أخر الأخبار

إثبات عقد التأمين وانتهاؤه

مقدمة

يعتبر عقد التأمين من العقود الأكثر انتشارا وشيوعا، حيث أبانت على قدرتها في غزو ميادين ومجالات مختلفة، وطفحت بشكل بارز على مستوى العقود الأخرى.

وبغية وضع إطار قانوني ملائم لقطاع التأمين ببلادنا قام المشرع المغربي بإصدار القانون رقم 17.99 المتعلق بمدونة التأمينات[1]، وبما أن التعريف هو من المفاتيح المساعدة على فهم أي موضوع، فإن المشرع المغربي وخلاف جل التشريعات المقارنة تولى وضع تعريف لعقد التأمين في الفقرة 30 من المادة الأولى من مدونة التأمينات بأنه: “اتفاق بين المؤمن المكتتب من أجل تغطية خطر ما ويحدد هذا الاتفاق التزاماتهما المتبادلة”. وبما أن التعاريف اختصاص فقهي محض قام بعض الفقه بتعريف نظام التأمين باعتباره : “عملية يحصل بواسطتها أحد الطرفين وهو المؤمن له نظير قسط يدفعه على تعهد لصالحه أو لصالح الغير، بأن يدفع له الطرف الآخر الذي هو المؤمن في حالة تحقق خطر معين أداء محدد عن طريق تجميع مجموعة من المخاطر وإجراء المقاصة بينها وفقا لقوانين الإحصاء”.[2]

وظهرت أول بوادر إنشاء نظام التأمين في المغرب سنة 1916 بحيث تأسست أول شركة مغربية للتأمين بطنجة أطلق عليه اسم “المغرب” إلا أنها لم تعمر طويلا إذ توقفت عن العمل مع نهاية الحرب العالمية الأولى، وفي سنة 1919 صدر قانون التجارة البحرية المغربي الذي جاء بعدة مقتضيات منظمة للتأمين البحري، وبحصول المغرب على استقلاله ارتفع عدد شركات التأمين الفرنسية بالمغرب نتيجة فرار رؤوس الأموال من فرنسا عقب الاحتلال الألماني لها، فتأسست في الفترة مابين 1941 و 1951، 23 شركة تأمين من أصل فرنسي، إلا أن أول شركة التأمين تأسست برأسمال مغربي هي الشركة الملكية المغربية للتأمين التي تأسست سنة 1950 وبعد ذلك ارتفع عدد شركات التأمين الأجنبية العاملة فيه وتطور سوق التأمين تطورا ملحوظا بسبب تبني برامج التنمية الاقتصادية في البلاد مع ما يترتب على ذلك من ازدياد الحاجة للتأمين.

واستجابة لمتطلبات قطاع التأمين قام المشرع المغربي بإصدار مدونة جامعة مانعة للتأمينات سنة 2002.

وإن موضوع إثبات عقد التأمين وانتهاؤه لمن المواضيع الهامة التي تطرحها مدونة التأمينات وتتمظهر أهمية هذا الموضوع في شقين، من حيث الإثبات في عقد التأمين نظرا لما قد ينجم عن تطبيق عقد التأمين من نزاعات بين طرفيه المؤمن والمؤمن له، الأمر الذي يحتم ضرورة البحث عن وسائل بمقتضاها تثبت حقوق طرفي عقد التأمين، وخاصة الوسائل المسموحة للمؤمن له الذي غالبا[3] ما يكون في مركز ضعيف قياسا بالمؤمن.

ومن حيث طرق انقضاء عقد التأمين وزواله مما يترتب عن ذلك من تحلل لكل طرف في عقد التأمين من التزاماته والواجبات الملقاة على عاتقه.

وهكذا فإن الإشكالية التي يتمحور حولها الموضوع هي ذات طابع مزدوج، ويمكن طرحها بالصيغة الآتية: ما هي وسائل إثبات عقد التأمين الواردة في مدونة التأمينات ؟ وما هي طرق انقضاء عقد التأمين ؟

وسنعالج هذه الإشكالية على ضوء قانون رقم 17.99 المتعلق بمدونة التأمينات وذلك من خلال مبحثين اثنين:(المبحث الأول) إثبات عقد التأمين، (المبحث الثاني) انقضاء عقد التأمين.

المبحث الأول: إثبات عقد التأمين

يترتب على عقد التأمين حقوق عديدة سواء للأغيار الذين قد يتعرضون لضرر من الشيء المؤمن عليه أو المؤمن له الذي قد يتعرض للخطر المؤمن منه في أي وقت من الأوقات، وحماية لهم حدد المشرع المغربي وسائل إثبات عقد التأمين من خلال المادة 11 من مدونة التأمينات وتتمثل في كل من مذكرة التغطية المؤقتة (المطلب الأول) وبوليصة التأمين وملحق التأمين وهو ما سنعالجه في (المطلب الثاني).

المطلب الأول : دور مذكرة التغطية المؤقتة في إثبات عقد التأمين

إن تقديم طالب التأمين لاقتراح التأمين إلى المؤمن، دائما يستتبع انتظار صدور قرار من المؤمن بشأن هذا الاقتراح، غير أنه غالبا ما نجد المؤمن لا يقوم بتحرير الوثيقة النهائية إلا بعد مرور فترة من الزمن مما يكون معه الخطر الذي قد طلب التأمين بشأنه غير مغطى، بل إنه قد يتحقق قبل أن يتم تحرير الوثيقة النهائية، فلا يتقاضى المؤمن له أي تعويض، لهذا فإن شركات التأمين تقدم للمؤمن له وسيلة تغطي له الخطر خلال هذه الفترة والمتمثلة في مذكرة التغطية، وسنتناول في هذا المطلب شكل المذكرة المؤقتة(الفقرة الأولى) بالإضافة إلى طبيعتها الإلزامية(الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : مدلول مذكرة التغطية المؤقتة

عرف المشرع المغربي مذكرة التغطية بأنها وثيقة تجسد التزام المؤمن و المؤمن له و تثبت وجود اتفاق بينهما في انتظار إعداد بوليصة التأمين.[4]

ولم يوفق المشرع حين أقحم نفسه في تعريفات هي من اختصاص الفقه لأنه بتعريفه هذا حدد  الطبيعة القانونية لمذكرة التغطية، إذ اعتبرها دليلا مؤقتا على اتفاق نهائي، بتعبير   آخر، هي دليل على التعاقد إلى وقت تحرير وثيقة التأمين، وهو بذلك يستبعد أن تكون مذكرة التغطية تثبت وجود اتفاق مؤقت قائم بذاته وبالتالي يستبعد حاجة المؤمن إلى الوقت لفحص طلب المؤمن له حتى يمكنه تقدير قبوله أو رفضه، فكان حريا به أن يبتعد عن التعريف حتى يترك للمتعاقدين الحرية في تحديد الغاية التي يريدانها من مذكرة التغطية.[5]

كما نصت المادة 11 من مدونة التأمينات في فقرتها الثالثة على إجازة التأمين بواسطة مذكرة التغطية المؤقتة بقولها : “لا تحول هذه الأحكام دون التزام المؤمن والمؤمن له تجاه بعضهما البعض بواسطة تسليم مذكرة تغطية ولو قبل تسليم عقد التأمين أو الملحق”. وطالما أن إعداد عقد التأمين والتوقيع عليه قد يحتاج لبعض الوقت، ولا يعقل أن يبقى المؤمن له بدون تغطية من الخطر الذي يهدده خلال هذه الفترة. لذلك أجاز المشرع المغربي على غرار باقي التشريعات المعاصرة، إمكانية الاتفاق بين طالب التأمين والمؤمن على توفير التغطية في الفترة التي تسبق إبرام عقد التأمين بشكل نهائي عن طريق مذكرة التغطية.

وتعتبر مذكرة التغطية المؤقتة حجة على إبرام عقد التأمين ومن تم فهي تثبت تغطية المؤمن له للخطر المؤمن منه إلى حين تسليم بوليصة التأمين أو شهادة التأمين إلى المؤمن له[6].

وتصدر هذه المذكرة المؤقتة من المؤمن مكتوبة وموقعة منه، وتفترض هذه المذكرة وجود اتفاق سابق، حيث يقتصر دور المذكرة فقط على إثبات هذا الاتفاق مؤقتا لحين إتمام العقد وتسليم وثيقة التأمين، فلا يشترط فيها أي شكل خاص فأي محرر وأية كتابة تكفي والغالب عدم اشتمال مذكرة التغطية المؤقتة لكافة البيانات التفصيلية التي تشتمل عليها عادة وثائق التأمين، وإنما تقتصر بيانات المذكرة المؤقتة على نوع التأمين والخطر المؤمن منه ومبلغ التأمين و القسط ومدة التأمين، إضافة إلى ذلك فهي تشتمل على توقيع واحد هو توقيع المؤمن أو من ينوب عنه.[7] وخلافا لعقد التأمين، فإن مذكرة التغطية غالبا ما تكون موقعة  من قبل وكيل التأمين أو سمسار التأمين لحساب مقاولة التأمين[8].

