أوصاف الالتزام : الشرط
خص المشرع لبحث الشرط الفصول من 107إلى 126 من قانون الالتزامات والعقود، وتقتضي الإحاطة بهذا البحث أن نعرف الشرط ونوضح مقوماته، ثم نعرض لمختلف أنواعه، ثم نبين الآثار التي تترتب عليه.
وسنفرد لكل من هذه المواضيع فرعا مستقلا، وعليه سنقسم هذا الفصل إلى ثلاثة فروع :
الفرع الأول : تعريف الشرط ومقوماته
عرف المشرع الشرط في الفقرة الأولى من الفصل 107 فقال “تعبير عن الإرادة يعلق على أمر مستقبل وغير محقق الوقوع إما وجود الالتزام وإما زواله “.
فالالتزام المقرون بشرط هو التزام مجهول المصير، إذ الشك يدور حول معرفة ما إذا كان الأمر الذي علق عليه وجود الالتزام أو زواله سيتحقق أو لا يتحقق في المستقبل.
مقومات الشرط : تطلب الفصل 107 في الشرط أن يكون أمرا مستقبلا من جهة، وأن يكون غير محقق الوقوع من جهة ثانية. وقد أضاف الفصل 108 أن “كل شرط يقوم على شيء مستحيل أو مخالف للأخلاق الحميدة أو للقانون يقع باطلا ويؤدي إلى بطلان الالتزام الذي يعلق عليه “.
فمن هذه النصوص يتضح أن للشرط مقومات أربعة :
- يجب أن يكون أمرا مستقبلا :
لابد في الأمر الذي ينطوي عليه الشرط أن يكون أمرا مستقبلا، وهذا الأمر المستقبل قد يكون أمرا إيجابيا وقد يكون أمرا سلبيا. وهذان الأمران يستويان في الحكم، على أن ثمة فارقا عمليا يبرز من ناحية تقدير الوقت الذي يعتبر فيه متحققا أو متخلفا ؛ فعندما يكون الشرط أمرا إيجابيا تحدد عادة مدة قصيرة بحيث إذا انقضت هذه المدة دون أن يتحقق الأمر اعتبر متخلفا، أما إذا كان الشرط أمرا سلبيا فالمدة غالبا ما تكون طويلة.
ومادام الأمر الذي ينطوي عليه الشرط، لا بد أن يكون مستقبلا، فإن الأمر الماضي أو الحاضر لا يصح أن يكون شرطا حتى ولو كان مجهولا من أحد طرفي الالتزام أو من كليهما. لذلك حرص المشرع بعد تعريفه الشرط في الفقرة الأولى من الفصل 107، أن يوضح في فقرتها الثانية أن “الأمر الذي وقع في الماضي أو الواقع حالا، لا يصلح أن يكون شرطا وإن كان مجهولا من الطرفين.
- يجب أن يكون أمرا غير محقق الوقوع :
من مقومات الشرط كذلك أن يكون الأمر المستقبل الذي علق عليه وجود الالتزام أو زواله أمرا غير محقق الوقوع، أما إذا كان الأمر محقق الوقوع إن عاجلا أو آجلا، وسواء كان موعد تحققه معلوما أو غير معلوم فلا يكون شرطا، ذلك أن مثل هذا الأمر المحقق الوقوع يفتقر إلى عنصر الجهالة والشك وهو عنصر يلازم الشرط فلا يقوم بدونه، على أن الأمر المحقق الوقوع قد يقترن بملابسات تجعل فيه أمرا غير محقق الوقوع.
- يجب ان يكون أمرا غير مستحيل الوقوع :
الأمر المستحيل الوقوع لا يمكن أن يكون شرطا والأمر المستحيل الوقوع هو الذي لا يمكن تحقيقه إما بسبب مغايرته لمقتضيات الطبيعة وإما بسبب تعارضه وأحكام القانون، وهكذا فالاستحالة إما أن تكون استحالة مادية أو طبيعية، وإما أن تكون استحالة قانونية أو بحكم القانون.
والاستحالة المادية التي تحول دون قيام الشرط، وبالتالي دون وجود الالتزام المعلق على مثل هذا الشرط هي الاستحالة المطلقة، أي الاستحالة الموضوعية التي تجعل تحقق الشرط بالوسائل الموجودة في متناول الإنسان مستحيلا، لا بالنظر إلى شخص المشترط إليه بل بالنسبة للكافة.
