أخر الأخبار

الحماية القانونية لخطة العدالة


الحماية القانونية لخطة العدالة

مقدمة

 يعتبر التوثيق العدلي علما من العلوم الاسلامية التي حظيت باهتمام بالغ من لدن علماء الشريعة الاسلامية والباحثين كما يعتبر ولاية او خطة او مهنة من اهم المهن التي دعت اليها حاجات الانسان المتعددة، وهو  اهمية قصوى في الحياة اد بواسطته تضمن الحقوق والأنساب والأعراض وتثبت الوقائع والتصرفات كما ان التعامل والتبادل التجاري بين الناس من النشاطات الكبيرة التي لا يستغنى عنها في المجتمع بحال من الاحوال فقد ازدهرت في عصرنا الحديث وفي الحياة المادية وتشعبت صورها وتعددت حالاتها فاقتضت حكمة الله في خلقه ان يشرع احكاما وأنظمة دقيقة لتنظيم حياتهم الاجتماعية وعلاقاتهم في شتى انواع هذه المعاملات التي تكفل لكل ذي حق حقه من ذلك اقراره لنظام التوثيق حسما لأي نزاع او خصام قد يسود هذه العلاقات، فقد أنزل الله تعالى فيه آية المداينة حيث وضعت الاسس والمبادئ الاساسية التي يقوم عليها هذا النظام، وهذا يدل على عظمة شريعتنا وقدرتها على مواجهة مشاكل الحياة ومسايرة مصالح العباد في كل زمان ومكان.

 و عن الامام اسماعيل بن كثير عن ابن عباس في قوله تعالى: ” يا ايها اللذين امنو اذا تداينتم بدين الى اجل مسمى فاكتبوه ..” الاية 282 من سورة البقرة، قال: انزلت في السلم الى اجل معلوم وقد ثبت في الصحيحين عن ابن عباس انه قال، قدم رسول الله ص المدينة وهم يسلفون في التمر،  السنتين والثلاث، فقال: ” من اسلف في شيئ ففي كيل معلوم ووزن معلوم الى اجل معلوم”.

  وعن ابن عباس قال ‘هذه الاية نزلت في السلم خاصة معناه ان سلم اهل المدينة كان سبب الاية، ثم انها تتنازل جميع المداينات اجماعا’.

 وقد عرف المغرب نظام الكاتبين العدلين والشاهدين في آن واحد منذ زمن بعيد ولازال العمل به الى اليوم، ويبدو انه قد دخل الى بلادنا في وقت مبكر عن طريق الأندلس1.

ونظرا لأهمية مهنة العدول في توثيق تصرفات وحقوق الناس اشترط المشرع المغربي في من سيتولى هذه المهنة بالاضافة الى شروط العدل والامانة وغيرها ، اشترط الاحاطة بصياغة العقود لتكون سليمة خالية من النقصان، وذلك بالاطلاع على فروع القانون ومستجدات التشريع في المجال العقاري والمدني وكل مجالات الحياة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1-الدكتور  سليمان الحامدي: التوثيق وأحكامه في الفقه الاسلامي طبعة 2010 ص25

 ومهنة العدالة كغيرها من المهن مرت بمراحل تشريعية متعددة حيث خطا التوثيق العدلي بالمغرب بعد فرض الحماية عليه خطوات دخل بها مرحلة التقنين والتنظيم، حيث صدرت عدة مناشير وظهائر من بينها ظهير 1938 الذي نظم 16  فصلا تتحدث عن كيفية تعيين العدول ومراقبتهم. كما صدر ايضا الظهير الخاص بتنظيم المحاكم الشرعية والذي احدث بموجبه مايصطلح عليه “كناش الجيب” وصدر بعد ذلك منشور 1947 الذي يهدف الى مراقبة كنانيش الجيب من طرف القضاة والعديد من الظهائر واخيرا صدر الظهير الشريف 6 ماي 1982 القاضي بتنظيم خطة العدالة وتلقي الشهادة وتحريرها وهو يتضمن 34 فصلا والذي تم تغييره بالقانون رقم 93.04 بتاريخ 26 يونيو 1995، ثم بالقانون الحالي رقم 16.03 الصادر بالجريدة الرسمية بتاريخ 2 مارس 2006 تحت عدد 5400 والذي دخل حيز التنفيذ بتاريخ 3 يوليوز  2066 2. وقد جاء هذا القانون بمجموعة من المستجدات حصوصا فيما يتعلق بحماية خطة العدالة وصيانة العدل الموثق الذي لم يأخذ موضوع حمايته ذلك الحيز الكبير في الظهائر السابقة رغم اقرار الشريعة الاسلامية بضرورة حماية العدول.

 وخطة العدالة جاء تعريفها متعددا في اللغة، وهي مصدر لفعل خط يخط خطا، اذا رسم علامة، وخطط الارض والبلاد اذا جعل لها خطوطا وحدودا، اما لفظ العدالة فمعناه اللغوي وباختصار: الاستقامة او السوية والتقويم، والعدالة بمعناها العام وهذه تطلق ويراد بها معنى العدل باعتباره مصدرا لفعل عدل يعدل وهو ضد الجور والظلم ولذلك يقال في هذا المعنى قصر العدالة او اسرة العدالة كما يقال وزارة العدل. و بما ان الموثق حينما يسمع شهادة ويتأكد من فحواها واركانها وشروطها ويتحملها او يتلقاها كما يجب، يرسم بذلك بخطه ويسطرها بقلمه ويضع عليها علامته، وعليه ان لا يتجاوز خطوط كل معاملة وحدودها، كما ان لعلمه التوثيقي طريقته ومنهجية وضوابط لا يسعه الا ان يتبعها.3

اما في الاصلاح الشرعي فخطة العدالة عرفها ابن خلدون بقوله: العدالة هي وظيفة دينية تابعة للقضاء ومن مواد تصريفه وحقيقة هذه الوظيفة للقيام عن اذن القاضي بالشهادة بين الناس فيما لهم وعليهم تحملا عن الاشهاد واداء عند التنازع وكتبا في السجلات تحفظ به حقوق الناس واملاكهم وسائر معاملاتهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

2-  د. عبد الحميد بوكير: التوثيق المغربي واقع وافاق: اشغال الندوة الوطنية المنظمة من طرف مسلك القانون الخاص بالكلية المتعددة التخصصات بتازة 2008 ص 98-99.