وتستخدم مذكرة التغطية إلى جانب وثيقة التأمين، في إثبات عقد التأمين بين الطرفين المؤمن والمؤمن له، وباطلاعنا على التشريع المقارن نجد أن المشرع  ينص في  المادة .112.20.L من تقنين التأمين الفرنسي أنه تثبت الالتزامات المتبادلة للمتعاقدين عن طريق مذكرة التغطية أو عن طريق وثيقة التأمين.[9]

وقد تكون مذكرة التغطية إما لتقييم دليل على حصول اتفاق نهائي بين الطرفين أو تكون دليلا على اتفاق مؤقت لتغطية الخطر المؤمن منه بصفة مؤقتة وهو ما سنتناوله في الفقرة المولية.

الفقرة الثانية : الطبيعة الإلزامية للمذكرة المؤقتة

تختلف طبيعة المذكرة التغطية المؤقتة في قوة إلزاميتها  باختلاف الغاية منها، فقد يقصد مجرد أن تكون دليلا مؤقتا على حصول اتفاق نهائي، وإما أن تكون مجرد اتفاق مؤقت.

أولا :  حالة اعتبار مذكرة التغطية اتفاق نهائي

إن الظروف التي صدرت فيها المذكرة المؤقتة يستفاد منها أنها دليل على حصول اتفاق نهائي على التأمين، مع احتفاظ كل طرف بحقه في العدول عن هذا الاتفاق.

فالمذكرة التفصيلية تثبت اتفاقا بين المؤمن و المؤمن له على إبرام عقد التامين بالشروط المتفق عليها فهي بذلك تمثل دليل إثبات على عقد تأمين نهائي تقوم مقامه إلى حين تحريره، بحيث إن عقد التأمين يعتبر في هذه الحالة قد تم إنشاؤه من وقت تسليم وصل مذكرة التغطية إلى المؤمن له. ولهذا الأخير أن يطالب بموجبها بكل الالتزامات التي تنشأ عن العقد كما يثبت للمؤمن في مطالبة المؤمن له بتنفيذ التزاماته، وفي حالة تحرير وثيقة التأمين فإن وثيقة مذكرة التغطية تنتهي ويكون تاريخ التأمين هو التاريخ المحرر فيها.

أما في حالة تعارض ما بين الشروط الواردة في مذكرة التغطية المؤقتة و الشروط الواردة في عقد التأمين النهائي، فيجوز لقاضي الموضوع تغليب الشروط الواردة في مذكرة التغطية لأنها تشكل الأساس الذي بني عليه عقد التأمين النهائي.

أما في حالة وجود نقص في مذكرة التغطية فيجب الرجوع إلى الشروط العامة التي يضمنها المؤمن عادة في نماذج وثائق عقود التأمين.[10]

فالأطرف قد اتفقوا بصفة نهائية على إبرام عقد التأمين، وكل ما يحدث هو أن يسلم للمؤمن له مذكرة مؤقتة تمثل دليل إثبات مؤقت إلى أن يحرر المؤمن الدليل النهائي ونقصد وثيقة التأمين فيعتبر العقد قد أبرم من تاريخ وصول المذكرة إلى المؤمن له، وهي بذلك تقوم مقام وثيقة التأمين النهائية وتمثل دليلا يثبت به التزامات الطرفين، فإذا حررت وثيقة التأمين حلت محل المذكرة.[11]

ثانيا : حالة اعتبار مذكرة التغطية اتفاقا مؤقتا

يستفاد من هذه الحالة أن القصد من تسليم المذكرة المؤقتة لطالب التأمين أن تكون على شكل دليل مؤقت للحصول على اتفاق التأمين، مع ذلك يبقى احتفاظ كل من المؤمن والمؤمن له بحق العدول عن هذا الاتفاق بعدم إتمام العقد نهائيا طالما لم تسلم الوثيقة النهائية لطالب التأمين، حيث إن المؤمن يحتاج إلى وقت لكي يتثبت من حقيقة الخطر الذي يتولى تأمينه ففي هذه الحالة قد يعطي المؤمن والوسيط ضمانا مؤقتا في مقابل دفع القسط حتى يتضح الموقف النهائي للمؤمن، إما أن يقبل التأمين ويرسل الوثيقة الموقعة من طرف من يمثله إلى المؤمن له فيصبح العقد في هذه الحالة نهائيا، بحيث إن العقد يحل محل المذكرة المؤقتة مع مراعاة حق المؤمن في العدول عن طلبه قبل وصول القبول وإما أن يرفض المؤمن له فيقف الضمان المؤقت ويزول أثر المذكرة المؤقتة في هذه الحالة، وما على المؤمن إلا أن يرد جزء من القسط يوازي المدة التي سيتحلل منها المؤمن خلالها من الضمان.[12]

ويبدو أن المشرع المغربي حسم في الطبيعة القانونية لمذكرة التغطية معتبرا إياها بمثابة دليل مؤقت على اتفاق نهائي، فهي حجة مؤقتة إلى حين تحرير وثيقة التأمين،  تقوم مقام العقد النهائي[13] بما تتضمنه من بيانات وعناصر أساسية لعقد التأمين والتي تم النص عليها في بيان المعلومات المتعلقة بشروط التعاقد  وخاصة ما تعلق بالخطر المؤمن منه والاستثناءات من الضمان وقسط التأمين ومبلغ التأمين.

والملاحظ أن العلة التي يستند عليها الفقه في تبرير اعتماد مذكرة التغطية ضمن وثائق التأمين التعاقدية تنطلق أساسا في أن تحرير الوثيقة النهائية وإعدادها لتوقيعها وإرسالها إلى طالب التأمين، تبدو في الوقت الراهن حجة غير مقنعة نظرا لتطور وسائل الاتصالات الحديثة التي تعتمد على السرعة والدقة سواء في كتابة العقد أو في أخذ ملاحظات عليه خاصة إذا علمنا أن تحرير مذكرة التغطية يفيد أن المؤمن قد قبل طلب التأمين بصفة نهائية.

فمذكرة التغطية تشكل وسيلة أساسية لإخبار المؤمن له بشروط التعاقد التي تعتبر منطلقا لتحرير العقد النهائي،[14] إذا كان القانون لا ينص على أية مدة محددة  تستغرقها مذكرة التغطية[15] إلا أنه يشار عادة إلى التاريخ الذي يلتمس فيه تأسيس العقد النهائي والذي غالبا ما يكون 30 يوما.

والتساؤل المطروح هو: ماذا لو انصرمت هذه المدة دون تأسيس العقد؟ فهل ينتهي الضمان تلقائيا أو أنه سيمدد حتى مع عدم حصول التوقيع على وثيقة التأمين النهائي ؟

إن موقف الاجتهاد القضائي الفرنسي غير مستقر، وهكذا قضت محكمة النقض بتمديد الضمان في إحدى القضايا إلا أنها في قضية أخرى قضت نفس الغرفة بأنه بعد انصرام أجل الضمان المحدد في 30 يوما ينتهي وجود الضمان لاسيما إذا رفض المؤمن له التوقيع على الوثيقة التي قدمت له بدعوى أن الأقساط المطلوب سدادها جد مرتفعة .
 ويحق للمؤمن له بعد انصرام مدة صلاحية مذكرة التغطية التحلل منها تماما كما لو تعلق الأمر بعقد التأمين، وترتب مذكرة التغطية جميع آثارها القانونية ابتداء من التاريخ المحدد فيها أو تاريخ إرسالها إلى المؤمن له أو وقت تسليمه إياها، وليس بالضرورة أن تكون موقعة من قبل المؤمن له، بل يكفي أن تكون موقعة من قبل المؤمن فقط مادام أن حيازته لهذه المذكرة دليل على حصول الرضا بشأنها .

وهكذا جاء في قرار للمجلس الأعلى بتاريخ 5 / 7 /1979 :” لا يشكل عقد التأمين مجرد إعطاء وصل عن أداء المبلغ الذي اقترحه المؤمن عن الأخطار المتوقعة من طرفه مادام لا يحمل أي تعهد من طرف شركة التأمين ولا يتضمن ما يجب أن تشتمل عليه شهادة التغطية .”
   نفس الاتجاه أقره القضاء اللبناني بحيث جاء في قرار لمحكمة الاستئناف ببيروت بتاريخ 10 كانون الثاني 1956 :” لا يمكن اعتبار الإيصال المثبت دفع مبلغ من المال على حساب بدل الضمان مذكرة وقتية عندما لا يكون من تسلم ذلك المبلغ شركة ضمان ولا يتضمن الإيصال المعطى منه أي شرط من شروط الضمان ولا يبقى الأخطار المضمونة والمبلغ المؤمن عليه وقبول شركة التأمين بالضمان”[16] .