أما الاستحالة النسبية فهي الاستحالة التي تقوم بالنسبة إلى الشخص المشترط إليه فقط فمثل هذه الاستحالة لا تمنع من قيام الشرط لأنها عجز شخصي لا استحالة.
وكما تكون الاستحالة مادية يمكن أن تكون قانونية، فمن يلتزم مثلا بإعطاء عمولة لسمسار إذا اشترى له عينا موقوفة أو حديقة عمومية يكون علق التزامه على شرط مستحيل استحالة قانونية، لأن التصرف بالوقف أو بالأموال العامة أمرا يحظره القانون حظرا مطلقا.
ويجب الانتباه إلى أن العبرة في تقدير الاستحالة هي للوقت الذي اشترط فيه الشرط، فالتصرف الذي يعلق على شرط مستحيل يبقى باطلا حتى لو أصبح الشرط ممكنا في وقت لاحق، وقد أوضح المشرع ذلك في الفقرة الأخيرة من الفصل 108 حيث قال “ولا يصير الالتزام صحيحا إذا أصبح الشرط ممكنا فيما بعد “، أما إذا كان الشرط وقت اشتراطه ممكنا ثم أصبح بعد ذلك مستحيلا، فإنه يعتبر شرطا صحيحا قد تخلف.
وتجدر الملاحظة إلى أن اشتراط عدم القيام بعمل مستحيل لا يشكل شرطا مستحيلا، بل إن مثل هذا الشرط يعتبر لغوا لا معنى له ولا يؤثر على صحة الالتزام الذي علق عليه.
- يجب ان يكون أمرا غير مخالف للقانون أو للآداب العامة :
يجب أن يكون الشرط أمرا لا يخالف القانون. فالشرط الذي يخالف القانون هو شرط غير مشروع، وبالتالي هو شرط باطل ومبطل للالتزام المعلق عليه.
والشرط المخالف للقانون وإن كان يلتقي مع الشرط المستحيل استحالة قانونية من حيث إن كلاهما باطل، إلا أنه يميز عنه من حيث أنه ينصب على أمر يمكن تحقيقه.
وقد عرض المشرع على وجه التخصيص لبعض أنواع من الشروط غير المشروعة التي تقع باطلة وتؤدي إلى بطلان الالتزام الذي يعلق عليها وذلك في الفصلين 109و110.
فالفصل 109 نص في فقرته الأولى على أن “كل شرط من شأنه ان يمنع أو يحد من مباشرة الحقوق والرخص الثابتة لكل إنسان كحق الإنسان في أن يتزوج وحقه في أن يباشر حقوقه المدنية، يكون باطلا ويؤدي إلى بطلان الالتزام الذي يعلق عليه”.
على أن المشرع استثنى من حكم البطلان “الحالة التي يمنع فيها أحد الطرفين نفسه من مباشرة حرفة معينة خلال وقت وفي منطقة محددين ” الفقرة الثانية من الفصل 109.
والفصل 110 نص في فقرته الأولى على أن ” الشرط الذي ينافي طبيعة الفعل القانوني الذي أضيف إليه يكون باطلا ويبطل الالتزام الذي يعلق عليه “.
على أن المشرع أجاز تصحيح الالتزام المعلق على شرط ينافي طبيعة الفعل القانوني الذي أضيف إليه ” إذا تنازل صراحة عن التمسك بالشرط الطرف الذي وضع لصالحه ” الفقرة الثانية من الفصل 110.
كما يجب أن يكون الشرط أمرا غير مخالف للآداب العامة، والشرط المخالف للآداب العامة هو الشرط الذي يرمي إلى حمل شخص على القيام بعمل ينافي القواعد الاخلاقية الواجب صيانتها وحمايتها.
وتجدر الاشارة إلى أن مفهوم الآداب العامة يتطور باستمرار، ويعود للقضاء تكييف عدم مطابقة الشرط لآداب العامة تبعا لحاجات العصر وأخلاقه وحسب نظرة المجتمع إلى الحياة وإلى الأمور.