3- د. العلمي الحراق: مدونة الاسرة والتوثيق العدلي طبعة 2005 ص 22-23

 وسميت في القانون المنظم للموثقين العدلين بخطة العدالة، كما سميت في المرسوم التطبيقي  لهذا القانون بخطة العدالة ايضا، وهذه المهنة هي مهنة حرة قضائية يناط بها الاشهاد بين الناس وتوثيق معاملاتهم وفقا للتشريع الجاري به العمل.4

 وقد طالبت الهيئة الوطنية للعدول في مشروع  تعديل قانون 16.03 المتعلق بمهنة التوثيق العدلي،استبدال خطة العدالة بالتوثيق العدلي، حيث أن كلمة خطة فيها نوع من التقزيم لهذه المهنة، وتصغيرا لحجمها ومكانتها، وهي المهنة العريقة والأصيلة في المغرب، حيث أدت رسالتها منذ الفتح الإسلامي ولازالت صامدة ولها الريادة إلى الآن في حفظ الأنساب والأعراض، والحقوق العقارية، والتجارية وغيرها.

 وتندرج اهمية موضوع عرضنا اليوم في اطار استقرار القضاء الذي يتطلب إيجاد مجموعة من الضمانات الأساسية، وعدم اغفال حماية المهنيين كمساعدي القضاء بالنظر إلى دورهم الهام في مساعدة القضاء، وخاصة التوثيق العدلي الذي يعتبر محورا أساسيا في المنظومة القضائية، لانه من المهن القانونية والقضائية التي تهدف إلى توثيق الحقوق والمعاملات، والحفاظ على أعراض الناس وأنسابهم، وتحضير وسائل الإثبات، التي تمكن القضاء من فض النزاعات والفصل في الخصومات، فان تمت حماية المهنة تم تحقيق العدالة الوقائية والأمن التعاقدي. و هنا تطرح الاشكالية، هل بالفعل استطاع المشرع ان    يحقق نقلة نوعية في  مجال حماية خطة العدالة في قانون 16.03؟؟

وفي اطار مقاربتنا  الموضوع، اعتمدنا تصميما قسمنا فيه العرض الى محورين، ناقشنا  في المبحث الاول أجرة العدول وحمايتهم، اما المبحث الثاني فتطرقنا فيه أهم مظاهر لحماية القانونية لخطة العدالة وفق قانون 16.03 المنظم لها..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

4- د. مرزوق ايت الحاج: الوجيز في التوثيق العدلي بين النظر والتطبيق طبعة 2006 ص 16-17

المبحث الأول : أجرة العدول وحمايتهم

إن مهنة التوثيق للعدلي لها ارتباط وثيق بحماية حقوق وأعراض الناس وصيانتها ، لذا كانت مهمة الإشهاد بين الناس من الخطورة والأهمية بمكان في حفظ الدماء والأعراض والأموال وفي صون الإنسان والحقوق وبالنظر إلى جسامة المسؤولية الملقاة على عاتق العدليين الشاهدين ، وبالنظر كذلك إلى أنها التهم والمنظمات والوشايات والأنزلاقات . فقد أحاطها فقهاء الشريعة بكثير من الضمانات ، وأولوها الحماية اللازمة تتساوى فيها حقوق وواجبات كل الأطراف وجعلوا لها حرمة كحرمة الشرع ، ونصوا على إنزال أشد العقوبات بما أساء إلى العدول الشهود في قول أو فعلا أو ادعاء زور أو افتراء وما ذلك إلا أن حماية العدل الشاهد من حماية مهمته وتحصينه من تحصين عمله وشهادته (5)

ولدراسة هذه الحماية ارتأينا تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين اثنين ؛نتناول في أولهما أجرة العدول ونتناول في ثانيهما حمايتهم أو حصانتهم

المطلب الأول : أجرة العدول 

نتطرق في موضوع الأجرة إلى اختلاف الفقهاء الشريعة حول إجازتها والأصل فها والدوافع التي اعتمدت في جوازها ؛ ومن أين تؤخذ ومزايا ذلك وأساس تحديدها؛ مع إبداء ملاحظاتنا بشأن ما أخد به التقنين المغربي ، وذلك وفق الترتيب التالي

الفرع الأول : اختلاف فقهاء حول أجرة العدول

اختلاف علماء الشريعة حول جواز أحد الشاهد أجرة على شهادته وعلى كتابتها فمنهم من منعها ومنهم من أجازها 6

وفي هذا الصدد قال ابن سلمون : ” هي حلال لمن أخذها عند أهل العلم وقال ابن حبيب والتنزه عنها أفضل وقال ابن المناصف: وعلى الجواز يدل عموم قوله تعالى ” ولا يضار كاتب ولا شهيد”7

وقال ابن بري : في قول صاحب المنهاج ( يبيعون الشهادة ) تهويلا وشناعة عليهم، إذ الجعل إنما على الكتب فقط ولا حظ  للشهادة فيه8

ونقل الفقيه الونشريسي أن ابن عرفة لم يحك خلافا في جواز أخد الأجرة لمن يكتب ويشهد ، وأنه قال : “وقد استمر عمل الناس اليوم وقلبه في افريقية وغيرها على أخد الأجرة على تحملها بالكتب لمن انتصب لها”

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(5) أبو العباس الونشريسي: المنهج الفائق والمنهل الرائق بآداب الموثق وأحكام الوثائق ص 257

(6) أبو العباس الونشريسي مرجع سابق ص259

(7) سورة البقرة من الآية  281

والأصل في مهنة التوثيق العدلي وغيرها أنها مجانية ، لم تكن بأجر في الزمان للإسلام وإنما كان المسلمون العالمون بها يتطوعون إليها احتسابا وابتغاء لمرضاة الله،إلا أن هناك دوافع جعلت العدول يتقضون الأجرة على الشهادة والكتابة لأن أصبح المسلمون يتهربون من القيام بها مجانا وتطوعا بدأ الناس يستفتون الأئمة عن الأجرة والاستئجار عن الكتابة والشهادة وغيرها ففي مدونة الإمام مالك رضي الله عنه ” قلت والقائل هو الإمام عبد السلام سحنون أرأيت إن استأجر قوم قاسما بقسم بينهم دارهم قال : ـ أي ابن القاسم ـ لا أرى بذلك بأسا قال : وقد سئل مالك عن القوم يكون لهم عند الرجل المال فيستأجرون رجلا يكتب بينهم الكتابة ويستوثق لهم جميعا على من ترى جعل ذلك؟

