الإثراء بلا سبب


الإثراء بلا سبب، كل شخص يثري دون سبب مشروع على حساب شخص آخر يلتزم بتعويض هذا الشخص عما لحقه من خسارة : فإذا ما دفع مثلا شخص لآخر مبلغا غير ملزم به، أو إذا ما بنى شخص في أرض غيره بمواد مملوكة له، وأصبح صاحب الأرض مالكا للبناء الذي أقيم عليها ،فإن صاحب الأرض يثري على حساب صاحب المواد التي استعملت في البناء، كما أن قابض المبلغ في المثال الأول يثري على حساب من دفع ما ليس مستحقا عليه.

ففي مثل هذه الحالات يحق لمن افتقرت ذمته أن يرجع على من أثرت ذمته، دون وجه حق على حسابه، ويطالبه بالتعويض عن الضرر الذي أصابه، فهذه النتيجة تفرضها مبادئ العدالة.

وقد أفرد قانون الالتزامات والعقود نصوصا خاصة للإثراء بلا سبب ولأهم تطبيق من تطبيقاته وهو دفع غير المستحق، وإن كان اعتبر الإثراء بلا سبب ودفع غير المستحق حالتين من حالات أشباه العقود.

الفصل الأول : الإثراء بلا سبب

الإثراء بلا سبب : معناه أن يثري شخص على حساب شخص آخر فتزداد ذمته المالية بينما تنقص ذمة غيره المالية، دون أن يكون هناك مبرر قانوني لهذه النتيجة ،أو تستند إلى أي سبب مشروع، وقد تناول المشرع المغربي بحث الإثراء بلا سبب في المواد 66 و67 و 75 و76 من قانون الالتزامات، ونحن في ضوء هذه النصوص سنعرض للشروط اللازم توافرها لقيام الإثراء بلا سبب نثم نبين الآثار التي تترتب على تحقق هذه الوضعية القانونية.

وعليه سنقسم هذا الفصل إلى فرعين :  الفرع الأول :شروط الإثراء بلا سبب  / الفرع الثاني :آثار الإثراء بلا سبب

الفرع الاول :شروط الإثراء بلا سبب

يتطلب تحقق الإثراء بلا سبب توافر ثلاث شروط : الشرط الاول :إثراء شخص / الشرط الثاني : افتقار مقابل وقع لشخص آخر وسبب في إثراء الأول /  الشرط الثالث : انعدام السبب القانوني لهذا الإثراء.

                                      الشرط الأول : الإثراء

مختلف صور الإثراء :

يجب لقيام الإثراء بلا سبب أن يتحقق إثراء لشخص أيا كان نوع هذا الإثراء : فقد يكون إثراء ماديا أو معنويا، وقد يكون إيجابيا أو سلبيا ،وقد يكون مباشرا أو غير مباشر .

يعتد بالإثراء ماديا كان أو معنويا : لا يشترط في الإثراء أن يكون إثراء ماديا أي أن يتكون من نفع مالي، كالكسب الذي يحصل عليه من يقبض مبلغا دون وجه حق ،أو الكسب الذي يجنيه مالك عقار من تحسينات يجريها شخص فيه .بل إنما يعتد بالإثراء حتى لو كان معنويا ،كما لو حصل محام على حكم ببراءة شخص او كما لو علم مدرس تلميذا ،وذلك دون سابق اتفاق بين المحامي والمستفيد من الحكم أو بين المدرس والتلميذ .

يعتد بالإثراء إيجابيا كان أو سلبيا : يعتد بلا إثراء سواء اتخذ صورة إيجابية أو اتخذ صورة سلبية. فالإثراء الإيجابي هو الإثراء الذي يجني فيه شخص كسبا ماديا أو معنويا بحيث تزداد ذمته المالية أو المعنوية بعد الإثراء عما كانت عليه من قبل لدخول عنصر جديد مادي أو معنوي في هذه الذمة.