ملاحظة هامة : انعدام الفائدة من الشرط يوجب اعتباره كأن لم يكن
لابد في الشرط حتى يعتد به، أن تكون ثمة فائدة في تحققه، أما إذا طرأ ما من شأنه أن يعدم هذه الفائدة، فإنه يجب اعتبار الشرط كان لم يكن والالتزام المعلق عليه التزاما منجزا، فالفصل 111 نص على أنه ” يبطل ويعتبر كان لم يكن الشرط الذي تنعدم فيه كل فائدة ذات بال، سواء بالنسبة إلى من وضعه أو إلى شخص غيره، أو بالنسبة إلى مادة الالتزام “.
الفرع الثاني : مختلف أنواع الشرط
الشرط على أنواع مختلفة يمكن تصنيفها من زوايا متعددة ؛
فبمقتضى تصنيف أول وهو الأهم من حيث أثره، إما أن يكون شرطا واقفا وإما أن يكون شرطا فاسخا، وبمقتضى تصنيف ثان من حيث تعلقه بإرادة طرفي الالتزام، إما أن يكون شرطا غير إرادي أو متروك للصدفة، وإما أن يكون شرطا إراديا، وإما أن يكون شرطا مختلطا.
وبمقتضى تصنيف ثالث قاصر على الشرط الارادي، الشرط من حيث دور الإرادة فيه، إما أن يكون شرطا إراديا بسيطا وإما أن يكون شرطا إراديا محضا، وذلك تبعا لكون هذا الدور مقيدا بظروف الإرادة وملابستها أو مطلقا من كل قيد.
التصنيف الأول : الشرط الواقف والشرط الفاسخ
الشرط الواقف : CONDITION SUSPENSIVE هو الذي يتوقف عليه وجود الالتزام بحيث إذا تحقق الشرط وجد الالتزام، وإذا تخلف الشرط لا تقوم للالتزام قائمة و لا يخرج إلى الوجود، مثال ذلك أن تتعهد شركة ضمان لمالك دار مؤمن عليها بدفع تعويض إذا هلكت الدار بالحريق.
الشرط الفاسخ : CONDITION RESOLUTOIRE هو الذي يتوقف عليه زوال الالتزام بحيث إذا تحقق الشرط زال الالتزام واعتبر كأن لم يكن، وإذا تخلف أصبح الالتزام باتا.
ويلاحظ أن الالتزام الموقوف على شرط فاسخ هو في حقيقته التزام يتوقف زواله على شرط واقف، فالشرط في واقع الأمر هو إذن شرط واقف في الأحوال كافة بمعنى أنه يتوقف عليه إما وجود الالتزام وإما زواله، فإن توقف عليه وجود التزام سمي شرطا واقفا وإذا توقف عليه زوال التزام سمي شرطا فاسخا.
سلطة القاضي في تعيين نوع الشرط عند الشك : قد يصعب أحيانا معرفة ما إذا كان الشرط الوارد في العقد هو شرط واقف أو شرط فاسخ ويثور بالتالي الشك في تعيين نوع الشرط، ففي مثل هذه الحالة يعود الأمر للقاضي الموضوع الذي يرجع إليه البت فيه مسترشدا بالملابسات والظروف التي تحيط بالقضية والتي تمنعه من معرفة نوع الشرط الذي انصرفت إليه نية الطرفين فيحكم على مقتضى هذه النية.
التصنيف الثاني : الشرط غير الارادي والشرط الارادي و الشرط المختلط
الشرط غير الإرادي : ويسمى أيضا الشرط المتروك للصدفة condition casuelle هو الذي لا علاقة له بإرادة الإنسان أصلا، بل تتحكم فيه ظروف خارجة عن هذه الإرادة، لأن الأمر الذي يتوقف عليه ليس باستطاعة الدائن ولا المدين تحقيقه أو الحؤول دون تحقيقه، وبديهي أن يقع الشرط غير الإرادي شرطا صحيحا، لأن سائر المقومات متوفرة فيه، فهو أمر مستقبل غير محقق الوقوع وغير مستحيل وليس فيه ما يخالف القانون أو النظام العام أو الآداب العامة.