قال أراه بينهم ، فقيل له : أترى على الذي المال شيئا وإنما المال هؤلاء قال : نعم يستوثق له  ،ثم لما ظهرت بعد ذلك فكرة تعيين عدول شهود وتنصيبهم لتلقي الشهادات وأدائها مع تفرعهم لها وتركهم التسبب المعتاد لأجلها ، أصبحت الأجرة والحالة هاته حقا من حقوق العدل الشاهد وواجبا مفروضا على المشهود له أو على بيت مال المسلمين ، وبذلك بحسب كل زمان ومكان وأحوال ، الأجرة في المشرق العربي مهدا إحداث نظام العدول الشهود ،تدفع لهم من طرف بيت مال المسلمين لا من طرف لأصحاب الحق ن وفي هذا يقول ابن العربي : ولهذا المعني جعلها أهل تلك الديار ولاية فيقيمون للناس شهودا يعينهم الخليفة أو نائبه ويقيمهم للناس ويبرزهم لهم، ويجعل لهم بيت المال كفايتهم … فان قيل فهذه شهادة بالأجرة,قلنا إنما هي شهادة خالصة من قوم استحقوا حقوقهم من بيت المال  وقد أوضح غير واحد من علمائنا أن علة جواز أخد الأجرة على الكتابة والشهادة كون العدل الشاهد يترك التسبب المعتاد لأجلها وكون الكتابة والشهادة من المصالح العامة ، وإلا يجد الإنسان من يشهد له .

وكل ما ذكر يبدو أن مهنة التوثيق العدلي في بداية عهدها بالتنظيم وفي نشأتها الأولى كانت وظيفة عمومية إذ كان العدل الشاهد يتقاضي أجرته من الخزينة العامة للدولة الإسلامية وباقي العاملين يأخذون  أجرتهم من بيت مال المسلمين كالمدرس والمفتي والأمام والخليفة وغيرهم إلا أنه مع مرور الأيام أرزاق العدول من الخزينة العامة للدولة الإسلامية وقرروا أن تصبح الخطة من المهن التي تؤدي أجورها بواسطة أصحاب الشأن وأنزلوا أهلها في ذلك منزلة أهل المهن والحرف الأخرى.ومما لا شك فيه أن امتناع كل الناس عن والكتابة والشهادة يؤدي بالضرورة إلى ضياع الأموال والحقوق ويدفع بذوي النيات السيئة إلى المزيد من التجاحد والتناكر .ومهما يكن من اختلاف في شأن جواز أحد الأجرة على كتابة الوثائق الشهادة عليها فان العمل جرى على جوازها وفرض نفسه بنفسه وهذه الأخير هي في حد ذاتها حماية للعدول ومن ضياع حقهم والإنكار لذلك التزام الطرفان على تنفيذه سواء كان ذلك قليلا أوكثيرا مالم يكن الموثق له في حالة اضطرارية إلى هذين العدلين الشاهدين في هذا الزمان أو ذلك المكان كأن لم يجد غيرهما للأشهاد على حقه فانه هذه الحالة لايجوز للعدلين شرعا أن يستغلا ظرفه الاضطراري ويطالبانه بأكثر مما يستحق عادة , وأجرة العدلين ليس واجبا أن يكون محددا قبل بداية عملهما حسب قواعد المذهب , ورأي كثير من العلماء والباحثين المعاصرين الذين رأوا جع أجرة الأشهاد على أرباب الشهادات قد يفتح المجال لأن يميل بعض العدول الشهود إلى من يحسن لهم ويدفع لهم أجرة أكثر مما يستحق كما رأوا في أن مهام العدول والخدمات التي يسدونه للأشخاص والمجتمع ، من حيث حفظ الدماء والأعراض وصون الحقوق والأموال والأنساب ورد المظالم وهذا الاعتبار يسهم مساهمة فعالة في استتباب الأمن وتكريس العدل ويعملون على استقرار الأمة والحفظ على توازن المجتمع ويحمون الدولة نفسها من شر الفتن والفوضى.8

الفرع الثاني : إبداء ما أخذ به التقنين المغربي

يلاحظ على  القانون المغربي في هذا الصدد ما يلي :

أنه أبقى على التعبير “بالأجرة ” لما يستحقه العدول بمناسبة قيامهم بالمهام المنوطة بهم ، مع أن هذا التعبير أضحى لا يشرف مهنة التوثيق العدلي المؤسسة على العلم الشرعي والمعرفة القانونية.

لأن اصطلاح “الأجرة ” وان كان اصطلاحا أصيلا وعريقا في شريعتنا وفقهنا الإسلامي ، فان أصبح في عرف الناس وعاداتهم اليوم يطلق على ما يجب للعمال والأجرة من حرفيين ومستخدمين وشغالين الخاضعين أساسا لقواعد قانون الشغل ولمقتضياته ، وعمل العدول وطبيعة الخدمات التي يقدمونها للمتعاقدين تختلف تماما مع عمل الأجراء والحرفيين .

ولأجل ذلك كان على القانون المغربي أن يراعي هذا الاختلاف ويفرق بين هؤلاء وأولائك باستعمال وإطلاق الأجرة على ما يستحقه العدول الشهود ، وليكن مثلا اصطلاح “أتعاب ” وذلك على غرار ما فعله المشرع المغربي فيما يخص المحامين حيث عبر عن أجورهم بالأتعاب ، مع العلم أنه أذا كانت الأتعاب تكون لعمل غير محدد ، والأجرة لعمل محدد معروف فالتعبير بالأتعاب على ما يستحقونه العدول من أجرة أصبح معقولا ومقبولا من هذا المعنى .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(8) العلمي الحراق مرجع سابق ص من 278 إلى 280

أنه لم يأخذ بما قرره فقهاء المذهب المالكي وعلى رأسهم الإمام مالك رضي الله عنه ن الذين يرون أن تحديد قدر الأجرة ليس واجبا ، وتمسكوا أولا بمبدأ الحرية التعاقدية للأفراد في التراضي والتوافق على مبلغ معين وفق التفصيل السابق الذكر وفضل الأخذ بما قرره

فقهاء الشريعة الآخرون ؛ كالشافعي وأبي يوسف وحمد من الحنفية الذين ذهبوا إلى وجوب تحديد قدر أجرة الجير قبل بداية عمله 9

يبدو أن الهدف من تحديد القانون لأجرة العدول ليس هو حماية العدول كأجراء ، ولكن الهدف من ذلك وحماية  المتعاقدين من طمع بعض العدول الذين يطلبون أكثر مما يستحقون.

