أخر الأخبار

الوفاء

يقدم لكم موقع أنفاس قانونية تلخيص حول : انقضاء الالتزام بتنفيذها عينا

الوفاء هو السبب الحقيقي والطريق المألوف لانقضاء الالتزامات : ذلك أن نشوء الالتزام صحيحا ينطوي بالضرورة على تعهد المدين بتنفيذ ما التزم به، وليس له في الأصل أن يبرئ ذمته إلا إذا قام بالوفاء بما تعهد به، وهو على نوعين وفاء يتم من المدين أو من هو في حكمه. فيقضي على الالتزام نهائيا بالنسبة للدائن والمدين معا ويزول معه كل أثر للالتزام ويسمى الوفاء البسيط. ووفاء يحصل من غير المدين فيقتصر أثره على انقضاء الالتزام بالنسبة للدائن ليس إلا دون المدين الذي تبقى ذمته مشغولة بالالتزام اتجاه دائن جديد هو شخص الموفي الذي يحل محل الدائن القديم. وهذا النوع يعرف بالوفاء مع الحلول. وهو أقرب لانتقال الالتزام منه لانقضائه. لذا فقد  عالج المشرع أحكامه في القسم الذي خصه لانتقال الالتزام. 

الفصل الأول : معنى الوفاء

يقصد بالوفاء به قيام المدين بتنفيذ الالتزام الذي رتبه على نفسه وذلك عن طريق أداء محل هذا الالتزام : فإذا كان محل الالتزام نقل حق عيني كما في التزام بائع عقار محفظ فوفاء البائع بالتزامه يكون بتسجيل ملكية العقار المبيع على اسم المشتري في السجل العقاري، وإذا اكان محل الالتزام القيام بعمل معين كالتزام المؤجر نحو المستأجر من حيث تمكينه من الانتفاع بالمأجور فإن المؤجر يعتبر قد وفى بالتزامه إذا قام بتسليم المأجور للمستأجر. 

والقاعدة الأصلية في الوفاء أنه اتفاق من نوع خاص له مقومات تميزه عن الاتفاقات العادية من حيث إنه مفروض على طرفيه ومفروض في محله. فالاتفاق المنشئ للالتزام أساسه حرية المتعاقدين الذين لهما إبرام العقد أو عدم إبرامه كما لهما إذ يبرما العقد أن يحددا محل الالتزام على الوجه الذي يرغبانه. أما الوفاء الذي يقضي الالتزام فهو اتفاق مفروض على المدين و الدائن اللذين لا مناص لهما من إبرامه ولا يستطيعان تجنبه تحت طائلة ترتب المسؤولية على المتمرد. 

كما هو اتفاق مفروض في محله إذا أن محل الالتزام هو نفسه دون غيره الي يجب على المدين أداؤه وعلى الدائن قبوله، على أن الوفاء يصبح على سبيل الاستثناء تصرفا قانونيا بإرادة منفردة هي إرادة المدين، عندما يرفض الدائن تعسفيا قبول قبض محل الالتزام، ويضطر المدين إلى اتباع اجراءات العرض الحقيقي والايداع. 

يترتب على اعتبار الوفاء تصرفا قانونيا نتيجتان هامتان :

 أولا : يتطلب في الوفاء ما يتطلب في كل تصرف قانوني من شروط انعقاد وصحة

حيث لا بد في الوفاء من توافر الرضاء وغالبا ما يكون التنفيذ المادي للالتزام تعبيرا عن هذا الرضاء، ولا بد أن يكون هذا الرضاء صادرا ممن يتمتع بالأهلية التي يحددها القانون وأن يكون سليما من العيوب التي يمكن أن تشوب الارادة من غلط أو إكراه أو تدليس أو غبن وإلا جاز الطعن بالوفاء والمطالبة بإبطاله ممن عيبت إرادته. 

ثم لا بد أن يكون للوفاء محل، ومحله هو نفس محل الالتزام المترتب تنفيذه على المدين. ولا بد أن يحمل على سبب مشروع شأنه في ذلك شأن سائر التصرفات القانونية، وسبب الوفاء هو قضاء الدين العالق في ذمة المدين. 