الشرط الإرادي :condition potestative هو الذي يتعلق بإرادة أحد طرفي الالتزام الدائن أو المدين وتتحكم به هذه الإرادة بمنعى أن الأمر الذي يقوم عليه يستطيع أحد الطرفين المتعاقدين تحقيقه أو منع تحقيقه، والشرط الارادي يكون صحيحا أحيانا ويقع غير صحيح في أحيان أخرى.
الشرط المختلط : condition mixte هو الشرط الذي يتوقف تحققه على إرادة أحد طرفي الالتزام ومشاركة عامل خارجي عنها كمجرد الصدفة أو إرادة الغير، والشرط المختلط هو شرط صحيح لأنه وأن كان يتوقف إلى حد ما على إرادة أحد طرفي الالتزام فهو رهين بعنصر خارج عن هذه الإرادة يجعل تحققه أمرا محتملا غير محقق وغير مستحيل.
التصنيف الثالث : الشرط الارادي البسيط والشرط الإرادي المحض
الشرط الإرادي البسيط condition simplement potestative هو الشرط الذي وإن كان يتعلق بإرادة أحد طرفي الالتزام، إلا أن هذه الإرادة ليست طليقة من كل قيد، بل هي أسيرة مؤثرات وملابسات تحيط بها كأن يعلق تصرف على زواج المتصرف أو المتصرف إليه أو سفره إلى بلد معين أو بيعه دار سكنه، فمثل هذا الشرط هو شرط صحيح لأنه لا يتوقف على محض إرادة صاحب العلاقة، بل هو يخضع ولو بقدر إلى ظروف تخرج عن هذه الإرادة.
الشرط الإرادي المحض :condition purement potestative هو الذي يتوقف فقط على إرادة صاحب العلاقة ولا يتطلب سوى التعبير عن هذه الإرادة، ولمعرفة ما إذا كان الشرط الإرادي المحض هو شرط صحيح أم هو شرط باطل، لابد من التمييز بين أن يكون الشرط الإرادي المحض شرطا واقفا وبين أن شرطا فاسخا.
حكم الشرط الإرادي المحض الواقف : إذا كان الشرط الإرادي المحض الواقف علق على إرادة الدائن وقع شرطا صحيحا، أما إذا علق على محض إرادة المدين فهو يقع باطلا ويعتبر الالتزام المعلق عليه باطلا كذلك ومجردا من كل أثر، وهذا ما قرره المشرع في مطلع الفصل 112 بقوله “يبطل الالتزام إذا كان وجوده معلقا على محض إرادة الملتزم “.
حكم الشرط الإرادي المحض الفاسخ : هو شرط صحيح سواء كان معلقا على إرادة الدائن أم كان معلقا على إرادة المدين، ويترتب على ذلك أن الالتزام المعلق على مثل هذا الشرط يقع التزاما صحيحا وينتج سائر آثاره القانونية، فالفصل 112 بعد أن أعلن بطلان الالتزام إذا كان وجوده معلق على محض إرادة الملتزم أضاف “ومع ذلك يجوز لكل من الطرفين أو لاحدهما أن يحتفظ لنفسه بالحق في أن يصرح خلال أجل محدد بما إذا كان يريد الإبقاء على العقد أو يريد فسخه “.
وبالنظر لما لخيار الفسخ من أهمية فقد خصه المشرع بعدة مواد بين فيها أحكامه بالتفصيل وتختص هذه الأحكام بالأمور التالية :
أولا : لئن كان يسوغ مبدئيا الاحتفاظ بخيار الفسخ في سائر التصرفات المالية، فإن بعض التصرفات تستثنى من ذلك على ما ورد في الفصل 112 وبمقتضاها لا يسوغ اشتراط الاحتفاظ بخيار الفسخ في التصرفات الآتي بيانها على سبيل الحصر :
- الاعتراف بالدين – الهــــــــــبة – الابراء من الدين – بيع الاشياء المستقبلة المسمى بالسَلم
ثانيا : إذا حدد ميعاد لممارسة خيار الفسخ وجب ممارسة الخيار خلال هذا الميعاد. أما إذا لم يحدد الميعاد فإنه يسوغ لكل من الطرفين أن يطلب من الآخر أن يصرح بما يريده في أجل معقول ” الفصل 113″ .