المطلب الثاني : حماية العدول وحصانتهم

لما كانت مهمة الإشهاد بين الناس من الخطورة والأهمية بمكان ؛ في حفظ الدم والأعراض والأموال وفي صون الأنساب والحقوق ، وبالنظر إلى جسامة المسؤولية الملقاة على عاتق العدلين الشاهدين وبالنظر كذلك إلى أنها مهمة التهم والمظنات والوشايات والانزلاقات، فقد أحاطها فقهاء الشريعة بكثير من الضمانات ، وأولوها الحماية اللازمة تتساوي فيها حقوق وواجبات كل الأطراف ، وجعلوا لها حرمة كحرمة الشرع ، ونصوا على إنزال أشد العقوبات بما أساء إلى العدول الشهود ، في قول أو فعل أو ادعاء زور أو افتراء ، وما ذلك إلا لأن حماية العدل الشاهد من حماية مهمته وتحصينه من تحصين وشهادته

الفرع الأول: عرض أقول فقهائنا في الموضوع

أعطى فقهاؤنا العدل الشاهد كثيرا من الاعتبار ، وأولوه ما يستحق من الاحترام والتقدير ، وأحاطوه بضمانات وافية وهو يقوم بواجباته في تلقي الشهادات وأدائها ونصوا على وجوب تحصينه من كل قيل وقال وقال ، معتبرين ذلك من حماية العدالة نفسها ، بل وحقا من حقوق الله تعالى، من خرقها وتعدي عليها عرض نفسه لعقوبات تعزيزيه مشددة.

وفي هذا الشأن يقول الفقهية القرافي ” فان قال ـ أي المشهود عليه ـ للشاهدين : شهدتما على بزور ، أو بما يسألكما الله عنه أو لستما عدلين : يعاقب في ذلك حسب قدر القائل والمقول له”

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(9)العلمي الحراق التوثيق العدلي بين الفقه المالكي والتقنين المغربي وتطبيقاته في مدونة الأسرة ص 284,و285

وقال ابن فرحون ” إذا قال الخصم للشاهد : شهدت علي بالزور ، وقصد أذاه، نكل بقدر حاليهما ، وان كان إنما عنى أن الذي شهدت علي به باطل لم يعاقب ، يعني أنه باطل في نفس الأمر ، لكونه أدى الدين المشهود به عليه مثل ، له بينه على الأذى ونحو ذلك يؤدب أحد الخصمين إذا أساء على الشهود أو أهل الفتوى أو عرض لهم بما يؤدبهم أدبا موجعا ، قاله ابن لبابة وابن غالب وابن وليد وغيرهم .

وباعتبار العدول الشهود من أعوان القاضي ومساعديه، يقول ابن فرحون في موضع أخر نقلا من أحكام ابن سهل : ” من استخف بأعوان القاضي وتعدى عليهم، فانه تجب عقوبته بانتهاك حرمتهم واستخفافه بقضاة المسلمين ، وتعديه عن الرسل وعلى الطالب لهم ، وإذا لم يحسم مثل هذا لم يؤمن أغلظ منه مما يقود إلى فتنة ، فيبالغ في التغليظ أيوب بن سليمان وابن معاذ ويحيى بن عبد العزيز , وطاهر بن عبد العزيز” بل إن علماءنا ذهبوا إلى أن حرمة العدل الشاهد حق من حقوق الله تعالى لا يجوز التنازل عنه ، ولا يجوز للقاضي غض الطرف عنه أو التساهل في إنزال أشد العقوبة عن من انتهكه، يقول فقهاؤنا في شرحهم لقول السيخ خليل “ومن أساء على خصمه أومفت أو شاهد لايشهد بباطل، وعزر القاضي من أساء على مفت أو شاهد بأن قال للمفتي بحضرة القاضي : أنت افتريت علي في فتواك ، أو للشاهد أنت قد افتريت علي في شهادتك أو شهدت علي بزور ، ولا يحتاج القاضي في تعزيز وعقوبة من قال ذلك إلى بينة ، بل علمه في عاقبة للمسيء، والحق حينئذ لله لانتهاك حرمة الشرع فلا يجوز للقاضي تركه، وأما إذا وقعت الإساءة بغير حضرة القاضي فلا بد من الثبوت ببينة أو قرار .

ولقد أورد الخشني في مؤلفه قضاة قرطبة أن الفقيه يحيى بن يحيى أحد عدول قرطبة في وقته ، شهد عند القاضي إبراهيم بن العباس في قضية ، فلما خرج من مجلس القاضي تناوله بعض الخصوم ، فرجع العدل الفقيه إلى القاضي يروي له ما حدث ، فأمر القاضي بسجن المسيء ، ثم بعد فترة قصيرة عاد يحيى نفسه وطلب من القاضي إطلاق  سراحه، اعتبارا منه أن فترة سجنه كانت عقوبة رادعه له وأدبا كافيا لمثله .