وفي حالة تحرير مذكرة التغطية المؤقتة، ويتضح من خلالها أنها لم تبين ما إذا كانت بمثابة اتفاق مؤقت على التأمين أو بمثابة دليل مؤقت على حصول العقد نهائيا.[17]

المطلب الثاني: دور بوليصة التأمين في إثبات عقد التأمين

إن خاصية الرضائية التي تطبع عقد التأمين، تتيح إمكانية إثباته بكافة وسائل الإثبات الواردة في قانون الالتزامات والعقود، إلا أن هذه الخاصية لم تجعل المشرع يركن إليها دون غيرها، إنما وضع آليات ترتبط بعقد التأمين في مرحلة تكوينه الغرض منها الإثبات، لعل من أفضل هذه الوسائل وأمضاها من حيث الفعالية ما يسمى ببوليصة    التأمين، وللإلمام بالدور الذي تضطلع به بوليصة التأمين في الإثبات سنعمل على دراستها من ثلاث زوايا، من حيث الحجية (الفقرة الأولى)، ومن حيث التفسير (الفقرة الثانية)، ومن حيث ملحق بوليصة التأمين (الفقرة الثالثة).

الفقرة الأولى: حجية بوليصة التأمين

لقد أقدم المشرع على تعريف بوليصة التأمين في الفقرة 11 من المادة الأولى من مدونة التأمينات بأنها: “وثيقة تجسد عقد التأمين وتبين شروطه العامة والخاصة”، فبعد استقرار رغبة الأطراف النهائية حول إبرام العقد، فإن المؤمن يعمد إلى تحرير وثيقة يصطلح عليها بوليصة التأمين، وتعتبر هذه الوثيقة سندا لإثبات عقد التأمين، وليست عقد التأمين كما ذهب إلى ذلك بعض الفقه.[18]

وتتميز بوليصة التأمين عن عقد التأمين في كونها تكون أكثر تفصيلا عنه، فهي بمثابة المحرر المثبت لوجود عقد التأمين، وبمعنى آخر وسيلة معدة لإثباته والاحتجاج به.[19]

وما هذا الخلط بين بوليصة التأمين وعقد التأمين إلا دليل على قوة حجية البوليصة، إلى درجة أن البعض رفعها إلى مكانة عقد التأمين، ومع إقرارنا بالبون الشاسع بين بوليصة التأمين وعقد التأمين وفق التفصيل المبين أعلاه.

كما يتعين علينا رفع اللبس الذي يخيم على شهادة التأمين والبوليصة فيفضي إلى الخلط بينهما أحيانا فشهادة التأمين شيء وبوليصة التأمين شيء آخر، فإذا كان كلاهما يأتي في شكل مستند يعده المؤمن في الغالب في شكل نموذج مطبوع للدلالة على قيام عقد    التأمين ولتحديد التزامات أطرافه، فإنهما يختلفان اختلافا بينا، فشهادة التسليم هي مجرد وثيقة يسلمها المؤمن للمكتتب تثبت وجود التأمين، فهي من تم ترد بشكل مختصر بحيث لا تتضمن كافة شروط التعاقد وإنما الأساسي منها، كل هذا يعني أن تسليم المؤمن لشهادة التأمين للمكتتب يكون مقرونا بتسليمه بوليصة التأمين.[20]

يستفاد من هذا التحليل، أن بوليصة التأمين تتفوق على شهادة التأمين في ميدان الإثبات، فالأولى أعم وأشمل من الثانية من حيث الشروط المضمنة بها.

وهكذا، فإن بوليصة التأمين تشتمل على نوعين من الشروط:

شروط عامة مطبوعة عادة يضعها المؤمن وفق نموذج معد لذلك، وترد في كل صنف من أصناف التأمين.

وشروط خاصة تتعلق بكل عقد وتكتب بالآلة الكاتبة أو باليد، وتتعلق على الخصوص بتحديد الخطر المؤمن منه، ومدة العقد والمبلغ المؤمن عليه وأقساط التأمين، والمكتتب والمستفيد عند الاقتضاء.[21]

وحتى تنشأ بوليصة التأمين مزودة بما من شأنه أن يمنحها الحجية في الإثبات، فقد اشترط المشرع المغربي أن تكون مكتوبة بحروف بارزة تارة وبحروف جد بارزة تارة أخرى، فقد كانت شركات التأمين العاملة بالمغرب تميل إلى إعفاء نفسها من الضمان بواسطة عرض عقود طويلة ومكتوبة بأحرف صغيرة على المؤمن لهم، ما يحول دون قراءتها، وكان المؤمن له يفاجأ بالاستثناء من عقد التأمين الذي يثيره المؤمن عند وقوع الكارثة، ولم يكن ذلك خاصا بالمغرب، وإنما كذلك كان الحال في فرنسا أيضا.[22]

ولتلافي ذلك، أوجبت المادة 11 من مدونة التأمينات على المؤمن كتابة عقد التأمين بأحرف جد بارزة ونص ما به الغرض منها: ” يجب أن يحرر عقد التأمين كتابة بحروف جد بارزة “.

والكتابة هنا شرط إثبات وليست شرط انعقاد بحيث يمكن إثبات العقد في غياب الكتابة بجميع وسائل الإثبات القانونية عدا الشهادة واليمين، وهكذا جاء في قرار صادر عن المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) صادر بتاريخ 3/6/98 : ” لكن حيث إن عقد التأمين عقد رضائي يمكن إثباته بوثيقة التأمين أو بمذكرة التغطية التي يمكن إثباتها بالوصل الذي تسلمه شركة التأمين للمؤمن له أو بالكتب المتبادلة أو ببرقية من المؤمن للمؤمن له”.[23]

يلاحظ على هذا القرار ــ ولو أنه قديم نسبيا ــ أنه يسعف في تحديد مدلول الكتابة في عقد التأمين لما اعتبرها وسيلة إثبات ليس إلا.

وإذا كان العقد يتضمن شروطا للبطلان أو سقوط الحق في الضمان أو حالات انعدام الضمان، فقد اشترطت المادة 14 من مدونة التأمينات كتابتها بأحرف جد بارزة، على أنه عندما تفوق مدة العقد سنة فيجب كتابتها بحروف جد بارزة أعلى توقيع المكتتب، ويميل بعض القضاء إلى أن الكتابة بأحرف مائلة لا تعتبر كتابة جد بارزة عندما يكون العقد مكتوبا بأحرف عادية، فالمقصود بعبارة أحرف جد بارزة التي يشترطها المشرع أن تكون هذه  الحروف مميزة عن غيرها بطباعتها أو شكلها أو لونها بشكل يسهل قراءتها مقارنة مع غيرها.[24]

ولا يمكن للباحث إلا أن ينوه بموقف المشرع المغربي في المواد 6 و11 و14 لما اشترط الكتابة وفي حالات معينة الكتابة بأحرف جد بارزة، لأن هذه الكتابة تقف سدا منيعا أمام كل تملص من قبل المؤمن وتصبغ على بوليصة التأمين حجية ثبوتية قوية جدا.

وفي هذا الصدد يطفو إلى السطح إشكال يتعلق بلغة تحرير بوليصة التأمين لأن المشرع لم يحدد لغة التعاقد، بمعنى أن أي لغة كتبت بها بوليصة التأمين فهي مقبولة من الناحية القانونية ولو كان أحد الأطراف لا يفهمها.[25]

وقد كان حريا بالمشرع المغربي أن يفصح عن لغة تحرير بوليصة التأمين حتى لا تتضرر مصالح المؤمن لهم الذين لا يحسنون اللغات الأجنبية.

الفقرة الثانية: تفسير بوليصة التأمين

لا ريب أن الكتابة تشكل حجر الزاوية في دور بوليصة التأمين في الإثبات، إلا أنه كثيرا ما يحتاج فحوى العقد إلى تفسير.

ويخضع تفسير عقد التأمين للقواعد العامة في تفسير العقود شأنه شأن كافة العقود، وفي هذا الصدد يمكن الرجوع إلى ما ورد في الفصول من 461 إلى 463 من قانون الالتزامات والعقود لتسهيل مهمة القاضي الذي يجد نفسه أمام عقود غامضة، فقاضي الموضوع هو صاحب الاختصاص في هذه الحالة التي يعمد من خلالها إلى تفسير وثيقة التأمين والبحث عن إرادة المتعاقدين والاعتداد بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني.[26]

فإذا كانت الشروط الواردة في العقد واضحة ودقيقة، فإنها لا تحتمل أي تفسير حينئذ ويجب إعمالها على حالها، ولا يمكن للقاضي أن يتجاهلها أو يعدل فيها ولو من منطلق تحقيق العدالة.[27]

أما إذا كانت تلك الشروط غامضة ومتضاربة، فيختلف الحكم بحسب الحالات التالية :

إذا كان أحدهما واضحا والآخر غامضا، رجح الشرط الواضح، وإذا كان هناك تعارض بين الشروط العامة وبين مضمنات الوثائق الأخرى الملحقة بها، والشروط الخاصة للملحقات، ومذكرة التغطية المؤقتة فإن هذه الأخيرة هي التي ترجح.[28]

وفي حالة تعارض شرطين أحدهما مطبوع والآخر مكتوب باليد أو بالآلة الكاتبة، فإن القاضي يعمل بالشرط المكتوب.[29]

وعموما فإن الغموض في شروط عقد التأمين يفسر لصالح المؤمن له لأن العقد هنا عقد إذعان والقاعدة في هذه العقود هي أن تفسير الشروط يكون لصالح الطرف الضعيف.