ثالثا : اذا انقضى الميعاد دون أن يصرح المتعاقد بأنه يريد فسخ العقد. أصبح هذا العقد نهائيا ابتداء من وقت إبرامه، وعلى العكس إذا أبدى المتعاقد صراحة المتعاقد الآخر رغبته في التخلص من العقد فإن الاتفاق يعتبر كأن لم يكن “الفصل114”.
رابعا : إذا مات المتعاقد الذي احتفظ لنفسه بخيار الفسخ قبل فوات الميعاد المحدد لمباشرته ودون أن يعبر عن قصده، انتقل حق الخيار لورثته وأصبح لهؤلاء الخيار بين الإبقاء على العقد وبين فسخه خلال الوقت الذي كان باقيا لمورثهم، وإذا اختلف الورثة فيما بينهم، فإنه لا يسوغ للراغبين منهم في الإبقاء على العقد إجبار الاخرين على قبوله وإنما يجوز لهم أن يأخذوا العقد كلهم لحسابهم الشخصي “الفصل 115”.
خامسا : إذا أصيب المتعاقد الذي احتفظ لنفسه بخيار الفسخ بجنون أو بأي سبب آخر من أسباب نقص الأهلية، عينت المحكمة بناء على طلب المتعاقد الآخر أو أي ذي مصلحة غيره مقدما خاصا ليقرر بعد إذن المحكمة ما إذا كان يقبل العقد أو يفسخه وفق ما تقتضيه مصلحة ناقص الأهلية، وفي حالة الإفلاس يكون المقدم بحكم القانون هو وكيل التفليسة “السنديك” أو أي ممثل آخر لكتلة الدائنين “الفصل 116”.
الفرع الثالث : آثـــــــــــــــــــــــار الشرط
يقتضي بيان آثار الشرط التمييز بين المرحلة التي مازال الشرط فيها معلقا بحيث لا يعلم ما إذا كان سيتحقق أم سيتخلف، ويبن المرحلة التي يصبح فيها مصير الشرط مبتوتا فيه بحيث يكون الشرط قد تحقق أو تخلف، ولما كانت الآثار التي تترتب في هذه المرحلة تختلف في الحالة التي يتخلف فيها الشرط عنها في لحالة التي يتحقق. فإنه يتعين البحث في آثار تخلف الشرط بصورة منفصلة عن تحققه على أن نوضح قبل ذلك كيف يمكن اعتبار الشرط متحققا أو متخلفا.
وعليه سنقسم هذا لفرع إلى أربعة مباحث :
المبحث الأول : كيف يعتبر الشرط متحققا أو متخلفا
إن المشرع المغربي إذ أوضح الحالات التي يجب على أساسها اعتبار الشرط متحققا أو متخلفا قد فرق بين أن يكون الشرط عبارة عن حصول أمر، وبين أن يكون عبارة عن عدم حصول أمر، وبين أن يتطلب لحصوله إجراء عمل من الغير أو إجراء عمل من الدائن، ثم أضاف إلى هذه الحالات قواعد تنظم الحالة التي يتحقق فيها الشرط أو يتخلف بطريق الغش.
فلنعرض لمختلف هذه الحالات :
الحالة الأولى : الشرط عبارة عن حصول أمر ؛ عرض المشرع لهذه الحالة في الفصل 117 فقال “إذا علق التزام على شرط وقوع أمر في وقت محدد، اعتبر هذا الشرط متخلفا إذا انقضى الوقت دون أن يقع الأمر، وفي هذه الحالة لا يجوز للمحكمة أن تمدد الآجل، وإذا لم يحدد أي أجل يمكن أن يتحقق الشرط في أي وقت، ولا يعتبر متخلفا إلا إذا أصبح مؤكدا أن الأمر لن يقع ” ؛
الحالة الثانية : الشرط عبارة عن عدم حصول أمر ؛ نصت على هذه الحالة الفصل 118 بقوله : “إذا علق التزام مشروع على شرط عدم وقوع أمر في وقت محدد، فإن هذا الشرط يتحقق إذا انقضى الوقت من غير أن يقع الأمر، وهو يتحقق كذلك إذا أصبح قبل فوات الأجل مؤكدا أن الأمر لن يقع، وإذا لم يحدد أي أجل فلا يتحقق الشرط إلا إذا أصبح مؤكدا أن الأمر لن يقع “.