ثانيا : يخضع الوفاء من حيث إثباته للأحكام العامة في إثبات التصرفات القانونية

 وعليه يترتب على المدين إذا ادعى وفاء التزامه أن يقيم الدليل على هذا الادعاء لأنه من القواعد الكلية أن البينة على المدعي، وعلى هذا قرر المشرع المغربي أن الدائن إذا أثبت وجود الالتزام كان على المدين إذا ادعى انقضائه أن يثبت هو هذا الانقضاء (الفصل 400). 

يتم إثبات الوفاء بالطرق التي يتم بها إنشاء الالتزام،  فلا بد إذن فيه من دليل خطي إذا زادت قيمة الالتزام الموفى به على 10000 درهم وهذا ما أكده المشرع عندما وضع على قدم المساواة من حيث وجوب الدليل الخطي الاتفاقات الرامية إلى نشوء الالتزام وتلك التي تهدف إلى إنهائه إذا ما تجاوزت قيمة الالتزام 10000درهم (الفصل 443). 

على أن المشرع المغربي حرصا منه على تسهيل مهمة الدين من حيث حصوله على دليل لإثبات الوفاء.   قد أورد بعض الأحكام الخاصة في الفصلين 251 و 252 من قانون الالتزامات والعقود.  فالفصل 251 ينص على أن :”للمدين الذي وفى الالتزام الحق في أن يطلب استرداد السند المثبت لدينه موقعا عليه بما يفيد براءة ذمته، فإن تعذر على الدائن أن يرد سند الدين أو كانت له مصلحة مشروعة في الاحتفاظ به حق للمدين أن يطلب على نفقته توصيلا موثقا مثبتا براءته”.

والفصل 252 ورد فيه أن :”للمدين الذي يفي ببعض الالتزام الحق في أن يطلب التأشير بما يفيد حصول الوفاء الجزئي على سند الدين “.

 ففي ضوء هذين النصين يمكن تقرير القواعد التالية :

القاعدة الأولى : الأصل أن من حق المدين الذي يوفي التزامه كله أن يطلب استرداد السند المثبت للدين موقعا عليه من الدائن بما يفيد براءة ذمة المدين. وقد يتعذر على الدائن رد السند كما لو فقده أو تلف بسبب حادث قهري أو قد تكون للدائن مصلحة مشروعة في الاحتفاظ به. ففي مثل هذه الحالات يحق للمدين أن يطلب من دائنه توصيلا ليثبت فيه براءته. وإذا أراد المدين زيادة في الحيطة أن يكون هذا التوصيل موثقا، فله ذل إنما نفقات التوثيق تقع على عاتقه. 

القاعدة الثاني : إذا وفى المدين التزامه جزئيا كان من حقه أن يطلب إعطاءه توصيلا بما أداه وأن يطلب أيضا بالإضافة إلى ذلك التأشير على سند الدين بما يفيد الوفاء الجزئي.   

القاعدة الثالثة : إذا امتنع الدائن في حالة استعداد المدين وفاء دينه عن رد السند موقعا عليه بما يفيد براءة ذمة المدين أو إذا امتنع الدائن في حالة الوفاء الجزئي  عن اعطاء المدين توصيلا بذلك وعن التأشير على السند بما يفيد هذا الوفاء الجزئي، كان للمدين أن يلجأ في وفاء دينه إلى إجراءات العرض الحقيقي والايداع وعندها تقع نفقات ذلك على عاتق الدائن لأنه هو الذي امتنع دون وجه حق من تمكين المدين من الحصول على إثبات الوفاء بالطرق التي عينها القانون.

الفصل الثاني : طرفا  الوفاء

الأصل في الوفاء أنه اتفاق بين شخصين : شخص الموفي من جهة وشخص الموفى إليه من جهة ثانية

الفرع الأول : الموفي

يصلح لاتخاذ صفة الموفي الاشخاص الآتي بيانها :أ)- المدين أو نائبه، ب)-  كل شخص له مصلحة في وفاء الالتزام، ج)- أي شخص أجنبي حتى ولو لم تكن له مصلحة في الوفاء. 

