الحماية الجنائية للأجراء في التشريع المغربي
Warning: Array to string conversion in /home/anfassqa/public_html/wp-includes/formatting.php on line 1096
الحماية الجنائية للأجراء في التشريع المغربي : رسالة لنيل دبلوم الماستر
مقدمة :
يعتبر قانون الشغل من أول المجالات التي تركزت فيها فعالية الوظيفة الجديدة للقانون الجنائي، حيث تدخلت مختلف التشريعات لإضفاء صفة الجريمة على العديد من التصرفات المخلة بما يفضي به قانون الشغل خاصة ما يتعلق بالحقوق المعترف بها للطرف الضعيف منشأ بذلك حماية جنائية لحقوق الأجراء من خلال القانون الجنائي للشغل، كقانون الشغل الفرنسي الذي ما فتئ يحدد قانونه الجنائي ويجرم مقتضيات لم تكن مجرمة.
أما بالنسبة للتشريع المغربي، فإن الجزاءات الجنائية المقررة لمخالفة قانون الشغل كانت في بداية الأمر ذات جذور فرنسية، أدخلها المستعمر الفرنسي إلى المغرب لكي يظهر أمام الرأي العالمي بمظهر إقرار سياسة اجتماعية داخل المغرب من أجل كسب تأييد الرأي العالمي، وتشجيع الاستثمار الأجنبي بالمغرب، ومن القوانين المنظمة للشغل والمتضمنة لجزاءات جنائية والتي صدرت إبان الاحتلال الفرنسي للمغرب، نذكر الظهير الشريف المؤرخ في 19 يناير 1914 المنظم لكيفية استثمار المعادن والعمل بها ، وظهير 31 مارس 1919المتعلق بالتجارة والملاحة والصيد البحري، والظهير الشريف الصادر بتاريخ 18 يونيو 1936 المنظم للحد الدنى للأجور، وكذلك الظهير الشريف الصادر بنفس التاريخ بشأن ضبط مدة الشغل، ثم الظهير الشريف الصادر في ماي 1940 بشأن تشغيل الأجراء وفسخ عقود عملهم.
فالملاحظ أن القوانين الصادرة خلال فترة الاحتلال الفرنسي للمغرب، وبالرغم من مؤيداتها الجنائية، فإنها لم تكن تؤدي الدور المراد منها لعدة أسباب؛ منها أن الفرنسيين لا يرغبون في تفعيل هذه المقتضيات للحفاظ على مصالح المشغلين الفرنسيين الأولى، وكذلك من أجل تشجيع الاستثمار بالمغرب، إضافة إلى عدم شمول الجزاءات الجنائية كافة الجوانب المرتبطة بعلاقات الشغل.
وبعد حصول المغرب على استقلاله، صدرت مجموعة من القوانين المنظمة للشغل بالمغرب ومتممة للقوانين السابقة، وقوانين منظمة لمجالات لم يشملها التقنين قبل، مما ساهم في بروز معالم قانون الشغل ذو مؤيدات جزائية بعد الاستقلال كاحترامه من طرف المشغلين، ومن هذه القوانين نجد:
الظهير الشريف الصادر في 29 أكتوبر 1962 المنظم لتمثيل الأجراء داخل المقاولات ؛
الظهير الشريف الصادر في 2 يوليوز 1972 المنظم لتعويضات الضمان الاجتماعي.
وباستقراء القوانين الصادرة بعد حصول المغرب على استقلاله، والمتعلقة بقانون الشغل، والتي تم تذييلها بعقوبات جنائية فإنها بدورها لم تطبق بالشكل المطلوب من أجل توفير حماية جنائية للأجراء، نتيجة ضعف الجزاءات المنصوص عليها فيها والتي كان المشغلون يفضلون خرقها وأداء الغرامات الهزيلة المحكوم بها، عوض احترامها بسبب الأرباح الكبيرة التي يتم جنيها عند خرق هذه المقتضيات القانونية والإضرار بحقوق الأجراء، وكذلك نتيجة ضعف آلية الرقابة الإدارية.
واستمرت عجلة التطور تسير إلى أن توجت بإصدار القانون رقم 69.99 المتعلق بمدونة الشغل، التي حملت تغييرا جذريا للمقتضيات الجنائية لقانون الشغل المغربي وأسبغت عليه صبغة مغربية، هذه المدونة التي جاءت لتنظيم العلاقة بين المشغلين والأجراء، مسايرة للتطورات الاقتصادية والاجتماعية، بل والسياسية، ولتحقيق التوازن بين أطراف الإنتاج لمواجهة تحديات العولمة والتنافسية، وتوفير المناح المناسب للنهوض بالاستثمار، وتقوية القدرة التنافسية للمقاولة المغربية من خلال توفير مناخ سليم للإنتاج، وتوفير البيئة الملائمة للمقاولة للقيام بدورها الإنمائي، وذلك من منطلق الرهان على القطاع الخاص للدفع بعجلة التنمية إلى المام وتوفير فرص الشغل.
وقد عمل المشرع المغربي من خلال مدونة الشغل على توسيع دائرة التجريم لتشمل مقتضيات أخرى، لم يكن يتصف خرقها في ظل القوانين السابقة بالجريمة، منها تجريم التمييز بين الأجراء في مجال التشغيل، أو على مستوى الأجر الذي يتقاضونه، وكذلك تجريم تسخير الأجراء لداء الشغل قهرا، بالإضافة إلى تجريم جملة من الضوابط القانونية الخاصة لحماية كل من الأجراء الأحداث، وكذلك النساء الأجيرات، والأجراء المعاقين، وتقنين مسطرة الفصل سواء كان ذلك لأسباب اقتصادية أو تكنولوجية، أو هيكلية، أو كان لغيرها من الأسباب مع إيراد ضمانات قانونية بهذا الخصوص وتذييلها بمؤيدات جنائية لكفالة احترام هذه المقتضيات، القانونية من طرف المشغلين، وبخصوص البعد الجماعي لعلاقات الشغل سعت المدونة إلى تجريم مجموعة من المقتضيات القانونية التي لها ارتباط بهذا الجانب كالمؤسسة التمثيلية للأجراء أو تسوية نزاعات الشغل الجماعية، إلى غيرها من التجديدات التي سعت المدونة من خلالها إلى بلورة الطابع الحمائي لمدونة الشغل.
وبالإضافة إلى توسيع دائرة التجريم في مدونة الشغل، فإن التجريم في إطارها عرف تعديلا من حيث الوصف القانوني لهاته الجرائم، إذ ارتقى ببعضها إلى جنح ضبطية في بعض حالات عوض مخالفات، كما كان عليه الأمر في القوانين السابقة عن صدور مدونة الشغل.
إن دراسة موضوع الحماية الجنائية الحقوق الأجراء في ضوء قانون الشغل المغربي لمن الأهمية بمكان، ذلك أن قانون الشغل جاء بالطابع الحمائي للأجراء عن طريق مقتضيات قانونية هدفها حماية الأجراء والوقوف إلى جانيهم، واعتبارهم الطرف الضعيف في العلاقة الشغلية، سواء أثناء إبرام العقد أو لتنفيذه أو إنهائه، فكان من الطبيعي أن تكون محلا للحماية التشريعية.
فهذا الموضوع يكتسي أهمية قصوى إن كان ذلك على المستوى النظري أو العملي ؛
وهكذا تبدو أهمية الموضوع النظرية من خلال دراسة وتحليل مختلف المقتضيات القانونية محل الحماية الجنائية سواء تلك المشتركة بين كل الأجراء أو تلك المتعلقة بفئات خاصة من الأجراء ارتأى المشرع المغربي تمتيعها بحماية جنائية خاصة، ورصد مظاهر التجريم الخاصة بالأجراء سواء تلك المتعلقة بعلاقة الشعل الفردية، أو تلك التي لها ارتباط بالبعد الجماعي العلاقات الشغل.