الحالة الثالثة : الشرط يتطلب لتحققه مشاركة الغير أو إجراء عمل من الدائن ؛ ورد النص على هذه الحالة في الفصل 119 وبمقتضاه : “الشرط الذي يتطلب لتحققه مشاركة الغير أو إجراء عمل من الدائن يعتبر متخلفا إذ ارفض الغير مشاركته، أو إذا لم يقم الدائن بالعمل المقصود ولو كان المانع راجع لسبب لا دخل لإرادته فيه “.
الحالة الرابعة : تحقق الشرط أو تخلفه بطريق الغش ؛ نص الفصل 122 على أن الشرط يعتبر متحققا ” إذا حال من غير حق المدين الملتزم على شرط دون تحققه أو إذا كان مماطلا في العمل على تحققه “، وأضاف الفصل 123 أن” تحقق الشرط لا ينتج أي أثر إذا حصل بتدليس ممن كانت له فيه مصلحة، فمن هذه النصوص يتضح أنه لا يسوغ لمن كانت له مصلحة في تخلف الشرط أو في تحققه أن يعمل بخطئه أو بغش منه على تخلف الشرط أو على تحققه وذلك تحت طائلة اعتبار الشرط الذي عمل على تخلفه متحققا و الشرط الذي عمل على تحققه متخلفا.
المبحث الثاني : آثار الشرط في مرحلة التعليق
- الشرط الواقف :
يمكن جمع الآثار التي تترتب على الشر الواقف قبل تحققه حول مبدأين أساسين :
أولا : الالتزام المعلق على شرط واقف هو التزام غير نافذ :
لما كان الالتزام المعلق على شرط واقف هو التزام لا تكتب له الحياة كاملة إلا إذا تحقق الشرط، فإنه بات من الطبيعي ألا يتصف هذا الالتزام بمزايا الالتزام الناجز، بل يبقى التزاما ناقصا غير نافذ مادام الشر المعلق عليه لم يتحقق وتترتب على ذلك نتائج عديدة أهمها النتائج التالية :
- الالتزام المعلق على شرط واقف هو التزام غير مستحق الأداء ؛
- الالتزام المعلق على شرط واقف هو التزام غير قابل للتنفيذ الجبري على المدين ؛
- الالتزام المعلق على شرط واقف لا يطال التقادم المسقط، لأن هذا الاخير لا يسري على الالتزام الا إذا كان مستحق الاداء، والالتزام المعلق على شرط واقف لا يضحى كذلك الا بتحقق الشرط.
ثانيا : الالتزام المعلق على شرط واقف هو التزام موجود :
الالتزام المعلق على شرط واقف هو التزام موجود استجمع سائر أركانه القانونية فالملتزم تحت مثل هذا الشرط يرتبط بما التزم به ولا يستطيع الرجوع فيه ما لم يتخلف الشرط، والدائن بشرط واقف وإن كان دينه لا يضحى نافذا إلا بتحقق الشرط فهو مع ذلك دائن تحت شرط واقف.
لهذه الاعتبارات منح الدائن بشرط واقف بعض الحقوق أهمها الحقوق التالية :
- للدائن بشرط واقف اتخاذ جميع الإجراءات التحفظية لحقه ؛
- للدائن بشرط واقف التصرف بحقه.
إذا توفي الدائن تحت شرط واقف، وذلك قبل تحقق الشرط، فحقوقه لا تنقضي بوفاته بل إنما تنتقل إلى ورثته.
ولكون الالتزام المعلق على شرط واقف التزام موجود قد تكتمل حياته بتحقق الشرط، فقد حظر المشرع على الملتزم بشرط واقف أن يجري في فترة التعليق أي عمل من شأنه أن يمنع أو يصعب على الدائن مباشرة الحقوق التي تثبت له عند تحقق الشرط (الفصل125).
- الشرط الفاسخ
المبادئ التي تتجمع حولها آثار الشرط الفاسخ قبل تحققه :
يمكن جمع الآثار التي تترتب على الشرط الفاسخ قبل تحققه حول مبدأين أساسين :
أولا : الالتزام المعلق على شرط فاسخ هو التزام موجود ونافذ
الالتزام المعلق على شرط فاسخ هو التزام موجود وينتج آثاره فورا، وهذا ما أشار إليه المشرع في الفصل 121 بقوله : “الشرط الفاسخ لا يوقف تنفيذ الالتزام “.