الفقرة الثالثة: ملحق بوليصة التأمين

تولى المشرع تعريف ملحق بوليصة التأمين في المادة الأولى من مدونة التأمينات بأنه: “اتفاق إضافي بين المؤمن والمؤمن له يتمم أو يعدل عقد التأمين ويصبح جزءا لا يتجزأ من بوليصة التأمين”.

يستشف من هذه المادة أن ملحق بوليصة التأمين يرتبط وجودا وعدما ببوليصة التأمين وبالتبع، فهو يقوم بدور على جانب من الأهمية في مجال الإثبات، حيث إن أي تعديل أو إضافة يجب كتابتها في ملحق يوقعه كل من المؤمن والمؤمن له وهذا ما أكدته الفقرة الثانية من المادة 11 من المدونة، حيث جاء فيها: “يجب إثبات كل إضافة أو تغيير في عقد التأمين الأصلي بواسطة ملحق مكتوب وموقع من الأطراف”.

وبالنظر إلى ما لهذه الإضافات اللاحقة من أهمية وتأثير على بوليصة التأمين كان من الضروري توفر شروط في هذا المحلق ألا وهي :

  • أن تكون وثيقة التأمين الأصلية قائمة وليس بشرط أن تكون نافذة بل قد تكون موقوفة التنفيذ، ومع ذلك يعتبر الملحق قائما فيظل هو الآخر موقوفا حتى نفاذ الوثيقة الأصلية.[30]
  • أن يجري الملحق تعديلا أو إضافة في عقد التأمين الأصلي يتعلق أساسا، بتغير المستفيد من التأمين أو الخطر المضمون أو الزيادة في مبلغ التأمين أو في مدته.[31]
  • يجب أن يتم التعديل باتفاق الطرفين.

يستخلص من هذا السرد للشروط المذكورة، أن ملحق بوليصة التأمين إذا استجمع شروطه فإنه يشكل حجة دامغة على كل تعديل أو إضافة تطال العقد الأصلي، ويبتدئ سريان آثار الملحق من وقت توقيع الطرفين عليه ما عدا إذا ارتضيا موعد آخر     لسريانه، ولا يسري الملحق في نظر بعض الفقه في حق الغير في التأمين من المسؤولية إلا إذا كان ثابت التاريخ وسابقا على وقوع الحادث المسبب للضرر دون ضرورة أو حاجة لإثبات التواطؤ.[32]

المبحث الثاني: انقضاء عقد التأمين

يعتبر عقد التأمين من العقود المستمرة، وينتهي نتيجة ذلك بانتهاء المدة التي حددها له طرفاه في عقد التأمين، و لكن هذا لا يمنع أي طرف من أطرافه من المطالبة بفسخ أو بإنهاء العقد حتى قبل اكتمال مدته، كما أن القانون قد يتدخل ليسمح لكل طرف أن يتخلص من التزاماته العقدية قبل انتهاء المدة المتفق عليها في بوليصة التأمين. و على هذا النحو يتم إنهاء عقد التأمين إما بانتهاء مدته ( المطلب الأول )،و إما بفسخه ( المطلب الثاني ).

المطلب الأول: انقضاء عقد التأمين بانتهاء مدته

ينقضي عقد التأمين بانقضاء مدته ( الفقرة الأولى )، لكنه قد يمتد ضمنيا لمدة أخرى باتفاق طرفي العقد ( الفقرة الثانية ).

الفقرة الأولى: انقضاء مدة عقد التأمين

لا يمكن تصور قيام عقد التأمين إلا في امتداد زمني يحدده الطرفان صراحة أو ضمنا[33]، و قد جرت العادة في العقود التأمين على تحديد مدة العقد[34] بسنة واحدة، يبدأ سريانها من وقت العقد، ولذلك فإذا لم  يحدد الطرفان صراحة مدة معينة للعقد، أمكن القول بأن مدة العقد تكون سنة واحدة باعتبار انصراف إرادتهما بشكل ضمني إلى العمل بالعرف السابق. من تحديد مدة العقد بسنة واحدة. فقد تكون أقل من سنة كما هو الحال في التأمين من الحوادث النقل و كما هو الحال كذلك في التأمين لرحلة معينة تستغرق أقل من سنة[35].

و يحق للطرفين أن يضعا حدا لسريان العقد عند انصرام مدة 365 يوما من تاريخ إبرام العقد شريطة إخبار الطرف الآخر بذلك، بواسطة إخطار بالفسخ تعادل مدته، بالنسبة للمؤمن له، على الأقل الأجل الأدنى المحدد في العقد، و تتراوح مدة الحد الأدنى بالنسبة للمؤمن له ما بين 30 و 90 يوما[36].

و قد أوجب المشرع التنصيص على هذا الحق في كل عقد تأمين تفوق مدته سنة. كما أوجب تحديد مهلة الإخطار بالفسخ في هذه الحالة في العقد على ألا تقل عن ثلاثين يوما ولا تزيد عن تسعين يوما. وفي حالة عدم الإشارة إلى ذلك أعطى للمكتب، رغم كل شرط مخالف، أن يفسخ العقد دون تعويض كل سنة في التاريخ الذي يصادف تاريخ سريان مفعوله بواسطة إخطار بالفسخ مدته ثلاثون يوما[37].

وزيادة في حماية المؤمن له، أوجب المشرع كذلك كتابة مدة العقد بحروف جد بارزة أعلى توقيع المكتتب في كل عقد تأمين تفوق مدته سنة واحدة.[38]

أما بالنسبة للتأمين على الحياة، فيجوز للمكتتب الذي التزم بدفع أقساط تأمين دورية أن ينهي العقد متى شاء. و ينتج عن ذلك الفسخ إعطاء المكتتب حق استرداد رأس المال أو الإيراد المضمون فهذا الأخير له حق طلب إنهاء عقد التأمين على الحياة قبل حلول أجله    ومن تم استرداد ما تم توفيره لفائدته إلى حين إنهاء العقد.[39]

الفقرة الثانية: الامتداد الاتفاقي للعقد

إذا اتفق المتعاقدان على تمديد العقد بواسطة الامتداد الضمني[40] فإن كل مدة من مدد التمديد لا يمكن أن تتجاوز سنة واحدة يكون لأي من الطرفين حق إنهاء العقد في نهايتها[41] وذلك لتفادي كل ارتباط زمني طويل بالعقد في حق المؤمن له.[42]

و يعتبر كل اتفاق على تمديد العقد لأكثر من سنة باطلا و لا يصح إلا في حدود سنة لأن هذا المقتضى الحمائي من النظام العام.

ولا يرد التجديد إلا إذا تمسك به المؤمن له قبل انتهاء العقد، أما في الحالة التي لا يقبل فيها المؤمن له تجديد العقد فإنه لا يتجدد بالرغم من وجود أي شرط مخالف[43].

و لا يحق للمؤمن له التحلل من العقد بعد موافقته على الامتداد الضمني له، لكن الملاحظ أن قانون التأمين الفرنسي يوفر حماية أقوى لهذا الأخير ويمنحه إمكانية إنهاء العقد بدون جزاءات شريطة إخبار المؤمن بذلك برسالة مضمونة[44].

ونظرا للمشاكل التي يثيرها شرط التجديد في عقود التأمين وبالأخص في التأمين من حوادث السير، فإن شركات التأمين أصبحت تتجنب إدراج هذا الشرط في عقودها[45].

المطلب الثاني: إنهاء عقد التأمين بفسخه

إن عقد التأمين شأنه شأن باقي العقود له بداية ونهاية، فبدايته تكون عند توافق إرادتي المؤمن والمؤمن له على إبرام عقد التأمين، أما بخصوص نهايته فإن لعقد التأمين صور عديدة منها ما يتعلق بانتهاء مدته وهو ما تطرقنا إليه في المطلب الأول، ولا يقتصر الأمر على ذلك بل يمتد إلى حالات يفسخ عقد التأمين فيها بقوة القانون (الفقرة الأولى) ويفسخ  عقد التأمين أيضا بإرادة المؤمن (الفقرة الثانية) وكذا بإرادة المؤمن له (الفقرة الثالثة) وهذا كله يزكي خاصية عقد التأمين التي تعتبره من العقود الزمنية.

