مقدمة :
رافق تطور المجتمعات المعاصرة ظهور مجموعة من الأخطار، منها ما يهدد الإنسان في حياته كالمرض والعجز والحوادث، ومنها ما يهدده في ذمته المالية كالحريق والفيضانات والمسؤولية المدنية، وقد لجأ الإنسان إلى التأمين كوسيلة حديثة للاحتماء ضد ما يحيط به من أخطار قد تلحق بشخصه أو بماله في حالة وقوعها أضرار متعددة.
وينقسم التأمين من حيث نوعه إلى تأمين اختياري والذي يلجأ إليه المؤمن له بمحض إرادته، وتأمين إجباري تفرضه الدولة لمساسه بالجانب الاجتماعي كما هو الشأن بالنسبة للتأمينات الإجبارية على القنص والعربات ذات المحرك المنظمة بموجب مدونة التأمينات، وتأمينات إجبارية أخرى منصوص عليها بمقتضى نصوص خاصة من قبيل التأمين الإجباري على حوادث الشغل، والتأمين الإجباري على الطلبة…
وسنقتصر في موضوعنا في التأمين الإجباري على تأمين إجباري واحد ؛ والذي خصصناه للتأمين الإجباري على العربات البرية ذات محرك، وذلك نظرا لخصوصيته القانونية إذ يخضع لأحكام التأمين بصفة عامة، ولأحكام التأمين ضد المسؤولية بصفة خاصة من جهة أخرى، ولأهميته الواقعية من جهة ثالثة والمتمثلة في المسؤولية المدنية عن حوادث السير والتي سعى المشرع المغربي عند فرضها لحماية ضحية حادثة سير لا يجد نفسه أمام مسؤول معسر فتضيع حقوقه، وعليه فقد ارتأينا تسليط الضوء في موضوعنا هذا على التأمين الإجباري على العربات ذات المحرك.
والتأمين الإجباري على السيارات هو تأمين من المسؤولية المدنية الناتجة عن حوادث العربات البرية ذات المحرك، نظمه المشرع المغربي ضمن مدونة التأمينات من المادة 120 إلى المادة 132، إضافة إلى القرار رقم 06/1053 الصادر بتاريخ السادس والعشرون من يونيو 2006 بشأن الشروط النموذجية العامة للعقود المتعلقة بتأمين المسؤولية المدنية على العربات ذات المحرك.
وقد ظهر التأمين من المسؤولية المدنية نتيجة التغيرات الاقتصادية، والتطورات التي أدت إليها الثورة الصناعية وانتشار الآلات الميكانيكية، والسيارات، ووسائل النقل البري والبحري والجوي، فقد أدى هذا التطور إلى زيادة نشاط الإنسان وتوسعه، وصاحب ذلك كثرة الحوادث وكثرة دعاوى المسؤولية المدنية عن الاصابات التي تحدث للغير، كل ذلك أدى إلى ظهور تطور نظام التأمين ضد المسؤولية.
وتعتبر سنة 1938 أول محطة لانطلاق التأمين ضد الحوادث من خلال شركة تأمين ركاب السكك الحديدية، وهي شركة إنجليزية تأسست من أجل ضمان الأضرار الحاصلة بسبب ارتفاع نسبة حوادث القطارات.
وبالنسبة للمغرب فقد تدخل المشرع سنة 1941 لسن مجموعة من القواعد المتعلقة بالتأمين، ومن بينها إجبارية تأمين المسؤولية المدنية الناتجة عن استعمال العربات ذات المحرك، وبذلك كان من الدول السباقة إلى إحداث إجبارية التأمين في هذا الموضوع.
وتكمن أهمية التأمين الإجباري على السيارات في التكامل والتكفل الاجتماعي والحصول على التعويض المناسب عند حدوث إصابة أو ضرر فهو يعتبر بمثابة مضلة الأمان.
ومن كل ما سبق ذكره، نخلص إلى الإشكال الآتي:
هل استطاع المشرع المغربي من خلال إلزامية التأمين الإجباري تحقيق نوع من التوازن بين مصالح المُؤَمِن والمُؤَمَن له؟
وفي سبيل سبر أغوار الإشكالية المطروحة سنعند بداية إلى بحث مدى إجبارية التأمين على العربات ذات المحرك (المبحث الأول)، على أن نرصد التعويض عن حوادث السير (المبحث الثاني).
ملاحظة : يمكنكم الاطلاع على العرض كاملا أسفله.
مقالات ذات صلة :