وتترتب على ذلك نتائج هامة نخص بالذكر منها ما يلي :
- الالتزام تحت شرط فاسخ هو التزام حال وواجب الأداء، وعليه يستطيع الدائن تحت مثل هذا الشرط أن يتقاضاه من المدين طوعا وإلا فقضاء عن طريق التنفيذ الجبري، وله طبعا أن يتخذ جميع الاجراءات التحفظية لحفظ حقه (الفصل 126) ؛
- إذا انصب التصرف تحت شرط فاسخ على حق الملكية أو على حق عيني، فإن المتصرف له يصبح فورا مالكا للعين المتصرف فيها أو للحق العيني المتصرف فيه ؛
- لصاحب الحق بشرط فاسخ التصرف بحقه، فمشتري الشيء بشرط فاسخ ستطيع مثلا أن يبيع هذا الشيء أو أن يهبه أو أن يوصي به للغير، على أن تكون طبعا حقوق الخلف معلقة كحق السلف ومهددة مثله بالزوال إذا ما تحقق الشرط الفاسخ.
ثانيا : ولكن الالتزام المعلق على شرط فاسخ هو التزام معرض للزوال
فهو يستمر في إنتاج آثاره وتصبح هذه الآثار نهائية وباتة إذا تخلف الشرط، أما إذا تحقق الشرط فالالتزام الذي كان معلقا عليه يزول ويترتب عندها على الدائن أن يرد إلى المدين ما كان أخذه منه (الفصل 121).
المبحث الثالث : آثار تخلف الشرط
آثار تخلف الشرط الواقف : يترتب على تخاف الشرط الواقف زوال الالتزام الذي كان معلقا عليه من الوجود، ووجوب اعتبار هذا الالتزام كأن لم يكن ومجردا من كل أثر.
آثار تخلف الشرط الفاسخ : يترتب على تخلف الشرط الفاسخ استقرار الالتزام الذي كان زواله معلقا على تحقق هذا الشرط، وصيرورة الالتزام المذكور باتا، فيستمر في إنتاج آثاره وتصبح هذه الآثار نهائية.
المبحث الرابع : آثار تحقق الشرط
المبدأ في التشريع المغربي أن لتحقق الشرط أثرا فوريا لا أثرا رجعيا :
ورد في الفصل 124 أن “لتحقق الشرط أثرا رجعيا يستند إلى يوم الاتفاق على الالتزام، إذا ظهر من إرادة المتعاقدين أو من طبيعة الالتزام أنه قصد إعطاؤه هذا الأثر”. فمن هذا النص يتبين أنه ما لم يظهر من إرادة المتعاقدين أو من طبيعة الالتزام أنه قصد إعطاء الشرط إذا تحقق اثرا رجعيا، فإن المبدأ الذي يجب الاعتداد به هو الأثر الفوري للشرط، بحيث يجب اعتبار الالتزام قد وجد أو قد زال في الوقت الذي تحقق فيه الشرط لا في اليوم الذي نشأ فيه الالتزام.
الحالات الاستثنائية التي يكون فيها للشرط أثر رجعي :
لئن كان المبدأ في التشريع المغربي أن لتحقق الشرط أثرا فوريا، فإن لهذا المبدأ استثناءان ورد عليهم النص في الفصل 124 وهما : إرادة التعاقدين في استبعاد الأثر الفوري للشرط واعطاءه أثرا رجعيا، ثم طبيعة الالتزام إذا كانت تأبى الأثر الفوري.
- فللمتعاقدين إن رغبا في استبعاد الأثر الفوري للشرط، أن يعربا عن إرادتهما في ذلك، فيعمل عندها بهذه الإرادة وينسحب أثر الشرط إلى اليوم الذي نشأ فيه الالتزام، والإعراب عن الإرادة في استبعاد الأثر الفوري للشرط يمكن أن يكون صريحا ويمكن أن يكون ضمنيا، إنما يجب التشدد في استخلاص النية الضمنية للمتعاقدين في استبعاد الاثر الفوري، لأن المشرع صرف نيتهم المحتملة في استبعاد هذا الأثر ولا بد من قيام دليل واضح لا لبس فيه على أنهما قصدا العكس.