الفقرة الأولى: فسخ عقد التأمين بقوة القانون

يتم فسخ عقد التأمين بقوة القانون حينما يكون العقد غير قابل لإنتاج آثاره في المستقبل ويسمى ذلك بانفساخ العقد، ونظرا لأهمية فسخ العقد بقوة القانون بالنسبة لطرفي العقد المؤمن والمؤمن له، تدخل المشرع وحدد الحالات التي يفسخ فيها العقد وهي كالتالي:

أولا: الحكم بالتصفية القضائية للمؤمن

نص المشرع المغربي في الفقرة الثالثة من المادة 27 من مدونة التأمينات “في حالة التصفية القضائية للمؤمن ينتهي عقد التأمين ثلاثين 30 يوما بعد إعلان التصفية القضائية مع مراعاة أحكام المادة 96 وبعده، ويحق للمؤمن له المطالبة باسترجاع قسط التأمين المؤدى عن الفترة التي لم يعد خلالها التأمين ساريا”.

وعليه يتبين لنا أن عقد التأمين ينتهي بعد مرور 30 يوما من الإعلان عن التصفية القضائية للمؤمن، والهدف من تنصيص المشرع على أجل إنهاء عقد التأمين بعد صدور الإعلان بالتصفية القضائية، هو توفير الحماية للمؤمن لهم وذلك بضمان إعلامهم بالوضعية التي توجد عليها مقاولة التأمين حتى يتسنى لهم البحث عن مؤمن آخر تفاديا من البقاء بدون تغطية مع ما يترتب عن ذلك من آثار قانونية لاسيما إذا تعلق الأمر بالتأمينات الإجبارية عن العربات البرية ذات محرك حيث يتعرض صاحب العربة لجزاء عدم التأمين المنصوص عليه في المادة 131 من مدونة التأمينات وهو الحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة تتراوح من 1200 إلى 6000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، هذا فضلا عن حق ممارسة دعاوي ضد المؤمن للمطالبة بإرجاع أقساط التأمين عن المدة التي لم يعد فيها التأمين قائما مادام أن الأقساط لا تدفع إلى في مقابل ضمان الخطر، كما أن المؤمن له يتوقف عن أداء الأقساط المستقبلية وذلك من أجل تفادي الوقوع في الإثراء بلا سبب.[46]

وتجدر الإشارة إلى أن مقاولة التأمين لا تتحلل من أي ضمان للخطر في حالة وقوع أي حادثة خلال كل من المدة السابقة للحكم بالتصفية القضائية ومدة 30 يوما التي تلي الإعلان بالتصفية حيث تبقى شركة التأمين هي المسؤولة عن الحادثة، وفي هذا الصدد جاء في قرار صادر عن للمجلس الأعلى[47] بتاريخ 04\05\2000: “إن وجود المؤمنة في حالة التصفية القضائية لا يعفيها من ضمان الحوادث التي تؤمنها والواقعة أثناء سريان عقد التأمين مادامت لم تشعر المؤمن له بإيقاف مفعول العقد وترجع له الباقي من القسط المؤدى”.

ثانيا: سحب الاعتماد من مقاولة التأمين

لا يحق لأي مقاولة التأمين أن تمارس عمليات التأمين ما لم ترخص لها السلطات الحكومية التي لها وصاية على قطاع التأمين بذلك، مع تحديد لأصناف التأمين التي سمح بعرضها للجمهور.

هذا ويتم سحب الاعتماد في الحالات التالية: رفض المقاولة تقديم مخطط التقويم أو عدم التنفيذ داخل الأجل المحدد لمخطط التقويم الذي تم قبوله؛ إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك إذا كانت المقاولة لا تسير وفق النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل؛ إذا رفضت المقاولة اكتتاب تأمين على أخطار العربات؛ إذا كانت المقاولة لا تستوفي الضمانات المالية.

وعند توفر إحدى الحالات المشار إليهم أعلاه يتم إخطار مقاولة التأمين برسالة مضمونة لتقدم ملاحظاتها داخل أجل 15 يوما من توصلها بالرسالة واستطلاع رأي اللجنة الاستشارية لمؤسسات التأمين.[48]

وقد نص المشرع المغربي في الفقرة الأولى من المادة 267 من مدونة التأمينات على أنه: “يتوقف بقوة القانون في الساعة الثانية عشرة زوالا من اليوم 20 الموالي لنشر القرار الإداري القاضي بسحب الاعتماد الممنوح لمقاولة ما للتأمين وإعادة التأمين في الجريدة الرسمية، أثر لكل العقود التي أبرمتها هذه المقاولة ويجب أن ترجع للمؤمن لهم الأقساط المتعلقة بالمدة الجارية من يوم الفسخ بقوة القانون إلى غاية تاريخ حلول الأجل المنصوص عليه في العقد”.

ونظرا للآثار القانونية المترتبة عن سحب الاعتماد من شركة التأمين أوجب المشرع في المادة 13 من مدونة التأمينات على ضرورة إخبار المؤمن له عن طريق وضع شرط في العقد عند اكتتاب عقد التأمين، حتى يتسنى له البحث عن المؤمن آخر حتى لا يبقى بدون تغطية، ويجب أن نشير إلى أن مقاولة التأمين تبقى مسؤولة عن الأخطار الواقعة قبل سحب الاعتماد وطيلة 20 يوما المخصصة لإعلان هذه الوضعية.

وينبغي أن نذكر أن المشرع المغربي استثنى من هذا المبدأ عقود التأمينات البحرية والتأمينات على الحياة والتأمينات الزوجية أو المهرية وتأمينات الرسملة وغيرها من التأمينات والتي نص على أنها تظل سارية إلى أن يصدر قرار إداري يحدد تاريخ توقف آثارها أو يرخص بتحويلها كليا أو جزئيا لمقاولة أو عدة مقاولات التأمين أو يقضي بتمديد أجلها أو بتخفيض المبالغ المؤذاة وكذا الأرباح الممنوحة وقيم الاسترداد بحيث تقلص قيمة التزامات المقاولة إلى المبلغ الذي تسمح وضعيتها بتغطيته.[49]

ثالثا: هلاك الشيء المؤمن عليه بسبب واقعة غير مؤمن عليها

جاء في المادة 46 من مدونة التأمينات “في حالة ضياع كلي للشيء المؤمن عليه نتيجة واقعة غير منصوص عليها في العقد، ينتهي التأمين بقوة القانون ويجب على المؤمن أن يرجع للمؤمن له جزء قسط التأمين المؤدى والمتعلق بالمدة التي لم يعد الضمان الخطر فيها ساريا”.

يتبين لنا من المادة أعلاه أنه إذا هلك الشيء المؤمن عليه فقد عقد التأمين محله ولم يبقى محل التزام المؤمن، فالسيارة المؤمن عليها أو أية آلة ميكانيكية أخرى إذا تحطمت بسبب لا يضمنه عقد التأمين، أو الدار المؤمن عليها من الحريق سقطت نتيجة رداءة في مواد البناء أو بفعل القدم وعدم الصيانة، ولم تبق هذه الأشياء المؤمن عليها غير صالحة للاستعمال، يفسخ عقد التأمين بقوة القانون فيتحلل المؤمن من التزامه كما يتحلل المؤمن له هو الآخر من إلزامه بأداء الأقساط ويكون من حقه استرجاع ما بقي من قسط التأمين موازي للمدة التي بقيت في العقد.[50]

رابعا: التسخير الناقل لملكية الشيء المؤمن عليه

قبل الخوض في هذه الحالة سنحاول الوقوف على مدلول التسخير الذي يعتبر ذلك النظام بمقتضاه ينتزع من مالك الشيء ملكه مؤقتا قصد استغلاله لفائدة الدولة أو إدارتها العمومية إلى حين انتهاء موجبات التسخير المتمثلة إما في وجود كارثة أو أزمة معينة أو بصفة عامة اقتضاء المصلحة العامة ذلك.[51]

وبخصوص الإطار القانوني لهذه الحالة فقد تطرق إليها المشرع المغربي في المادة 33 من مدونة التأمينات وبرجوعنا إلى تلك المادة نجد المشرع ميز بين ما إذا كان محل التسخير نقل ملكية الشيء أو جزء منه أو ما إذا كان محله استعماله فقط.

فإذا كان محل التسخير استعمال الشيء أو جزء منه، فإن ذلك يؤدي إلى وقف آثار التأمين من الأخطار المتعلقة باستعمال ذلك الشيء، أما إذا كان التسخير ينقل ملكية الشيء المؤمن عليه أو جزء منه فإن ذلك يؤدي إلى فسخ عقد التأمين ويحق للمؤمن له أن يطالب المؤمن بإيقاف العقد بدل فسخه.

ولأجل ذلك ألزم المشرع المؤمن له أن يشعر المؤمن بانتقال الملكية بواسطة رسالة مضمونة داخل أجل 30 يوما ابتداء من يوم علمه بذلك، محددا الأموال التي يشملها التسخير ومصرحا عند الاقتضاء برغبته في توقيف العقد بدل فسخه، وفي حالة عدم إشعار المؤمن داخل الأجل المشار إليه يحق له كتعويض الاحتفاظ بجزء من القسط المتعلق بالمدة الفاصلة بين يوم التسخير واليوم الذي أخبر فيه، وإذا اختار المؤمن له توقيف العقد بدل فسخه فإن المؤمن يحتفظ بهذا الجزء من القسط في دائنية المؤمن له.[52]

خامسا: تفويت عربة برية ذات محرك

تطرق المشرع لهذه الحالة في المادة 29 من مدونة التأمينات وذلك عند قيام المؤمن له بتفويت عربة برية ذات محرك خاضعة لإجبارية التأمين على السيارات، فإن عقد التأمين الذي يغطي المسؤولية المدنية للمالك القديم عن الأضرار التي يتسبب فيها للغير نتيجة استعماله لتلك العربة يفسخ بقوة القانون وذلك من وقت تسجيل العربة باسم المالك الجديد وإذا كانت العربة لا تخضع للتسجيل يسري مفعول الفسخ ثمانية 8 أيام بعد تاريخ التفويت، وينتج عن هذا الفسخ بطبيعة الحال إرجاع المؤمن جزء القسط المتعلق بالفترة التي لم يعد فيها ضمان الخطر ساريا فيها إلى المؤمن له وذلك طبقا للفقرة الثانية من المادة 29.

ويعتبر الفسخ في هذه الحالة منطقي لاسيما وأن التأمين على العربات البرية ذات محرك هو تأمين من المسؤولية المدنية لصاحب العربة الذي قد يتسبب فيها بالإضرار بالغير نتيجة استعماله لها باعتباره حارسا لها، ومن ثم فنقل ملكية العربة للغير يجعل التأمين الذي عقده المالك القديم من دون محل باعتبار مسؤوليته عن العربة لم تعد قائمة فينفسخ ذلك التأمين بقوة القانون.[53]

الفقرة الثانية: فسخ عقد التأمين بإرادة المؤمن

خولت مدونة التأمينات للمؤمن حق فسخ عقد التأمين الذي يربطه بالمؤمن له وذلك في الحالات المحددة بنص القانون وهو ما سنحاول الوقوف عليه في المحاور التالية:

أولا: عدم أداء قسط التأمين من طرف المؤمن له

من بين أهم الالتزامات التي تقع على عاتق المؤمن له في عقد التأمين، أداؤه لقسط التأمين ويمكن تعريفه بأنه ذلك المبلغ المالي الذي يتعهد المؤمن له بدفعه للمؤمن مقابل تمتعه بالتغطية التأمينية.[54]

ونظرا لكون أداء قسط التأمين له مكانة كبيرة في عقد التأمين، فإن مقاولات التأمين عادة ما تقوم بإرفاق شرط فاسخ يتم بموجبه فسخ عقد التأمين لعدم سداد المؤمن له الأقساط المستحقة عن عقد التأمين ومن أجل ذلك نص المشرع المغربي في المادة 21 من مدونة التأمينات على أنه في حالة عدم أداء قسط التأمين أو جزء منه داخل العشرة أيام الموالية لتاريخ استحقاقه وبصرف النظر عن حق المؤمن في المطالبة القضائية بتنفيذ العقد، يحق للمؤمن توقيف الضمان عشرين 20 يوما بعد توجيه الإنذار إلى المؤمن له، وفي الحالة التي يكون فيها القسط السنوي مجزأ فإن توقيف الضمان الناتج عن عدم أداء أجزاء قسط التأمين تبقى آثاره سارية إلى غاية انصرام الفترة المتبقية من سنة التأمين، وفي جميع الحالات يؤدى القسط أو جزءه بموطن المؤمن بعد إنذار المؤمن له.

تبتدئ إجراءات الفسخ من وقت إرسال الإنذار بالبريد المضمون إلى المؤمن له إلى آخر موطن له معروف من طرف المؤمن لا من تاريخ وصوله إليه، وقد تعرض هذا الإجراء إلى انتقادات عديدة من طرف بعض الفقه[55]حيث يرى أن العبرة يجب أن تكون بالعلم أي بالتوصل بالإنذار بالفسخ، لأن مدة عشرين يوما قد لا تكفي لحصول عملية التبليغ.

يتبين لنا إذن أن الفسخ ينتج آثاره القانونية بعد نهاية الثلاثين يوما من تاريخ إرسال الإنذار وهو التاريخ الذي يحق للمؤمن مباشرة الفسخ فيه، وإذا كان الإنذار موجه خارج المغرب لا يكون الفسخ ساري المفعول إلا في نهاية 50 يوما الموالية لتاريخ توجيه الإنذار.

ثانيا: حالة الكتمان أو الإدلاء بتصريح كاذب من طرف المؤمن له

من بين التزامات المؤمن له تجاه المؤمن إخباره وقت إبرام عقد التأمين بكل المعلومات التي يطلبها منه، وذلك طبقا للمادة 30 من مدونة التأمينات، وأن يجيب بكل صدق عن الأسئلة التي يطرحها عليه ليكون المؤمن على بينة من الخطر المنتظر الذي يمكن أن يتسبب فيه الشيء المؤمن عليه أو يتعرض له فإذا أغفل المؤمن التصريح بما طلب منه المؤمن وقت إبرام العقد أو أعطى بيانات غير صحيحة كان من حق المؤمن أن يطلب فسخ عقد التأمين.[56]

وقد ميز الفقه في هذه الحالة بين المؤمن له حسن النية والمؤمن له سيء النية فبخصوص هذا الأخير فحينما يثبت المؤمن سوء نية المؤمن له يحق له فسخ العقد والاحتفاظ بالأقساط المؤذاة كما يمكنه أن يطالب المؤمن له بأداء الأقساط المتبقية التي لم تدفع بعد كتعويض عن الأضرار والخسائر التي لحقت المؤمن بسبب التصريحات الكاذبة.

أما في حالة ما إذا كان المؤمن له حسن النية بحيث لم يكن لهذا الأخير قصد الإضرار بالمؤمن عقب قيامه بتصريح غير صحيح أو كتمانه للتصريح، فهنا المؤمن مخيرا بين المطالبة بدفع قسط إضافي ليكون متساويا مع القسط الذي كان سيدفعه لو أنه صرح التصريح الصحيح وقت إبرام العقد ويجب أن يقبل تلك الزيادة المؤمن له وفي حالة موافقته يبقى العقد مستمرا، والخيار الثاني فسخ العقد بعد مضي عشرة 10 أيام من توجيه الإنذار إلى المؤمن له بالبريد المضمون مع إرجاع جزء من قسط التأمين المدفوع عن المدة التي لم يعد فيها عقد التأمين قائما.

ثالثا: حالة التصريح بالظروف المستجدة التي ينتج عنها تفاقم الخطر

يعد الالتزام بالتصريح بالظروف المستجدة التي ينتج عنها تفاقم الخطر من الالتزامات الواجبة على المؤمن له وذلك بالإدلاء بأية ظروف أو عوامل جديدة لم تكن تحت نظر المؤمن وقت إبرام عقد التأمين وتكون من شأنها أن تؤدي إلى زيادة احتمالات تحقق الخطر المؤمن منه، ولا يمكن للمؤمن له التحلل من كونه أدلى بالبيانات المتعلقة بالخطر عند إبرام العقد، بل يستمر هذا الالتزام حتى نهاية عقد التأمين.[57]

لدى فعندما يقوم المؤمن له بالتصريح وكان هذا التصريح يؤدي إلى تفاقم الأخطار المؤمن منها لأي سبب من الأسباب، فإن المؤمن يختار بين الإبقاء على العقد مع الزيادة في القسط شريطة قبول المؤمن له بذلك داخل أجل 30 يوما من تاريخ تبليغ الاقتراح من طرف المؤمن، أو فسخ العقد مع حق الاحتفاظ بالمطالبة بالتعويض إذا كان تفاقم الخطر راجعا للمؤمن له وهذا ما تضمنته المادة 24 من مدونة التأمينات، ولا يكون الفسخ ساري المفعول إلا ابتداء من اليوم 10 من تبليغ الإشعار بالفسخ بواسطة رسالة مضمونة، وعندئذ يجب على المؤمن أن يرجع للمؤمن له جزء قسط التأمين والاشتراكات المتعلقة بالفترة التي لم يعد فيها ضمان الخطر ساريا.