ونقل ابن فرحون عن أحكام ابن سهل :” أن من قام بشكية بغير حق فينبغي أن يؤدب وأقل ذلك الحبس ليندفع بذلك أهل الباطل واللدد عن ذلك 10

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(10) ابن فرحون : تبصره الحكام ج 2 225

وإذن فحماية العدول الشهود واجب مفروض وأمر محتوم في نظر فقهائنا ، لكون حمايتهم ودفع الأذى عنهم والحيلولة دون تعرضهم لاهانة أو اعتداء ، من حماية القضاء بل من حماية الشرع نفسه ، ومن حفظ الأمن والنظام العامين في المجتمع المسلم ، وبدون ذلك لم يؤمن اسمرار القيام بمهام الإشهاد بين الناس على أكمل وجه ، بالتالي تعطيل وسيلة من وسائل الأثبت في الشرع الإسلامي ، والوقوع في الفتن والظلم وتجريد منصب ولاية الإشهاد من كل اعتبار واحترام ، وفتح للباب على مصراعيه للتطاول على حقوق الله تعالى وحرماته ، وإضاعة للتعاون وإخلافا لهيبة الشرع عند العوام.11

الفرع الثاني : ما أخد به التقنين المغربي قبل صدور 16.03

إذا كان فقهاء الشريعة وعلى رأسهم علماء المذهب ذهبوا إلى وجوب حماية العدول الشهود ، ونصوا على على معاقبة كل من تعرض لهم باهانة أو اعتداء أو سب أو شتم أو توبيخ بأشد العقوبات ، فان التقنين المغربي وعلى العكس من ذلك لم ينص صراحة على هذه الحماية لأشخاص العدول بصفتهم منتصبين لتلقي الشهادات وحفظها ، ولم يذكر شيئا مما يقتضي الحيلولة دون اذايتهم واهانتهم ، ذلك أن القانون رقم 11.81 المتعلق بتنظيم مهنة التوثيق العدلي خال من أي نص أو مقتضى.، يؤمن العدل الشاهد من اهانة الأفراد أو  الجماعات واعتداءاتهم عليه ، لا أثناء قيامه بتلقي الشهادات وحفظها أو بسبب قيامه بها ، ولا أثناء غير ذلك ، فلا حماية ولا حصانة للعدل الشاهد في هذا القانون.

بل وأكثر من هذا فان التقنين المغربي وعلى العدل العقوبة المشددة ولم يجعل له الحماية اللازمة ،بل ولا حتى الحماية البسيطة ، وذلك أنه بالرجوع إلى الفصول 244 و 352 و 353 من مجموعة القانون الجنائي المغربي ، يتبين أنها سوت من حيث العقوبات المشددة بين العدل والقاضي والموظف العمومي والموثق ” العصري ”  في حالة ارتكابهم أثناء قيامهم بوظيفتهم أحد الأفعال المجرمة المنصوص عليها في هذه الفصول ، بينما لا يستفيد العدل الشاهد ـ على الأقل ـ من الحماية العامة المنصوص عليها في القانون الجنائي في الفصول من 263 إلى287 لكونه لا يعتبر موظفا عموميا سواء في مفهوم القانون المنظم لخطة العدالة ، ولا في مفهوم النظام الأساسي للوظيفة العمومي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

11- العلمي الحراق مرجع سابق ص 287

صحيح أن الفصل 46 من الظهير الشريف رقم 1.58.378 الصادر 1378 موافق 15 نوفمبر 1958 بشأن قانون الصحافة بالمغرب  وهذا الفصل وان تعلق بما ينشر في الصحافة من سب أو شتم أو غيرهما فانه يتعلق بالحماية على كل حال.

كما أشار إلى ما يمكن اعتباره حماية وحصانة للعدل الشاهد ، إما بصفته مكلفا بمهمة عمومية أو بصفته مساعدا قضائيا ، أو بصفته شاهدا ، ولكن بالرغم من ذلك مادام قانون 81ـ11 الذي يعتبر النظام الأساسي للعدول لم ينص صراحة على مستوى العمل القضائي فان تلك الإشارة تعتبر وكأنها غير موجود أصلا.

يضاف إلى ذلك أن عبارة الفصل وبالرغم من احتمال انطباقها على العدل الشاهد واقتراب وضوحها في المعني والتدليل عليه ، إلا أنها مع ذلك تبقى معرضة للتأويل والتفسير ، وإمكانية استبعاد العدل الشاهد ممن ذكروا في النص تظل قائمة ، خاصة وأن هذا القانون إنما يتعلق بالاهانات والاعتداءات التي ترتكب ضد الأشخاص من أجل مهامهم أوصفاتهم عن طريق الصحافة أو غيرها من وسائل النشر ، وليس شاملا لغير ذلك.

ولئن كان قانون 81ـ11 تطرق في الباب الثاني من القسم الأول إلى حماية خطة العدالة، ونص في الفصلين 22و23 على معاقبة كل شخص نسب لنفسه علانية أو خفية من غير حق ، صفة عدل أو زاول مهام العدول دون أن يكون مؤهلا لذلك ، وكذا كل شخص انتحل صفة عدل أو استعمل أية وسيلة ليوهم الغير أنه يزاول مهنة العدالة…، بالعقوبات المنصوص عليها في القانون الجنائي تتراوح هذه العقوبات بين 3 أشهر إلى سنتين حبسا وغرامة مالية أو إحدى هاتين العقوبتين فقط.

قلت إذا نص على ذلك ،فان هذا التنصيص لا يتعلق بحماية شخص العدل أثناء قيامه بمهامه ولا بسبب قيامه بها وإنما يتعلق بحماية مؤسسة التوثيق العدلي ، بل ذلك ليس كافيا حتى في حماية المهنة ما دام أن شخص العدل غير مشمول بهذه الحماية .

لذا ينبغي للمشرع المغربي أن ينتبه إلى هذا الأمر ، وأن يتدارك الموقف بالتنصيص على حماية العدول وحصانتهم من كل إساءة  أو اهانة أو اعتداء ، أخد بما عليه علماء الذهب ، وأسوة بما فعله في شأن المحامين والموظفين العموميين والأعوان القضائيين وغيرهم.