الموفي هو المدين أو نائبه :

 الأصل أن المدين ذاته هو الذي يقوم بالوفاء لأن عبء الالتزام يقع عليه وله المصلحة الأولى في وفائه، ولا يعني ذلك أنه يتعين على المدين القيام بالوفاء بنفسه فالوفاء يقع صحيحا إذا قام به من ينوب عن المدين كالوكيل أو الممثل الشرعي من ولي أو وصي أو مقدم أو الحارس على اموال المدين. وقد أشار المشرع المغربي إلى ذلك في مطلع الفصل 236 حيث أعلن أنه “يجوز للمدين أن ينفذ الالتزام إما بنفسه وإما بواسطة شخص آخر “. 

على أن المدين يلزم استثناء على القيام بالوفاء بنفسه دون أحد غيره في حالتين ورد عليهما النص في الفصل 236 :

أولا : إذا اشترط الدائن صراحة على المدين أن يقوم شخصيا بوفاء الالتزام،  ففي هذه الحالة لا يسوغ للمدين أن يجعل شخصا آخر يحل محله في الوفاء حتى ولو كان هذا الشخص أفضل منه في أداء الالتزام.   

ثانيا : إذا كان يستنتج من طبيعة الالتزام أو من الظروف التي رافقته أن المدين ملزم على تنفيذ الالتزام بنفسه كأن يتمتع المدين بمهارة شخصية تكون الباعث الذي دفع إلى إبرام العقد، ففي مثل هذه الحالة حيث يكون الاعتبار الشخصي للمدين ذا أثر في نشوء الالتزام كما في التزام طبيب ماهر بإجراء عملية جراحية، يحق للدائن ان يرفض أي وفاء لا يقوم به المدين نفسه. 

 ب) الموفي هو شخص له مصلحة في وفاء الالتزام :

 علاوة على المدين أو نائبه يجوز أن يقوم بوفاء الالتزام كل شخص له مصلحة في هذا الوفاء، ويعتبر ذو مصلحة في الوفاء المدين المرتبط مع غيره في التزام تضامني أو في الالتزام غير قابل للانقسام، والكفيل الشخصي والكفيل العيني والحائز للعقار المرهون. وفي الحالة التي يقوم فيها أي واحد من هؤلاء بوفاء الدين لالتزامه به مع المدين أو عنه، يستطيع الموفي أن يرجع على المدين إما بدعوى شخصية لاسترداد ما دفعه وفاء للدين وإما بدعوى الحلول لأنه حل حلولا قانونيا محل الدائن في حقوقه وله بالتالي مطالبة المدين بهذه الحقوق نفسها (الفصل 214).

ج) الموفي هو شخص أجنبي لا مصلحة له في الوفاء :

 يجوز أن يقوم بوفاء الدين شخص أجنبي عن المدين ولا مصلحة قانونية له في هذا الوفاء. – شرط ألا يكون المدين ملزما بوفاء الالتزام بنفسه بمقتضى العقد أو بمقتضى طبيعة الالتزام حيث يتعين والحالة هاته وفاء الالتزام من المدين بالذات ومن حق الدائن رفض أي وفاء يعرض عليه من غير المدين – وقد وجد المشرع أن يشير إلى هذه المسألة فنص في الفصل 237 على أنه ” إذا لم يكن واجبا تنفيذ الالتزام من المدين شخصيا، ساغ أن ينفذ من الغير ولو برغم إرادة الدائن “.

فهكذا مثلا يستطيع صديق المدين أو قريبه أن يتقدم في الوقت العصيب لدفع الدين غن المدين تفاديا لما عسى أن يتخذه الدائن في حقه من إجراءات قد تنال من سمعته المالية. والدائن في هذه الحالة لا يستطيع الامتناع عن قبول الوفاء. وإذا ما امتنع جاز للغير اتباع اجراءات العرض الحقيقي والايداع لأن المشرع أجاز له أداء الالتزام عن المدين ولو برغم إرادة الدائن.   