رابعا: حالة تحقق الخطر المؤمن منه

برجوعنا إلى مدونة التأمينات نجد المادة 26 تطرقت إلى هذه الحالة، حيث أجاز المشرع المغربي للأطراف أن يتفقوا فيما بينهم على وضع شرط في عقد التأمين يعطي للمؤمن الحق في فسخ العقد بعد وقوع الخطر المؤمن منه وتسويته، وفي هذه الحالة يجب على المؤمن أن يوجه إلى المؤمن له إشعارا بذلك بواسطة البريد المضمون، وعندئذ فإن الفسخ لا ينتج آثاره إلا بمرور 30 يوما من توصل المؤمن له بالإشعار، فحق المؤمن بالفسخ مقيد بالآجال أعلاه ويعتبر متنازلا عنة حقه إذا قبل استخلاص ولو جزء من قسط التأمين أصبح مستحقا داخل ذلك الأجل، ويترتب عن الفسخ إلزام المؤمن بإرجاع جزء القسط المتعلق بالمدة التي لم الضمان فيها ساريا إلى المؤمن له.[58]

خامسا: حالة وفاة المؤمن له أو انتقال ملكية الشيء المؤمن عليه

في حالة وفاة المؤمن له أو في حالة تفويت الشيء المؤمن عليه، يبقى التأمين قائما بقوة القانون لفائدة الوارث أو الممتلك، شريطة أن ينفذ كل الالتزامات التي كان المؤمن له ملتزما بها تجاه المؤمن بموجب العقد، ونظرا لعدم بقاء الشيء المؤمن عليه في ملكية المؤمن له أجاز المشرع للمؤمن فسخ العقد داخل أجل 90 يوما ابتداء من اليوم الذي قد يطلب فيه من آلت إليه نهائيا الأشياء المؤمن عليها تحويل عقد التأمين باسمه، وإذا مارس المؤمن حقه في الفسخ، فإن عقد التأمين ينحل من وقت ممارسة الفسخ وبدون أي أثر رجعي، وكما هو الحال فإن المؤمن يجب أن يرجع للمؤمن له الأقساط المتعلقة بالفترة التي لم يعد فيها الضمان ساريا.[59]

سادسا: حالة الإعسار أو التصفية القضائية للمؤمن له

أجاز المشرع المغربي للمؤمن من خلال المادة 27 من مدونة التأمينات فسخ عقد التأمين في حالة إعسار المؤمن له أو إعلان تصفيته القضائية، وذلك بعد توجيه إشعار عن طريق البريد المضمون إلى المؤمن له داخل أجل تسعين 90 يوما من تاريخ الإعسار أو التصفية القضائية، وينتج عن الفسخ في هذه الحالة إلزام المؤمن بأن يعيد جزء القسط المتعلق بالمدة التي لم يعد الضمان ساريا إلى السنديك عوض كتلة الدائنين الذي تضمنتها مدونة التأمينات.

الفقرة الثالثة: فسخ عقد التأمين بإرادة المؤمن له أو من يحل محله

فضلا عن فسخ عقد التأمين بقوة القانون وبإرادة المؤمن، خول المشرع للمؤمن له هو الآخر فسخ عقد التأمين وذلك في حالات معينة وهو ما سنقف عليه في هذه الفقرة.

أولا: حالة وفاة المؤمن له أو تفويت الشيء المؤمن عليه

من خلال المادة 28 من مدونة التأمينات سمح المشرع للغير الذي انتقلت إليه ملكية الشيء المؤمن عليه سواء كان خلفا عاما كالورثة في حالة وفاة المؤمن له، أو خلفا خاصا كالمشتري الجديد للشيء المؤمن عليه، بحيث إما أن يقبل الخلف الاستمرار الذي أبرمه سلفه وفي هذه الحالة يجب عليه تنفيذ الالتزامات التي تعهد بها السلف تجاه المؤمن، أو أن يختار فسخ العقد وهنا يجب أن يشعر المؤمن بذلك بواسطة البريد المضمون، ويعتبر العقد منتهيا من تاريخ وصول الإشعار إلى المؤمن.

وإذا تعدد الورثة أو المتملكون وبقي التأمين قائما يلزم هؤلاء على وجه التضامن بأداء أقساط التأمين، وينبغي أن نشير إلى نقطة مهمة في هذا الصدد أن إلزام الورثة على سبيل التضامن يعتبر مخالفا للمبدأ العام القاضي بأن مسؤولية الورثة فردية في حدود نصيب كل واحد منهم طبقا للفصل 229 من قانون الالتزامات والعقود، وكان حري بالمشرع المغربي أن يقوم بتعديل هذا المقتضى خاصة وأنه مبدأ غير عادل وغير متوازن لأنه لا يجب تحميل المؤمن له مسؤولية شخص آخر لم يرغب في الاستمرار في العقد، مما قد يساهم في عرقلة أي تفويت للشيء للمؤمن عليه مخافة تحمل هذا التعويض.[60]

ثانيا: حالة تحقق الخطر المؤمن منه

كما سبق وأن أشرنا في الفقرة السابقة المتعلقة بفسخ عقد التأمين بإرادة المؤمن أن هذا الأخير بإمكانه فسخ العقد في حالة تحقق الخطر المؤمن منه شريطة أن يتضمن العقد ذلك الشرط، وحماية للمؤمن له من الرخصة الاتفاقية للفسخ التي قد يلجأ إليها المؤمن وحده أوجب المشرع الاشتراط في نفس العقد على الصفة التبادلية لهذا الجزاء، بحيث يجب أن ينص فيه على حق المؤمن له داخل أجل 30 يوما من توصله بالفسخ ممارسة حقه في فسخ كافة عقود التأمين وذلك في حالة ما إذا كان للمؤمن له عدة عقود التأمين تربطه    بالمؤمن والهدف من فسخ كافة العقود هو السماح للمؤمن له جمع كافة عقوده لدا شركة واحدة.

ثالثا: حالة زوال الظروف المشددة لوقوع الخطر

مما لاشك فيه أن قسط التأمين يحدد حسب الظروف الخاصة بالشيء المؤمن عليه الواردة في بوليصة التأمين، وبما أن ظروف الخطر المؤمن عليه ليست ثابتة فهي إما أن تتفاقم أو تقل أو تنعدم أثناء سريان عقد التأمين، لدى ففي حالة ما إذا قلة ظروف الخطر أو انعدمت يمكن أن نقول أن البقاء على نفس القسط المتفق عليه في عقد التأمين يعتبر أمرا غير عادلا ويخل بمبدأ المساواة بين طرفي عقد التأمين.

من أجل ذلك خول المشرع للمؤمن له من خلال المادة 25 من مدونة التأمينات الحق في تخفيض مبلغ قسط التأمين رغم أي اتفاق مخالف، وإذا لم يوافق المؤمن على ذلك داخل أجل 20 يوما ابتداء من تاريخ طلب المؤمن له الذي تم بواسطته تصريح مشهود عليه بوصل أو بواسطة رسالة مضمونة، يمكن للمؤمن له أن يفسخ العقد وآنذاك يسري مفعول الفسخ عند انصرام الأجل المذكور، ويجب على المؤمن أن يدفع للمؤمن له جزء القسط أو الاشتراك المتعلق بالفترة التي لم يعد الضمان فيها ساريا.

رابعا: حالة الإعسار أو التصفية القضائية للمؤمن له

نصت المادة 27 من مدونة التأمينات على أنه في حالة الإعسار أو التصفية القضائية للمؤمن له يظل التأمين قائما للسنديك الذي يصبح مدينا تجاه المؤمن بمبلغ أقساط التأمين التي سيحل أجلها ابتداء من الإعسار أو التصفية القضائية، ويبقى للسنديك الخيار بين الإبقاء على العقد أو فسخ العقد بعد توجيه إنذار بذلك إلى المؤمن بواسطة تصريح بالمقر الاجتماعي للمؤمن مقابل وصل، وإما بمحرر قضائي أو برسالة مضمونة وإما بأية وسيلة أخرى ينص عليها العقد داخل أجل 90 يوما من تاريخ الإعسار أو التصفية القضائية، وكما هو الحال فإن الفسخ يترتب عنه إرجاع المؤمن الأقساط التي لم يكن ضمان الخطر فيها ساريا إلى السنديك حيث هو المكلف بعمليات التسوية والتصفية القضائية.

وكخلاصة لما ذكر في هذا المطلب فإن الفسخ يكون إما بقوة القانون أو بإرادة المؤمن له أو بإرادة المؤمن، وبإطلاعنا على الواقع العملي نجد فسخ العقد بإرادة مقاولة التأمين هو الأكثر شيوعا وانتشارا من غيره ويعود ذلك إلى مركز القوة التي توجد فيها شركات التأمين مقارنة بالمؤمن له الذي غالب الأحيان يكون طرفا ضعيفا في عقد التأمين.