أما الإثراء السلبي :فهو الذي يحصل عن طريق انقاص أعباء شخص وتجنيبه القيام بمصروفات لازمة، مثال ذلك أن يوفي أحد دينا مترتبا على آخر حيث يجنب الموفي شخص المدين الوفاء بالدين. ويعتبر من قبيل الإثراء السلبي أيضا الإثراء الذي يتم عن طريق تجنيب الشخص خسارة محققة كان لا بد أن تلحق به ،كأن يتلف الشخص متاعا له كي يطفئ حريقا في منزل جاره حيث يثري الجار، إذ يتفادى خسارة داره بالحريق الذي كان سيأتي عليها.

يعتد بالإثراء مباشرا كان او غير مباشر : لا يشترط في الغثراء أن يكون إثراء مباشر بل إنما يعتد بالإثراء حتى ولو وقع بصورة غير مباشرة .ويقصد بالإثراء المباشر الإثراء الذي ينتقل راسا من ذمة المفتقر إلى ذمة المثري وذلك إما بفعل المفتقر كأن يقوم شخص بدفع دين عن غيره، أو بفعل المثري نفسه، كأن يبني شخص في أرضه بأدوات مملوكة للغير .

أما الإثراء غير المباشر فهو الإثراء الذي يقع نتيجة لتدخل شخص وسيط ينقله من ذمة المفتقر إلى ذمة المثري مثال ذلك أن يبني زيد في أرض لعمرو بأدوات لبكر .

الشرط الثاني : الافتقــــــــــــــــــــار

يجب لقيام الإثراء بلا سبب أن يحصل افتقار لشخص وأن يكون هذا الافتقار هو الذي سبب إثراء الشخص الآخر، وذلك حتى يتمكن من ممارسة دعوى الإثراء بلا سبب أما إذا حصل اثراء  لشخص ولم يقابله افتقار لآخر ،فلا تقوم فكرة الإثراء بلا سبب.

والافتقار كالإثراء يمكن أن يكون ماديا أو معنويا كما يمكن أن يكون إيجابيا أو سلبيا ،مباشرا او غير مباشر .

فالافتقار يمكن أن يكون ماديا ،كما في الافتقار الذي يصيب من يدفع دينا غير مترتب عليه، حيث يخرج المبلغ المدفوع من ذمة المفتقر المالية ،ويمكن أن يكون معنويا، كافتقار المدرس الذي يعلم تلميذا، أو افتقار المحامي الذي يحصل على براءة شخص قد دافع عنه.

ومن جهة ثانية الافتقار يمكن أن يكون إيجابيا ،وهو الافتقار الذي يحصل بمقتضاه انتقاص في ذمة المفتقر المالية كما في مثال الشخص الذي يدفع دينا غير مترتب عليه. ويمكن أن يكون سلبيا وهو الذي يترتب عليه فوات كسب مشروع كان من حق الشخص أن يحصل عليه.

ومن جهة ثالثة الافتقار يمكن أن يكون مباشرا وبمقتضاه يحصل الانتقاص من ذمة المفتقر دون وساطة أحد بل نتيجة عمل يقوم به المفتقر نفسه كان يدفع زيد مبلغ غير مستحق عليه إلى عمرو. وقد يكون الافتقار غير مباشر وهو الذي يحصل نتيجة عمل يقوم به شخص غير المفتقر وغير المثري ويترتب عليه انتقاص في ذمة المفتقر كأن يأخذ زيد أدوات لبكر ويبني بها بناء على أرض عمرو .

وجوب انتفاء خطأ المفتقر في الافتقار : يجب حتى يعتد بالافتقار أن لا يكون راجعا إلى خطأ المفتقر :فإذا حصل الافتقار نتيجة خطأ المفتقر أو إهماله فهو الذي يتحمل وزر الخطأ أو الإهمال ،ولا يجوز له أن يرجع على الغير ،ولو أثرى هذا الغير من هذا الافتقار .

وجوب قيام العلاقة السببية بين افتقار المفتقر وإثراء المثري : لا بد حتى يتحقق الإثراء بلا سبب ،أن يكون افتقار المفتقر هو السبب في إثراء المثري ،فإذا انتفت العلاقة السببية بين الافتقار و الاثراء امتنع قيام الإثراء بلا سبب. ويكفي لتحقق العلاقة السببية أن يتبين أن إثراء المثري ما كان ليحصل لولا افتقار المفتقر، ولو أن سبب الافتقار واقعة غير الواقعة التي هي سبب الاثراء، كما في أخذ زيد أدوات لعمرو واستعمالها في إشادة بناء على أرض سعد حيث يتملك سعد البناء تبعا للأرض .فافتقار عمرو الناجم عن فقدانه الأدوات سببه أخذ زيد هذه الأدوات ،بينما إثراء سعد الناجم عن تملكه البناء المشيد فو ق أرضه، سببه واقعة أخرى هي قيام عمرو بالبناء بأدوات زيد على أرض سعد.

وفي كل حال قيام العلاقة السببية بين الافتقار و الاثراء هي من الأمور الواقعية التي يعود تقديرها لقاضي الموضو ع، والتي تخرج بالتالي عن رقابة محكمة النقض .

الشرط الثالث :انعدام السبب القانوني للإثراء

يجب لقيام الإثراء بلا سبب أن لا يكون هناك سبب قانوني يبرر إثراء المثري . وهذا الشرط هو الشرط الاساسي الذي تقوم عليه فكرة الإثراء بلا سبب ،ذلك أنه ما من مانع يمنع أحد من أن يثري على حساب غيره إذا كان إثراؤه يرتكز على سبب صحيح . أما الذي لا يجوز أن يكون فهو ان يحصل الاثراء دون سبب يبرره .

ويقصد بالسبب هنا المصدر القانوني او السند الحقوقي الذي يخول المثري الحق في الغثراء .فالتصرف القانوني عقدا كان أو إرادة منفردة والحكم الصادر عن القضاء أو عن المحكمين ،والعمل غير المشروع ،والقانون ،كل ذلك يشكل سببا صحيحا يحق معه للمثري الاحتفاظ بما أثراه ،ويحول دون إمكان مطالبته بالرد .

فالتصرف القانوني سواء كان تصرف تعاقديا، أم كان تصرفا إراديا منفردا يشكل سببا صحيحا يجيز للمثري الاحتفاظ بما أثراه. كذلك يعتبر الحكم الصادر عن القضاء او عن هيئة تحكيمية سندا قانونيا يسمح للمثري بالاحتفاظ بما أثراه تنفيذا لهذا الحكم .فإذا ما انتهى نزاع بين شخصين بحكم قضائي أو تحكيمي ألزم أحدهما بدفع مبلغا من المال إلى الطرف الآخر ،و قبض المحكوم له المبلغ المحكوم به ،فلا يجوز للمحكوم عليه في حال من الأحوال ،الرجوع على المحكوم له بدعوى الاثراء بلا سبب لاسترداد كل أو بعض ما دفع ،لأن الحكم يعتبر سندا صحيحا في يد المثري يجيز له الاحتفاظ بما أثرى به .

كما أن العمل غير المشروع نفسه يمكن اعتباره سندا صحيحا مانعا من سماع دعوى الاثراء بلا سبب: فالمضرور الذي حصل على  تعويض عن ضرر أصابه نتيجة عمل غير مشروع  قام به شخص ،لا يمكن أن يطالبه مرتكب العمل الضار باسترداد جزء مما قبض على أساس الاثراء بلا سبب بحجة ان التعويض المقبوض يفوق الضرر الحاصل ،لان إثراء المضرور يقوم على  سند قانوني هو العمل غير المشروع.

وقد يكون القانون احيانا سببا صحيحا للإثراء فهكذا مثلا إذا ما اكتسب شخص ملكية شيء بالتقادم ،لا يمكن للمفتقر استرداد هذا الشيء عن طريق دعوى الاثراء بلا سبب ،وتعطيل الحكم القانوني الذي رتبه المشرع على التقادم كسبب صحيح للإثراء.

على المفتقر إثبات عدم وجود سبب للإثراء : من المسلم به أنه في حالة الشك ،يفترض وجود سبب لكل إثراء .فعلى المفتقر الذي يمارس دعوى الاثراء أن يثبت أن خصمه ،خلافا للقاعدة ،قد أثرى دون سبب مشروع على حسابه ،وما لم تقم هذه البينة فلا سبيل أمام المفتقر للحصول على حكم بإلزام المثري برد ما أثرى به.

الفرع الثاني : آثـــــــــــــــــــــــار الإثراء بلا سبب

إن الآثار التي تترتب على الاثراء بلا سبب هي رد الشيء إلى المفتقر مع التعويض عليه عند الاقتضاء ،أو التعويض على المفتقر فحسب عندما يتعذر رد الشيء لسبب من الأسباب، أو عندما يكون الاثراء نفعا جناه المثري من عمل الغير أو شيئه. لنبحث في التزام المثري برد الشيء، ثم في التزامه بالتعويض على المفتقر في مختلف الحالات.

التزام المثري برد الشيء :يترتب على المثري أن يرد العين التي حازها بدون سبب ،إذا كانت مازالت موجودة في حوزته .فالمادة 66 نصت على أن “من تسلم أو حاز شيئا أو أي قيمة أخرى مما هو مملوك للغير ،بدون سبب يبرر هذا الاثراء التزم برده لمن أثرى على حسابه “. وجاءت المادة 75 مؤكدة وموضحة هذ الحكم بقولها :”من أثرى بغير حق إضرارا بالغير لزمه أن يرد له عين ما تسلمه أذا كان مازال موجودا …”.

وإذا كان المثري سيء النية التزم أيضا برد الثمار والزيادات والمنافع التي جناها وتلك التي كان من واجبه أن يجنيها لو أحسن الإدارة ،وذلك من يوم تسلمه الشيء بغير حق.

أما إذا كان المثري حسن النية فإنه لا يسأل إلا في حدود ما عاد عليه من نفع ومن تاريخ المطالبة (المادة 15)

ويظهر الفارق جليا بالنسبة للالتزام بملحقات العين من ثمار وغيرها بين المثري سيء النية والمثري حسن النية : فالمثري سيء النية يكون مسؤولا عن كل ماجناه من ثمار وزيادات ومنافع وعما قصر في جنيه، في حين أن المثري حسن النية لا يسأل إلا في حدود ما عاد عليه من نفع، ثم إن مسؤولية المثري سيء النية، تبدأ من تاريخ تسلمه الشيء، بينما مسؤولية حسن النية لا تترتب إلا من تاريخ وقوع المطالبة.

الحكم في حالة هلاك العين أو تلفها : إذا هلكت العين أو تلفت ،فيجب التفريق بين الحالة التي يكون فيه الهلاك أو التلف نتيجة فعل المثري أو خطئه، وبين الحالة التي يكون فيها التلف أو الهلاك قد حصل بقوة قاهرة، فإذا هلكت العين أو تلفت بفعل المثري أو خطئه، فهو يلزم بأن يرد إلى صاحبها قيمتها في يوم تسلمه إياها دون ما تمييز بين أن يكون المثري حسن النية أو سيئ النية، مع الإبقاء على التمييز بينهما بالنسبة إلى الثمار والمنافع والزيادات على النحو الذي فصلناه أعلاه (المادة 75).

اما إذا هلكت العين أو تلفت نتيجة قوة قاهرة، فالمثري سيئ النية يضمن التلف أو الهلاك ،ويلزم في هذه الحالة أن يرد لصاحبها قيمتها في يوم تسلمه إياها مع الزيادات والثمار التي جناها وتلك التي قصر في جنيها ،من يوم تسلمه العين حتى تلفها أو هلاكها . أما المثري حسن النية فلا يضمن التلف أو الهلاك الحاصل بالقوة القاهرة و لا يسأل في هذه الحالة عن شيء باستثناء ما عاد عليه من منفعة ترتبت على هذا الهلاك أو التلف ،كما إذا انتفع بأنقاض المنزل ببيعها أو باستعمالها في بناء منزل آخر .

الحكم في حالة تعذر رد العين لبيعها :إذا تعذر رد العين إلى المفتقر بسبب بيعها من قبل المثري ،فقد أوضحت المادة 76 الحكم بالنسبة للمثري حسن النية فقالت :” إذا كان من تسلم الشيء بحسن نية قد باعه فإنه لا يلتزم إلا برد ثمنه أو بتحويل ما له من حقوق على المشتري إذا استمر على حسن النية إلى وقت البيع “.

أما بالنسبة للمثري سيئ النية ولعدم وجود نص خاص فهناك من يرى  في حالة البيع الزامه بقيمة الشيء وقت تسلمه إياه قياسا على حالة الهلاك أو التلف ،إذا كانت هذه القيمة أصلح للمفتقر من الثمن الذي بيع فيه الشيء ،وإلا فمن حق المفتقر المطالبة بالثمن ،رغم اقتصار نص المادة 76 على المثري حسن النية.

الحكم في حالة كون الإثراء نفعا جناه المثري من عمل الغير أو شيئه : إذا اكان الإثراء الذي حصل عليه المثري عبارة عن نفع جناه من عمل المفتقر أو شيئه ،فقد أوضحت المادة 67 الحكم بالنسبة للمثري حسن النية فألزمته ” بتعويض من أثرى على حسابه في حدود ما أثرى به من فعله أو شيئه “. فالعبرة إذن في تقدير التعويض في حالة كون الإثراء نفعا جناه المثري حسن النية من عمل الغير او شيئه، هي لقيمة الإثراء الذي حصل عليه المثري حسن النية ،ولا يلزم إلا بقدر هذا الاثراء حتى ولو كانت خسارة المفتقر تزيد على ذلك .

أما حكم المثري سيئ النية بالنسبة للنفع الذي يجنيه بدون سبب من عمل الغير أو شيئه ،فلم يعرض له المشرع . فقياسا على النهج الذي سار عليه المشرع في التشديد على المثري سيئ النية، ولا سيما من حيث إلزامه بكامل الثمار لا في حدود ما دخل عليه منها فحسب ،فإنه يتعين الزامه بالتعويض عن كامل ما افتقره المفتقر أي عن كامل خسارة هذا الأخير ،حتى ولو كان النفع الذي حصل عليه المثري يقل عن ذلك.

الفصل الثاني :دفع غير المستحق

دفع غير المستحق هو الوفاء بدين غير واجب على الموفي ظنا منه أنه مدين به ،ويترتب على ذلك إلزام الموفى له بأن يرد إلى الموفي ما أخذه منه بدون حق .

ودفع غير المستحق ما هو إلا صورة من صور الإثراء بلا سبب. وقد بحث المشرع المغربي دفع غير المستحق جنبا إلى جنب مع الاثراء بلا سبب ،وخص له المواد 68 إلى 74. ونحن في ضوء هذه المواد سنعين الشروط اللازم توافرها لقيام دفع غير المستحق ،ثم نبين الآثار التي تترتب على هذه الوضعية القانونية .

عليه سنقسم هذا الفصل إلى فرعين : الفرع الأول :شروط دفع غير المستحق   / الفرع الثاني: آثار دفع غير المستحق

الفرع الأول : شروط دفع غير المستحق

يتطلب قيام الإثراء بلا سبب الناجم عن دفع غير المستحق توافر ثلاثة شروط :

الشرط الأول : أن يكون هناك وفاء : يشترط في دفع غير المستحق أن يكون هناك وفاء.

 ويقصد بالوفاء هنا كل عمل من أعمال الوفاء يصدق عليه وصف التصرف القانوني المبرئ للذمة: فقد يكون هذا الوفاء وفاء عاديا تم عن طريق أداء المفتقر محل الالتزام الذي كان يظن أنه ملتزم به إزاء المثري، وهذه هي الحالة التي أشار إليها المشرع في المادة 68حيث قال :”من دفع ما لم يجب عليه ظنا منه انه مدين به .نتيجة غلط في القانون أو في الواقع، كان له حق الاسترداد على من دفع له “.وقد يكون عملا يعادل الوفاء كما في الوفاء بمقابل، أو التجديد، أو الإنابة أو المقاصة.

ويعتبر كذلك بمثابة الوفاء في حقل دفع غير المستحق الاقرار بالدين أو ترتيب ضمان خاص يضمن الوفاء به، كمنح المدين رهنا أو كفالة لدائنه . وقد عرض المشرع في المادة 74 لبعض هذه الحالات التي تنزل منزلة الوفاء فقال :” يعادل الدفع في الحالات المنصوص عليها أعلاه (المقصود بذلك حالات دفع غير المستحق) إقامة إحدى الضمانات وتسليم حجة  تتضمن الاعتراف بدين أو أية حجة أخرى تهدف إلى إثبات وجود التزام أو التحلل منه “.

الشرط الثاني : وجوب كون للوفاء سبب :فانعدام السبب هو الذي يجعل الوفاء دفعا لدين غير مستحق .ويستوي في ذلك أن يكون السبب غير متحقق أصلا ،أو يكون سببا مستقبلا لم يتحقق ،أو يكون قد زال بعد أن تحقق .فالاسترداد يصح في هذه الحالات جميعا .وقد أوضح المشرع المغربي ذلك إذ نص في المادة 68 على منح حق الاسترداد لمن دفع ما ليس مستحقا عليه ظنا منه أنه مدين به وهي الحالة التي يكون فيها الدفع لسبب غير متحقق أصلا ،ثم أضاف في المادة 70 أنه “يجوز استرداد ما دفع لسبب مستقبل لم يتحقق أو لسبب كان موجودا ولكنه زال”.

فلنبحث في حالة عدم تحقق سبب للوفاء ثم في حالة زوال سبب الوفاء بعد تحققه .

حالة عدم تحقق سبب الوفاء : في هذه الحالة يكون الدين الذي دفعه الموفي غير مستحق وقت الوفاء . ويتحقق ذلك في الصور الثلاثة الآتية :

الصورة الأولى :إذا لم يكن هناك دين .وهذه الصورة تنطوي على فرضيات مختلفة : فقد لا يكون للدين وجود أصلا في أي وقت بالنسبة للموفي والموفى له على حد سواء كأن يدفع وارث دينا يعتقد أنه مترتب على المورث ثم يظهر أن هذا الدين لا وجود له .

وقد لا يكون للدين وجود بالنسبة إلى الموفي فحسب :كأن يدفع شخص دينا إلى الدائن ظنا منه أنه مدين به ثم يظهر أن غيره هو المدين بهذا الدين .أو لا يكون للدين وجود بالنسبة للموفى له فحسب ،كأن يقوم المدين بوفاء دين مترتب عليه لشخص غير شخص الدائن .

وقد يكون الدين مصدره تصرف باطل لسبب من الاسباب ،حيث يجوز استرداد ما دفع بغير حق، تنفيذا للعقد الباطل ،على ما أوضحته المادة 306 من ق ل ع صراحة .

الصورة الثانية :إذا كان هناك دين محتمل الوجود ويؤمل استحقاقه ولكنه لم يستحق ،كما في الالتزام المعلق على شرط واقف .

الصورة الثالثة : إذا كان الدين قد انقضى قبل الوفاء به .

حالة زوال سبب الوفاء بعد تحققه : في هذه الحالة يكون الدين الذي حصل الوفاء به واجب الاداء حين الوفاء به، فوقع الوفاء صحيحا .ثم حصل بعد ذلك أن زال السبب الذي كان يرتكز عليه الدين فزال تبعا لذلك سبب الوفاء كما في حالات الإبطال أو الفسخ، فلو أن بيعا ابطل لعيب من عيوب الرضى، أو فسخ لعدم قيام البائع بالتزامه، وكان المشتري سبق له أن دفع الثمن فإن من حقه استرداد هذا الثمن، لأن إبطال عقد البيع او فسخه أدى إلى زوال سبب التزام المشتري بدفع الثمن، وبالتالي إلى زوال سبب الوفاء فيصبح الثمن في ذمة البائع دفعا لدين غير مستحق، ويصبح من حق المشتري استرداده.

الشرط الثالث : يجب أن يكون الموفي قد قام بالوفاء ظنا منه بأنه مدين : يجب لقيام دفع غير المستحق أن يكون الموفي قد قام بالوفاء ظنا منه بانه مدين ،ويستوي في ذلك أن يكون الغلط الذي جعل الموفي يعتقد أنه مدين هو غلط في القانون أو غلط في الواقع .وهذا ما قررته صراحة المادة 68 وبمقتضاها :” من دفع ما لم يجب عليه ظنا منه بأنه مدين به ،نتيجة غلط في القانون او في الواقع، كان له حق الاسترداد على من دفع له …”.

على أن هناك حالة لا يعتد فيها بغلط الموفي ،ولا يكون له بالتالي حق الاسترداد ،وذلك إذا كان الموفي المتمتع بأهلية التصرف على سبيل التبرع ، قد أوفى دينا يجهل أنه ساقط بالتقادم أو أدى التزاما معنويا ،كنفقة لقريب ظنا منه أنه ملزم بالوفاء بمثل هذا الالتزام .وبهذا قالت المادة 73 ” الدفع الذي  يتم تنفيذا لدين سقط بالتقادم أو للالتزام معنوي ،لا يخول الاسترداد إذا كان الدافع متمتع بأهلية التصرف على سبيل التبرع ،ولو كان يعتقد عن غلط أنه ملزم بالدفع ،أو كان يجهل واقعة التقادم “

أما إذا كان الموفي قد قام بالوفاء وهو على بينة من انه ليس مدينا وليس ملزما بدفع ما دفع فإن فكرة دفع غير المستحق لا تتحقق ،ولا يجوز للموفي استرداد ما دفع وهذا ما أعلنته صراحة المادة 69 إذ قالت : “من دفع باختياره ما لا يلزمه ،عالما بذلك فليس له ان يسترد ما دفعه “.

وكذلك لا محل لاسترداد ما دفع لسبب لم يتحقق كما في دفع دين معلق على شرط واقف، إذا كان من قام بالوفاء يعلم عند الوفاء استحالة تحقق هذا الشرط أو كان هو قد حال دون تحققه (المادة 71).

الفرع الثاني :آثار دفع غير المستحق

إن الأثر الذي يترتب على دفع غير المستحق هو إعطاء الموفي الحق في ان يسترد ما دفعه بدعوى استرداد غير المستحق . وجدير بالذكر أن المشرع المغربي رفعا لكل خلاف يمكن ان ينشأ حول قبول دعوى استرداد غير المستحق في الحالة التي يطالب فيها الموفي باسترداد ما دفعه وفاء للالتزام مخالف للقانون او للنظام العام أو لحسن الآداب ،قد أجاز صراحة في المادة 72 حق الاسترداد في مثل هذه الحالة .

على  ان هناك حالة يكون فيها الموفى له غير ملزم بالرد ورد عليها النص في  المادة 68 وهي حالة ما إذا كان الموفى له وبحسن نية ونتيجة الوفاء الذي حصل له ،قد أتلف أو أبطل سند الدين أو تجرد من ضمانات دينه  أو ترك دعواه ضد المدين الحقيقي تتقادم .ففي مثل هذه الحالة يفقد الموفي كل حق له  قبل الموفى له ،ولا يكون له إلا الرجوع على المدين الحقيقي.

بقي أن نشير إلى أن القواعد التي قررناها في حقل الاثراء بلا سبب تطبق في حقل دفع غير المستحق :

سواء من حيث رد الشيء إذا كان مازال موجودا لدى الموفى له ؛ أم من حيث التفريق بين الموفى له حسن النية والموفى له سيء النية بالنسبة إلى الالتزام برد الثمار ،وبالنسبة لهلاك الشيء أو تلفه وبالنسبة لبيع الشيء .

Exit mobile version