وهذا الوفاء الذي يقوم به الغير لحساب المدين وإبراء لذمته يبرئ فعلا ذمة المدين (الفصل 237)،  على أن ثمة حالة يمتنع فيها على الغير وفاء الالتزام وهي الحالة التي يعرض فيها هذا الوفاء الدائن والمدين معا، ففي هذه الحالة لا يسوغ للغير القيام بالوفاء مادام الدائن والمدين اتفقا كلاهما على الممانعة في هذا الوفاء، وقد نص المشرع على ذلك في الفقرة الأخيرة من الفصل 237 حيث قال :” ولا يجوز أن ينفذ الالتزام من الغير برغم إرادة المدين والدائن معا “.

ويشترط في الموفي حتى يكون الوفاء صحيحا، أن يكون أولا مالكا للشيء الذي وفى به وأن يمون ثانيا ذا أهلية للتصرف فيه، وهذان الشرطان إنما يتطلبان عندما يكون الوفاء متعلقا بالتزامه محله إعطاء شيء، أي نقل ملكية شيء أو حق عيني عليه إلى الدائن. 

أولا : ملكية الموفي للشيء الموفى به :

 لا بد لصحة الوفاء أن يكون الموفي مالكا للشيء الذي وفاه، وإلا لم يتمكن من نقل ملكية هذا الشيء إلى الدائن ولما تحققت بالتالي الغاية المقصودة من الوفاء إذ يبقى الدائن عرضة لاستحقاق ما استوفاه من قبل المالك الحقيقي.

ثانيا : أهلية الموفي للتصرف في الشيء الموفى به :

علاوة على اشتراط كون الموفي مالكا للشيء الموفى به، يشترط لصحة الوفاء أن يكون الموفي أهلا للتصرف بهذا الشيء، وعليه لا بد في الموفي أن يكون بالغا سن الرشد القانوني وغير محجور عليه لجنون أو سفه، فإن كان قاصر أو ناقص الأهلية كان له أو لممثله الشرعي المطالبة بإبطال الوفاء. 

وحق القاصر أو ناقص الأهلية في الابطال التصرف منوطا بوجود مصلحة له في هذا الإبطال وفي استرداد الشيء الموفى به. أما إذا لم يلحق الوفاء بالقاصر أو ناقص الأهلية أي ضرر وانتفت بالتالي كل مصلحة له في الاسترداد فإن وفائه يعتبر صحيحا ولا يحق له المطالبة بإبطاله، وهذا ما قرره المشرع صراحة في الفصل 236 وبمقتضاه “الوفاء أو التنفيذ الذي يقوم على شيء مستحق ولا يضر بناقص الأهلية الذي أجراه ينقضي به الدين ولا يسوغ الاسترداد ضد الدائن  الذي قبضه”.

الفرع الثاني : الموفى لــــــــــــــــــــه

الأصل في الموفى له أن يكون الدائن أو نائبه، وإلا أن هناك بعض الحالات التي يقع فيها الوفاء صحيحا ومبرئا للذمة رغم أن الموفى له هو شخص من الغير لا صفة له لاستيفاء الدين. 

أولا : الموفى له هو الدائن أو نائبه

 ورد في الفصل 238 أنه “يجب أن يقع الوفاء للدائن نفسه أو لممثله المأذون له على وجه صحيح أو للشخص الذي يعينه الدائن لقبض الدين. ..”. فالأصل إذن أن يقع الوفاء للدائن لأنه هو صاحب الحق وهو الذي يستطيع أن يبرئ ذمة المدين من الدين المترتب عليه وعلى المحكمة عندما يطالب شخص بدين يدعيه على آخر أن تتحقق من صفة المدعي وكونه صاحب حق في استيفاء الدين وإلا كان حكمها مفتقرا إلى أساس قانوني.

وكما يصح الوفاء للدائن أو خلفه كذلك يصح لنائب الدائن لا فرق بين أن تكون هذه النيابة اتفاقية كما في الوكالة أو قانونية كما في حال الوصي أو الولي أو المقدم أو قضائية كما في حالة وكيل التفليسة.   وفي مختلف هذه الأحوال يجب أن يتثبت الموفي من صفة الموفى له ويستطيع أن يطالبه بإقامة الدليل على هذه الصفة. وبغية تسهيل إقامة الدليل على صفة من يطالب باستيفاء الدين نيابة عن المدين نص المشرع في الفصل 239 على أن “من قدم توصيلا أو إبراء من الدائن أو سندا يأذن له بقبض ما هو مستحق له افترض فيه أنه مأذون في استيفاء الالتزام ما لم يكن المدين في واقع الأمر قد علم أو كان عليه أن يعلم أن لا حقيقة لهذا الإذن”. 

ثانيا : الموفى له هو شخص من الغير

 إذا كان الأصل أن كل وفاء لغير الدائن أو نائبه يقع باطلا ولا يبرئ ذمة المدين الذي يبقى ملتزما بالوفاء ثانية لصاحب الحق،  فإن هذا  الوفاء وعلى وجه الاستثناء يكون صحيحا في بعض الحالات ورد النص عليها في الفصلين 238 و240 من قانون الالتزامات والعقود.   

فالفصل 238 جاء فيه أن :”الوفاء لمن ليست له صلاحية استيفاء الدين لا يبرئ ذمة المدين إلا  : 1 إذا أقره الدائن ولو ضمنيا أو استفاد منه، 2 – إذا أذنت به المحكمة، وبمقتضى الفصل 240 “يكون صحيحا الوفاء الحاصل بحسن نية لمن يحوز الحق، كالوارث الظاهر ولو استحق منه فيما بعد”.   

ففي ضوء هذه النصوص يتبين أن الوفاء لشخص لا صفة له في استيفاء الدين يكون صحيحا في إحدى الحالات الأربع التالية :

الحالة الأولى : إذا أقره الدائن

 قد يوفي المدين الدين لوكيل انتهت وكالته، أو عزل عن الوكالة أو تجاوز حدودها أو قد يوفيه لشخص يدعي أنه مأذون بالقبض مع أنه ليس كذلك في الواقع ففي مختلف هذه الفرضيات وما شابهها يعتبر الوفاء باطلا ولا يبرئ ذمة المدين، ومع ذلك إذا أقر الدائن الوفاء أضحى صحيحا لأن هذا الاقرار من شأنه يقلب الموفي له من فضولي إلى وكيل عملا بالقاعدة الكلية القائلة “الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة” وللإقرار هنا أثر رجعي بمعنى أن الوفاء يعتبر صحيحا لا من وقت صدور الاقرار بل من وقت وقوع الوفاء.   

الحالة الثانية : استفادة الدائن منه

إذا وفى المدين الدين لغير الدائن وعاد هذا الوفاء بمنفعة على الدائن، فإن الوفاء يعتبر صحيحا ومبرئا لذمة المدين بقدر المنفعة التي عادت عليه.

الحالة الثالثة : إذا أذنت به المحكمة

 إذا أذنت المحكمة للمدين أن يقوم بوفاء دينه لغير الدائن،  فمثل هذا الوفاء يعتبر صحيحا ومبرئا للذمة. والمثال التقليدي على هذه الحالة وفاء المدين الدين لدائن أو دائني دائنيه بناء على قرار من القضاء يصدر إثر إجراءات الحجز لدى الغير. فكل دائن يستطيع أن يحجز ما لمدينه لدى الغير إما بناء على سند تنفيذي وإما بناء على إذن من القاضي يمنح استنادا إلى طلب خطي مع الرجوع إلى هذا القاضي إذا وجدت صعوبة (الفصل 320 من قانون المسطرة المدنية). 