خاتمة

تأسيسا على ما سبق نستشف أن عقد التأمين يطرح بإلحاح مسألة إثباته، وقد أرسى المشرع وسائل لإثبات عقد التأمين تساهم بشكل فعال في صيانة كل من حقوق المؤمن والمؤمن له، بيد أن هذه الوسائل لا يمكن أن تؤدي دورها على الوجه الأكمل إلا إذا تقيدت شركات التأمين بالبيانات الواجب تضمينها في بوليصة التأمين وفي ملحق التأمين وكذا في مذكرة التغطية المؤقتة، أما اختلت هذه البيانات فإن المؤمن له يكون في عين العاصفة التي قد تعصف بكل حقوقه، وعطفا على مسألة الإثبات فإن طرق انقضاء عقد التأمين يمكن القول عنها أنه حظيت ببالغ اهتمام المشرع إذ تعرض لها في مواد ليست بالقليلة، وما ذلك إلى رغبة منه في رفع أي خلاف قد ينشب من جراء انتهاء العقد.


[1] القانون رقم 17.99 المتعلق بمدونة التأمينات، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.02.298 بتاريخ 25 رجب 1432 (3 أكتوبر 2002)، الجريدة الرسمية عدد 5054 2 رمضان 1423 (7 نوفمبر 2002) الصفحة 3105. 

[2] فؤاد معلال، قانون التأمين، محاضرات ألقيت على طلبة السداسي السادس مسلط القانون الخاص، السنة الجامعية 2011ـ2012 الصفحة 5.  

[3] قد يحصل أن يكون المؤمن له هو الطرف القوي في عقد التأمين لكن في حالات ضيقة جدا بل تكاد تكون شبه منعدمة.

[4] – محمد الهيني، الحماية القانونية والقضائية للمؤمن له في عقد التأمين، مطبعة الأمنية الرباط، طبعة 2010، الصفحة 93

[5]  الأمراني زنطار أمحمد، شرح قانون التأمين رقم 17 – 99 دراسة نظرية و تطبيقية، المطبعة و الوراقة الوطنية مراكش الطبعة 2005، الصفحة  108.

[6] -محمد الشواي، العقود التجارية، مطبعة الخليج العربي تطوان، الطبعة الأولى 2016، الصفحة 105.

[7] -أشركي أفقير عبد الله، الموجز في قانون التأمين، مطبعة سليكي إخوان طنجة، طبعة 2004-2005، الصفحة 85 و86.

[8] -الحسين بلوش، شرح مدونة التأمينات، مكتبة قرطبة حي السلام الرباط، الطبعة الأولى2013 الصفحة 62.

[9] -عابد فايد عبد الفتاح فايد، أحكام عقد التأمين، مطابع شتات،القاهرة، طبعة 2010، الصفحة 210.

[10] -أشركي أفقير عبد الله، مرجع سابق، الصفحة 86 و 87.

[11] – عابد فايد عبد الفتاح فايد، مرجع سابق، الصفحة 211.

[12] – أشركي أفقير عبد الله، مرجع سابق، الصفحة 87 و88.

[13] -ويخضع لكافة المقتضيات القانونية المنظمة لعقد التأمين.

[14] -محمد الهيني، الحماية القانونية والقضائية للمؤمن له في عقد التأمين، مرجع سابق، الصفحة 93.

[15]- بخلاف مذكرة التغطية المؤقتة في مجال التأمين على العربات فإن صلاحيتها لا تتعد شهرا واحدا،قرار وزير المالية والخوصصة رقم 21305 الصادر بتاريخ 2005 المتعلق بالتأمين الإجباري للسيارات منشور بالجريدة الرسمية 5992 بتاريخ 2005/2/17 ، الصفحة 585.

[16] محمد برجبي، توجهات القضاء في العقود الجبرية، مقال منشور في الموقع الإلكتروني http://www.droitetentreprise.org/web تاريخ الاطلاع عليه: 07-11-2016 على الساعة 23 :20.

[17]– أشركي أفقير عبد الله، مرجع سابق، الصفحة 88.

[18]  محمد الشواي، مرجع سابق، الصفحة 106.

[19]  محمد الهيني، الحماية القانونية والقضائية للمؤمن له في عقد التأمين، مرجع سابق، الصفحة 95.

[20]  فؤاد معلال، الوسيط في قانون التأمين، دار أبي رقراق للطباعة والنشر الرباط، الطبعة الأولى 2011، الصفحة 99ــ100.

[21]  محمد الشواي، مرجع سابق، الصفحة 107.

[22]  الحسين بلوش، مرجع سابق، الصفحة 64.

[23]  قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 3/6/1998 دون ذكر رقم الملف، أورده محمد الهيني، مرجع سابق، الصفحة 96.

[24]  الحسين بلوش، مرجع سابق، الصفحة 66.

[25]  محمد الشواي، مرجع سابق، الصفحة 106.

[26]  أشركي أفقير عبد الله، مرجع سابق، الصفحة 91.

[27] فؤاد معلال، الوسيط في قانون التأمين، مرجع سابق، الصفحة 104.

[28]  محمد الشواي، مرجع سابق، الصفحة 109.

[29]  أشركي أفقير عبد الله، مرجع سابق، ص: 109.

[30]  أشركي أفقير عبد الله، مرجع سابق، الصفحة 94.

[31]  الحسين بلوش، مرجع سابق، الصفحة 84.

[32]  محمد الهيني، الحماية القانونية للطرف الضعيف في عقد التأمين البري، مكتبة دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع،  طبعة 2007، الصفحة 114.

[33] حسب مقتضيات المادة 12 من مدونة التأمينات.

[34] باستثناء عقد التأمين على الحياة.

[35]  أشركي أفقير عبد الله، مرجع سابق، الصفحة 158.

[36]  الحسين بلوش، مرجع سابق، الصفحة 109.

[37]  الفقرة الأولى و الثالثة من المادة 6 من مدونة التأمينات.

[38]  الفقرة الثانية و الرابعة من المادة 6 من مدونة التأمينات.

[39]  فؤاد معلال، الوسيط في قانون التأمين، مرجع سابق الصفحة 132.

          [40] جاء في قرار المجلس الأعلى رقم 11864 في الملف الجنحي عدد 18935/88 المؤرخ في 1 يونيو 1994 “أن عقد التأمين لا يجدد تلقائيا عند انصرام أجله ما عدا إذا كان هناك بند في الشروط الخصوصية فيعمل به”. قرار منشور عند عبد العزيز توفيق والدكتور أفركوس،” قضاء المجلس الأعلى في التأمين خلال أربعين سنة” مطبعة النجاح الجديدة، طبعة 1999، ص: 361.

[41] المادة 7 من مدونة التأمينات.

[42]  أشركي أفقير عبد الله، مرجع سابق، الصفحة 159.

[43] محمد الشواي، مرجع سابق، الصفحة 128.

[44]   الهيني محمد ، الحماية القانونية للطرف الضعيف في عقد التأمين البري، مرجع سابق، الصفحة 235.

[45] الشواي محمد، مرجع سابق،  12 الصفحة 8.

[46] محمد الهيني، الحماية القانونية للطرف الضعيف في عقد التأمين البري، مرجع سابق الصفحة 238 .

[47] قرار عدد 1877 في الملف المدني عدد 1826\1\5\99 أورده محمد الهيني، الحماية القانونية للطرف الضعيف في عقد التأمين البري، مرجع سابق، الصفحة 238.

        [48] الحسين بلوش، مرجع سابق الصفحة 111.

[49] محمد الشواي، مرجع سابق الصفحة 129.

[50] عبد العزيز توفيق، عقد التأمين في التشريع والقضاء دراسة تأصيلية،، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الثانية 1998   الصفحة 59. 

[51] محمد الهيني، الحماية القانونية والقضائية للمؤمن له في عقد التأمين، مرجع سابق، الصفحة 309.

[52] الحسين بلوش، مرجع سابق، الصفحة 116.

[53] فؤاد معلال، الوسيط في قانون التأمين، مرجع سابق الصفحة 135.  

[54] أحمد أبو السعود، عقد التأمين بين النظرية والتطبيق، دار الفكر الجامعي، الطبعة الأولى 2008 الصفحة 236.

[55] محمد الهيني، الحماية القانونية والقضائية للمؤمن له في عقد التأمين، مرجع سابق، الصفحة 314.

[56] عبد العزيز توفيق، مرجع سابق، الصفحة 62.

[57] أحمد أبو السعود، مرجع سابق، الصفحة 255.                            

[58] فؤاد معلال، الوسيط في قانون التأمين، مرجع سابق، الصفحة 137.

[59] أشركي أفقير عبد الله، مرجع سابق، الصفحة 166. 

[60] محمد الهيني، الحماية القانونية والقضائية للمؤمن له في عقد التأمين، مرجع سابق، الصفحة 333.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

"لا تقرأ وترحل شاركنا رأيك"

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من أنفاس قانونية

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading