محفظا والسبب يشترط فيه أن يكون مشروعا وغير مخالف للنظام والآداب العامة.
الفقرة الثانية :إثبات الكراء الطويل الأمد:
لإثبات الكراء الطويل الأمد أحال المشرع بموجب الفصل 89 من ظهير 2 يونيو 1915 على القواعد العامة، ويتعلق الأمر هنا بالفصل 629 من ق.ل.ع الذي ينص على ما يلي :
(4)-أحمد الخمليشي :التعليق على قانون الأحوال الشخصية ،الجزء الثاني ،ص:302
(5)-مامون الكزبري :مرجع سابق ،ص 570.
“ومع ذلك يلزم أن يثبت كراء العقارات والحقوق العقارية بالكتابة إذا عقدت لأكثر من سنة، فإن لم يوجد محرر مكتوب اعتبر الكراء قد أجري لمدة غير معينة. كراء العقارات لمدة تزيد عن سنة لا يكون له أثر في مواجهة الغير ما لم يكن مسجلا وفقا لما يقضي به القانون “
من خلال استقراء مضمون هذا الفصل يتضح أنه يتعلق بإثبات الكراء العادي والذي يرتب للمكتري مجرد حقوق شخصية فقط و يشترط لإثباته الكتابة والتسجيل.
وطبقا للفصل 65 من ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري فالكراء الطويل الأمد حق عيني يجب إشهاره في السجل العقاري، إذ لا ينشأ ولا يعتبر موجودا بالنسبة للغير إلا من تاريخ تسجيله في المحافظة العقارية (الفصلان 66 و67 من نفس الظهير )
ومما سبق يتضح بأن الكراء الطويل الأمد هو حق عيني اشترط المشرع لإثباته تسجيله بالمحافظة العقارية، غير أنه من الناحية العملية يلاحظ عدم تقييد المتعاقدين للكراء الطويل الأمد بالمحافظة العقارية وبذلك لا يتمكنون من الاستفادة من الامتيازات التي يخولها الحق العيني.
المطلب الثالث :حقوق والتزامات المكتري
الفقرة الأولى :حقوق المكتري :
يكتسب المكتري في عقد الكراء الطويل الأمد عدة حقوق يمكن إجمالها فيما يلي:
1-يحق للمكتري استغلال العقار المكترى والانتفاع به وكذا إحداث ما يزيد من قيمته بتغيير طريقة الزراعة وإضافة مباني دون أن يؤدي ذلك إلى الإنقاص من قيمة العقار.
وفي حالة قيام المكتري بتحسينات وإصلاحات أو بنايات ترفع من قيمة العين المكتراة فإنه عند نهاية العقد يحق له هدمها ولا مطالبة المالك بأي تعويض (6)(الفصل 93).
2- يحق للمكتري في الكراء الطويل الأمد أن يقرر ارتفاقات تخدم ذلك العقار كأن ينشأ ارتفاقا بالمرور على عقار مجاور ويستفيد منه طيلة مدة الكراء، كما يحق له أن يقرر ارتفاقات على ذلك العقار لمصلحة عقار أخر، كأن يمتنع عن رفع بنائه المقام على ذلك العقار المكترى عن حد معين كي لا يحجب الضوء والهواء عن العقار المجاور، ولكن لا بد في هذه الحالة من أن يكون هذا الارتفاق محددا بمدة الكراء، أو بما تبقى منها كما أنه يتعين أن يخبر المالك بهذا الارتفاق الذي حمل به العقار المكترى(الفصل 95).
3-أن يتصرف في حقه هذا بالبيع والهبة والوصية وغير ذلك من طرق التصرف وله أن يرهنه رهنا رسميا إن كان العقار محفظا أو رهنا حيازيا سواء كان العقار محفظا أو لا مع ملاحظة أن من انتقل إليه هذا الحق لا يملكه إلا للمدة الباقية، كما يلاحظ أنه عندما تنتهي مدة الكراء ينتهي الرهن الذي قد أجراه المكتري، ويعود العقار لمالكه مطهرا من ذلك الرهن الذي تعلق بحق الكراء لا بالعقار نفسه(7).
4- أن يتصرف بكل ما ألحق بالعقار عن طريق الالتصاق (الفصل 96) بعوض أو بغير عوض.
5- له الحق في أن يستولي ويستمتع بكل ما يغله الشيء المكترى من ثمار طبيعية كانت أم اصطناعية أم مدنية(8).
(6)- أسماء القوراطي :الكراء الطويل الامد وتطبيقاته العملية ،ص28
(7)- محمد ابن معجوز :الحقوق العينية في الفقه المالكي والتقنين المغربي، الطبعة الاولى 1990-1410، ص 400.
(8)-محمد بن صالح الصوفي :الحقوق العينية العرقية الاسلامية دراسة مقارنة بين الفقه المالكي والقانون المغربي –الطبعةالثانية -2005 ،ص 824-825
6-في حالة ما إذا كان المكتري كراء طويل الأمد مدينا لغيره، فبإمكان دائنيه العمل على حجز حقه هذا طبقا للشروط المقررة في الحجز العقاري لاستخلاص ديونهم من ثمنه.(9)
الفقرة الثانية :التزامات المكتري :
يتحمل المنتفع بالكراء الطويل الأمد التزامات تتمثل فيما يلي :
- أداء الأجرة السنوية وفي الطبيعي أن تكون هذه الأجرة زهيدة لأن المكتري يتعهد بالقيام بتحسينات أو تشييد منشآت تزيد من قيمة العقار لصالح المالك. إذن فعلى المكتري أداء هذه الأجرة سواء كانت مالا أو حصة من المحصول الزراعي، وهي تسمى قانون الكراء الطويل الأمد، كما أن قسط الكراء الزهيد هذا هو أحد مقومات عقد الكراء الطويل الأمد الأساسية وهو محدد بطريقة حرة بين الأطراف ولا يمكن إعادة النظر فيها خاصة أن المنفعة التي تعود على المالك من هذا العقار هي التحسينات والتعديلات التي بها المكتري (10).
إضافة إلى هذا يجب على المكتري أداء واجب الكراء كما اتفق عليه في الاستحقاق من غير مطالبة بتخفيضه بادعاء أو وقوع هلاك العقار جزئيا تحت قوى قاهرة (الفصل 90) وكل تأخير في الأداء استمر سنتين يعرض عقده للفسخ عن طريق القضاء(11) (الفقرة 2 من الفصل 91 ).
- أن يصون العقار ويتعهد بالإصلاحات اللازمة للأبنية التي كانت موجودة عند إنشاء حق الكراء الطويل الأمد ، والأبنية التي أحدثها هذا المكتري بعد ذلك، أو أن يعيد بناء ما تهدم بسبب إهماله أو باستعماله له .بخلاف ما تهدم بقوة قاهرة أو بحادث فجائي فلا يلزم بإعادة بنائه وكذلك ما تهدم بسبب عيب في الكراء الذي أقيم قبل عقد الكراء (الفقرة 2 من الفصل 94).
- أن يؤدي ما يترتب على العقار من ضرائب وتكاليف (الفقرة الأولى من الفصل94).
- أن يترك لمالك العقار الفرصة في أخذ منتجات عقاره كالأحجار وأنقاض الأبنية والأشجار المقتطعة لأن المكتري إنما يستحق الثمار، أما المنتوجات فتبقى للمالك.
- أن يرد العقار عند انتهاء مدة الكراء بما اشتمل عليه من بناءات وبما فيه من الزيادات والتحسينات التي أدخلها عليه (12)
(9)-أسماء القوراطي :مرجع سابق ،ص:30
(10)- أسماء القوراطي :مرجع سابق ،ص31
(11)-محمد بن صالح الصوفي –مرجع سابق ،ص825
(12)-محمد ابن معجوز :مرجع سابق –ص401-402
6-بالنسبة للتحسينات أو المنشآت التي أقامها المكتري في العين المكتراة بموجب عقد الكراء الطويل الأمد فلا يحق له هدمها ولا أخذ أي تعويض عنها عند نهاية مدة العقد وأنها زادت من قيمة العين المكتراة (13).( الفقرة 2 من الفصل 93).
7- لا يمكن للمكتري أن يتحرر من واجبات الكراء ولا أن يتملص من تنفيذ شروط عقد الكراء الطويل الأمد بتخليه عن الملك(14) (الفصل 92.)
(13)-أسماء القوراطي :مرجع سابق –ص34
(14)-محمادي لمعكشاوي -المختصر في شرح مدونة الحقوق العينية الجديدة على ضوء التشريع والفقه والقضاء (قانون رقم39.08)- الطبعة الاولى1434/2013م –ص201
المطلب الرابع :انقضاء الكراء الطويل الأمد :
ينقضي هذا الحق بمجموعة من الأسباب منها ماهي قانونية، وأخرى بسبب الأضرار أو تخلف المكتري عن الشروط المنصوص عليها في العقد. وقبل التطرق إلى هذه الأسباب وجب التذكير بأن وفاة المكتري لا تؤدي الى إنهاء هذا الحق وإنما ينتقل إلى الورثة ولا ينتهي بوفاته.
الفقرة الأولى: انقضاء الأجل المتفق عليه في العقد:
يتم هنا الانقضاء بصفة تلقائية ودونما حاجة إلى القيام بإجراءات تنبيهية إذ يكون بصفة قانونية، فالمعلوم أن هذا العقد لا يقبل التجديد بصفة ضمنية وذلك طبقا لمقتضيات طبقا للفقرة الثانية من المادة 121 من م.ح.ع .ما لم يتم اتفاق صريح بين الطرفين على تجديد هذا العقد لمدة أخرى .والملاحظ أن هذا العقد يختلف عن عقد الكراء العادي من حيث التجديد.
الفقرة الثانية :الحكم بفسخ عقد الكراء الطويل الأمد
يتم الفسخ إما في حالة عدم أداء الوجيبة الكرائية من طرف المكتري لمدة سنتين متتابعتين، حسب المادة 124 من م.ح.ع.وفي الحالة الثانية التي يحق للمكري فسخ العقد وهي الحالة التي يقوم فيها المكتري بإلحاق أضرار جسيمة بالعقار، في حالة إخلاله بأحد الشروط الخاصة الموجودة في العقد.
الفقرة الثالثة :الانقضاء باتحاد حق الملكية وحق الكراء الطويل الأمد
ويتم الانقضاء في هاته الحالة باجتماع حق الكراء الطويل الامد وحق الملكية إذ يصبح المكتري هو نفسه صاحب الملكية وذلك عن طريق اكتساب الملكية، كقيام المكتري بشراء الملكية، وبالتالي ينقضي الكراء بصورة ضمنية
الفقرة الرابعة :انقضاء الكراء الطويل الأمد بإرادة الطرفين
بما أن عقد الكراء ينشأ بموجب اتفاق إرادتين. فيمكن إنهاؤه أيضا بالاتفاق قبل نهاية مدته وبما أن المحل المكترى يكون مقيدا في السجل العقاري باسم المكتري يجب على هذا الأخير أن يقوم بتشطيب على هذا الكراء في السجل العقاري.
الفقرة الخامسة :ضياع العقار المكترى كراء طويل الأمد
هاته الحالة لم ينص عليها المشرع المغربي مع العلم أنها تكتسي أهمية بالغة والمقصود بضياع العقار هنا هو تهدمه أو خرابه أو قيام الدولة بنزع ملكيته من أجل المنفعة العامة(15)
(15)-أسماء القوراطي :مرجع سابق – ص28
المبحث الثاني: تطبيقات الكراء الطويل الأمد
عرف التعامل بالكراء الطويل الأمد بين الخواص تراجعا ملموسا خلال السنوات الأخيرة، إلا أنه من الناحية العملية يتبين أن بعض الجهات لازالت تتعامل به على أرض الواقع.
هذه الجهات هي إدارة الأملاك المخزنية والجماعات المحلية، هذا هو الدافع الذي يجعل مؤسسة الكراء الطويل الأمد ما تزال حية.
هناك بعض النصوص الخاصة التي تنظم الكراء الطويل الأمد، الأمر يتعلق بقرار وكيل وزارة المالية بتاريخ 20 يونيو 1958 المتعلق بالترخيص بالكراء الطويل الأمد لقطع الأراضي المخزنية، والقرار الوزاري الصادر بتاريخ 13 دجنبر 1941 المنظم لإجراءات وشروط أكرية الأراضي الجماعية لأمد طويل.
وعليه فسيتم تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين؛ ستناول في (المطلب الأول ) الحديـــث عن كـــيفية التعاقد مع مديـــرية الأملاك المـــخزنية، أما (المطلب الثاني) فتم تخصيصه للحديث عن الكراء الطويل الأمد للأراضي الجماعية.
المطلب الأول: كيفية التعاقد مع مديرية الأملاك المخزية
إن التعاقد مع مديرية الأملاك المخزنية بشأن الكراء الطويل الأمد لعقار يجب توافر مجموعة من العناصر و هي على الشكل التالي :
الفقرة الأولى :تحديد القيمة الكرائية للعقار المراد إكراؤه
يتم تحديد القيمة الكرائية عن طريق المزاد العلني حيث تتم بطريقة غير مباشرة، لأن في تحديدها تشارك اللجنة الإدارية المشرفة على عملية السمسرة والمزايدون أنفسهم(16).
تعمل اللجنة بعد توصلها بطلبات الخواص قصد كراء أرض مخزنية فلاحية على تحديد الثمن الافتتاحي والذي يجب أن لا يقل عن القيمة الكرائية التي كان يسددها المكتري السابق أو القيمة المستخلصة من عناصر المقارنة إذا كان العقار يعرض للكراء لأول مرة. أما القيمة الكرائية النهائية فتنبني على المزايدات والعروض المقدمة من كرف المشاركين في عملية السمسرة.
يمكن القول بأنه بالإمكان مراجعة الوجيبة الكرائية على خمس سنوات بالنسبة للأراضي الفلاحية المكراة كراء طويل الأمد.
الفقرة الثانية :مدة الكراء
بالرجوع إلى مقتضيات ظهير 2 يونيو 1915 نجده ينص على مدة الكراء الطويل الأمد للأملاك المخزنية تتراوح عموما بين ثماني عشر سنة وتسع وتسعين سنة. وهي غير قابلة للتجديد الضمني. إلا أن الجديد في هذا الأمر هو ما نصت عليه المادة 121 من مدونة الحقوق العينية 08-39فإن هذه المدة هي من عشر سنوات إلى أربعين سنة
تنص المادة 121 من قانون08-39 على ما يلي :”يخول الكراء الطويل الأمد للعقارات للمستأجر حقا عينيا قابلا للرهن الرسمي ويمكن تفويت هذا الحق وحجزه طبقا للشروط المقررة في الحجز العقاري.
يجب أن يكون هذا الكراء لمدة تفوق عشر سنوات دون أن تتجاوز أربعين سنة وينقضي بانقضائها “.
(16)-أسماء القوراطي :مرجع سابق،ص52
الفقرة الثالثة: حقوق والتزامات المكتري
أ-حقوق المكتري :
حسب ظهير 2 يونيو 1915 فإن عقد الكراء الطويل الأمد لملك مخزني يمنح للمكتري مجموعة من الحقوق يمكن حصرها فيما يلي :
-الاستفادة من الارتفاق الايجابي مع تحمله الارتفاق السلبي.
– تولية العقار المكترى أو التخلي عنه كليا أو جزئيا.
هذا الشرط يتوقف على أخذ موافقة إدارة الأملاك المخزنية صراحة وكتابة.
-الحلول محل إدارة الأملاك المخزنية في الحق في الماء المرتبط بالعقار المكترى.
يمكن القول بأنه منظم من طرف القانون أو العرف و العادات المحلية.
-هو حق ينتقل حتى بالإرث .
ب- التزامات المكتري:
يمكن تلخيص هذه الالتزامات فيما يلي:
-إنجاز أو إقامة برنامج للزراعة على العقار بعد تسطيره من طرف اللجنة التابعة لإدارة الأملاك المخزنية
-الالتزام بحفظ وصيانة العقار والعناية الدورية بالأشجار وتعويضها بنباتات فتية في حالة ذبولها والجني باليد لا بالعصا.
-القيام بالأعمال و الضوابط اللازمة الخاصة بإعدام الجراد .
يمنع على المكتري تربية الخنازير في العقار إلا بعد حصوله على إذن مكتوب من إدارة الأملاك المخزنية يخول له القيام بذلك .
-الأداء المسبق لقيمة الكراء في 30 من شهر شتنبر من كل سنة ،وذلك في صندوق قابض المحل الذي يوجد به الملك المكترى .
إلى جانب الحقوق والالتزامات التي ينص عليها عقد الكراء الطويل الأمد لأرض مخزنية فإنه يمكن لمدير الأملاك المخزنية فسخ هذا العقد وذلك في حالتين :
–الحالة الأولى: عدم تنفيذ أحد بنود العقد
-يمكن لمدير الأملاك المخزنية إما متابعة المكتري أو ذوي حقوقه بتنفيذ العقد أو بفسخه .
الحالة الثانية :عدم أداء وجيبة واحدة
-إن فسخ العقد في هذه الحالة يتم بقوة القانون .بعد توجيه إنذار للمكتري .
المطلب الثاني:الكراء الطويل الأمد للأراضي الجماعية:
تشكل أراضي الجماعات بالنسبة لمجموع الأراضي بالمغرب نسبة هامة وهي تلك الأراضي التي تتصرف فيها الجماعة وسلالاتها تصرف المالك في ملكه بدون خراج أو ضريبة وتتواجد في غالب الأحيان في الجبال(17) ويرجع أصل هذه الأراضي إلى عصور قديمة حيث كان يتم استغلالها بشكل جماعي وحسب ما يقتضيه العرف إلى أن صدر ظهير 27 أبريل 1919م الذي يعد بمثابة الإطار القانوني المؤطر للأراضي الجماعية والذي من أهم ما نص عليه عدم قابلية الأراضي للتفويت و الحجز وهو ما نصت عليه الفقرة الأولى من الفصل الرابع منه.
وفي إطار تنظيم الأراضي الجماعية سن المشرع قرار وزيري بتاريخ 13 دجنبر 1914م المتعلق بإجراءات وشروط سمسرة أكرية الأراضي الجماعية للأمد الطويل الذي أعطى أهمية قصوى لإشهار هذا الكراء وذلك بكافة الطرق الممكنة.
إذ يتم الكراء الطويل الأمد بالنسبة لهذه الأراضي بناء على كناش للتحملات يتم تحريره من طرف الجماعة الأصلية ويبين فيه الجماعة المالكة ويوم وساعة السمسرة ومدة الكراء وشروط وطرق الأداء وجميع الشروط اللازمة لمصلحة الجماعة المالكة كما يتم تضمينه بكافة الالتزامات التي تقع على عاتق من استقر عليه المزاد، ومبلغ الكفالة التي تدفع مسبقا للقبول في المزايدة كما يتم نشر ملخص لأهم مقتضيات كناش التحملات باللغتين العربية والفرنسية في الجريدة الرسمية ويكون ذلك بثلاثين يوما قبل تاريخ السمسرة كما يمكن لمجلس الوصاية عند الاقتضاء بأن يأمر بإجراء إشهار إضافي تدفع صوائره من طرف الجماعة المالكة ولكنها تستعيدها فيما بعد ممن رسا عليه المزاد زيادة على القسط الأول من الكراء ويتم الشهر عن طريق تعليق كناش التحملات طيلة شهر قبل تاريخ السمسرة بمقر السلطة المراقبة(18) التي يوجد العقار بدائرتها كما يشهر مرتين في أهم الأسواق الدائرة و المجاورة لها.
(17)-محمد بن صالح الصوفي :مرجع سابق –ص300
(18)-أسماء القوراطي :مرجع سابق ص22
ثم صدر ظهير فاتح ذي القعدة 1378 الموافق ل9 ماي 1959 المتعلق بفسخ العقود الممنوحة بموجبها حقوق الانتفاع الدائم بالعقارات الجماعية وبمراجعة عقود الاكرية المبرمة لأمد طويل عملا بمقتضيات القرار الوزيري المؤرخ في 24 ذي القعدة 1360 الموافق ل13 دجنبر 1941
والتي يمكن تلخيصها فيما يلي :
1-ترفع الشكايات و النزاعات الناشئة عن تطبيق الفصلين 1و2 من ظهير 1959 من طرف من يعنيه الأمر إلى لجنة استشارية يحدد المرسوم تركبها وتسييرها (19)
يتولى مجلس الوصاية إصدار المقررات النهائية التي يبت فيها وفق الصور المقررة في ظهير 1919 والظهائر المغيرة والمتممة له بناء على تقرير اللجنة المشار إليها أعلاه (الفصل 4 من ظهير 9 ماي 1959).
3- يجوز لمجلس الوصاية تقرير فسخ الكراء المبرم لأجل طويل وإرجاع العقار بملكيته المطلقة إلى الجماعة وذلك في حالة نشوب نزاع بين الطرفين بشأن تطبيق الفصل الثاني من الظهير كما يجوز لمجلس الوصاية استبدال الكراء المبرم لأمد طويل بكراء قصير الأمد بواسطة (20)عقد ملحق مع إمكانية تعديل مبلغ الكراء كما نص الفصل 6 من نفس الظهير على أن مقررات مجلس الوصاية المشار إليها في الفصل الرابع والمتضمنة للصيغة التنفيذية لا تقبل الطعن.
(19)-الفصل 3 من ظهير 9 ماي 1959 المتعلق بفسخ العقود الممنوحة بموجبها حقوق الانتفاع الدائم بالعقارات الجماعية وبمراجعة عقود أكريتها لأمد طويل
(20)الفصل 5 من ظهير 9 ماي 1959
الخاتمة:
استنادا على ما سبق، يمكن القول أن القول أن للكراء الطويل الأمد تطبيقات عملية مهمة خصوصا فيما يتعلق بالكراء الطويل الأمد للأراضي المخزنية والأراضي الجماعية إلى جانب الاستثمارات الفلاحية، ورغم أن هذه التطبيقات تعتبر قليلة من حيث الكم، إلا أن أهميتها تتجلى في النتائج التي تجنى من ورائها.
ورغم كل هذه التطبيقات، إلا أنه لا يمكن حقيقة أن ننكر مدى التراجع الذي عرفه الكراء الطويل الأمد في السنين الأخيرة بين الخواص خصوصا وأن هناك عوامل ساهمت في الحد من فعاليته، وأدت إلى ندرة التعامل بهذا النوع من العقود خاصة أمام جمود النصوص القانونية المنظمة له، والتي لم تعد تتماشى مع التطورات الاقتصادية والاجتماعية، الشيء الذي جعله مليئا بالعيوب والثغرات.
هذا بالإضافة إلى وجود مؤسسات موازية له ومنافسة ككراء الاحباس، والأصل التجاري والائتمان الايجاري وغيره من العقود الجديدة، والتي طغى التعامل بها على الساحة العملية بشكل كثيف، وذلك نظرا لخصوصيتها ومميزاتها وكذا مرونة أحكامها بحيث أنها نظمت مؤخرا ضمن مدونة التجارة، الشيء الذي يجعلها مواكبة للتطورات الاقتصادية والاجتماعية.
كما لا ننسى أن تخوف الأشخاص من التعامل مع الدولة والإدارة، باعتبارها الطرف القوي، ساهم بدوره في تقلص التعامل بالكراء الطويل الأمد خاصة أن العقود المبرمة معهما تشكل عقود إذعان بامتياز، رغم أنها تكتسي طابعا اتفاقيا من حيث الشكل.
هذا بالإضافة إلى كثرة الإجراءات المسطرية وطولها وتعقدها، الشيء الذي قلل من نسبة التعامل بعقد الكراء الطويل الأمد، وأدى إلى البحث عن عقود جديدة وإن كانت لا ترقى إلى درجة هذا العقد من حيث الامتياز، حيث أن صفة العينية التي يخولها الكراء الطويل الأمد للمكتري تفيده في الحصول على ائتمان طويل المدة، إضافة أنه يولي صاحبه ميزتي التتبع والأولوية أو الأفضلية وذلك بخلاف الكراء العادي الذي لا يمنح صاحبه إلا حقا شخصيا. وهذا يتضح من التعريف الذي أعطاه له المشرع بمقتضى المادة 121 من مدونة الحقوق العينية.