- (ب) وقد تأبى طبيعة الالتزام الأثر الفوري وتتطلب بالضرورة أن يكون للشرط إذا تحقق أثرا رجعيا.
النتائج المترتبة على تحقق الشرط الواقف :
تترتب على تحقق الشرط الواقف النتائج التالية :
- إذا تحقق الشرط الواقف نشأ الالتزام الذي كان وجوده معلقا على حدوث الشرط ووجب على الملتزم تنفيذ التزامه رضاء، وإلا فللدائن المطالبة بالتنفيذ الجبري ؛
- (ب) إذا هلك محل الالتزام المعلق على شرط واقف أو تلف أو نقصت قيمته وذلك في مرحلة التعليق، وجب عند تحقق الشرط اتباع القواعد الوارد عليها النص في الفصل 120 وهذه القواعد ما لم يتفق الطرفان على خلافها تتلخص في ما يلي :
- إذا هلك الشيء هلاكا تاما بدون فعل المدين أو خطأه كان تحقق الشرط غير ذي موضوع واعتبر الالتزام كأن لم يكن.
- 2- أما إذا كان الهلاك التام بخطأ المدين أو بفعله كان للدائن الحق في التعويض.
- 3- وإذا أصاب الشيء تلف أو نقص في القيمة وذلك بغير خطأ المدين أو فعله، وجب على الدائن أن يأخذه في الحالة التي يوجد عليها ومن انقاص في الثمن.
- أما إذا تلف الشيء أو نقصت قيمته بخطأ المدين أو بفعله، كان للدائن الخيار بين ان يأخذ الشيء في الحالة التي يوجد عليها وبين أن بفسخ العقد عم ثبوت الحق في التعويض في الحالتين
(ج) التصرفات التي يكون المدين قد أجراها في الفترة القائمة بين نشوء الالتزام وتحقق الشرط تفسخ في الحدود التي يمكن أن تضر فيها بالدائن مع عدم الاخلال بالحقوق المكتسبة بطريقة سليمة للغير حسني النية (الفصل 125).
النتائج المترتبة على تحقق الشرط الفاسخ
تترتب على تحقق الشرط الفاسخ النتائج التالية :
- إذا تحقق الشرط الفاسخ، فسخ التصرف الذي كان معلقا عليه ووجب مبدئيا إعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل إجراء التصرف، لذلك ألزم الفصل 121 الدائن في أن يرد ما أخذه إذا تحقق الشرط الفاسخ.
- (ب) إذا استحال على الدائن رد ما أخذ وجب التفريق بين أن تكون الاستحالة بسببه أو بسبب أجنبي لا يد له فيه ؛ فإذا كانت الاستحالة لسبب يوجب مسؤولية الدائن التزم الدائن بالتعويض على الطرف الآخر ( الفقرة الثانية من الفصل 121)، أما إذا كانت الاستحالة لسبب أجنبي لا يد للدائن فيه كأن يتهدم البناء لعيب فيه أو نتيجة حادث فجائي، أو قوة قاهرة، فلا يلزم الدائن بالتعويض على ما يتبين من المفهوم المخالف للفقرة الثانية من الفصل 121 التي تلزم الدائن بالتعويض في الحالة التي يستحيل فيها عليه رد ما أخذه بسبب يوجب مسؤوليته.
- (ج) لا يلتزم الدائن برد الثمار و الزيادات التي يكون جناها قبل تحقق الشرط بل هو يبقى محتفظا بها، وكل اشتراط من شأنه أن يحمله برد الثمار يعتبر كان لم يكن ولا يعمل به (الفقرة الأخيرة من الفصل 121).
- التصرفات التي يجريها من يترتب على تحقق الشرط زوال حقوقه وذلك في الفترة التي تسبق تحقق الشرط الفاسخ، تفسخ في الحدود التي يمكن أن تضر فيها بالطرف الآخر وذلك مع عدم الاخلال بالحقوق المكتسبة بطريقة سليمة للغير حسني النية (الفقرة الأخيرة من الفصل 125).