المبحث الثاني: رصد مظاهر حماية خطة العدالة على ضوء قانون 16.03

ظل عدول المغرب ـ من خلال مهنتهم ـ عاملين على حفظ الأنساب، والأموال، والأعراض، في الأوساط الاجتماعية كلها، لا يطلبون إلا إنصافهم، ورفع الغبن عنهم، واسترجاع حقوقهم، التي سلبت، ولا زالت تسلب منهم، منذ عهد الحماية البائد الى الان، ثم حمايتهم من مختلف الانزلاقات التي قد يقعون فيها ومواجهة الإكراهات المطروحة في الحقل المهني، وذلك من منطلق عدم  تنصيص التقنين المغربي صراحة الى حمايتهم كما سبق التطرق اليه سابقا،  فالقانون السابق 81.11 كان فارغا من أي مقتضى يخص حماية اشخاص العدول او ان يحول دون اذلالهم واهانتهم، بل الاسوأ من ذلك ان التقنين المغربي فرض على العدول عوقبة جنائية مشددة ولم يوفر لهم الحماية المطلوبة الا بعد صدور القانون الحالي 16.03، ومن خلال هذا المبحث سنعمل على رصد اهم مظاهر الحماية القانونية لخطة العدالة، عبر حماية المهنة من انتحال صفة العدل وسمسرة الزبناء –مطلب اول- وحماية العدل اثناء مزاولة الهمنة ودور الهيأة الوطنية في ذلك –مطلب ثان-

المطلب الاول: حماية المهنة من انتحال صفة العدل ومن سمسرة الزبناء

 بغض النظر عن الانتقادات التي طالت ولا زالت تطال القانون المنظم لخطة العدالة 16.03  حيث انه لم يراعي الجوانب المتعلقة بمهام العدول من حيث الوضعية الاعتبارية  وآليات الحماية القانونية ، فالمشرع المغربي نص على احكام ومقتضيات حمائية لمهنة التوثيق العدلي وخص بها الباب الثالث من القسم الاول من قانون 16.03 الحالي المتعلق بخطة العدالة وقد ركز هذا الباب على مقتضيين هامين ويتعلق الامر بحماية المهنة من انتحال صفة العدل في المادة 23- الفرع الاول- وكذا حماية المهنة من سمسرة الزبناء من طرف العدول وغيرهم حسب المادتين 24 و 25 – الفرع الثاني-.

 الفرع الاول: حماية المهنة من انتحال صفة العدل

 نصت المادة 23 من قانون 16.03 المتعلق بخطة العدالة على مايلي: ” يعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في الفصل 381 من القانون الجنائي المغرب:

  • كل شخص نسب لنفسه علانية من غير حق صفة عدل او زاول مهام العدول دون ان يكون مؤهلا لذلك.
  • كل شخص لا حق له في صفة عدل وانتحلها، او استعمل اية وسيلة ليوهم الغير انه يزاول مهنة العدالة او انه مستمر في مزاولتها او انه مأذون له فيها.
  • يعاقب كل عدل ثبتت مشاركته في ذلك بنفس العقوبات، بصرف النظر عن العقوبات التأديبية التي يمكن أن يتعرض لها.”

 ومفاد ذلك ان المادة 23 قد اقرت في سطورها عقوبات زجرية مشددة منصوص عليها في الفصل 381 من القانون الجنائي12 ويتعلق الامر بكل شخص غير عدل نسب لنفسه علانية من غير حق صفة عدل لم يكتسبها قط، او زاول مهام العدول دون ان يكون مؤهلا للقيام بذلك، وايضا بكل شخص لا حق له في صفة العدل وانتحلها، او استعمل اي وسيلة ليوهم الغير انه يزاول مهنة العدالة او انه مأذون له فيها، وهذا فيما اذا تعلقت الجنحة باشخاص غير عدول سابقين، او انه مستمر في مزاولتها، فيما اذا كانت الجنحة تتعل بعدل سابق، ثم فقد الصفة لسبب من الاسباب الموجبة لازالة الصفة ولو مؤقتا، كأن يوقف عمله مؤقتا بقرار للوكيل العام للملك باذن من وزير العدل، او يقصى عن العمل لمدة معينة، او يعزل من المهنة بحكم قضائي من غرفة المشورة بمحكمة الاستئناف ثم يستمر في مزاولة مهام العدول، انطبقت عليه العقوبة المنصوص عليها في الفصل 381 من القانون الجنائي.

 والفرق بين الفقرة الاولى والثانية في المادة 23، ان الاولى تتحدث عن الشخص الذي ينسب لنفسه علانية صفة العدل، اما الثانية فتتكلم عن الشخص الذي ينسب لنفسه صفة عدل بطريقة غير علنية فينتحل صفة العدل او يستعمل اشارة او وسائل ليوهم الغير انه يزاول مهنة العدول13.

  اما بخصوص اذا ثبت مشاركته في ذلك بنفس العقوبات،  فذلك يعني  في الحالات التي لم يكن فيها هو طرفا رئيسيا ذلط بغض النظر عن العقوبات التأديبية التي يمكن ان يتعرض لها بسبب ذلك، فقد تحرك النيابة العامة ضده متابعة تأديبية حتى ولو يثبت في شأنه الجنحة المنسوبة اليه بصفته طرفا رئيسا او مشاركا فيها – تفضي به – الى الانذار او التوبيخ او الاقصاء المؤقت عن العمل لمدة لا تتجاوز سنة او العزل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

12- ينص الفصل 381 من القانون الجنائي: “من استعمل او ادعى لقبا متعلقا بمهنة نظمها القانون او شهادة رسمية او صفة حددت السلطة العامة شروط اكتسبها، دونان يستوفي الشروط اللازمة لحمل ذلك اللقب او تلك الشهادة او تلك الصفة، يعاقب بالحبس من ثلاث اشهر الى سنتين وغرامة من مائة وعشرين الى خمسة الاف درهم، او باحدى هاتين العقوبتين فقط، مالم يوجد نص خاص يقرر عقوبة اشد..”

13- د. العلمي الحراق: الوجيز في شرح القانون المتعلق بخطة العدالة، الطبعة الاولى 2009 ص 73 و 74

  الفرع الثاني: حماية المهنة من سمسرة الزبناء من العدول وغيرهم

 ودائما في اطار الحماية القانونية لخطة العدالة من كل قد يلوث سمعتها، فقد احالتنا المادة 24 من قانون 16.03 المتعلق بخطة العدالة والتي نصت على أنه: ” لا يجوز للعدل ان يمارس اي عمل يستهدف جلب الزبناء ولا ان يقوم بأي اشهار كيفما كانت وسيلته مع مراعاة مقتضيات المادة 16 اعلاه” احالتنا المادة صراحة على منع قيام العدول باي عمل يستهدف جلب الزبناء وسمسرتهم ومنع قيامهم بأي اشهار كيفما كانت وسيلته باستثناء استعمال وسائل الاشهار التي تعرف بهم وبمكاتبهم العدلية المسموح بها حسب احكام ومقتضيات المادة 16 14.

حيث انه من حق العدل ان يقوم بتعليق لوحة تحمل اسمه الشخصي والعائلي وكونه عدلا او عدلا رئيسيا حاليا او سابقا للهيئة الوطنية للعدول او رئيس لاحد مجالسها الجهوية على صعيد دوائر محكمة الاستئناف او حاملا لشهادة الدكتوراه، وكل ذلك في البناية التي يوجد بها مكتبه دون غيرها، ويشير الى ذلك ايضا في اوراق مكتبه او بطاقته الخاصة فقط، الا ان شكل اللوحة يحدد بنص تنظيمي وهذا مستجد جديد اتى به القانون الحالي 16.03 حسب المادة 16 منه، وهو حق يتمتع به العدل اسوة بالمحامي والموثق العصري والخبير والمترجم المحلف وباقي اصحاب المهنة الحرة، خاصة ان المادة الاولى من القانون نصت على ان العدول من مساعدي القضاء وذلك على اعتبار انهم يهيئون وسائل الاثبات التي يتمكن القضاء من فض النزاعات على ضوئها، لذا حق لهم التمتع بهذا الحق اسوة بباقي مساعدي القضاء الاخرين.15

 وفيما يخص المادة 25 من قانون 16.03 فقد نصت على: ” يعاقب كل شخص قام بسمسرة الزبناء او جلبهم من شهر الى ستة اشهر او بغرامة من 1000 الى 2500 درهم .

 ويعاقب كل عدل ثبت انه ارتكب الافعال المذكورة بصفته فاعلا اصليا او مشاركا بنفس العقوبات بصرف النظر عن العقوبات التأديبية التي يمكن ان يتعرض لها”.

 من مضمون هذه المادة ان المشرع مازال يقر بتحصين المهنة وحمايتها من اعمال السمسرة وجلب الزبناء بحيث اقر عقوبة زجرية ومالية، حددتها المادة في مبلغ 1000 درهم الى 2500 درهم وذلك سواء تعلق الامر باشخاص غير عدول او بعدول انفسهم بصفتهم فاعلين اصليين او مشاركين، وذلك بغض النظر عن العقوبات التأديبية التي يمكن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

14- د. العلمي الحراق: الوجيز في شرح القانون المتعلق بخطة العدالة، الطبعة الاولى 2009 ص 74

15- د. مرزوق ايت الحاج: الوجيز في التوثيق العدلي بين النظر والتطبيق طبعة 2006 ص 108

 ان يتعرضوا لها16 والتي تشمل الانذار والتوبيخ والاقصاء المؤقت عن العمل لمدة لا تتجاوز سنة ثم العزل حسب المادة 43 من قانون 16.03. ويطالب السادة العدول في مشروع تعديل قانون 16.03 بزيادة الغرامة المالية لتصبح 5000 درهم الى 10000 درهم.

وإذا دققنا في حجم العقوبة المقررة في حق من يسعى الى سمسرة الزبناء، نجد ان المادة 25 لم تفرق بين الشخص العادي وبين العدل، الا فيما يخص العقوبة التأديبية التي يمكن ان يتعرض لها العدل كلما ارتكب مخالفة للقواعد المقررة او اخلال بالواجبات المفروضة عليه طبقا للنصوص القانونية او التنظيمية المعمول بها17.

 المطلب الثاني: حماية العدل اثناء مزاولة المهنة ودور الهيئة الوطنية في ذلك

 ان المشرع المغربي قد انتبه الى العدل اثناء مزاولة المهنة  و تدارك الامر بالتنصيص على حماية العدول وحصانتهم من كل اساءة او اهانة او اعتداء واخدم اعليه علماء المذاهب اسوة بما فعله في شأن المحامين والموظفين العموميين والاعوان القضائيين وغيرهم وقد اتضح ذلك من خلال المستجدات التي جاء بها قانون 16.03 حيث نص صراحة ع حماية العدل الشاهد اثناء مزاولته لمهامه او بسبب قيامه بها، رغبته في احاطته بضمانات في مواجهة الاخطار التي قد يتعرض لها عند ممارسة المهام المنوطة به، وجعل ممارسة المهنة في اطار هيئة وطنية للعدول تتفرع عنها مجالس جهوية على صعيد دوائر  الاستئناف18، وجعل هذا القانون من ابرز المهام التي تقوم بها هذه الهيئة حماية حقوق العدل الشاهد.

 الفرع الاول: حماية العدل اثناء مزاولة المهنة

 جاء في صدر المادة 26 من قانون خطة العدالة في بابها الثالث حيث نصت على مايلي: ” يتمتع العدل اثناء مزاولة مهامه او بسبب قيام هبها بالحماية التي تنص عليها مقتضيات الفصلين 263-267 من القانون الجنائي”

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

16- د. العلمي الحراق: الوجيز في شرح القانون المتعلق بخطة العدالة، الطبعة الاولى 2009 ص 75

17- المادة 42 من قانون 16.03 المنظم لخطة العدالة

18- د. مرزوق ايت الحاج: الوجيز في التوثيق العدلي بين النظر والتطبيق طبعة 2006 ص 135

لما كانت مهمة الاشهاد بين الناس من الخطورة والاهمية بمكان في حفظ الدماء والاعراض والاموال وفي صون الانساب والحقوق، وبالنظر الى جسامة المسؤولية الملقاة على عاتق العدلين الشاهدين، وبالنظر كذلك الى انها مهمة التهم والمظنات والوشايات والانزلاقات فقد احاطها فقهاء الشريعة بكثير من الضمانات وأولها الحماية اللازمة التي تتساوى فيها حقوق وواجبات كل الاطراف، وجعلوا لها حرمة كحرمة الشرع، ونصوا على انزال اشد العقوبات بما اساء العدول الشهود في قول او فعل او ادعاء زور او اختراع، وما ذلك الا ان حماية العدل الشاهد من حماية مهمته وتحصينه من تحصين عمله وشهادته، ومراعاة لذلك وأخذا بما ذهب اليه فقهاؤنا نصت المادة المذكورة على تمتع العدل اثناء مزاولة مهامه بمكتبه، او باي مكان يتلقى فيه الشهادات او بسبب قيام هبها الحماية القانونية التي ينص عليها الفصل 263 من القانون الجنائي19 من حيث انه جاء فيها” يعاقب بالحبس من شهر الى سنة او غرامة من 250 الى 5000 درهم من اهان احد من رجال القضاء او من الموظفين العموميين او من رؤساء او رجال القوة العمومية اثناء قيامهم بوظائفهم او بسبب قيامهم بها. باقوال او اشارات او تهديدات او ارسالهت او وضعها او بكتابة او رسوم غير علنية وذلك  بقصد المساس بشرفهم او شعورهم او الاحترام الواجب لسلطتهم..”

كما نص الفصل 267 على انه” يعاقب بالحبس من ثلاث اشهر الى سنتين من ارتكب عنفا او ايذاء ضد احد من رجال القضاء او الموظفين العموميين او رؤساء او رجال القوة العمومية اثناء قيامهم او بسبب قيامهم بها.

 ترتب عن العنف اراقة دم او جرح او مرض او اذا ارتكب مع سبق الاصرار والترصد او ارتكب ضد احد من القضاء او الاعضاء المحلقين بالمحكمة اثناء الجلسة فان الحبس يكون من سنتين الى خمس سنوات”.

وكان القانون السابق  كخطة العدالة خاليا من اي نص او مقتضى يحمي العدل الشاهد من اهانة الافراد او الجماعات واعتداءاتهم عليه و لا اثناء قيامه بتلقي الشهادات وحفظها او بسبب قيام هبها ولا اثناء غير ذلك وكان اغلب الدارسين والمهنيين القانونين تنبئوا الى هذا في عدة مناسبات منهم الدكتور العلمي الحراق الذي اوصى بوجوب ان يتدخل المشرع المغربي في هذا الامر وان يتدارك الموقف بالتنصيص على حماية العدول وحصانتهم من كل اساءة او اهانة او اعتداء، اخذا بما عليه علماء المذهب واسوة بما فعله في شان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

19- د. العلمي الحراق – المرجع السابق ص 76

المحامين والموظفين العموميين والمفوضين القضائيين وغيرهم، وهذا ماتم بالفعل ونصت المادة 26 على حماية العدول بالاسلوب المذكور وبدلك اصبح العدول محميين قانونا ن كل اهانة او عنف او اعتداء، ومن خلالهم اصبحت المكاتب العدلية هي الاخرى تتمتع بنوع من الحصانة والحماية القانونيين من كل هجوم او اعتداء كيفما كان نوعه لان الغالب على عمل العدول ان يكون بمكاتبهم، ويبقى فقط تفعيل هذه ال على ارض الواقع من طرف الجهات المعنية بذلك.20

 الفرع الثاني: احداث الهيئة الوطنية ومدى حمايتها للعدول

 تنص المادة 52 من قانون 16.03 المتعلق بخطة العدالة، القسم الرابع في الباب الاول منه حيث نجد ان المشرع المغربي نص على احداث هيئة وطنية للعدول تمارس خطة العدالة في اطارها ونصت المادة على مايلي: ” تحدث بمقتضى هذا القانون هيئة وطنية للعدول، يوجد مقرها بالرباط تتفرع عنها مجالس جهوية على صعيد دوائر محاكم الاستئناف ، تتمتع الهيئة الوطنية للعدول بالشخصية المعنوية وتضم جميع العدول” وهذه المادة تعد من مستجدات قانون 16.03 حيث انها لم يكن لها وجود في قانون 11.81 21.

 هذه المادة بالتنصيص على احداث الهيئة الوطنية للعدول، التي يوجد مقرها بمدينة الرباط، تتفرع عنها مجالس جهوية على صعيد دوائر محاكم الاستئناف ، تتمتع الهيئة الوطنية للعدول بالشخصية المعنوية وتضم جميع العدول المعينين للاشهاد في كافة التراب الوطني، ومعنى ذلك ان كل عدل يتم تعيينه بقرار لوزير العدل، يصبح عضوا منخرطا في الهيئة بقوة القانون ولا يتوقف انخراطه فيها على ارادته ورضاه، وهو بهذا الاعتبار يتمتع بكافة الحقوق التي تسعى الهيئة الى تحصيلها وضمانها لفائدة العدول، وعليه اداء جميع الواجبات المالية المترتبة عن ذلك، وليس في وسعه ان يمتنع عن الانخراط في الهيئة، او يتملص  اداء الواجبات المالية تجاهها22.

وفيما يخص المادة 53 من قانون خطة العدالة 16.03 فقد نصت على الاهداف والغايات من احداث الهيئة الوطنية للعدول كما انها حددت المسؤوليات والأعمال المنوطة بها، التي  يجب القيام بها بواسطة اجهزتها المختلفة ومن ابرز هذه المهام:

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

20- د. العلمي الحراق مرجع سابق ص 74

21- د. مرزوق ايت الحاج مرجع سابق ص 124

22- د. العلمي الحراق مرجع سابق ص 149

– صيانة مبادئ وتقاليد وأعراف خطة العدالة والحرص على تثبيت اخلاقياتها ، وعلى تقييد العدول بواجباتهم المهنية والسهر على حماية حقوقهم.

– ابداء الرأي في الشكايات الموجهة اليها ضد العدول ورفع تقرير بشأنها الى الوكيل العام للملك وكذا فيما يعرض عليها من طرف النيابة العامة من اخلالات منسوبة لأي عدل.

– تنسيق عمل المجالس الجهوية للعدول.

– وضع النظام الداخلي وتعديله.

– تحديد مبلغ اشتراكات الاعضاء وكيفية استيفائها والقسط الذي يخص المجالس الجهوية منها.

– انشاء وإدارة مشاريع اجتماعية لفائدة العدول

– احداث مشاريع الاحتياط الاجتماعي او التقاعد الخاصة بخطة العدالة.

– طبع مذكرة الحفظ وكناش وصولات الاجور والكناش المنصوص عليه في المادة 17 من هذا القانون بالعدد الكافي بعد اذن وزير العدل.

– السهر على تنظيم لقاءات وندوات علمية في شأنها ان ترفع في مستوى الأداء، وان تضمن تطوير وتحديث اساليب خطة العدالة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

"لا تقرأ وترحل شاركنا رأيك"

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من أنفاس قانونية

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading