التأمين التكافلي
التأمين التكافلي
مقدمة :
يعد نظام التأمين من الأنظمة الحديثة التي أفرزتها التطورات الاقتصادية والمدنية في العالم المعاصر، لتشكل خطوة فاعلة في حماية الفرد والمؤسسات من النتائج المحققة للمخاطر التي قد يتعرضون لها، وإذا كان منشأ التأمين قديما يتبلور حول فكرة المساعدة الانسانية كما كان معروفا عند قدماء الهنود والمصريين والعرب لمن أحاطت به مخاطر معينة، إلا أن توسع التعامل بين الناس خاصة في النظام التجاري البحري أدى إلى ظهور التأمين بشكل أخذ تطورا ملموسا وسريعا عبر حقبة زمنية قصيرة، ليمثل في العصر الحالي واحدا من الأسس التي يقوم عليها نظام الدولة الحديثة.
وفي رأي الفقهاء، فإن عقد التأمين هو أحد العقود المستحدثة التي لم تكن معروفة كما في صورتها الحالية، وبسبب هذه الحداثة ولما للتأمين من أهمية ضمن هيكل النظام الاقتصادي للدولة، حيث يعتبر جزءا مكملا للنظام المصرفي، فقد أثار عقد التأمين الجدل الكثير فيما يخص تكييفه الفقهي، لذلك قام العلماء المسلمين بالبحث في مشروعيته، ومن خلال الندوات والمؤتمرات التي عقدت على فترات طويلة، نجد أن الفقهاء قد أصدروا فتاوى بتحريم نظام التأمين التجاري، وأوصوا بالبديل الشرعي وهو نظام التأمين التكافلي الذي ترسخ مفهومه في الدائرة الاقتصادية التأمينية، حيث أثبت جدارة الفكر التأميني التكافلي في قيادة هذه الصناعة على أسس وقواعد تميزه عن التأمين التجاري.
وبدأت المسيرة التطبيقية للتأمين التكافلي من خلال إنشاء بنك فصيل الإسلامي السوداني لأول شركة تأمين إسلامية في العالم سنة 1979 بالسودان، مرورا بإنشاء الشركة الإسلامية العربية للتأمين(إياك) في سنة 1980، والتي كان مقرها القانوني في إمارة دبي بدولة الامارات العربية المتحدة، ومقرها الفعلي بمدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، وما تبعها سنة 1982 من إنشاء شركة التكافل الإسلامي (البحرين) التابعة لدار المال الإسلامي ومقرها في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية، وتم إنشاء في سنة 1984 شركة التكافل الماليزية في مدينة كوالالمبور بماليزيا، وبيت التأمين السعودي التونسي بتونس، وشركة للتأمين في مدينة الخرطوم بالسودان، لنصل إلى واقعنا المعاصر حيث توسع نشاط صناعة التأمين التكافلي الإسلامي عالميا حيث بلغت عدد شركاته في عام 2014 نحو 250 شركة.
المغرب وباعتباره من أواخر الدول العربية التي شرعت في وضع إطار قانوني للمالية التشاركية، فقد أدخل التأمين التكافلي أول مرة في مدونة التأمينات بموجب القانون رقم 59.13 المعدل والمتمم لمدونة التأمينات، وبعد ذلك صدرت النسخة الجديدة من مدونة التأمينات بموجب القانون رقم 87.18، وتضم منتجاته وشروطه وأنواعه، وكيفية عمله لتأمين التمويلات التي تمنحها البنوك التشاركية التي انطلق عملها في المغرب منذ سنة 2017.
وتتجلى الأهمية النظرية للموضوع في كون القواعد المنظمة لهذا النوع من التأمين تشكل اللبنة الأساسية في جميع المعاملات المالية التشاركية التي تتطابق مع قواعد وضوابط الشريعة الإسلامية، بالإضافة للعدد الذي لا يستهان به من الضمانات التي أحاطها المشرع في التنظيم القانوني لعقد التأمين التكافلي.
أما الأهمية العملية فتتمثل في الدور الذي لعبه أو بالأحرى الذي سيلعبه مستقبلا خلال انفتاح البنوك التشاركية على جميع الصيغ التمويلية التشاركية للوقاية من المخاطر.
ويطرح الموضوع إشكالية جوهرية تتمثل في إلى أي حد ساهم المشرع المغربي في تنظيم وتأطير القوانين المنظمة للتأمين التكافلي؟
للإجابة عن هذه الإشكالية سنقسم الموضوع إلى :