الحالة الرابعة : إذا وقع الوفاء لدائن ظاهر

 إذا وفى المدين الدين عن حسن نية لدائن ظاهر وجب الاعتداد بهذا الوفاء وترتب اعتبار ذمته بريئة اتجاه الدائن الحقيقي من الدين الذي وفاه للدائن الظاهر، ويقصد بالدائن الظاهر الدائن الذي لا يملك الدين حقيقة ولكن يحوز هذا الدين ظاهرا بحيث يظنه الناس جميعا أنه هو الدائن الحقيقي.  وصحة الوفاء للدائن الظاهر مشروطة بكون الموفي حسن النية أي أن يعتقد عند الوفاء أنه يؤدي الدين إلى صاحبه الحقيقي  أما إذا كان سيء النية كأن يكون عالما بوجود الدائن الحقيقي، فإن وفائه الدين للدائن الظاهر لا يبرئ ذمته اتجاه الدائن الحقيقي.

 ولا يتطلب لصحة الوفاء للدائن الظاهر توافر حسن النية لدى هذا الدائن، فالوفاء يبقى صحيحا حتى ولو كان الدائن الظاهر سيء النية أي عالما حقيقة أمره ذلك أن الحماية التي أقرها القانون ليست متجهة إلى الدائن الظاهر بل إلى المدين الذي وفاه الدين عن حسن نية. وطبيعي أن للدائن الحقيقي في حالة الوفاء للدائن الظاهر أن يرجع على هذا الدائن بدعوى الإثراء بلا سبب لاسترداد ما استوفاه دون حق إذا كان حسن النية وقت استيفاء الدين كما له أن يرجع عليه بالتعويض وفقا لقواعد المسؤولية التقصيرية إذا كان الدائن الظاهر سيء النية بأن كان يعلم ألا حق له فيما استوفاه. 

يشترط حتى يعتبر الوفاء صحيحا أن يكون الموفى له أهلا لاستيفاء الدين ذلك أن الوفاء يعتبر بالنسبة إليه تصرفا في الدين فلا بد إذن أن يكون أهلا لهذا التصرف أي أن يكون راشدا غير محجور عليه،   أما إذا كان قاصرا أو ناقص أهلية فلا يجوز الوفاء إلا لنائبه الشرعي من ولي أو وصي أو مقدم، وعليه إذا تم الوفاء لقاصر أو ناقص أهلية فإنه يقع وفاء قابلا للإبطال، وهذا الابطال مقرر لمصلحة الموفى له القاصر أو ناقص الأهلية وحده دون الموفي الذي لس له أن يتمسك بالإبطال لاسترداد ما دفع. 

على أن الوفاء لمن لا يتمتع بأهلية استيفاء الدين يصبح وفاء صحيحا إذا عاد عليه بالمنفعة حيث تبرأ ذمة الموفي بقدر هذه المنفعة، وقد ورد بهذا المعنى في الفصل 241 أن “الوفاء الحاصل لناقص الأهلية يكون صحيحا إذا أثبت المدين أنه استفاد منه على معنى الفصل 9 والذي بالرجوع إليها نجد أنها تنص على أنه : يكون هناك نفع إذا أنفق ناقص الأهلية الشيء الذي تسلمه في المصروفات الضرورية أو النافعة أو إذا كان هذا الشيء لا زال موجودا على حاله”. 

ويتضح من نص الفصل 241 أن الموفي هو المكلف بأثبات المنفعة التي عادت على الدائن ناقص الأهلية، وله أن يثبت ذلك بجميع الطرق القانونية بما في ذلك الشهادة والقرائن لأن حصول المنفعة من الوقائع المادية التي يجوز إثباتها بجميع وسائل الإثبات. وتجدر الإشارة إلى أنه لا يشترط استمرار المنفعة التي جناها القاصر أو ناقص الأهلية من الدين الذي استوفاه، بل يكفي أن تكون قد حصلت له فعلا فيعتد بها ولو زالت فيما بعد. 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

"لا تقرأ وترحل شاركنا رأيك"

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من أنفاس قانونية

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading