بطلان العقد وإبطاله


يقدم لكم موقع أنفاس قانونية تلخيص حول :بطلان العقد وإبطاله


التمييز بين البطلان والإبطال والفسخ : يجب التمييز من جهة بين بطلان العقد وإبطاله، ومن جهةبين البطلان والإبطال من ناحية والفسخ من ناحية أخرى، فالبطلان nullité هو الجزاء الذي يقرره المشرع إما على عدم توافر ركن من أركان العقد (كما لو كان أحد المتعاقدين صغير غير مميز ،أو كان محل الالتزام التعاقدي عملا  مستحيلا )، وإما بموجب نص قانوني يقضي في حالات خاصة ولاعتبارات تتعلق بالنظام العام ،ببطلان تصرف ما رغم توفر سائر أركان انعقاده .

أما الإبطال annulation فهو الذي الجزاء الذي يرتبه المشرع إما على الإخلال بشرط من شروط صحة العقد (كما لو كانت إرادة أحد المتعاقدين غير سليمة لتعيبها بعيب من عيوب الرضى أو لو كان أحد المتعاقدين ناقص الأهلية )،وإما بموجب نص قانوني يمنح حق الإبطال لأحد المتعاقدين في بعض الحالات .

ويتميز البطلان والإبطال عن الفسخ  résolution في أن البطلان أو الإبطال يرجع إلى خلل في تكوين العقد ،بينما الفسخ يفترض فيه أن العقد نشأ سليما مستوفيا أركان انعقاده وشرائط صحته ،ثم حصل أن أخل أحد المتعاقدين بتنفيذ التزامه ،فلجأ الطرف الآخر إلى طلب فسخ العقد ليتحلل هو أيضا من الالتزام المترتب عليه .لذلك لا يتصور الفسخ إلا في العقود التبادلية ،في حين أن البطلان أو الإبطال يمكن أن يصيب العقود التبادلية والعقود غير التبادلية على حد سواء .وقد خص المشرع المغربي القسم الخامس من الكتاب الأول من ق ل ع لبحث “بطلان الالتزامات وإبطالها “.

وعليه سنقسم هذا الفصل إلى فرعين نخص الأول لبحث البطلان، والثاني نتطرق فيه للإبطال .

الفرع الأول : البطـــــــــــــــــــــلان

لقد خص المشرع لبحث البطلان الفصول من 306 إلى 310 حيث عرض حالاته ثم أوضح خصائصه، ثم بين آثاره.

ففي ضوء نصوص هذه المواد ونصوص أخرى متممة لها ،وفي هذي بعض المبادئ والأحكام العامة الواجبة التطبيق ولو لم يرد عليها نص سنبحث في حالات البطلان ثم في خصائصه، ثم في آثاره.

وعليه سيشتمل هذا الفرع على ثلاثة مباحث :

المبحث الأول : حالات البطلان

بالرجوع إلى الفصل 306 يتبين أن العقد يقع باطلا بقوة القانون في الحالتين التاليتين:

آ- إذاك كان ينقصه أحد الأركان اللازمة لانعقاده ؛

ب- إذا قرر القانون بطلانه في حالة خاصة.

ولسوف نبحث على التعاقب في كل من هاتين الحالتين :

آ- البطلان لتخلف ركن من أركان الانعقاد : يقع العقد باطلا إذا كان ينقصه ركن من الأركان اللازمة لانعقاده. وأركان الانعقاد كما نعلم هي : التراضي والأهلية والمحل والسبب، وركن الشكل في العقود الشكلية وركن التسليم في العقود العينية، فهكذا مثلا إذا اقتصر تراضي الطرفين على شمول بعض العناصر الأساسية للعقد دون البعض الآخر كان العقد باطلا لتخلف ركن التراضي فيه. وإذا صدر تصرف من صغير غير مميز ،كنا إزاء تصرف باطل، لأن ركن الأهلية لم يتحقق في هذا التصرف.

وإذا كان الالتزام التعاقدي لا يحمل على سبب، كأن يتعهد وارث للموصى له بتنفيذ الوصية ثم يتبين أن الموصى قد رجع عن الوصية، أو كان الالتزام التعاقدي محمولا على سبب غير مشروع، وقع العقد باطلا لأن ركن السبب لم يتوافر في هذا النوع من العقود.

البطلان بمقتضى نص في القانون : يقع العقد باطلا إذا قرر القانون في حالة خاصة بطلانه ،فقد يحصل أن يكون العقد مستجمعا سائر أركان انعقاده، وأن لا تشوبه شائبة من هذه الناحية. ولكن المشرع يرى لاعتبارات تتعلق بالنظام العام أن يقرر مع ذلك بطلانه، فهكذا مثلا قرر المشرع بطلان كل تصرف يتعلق بتركة إنسان على قيد الحياة. فقد ورد بهذا المعنى في الفصل 61 “لا يجوز التنازل عن تركة إنسان على قيد الحياة ولا إجراء أي تعامل فيها أو في أي شيء مما تشتمل عليه ولو حصل برضاه وكل تصرف مما سبق يقع باطلا “. ومن الأمثلة كذلك على البطلان بمقتضى نص في القانون، ما أورده الفصل 1034 من قانون الالتزامات والعقود من حيث بطلان عقد الشركة إذا تضمن شرطا يمنح أحد الشركاء نصيبا في الأرباح أو يحمله نصيبا في الخسارة يفوق ذلك الذي يتناسب مع حصته في رأس المال.

المبحث الثاني : خصائص البطلان

يقصد بخصائص البطلان الأحكام العامة والقواعد التي يقتضيها منطقيا عدم انعقاد العقد الباطل وقد ورد النص على بعض هذه الخصائص في بحث البطلان نفسه، والبعض الآخر هو من مقتضيات نصوص غيرها أو من مقتضيات المبادئ العامة الواجبة التطبيق ولو بدون نص. ولسوف نعرض تباعا لأهم هذه الخصائص.

الخاصية الأولى : بطلان جزء من العقد يبطل العقد بمجموعه ما لم يكن العقد قابلا للبقاء دون الجزء الذي لحقه البطلان

ورد النص على هذه الخاصية في الفصل 308 من قانون الالتزامات والعقود جاء فيه :”بطلان جزء من الالتزام يبطل الالتزام في مجموعه إلا إذا أمكن لهذا الالتزام أن يبقى قائما بدون الجزء الذي لحقه البطلان، وفي هذه الحالة الأخيرة يبقى الالتزام قائما باعتباره عقدا متميزا عن العقد الأصلي “.ونتيجة ذلك إذا وقع تصرف ما وكان هذا التصرف باطلا في شق منه، وتبين أن هذا التصرف يشكل في نظر المتعاقدين وحدة لا تتجزأ بحيث لم يكن ليتم بينهما لولا الشق الباطل ،فإن بطلان الشق يعم التصرف كله ويبطله بمجموعه .أما إذا تبين أن لا تلازم ولا ارتباط بين الشق الباطل وبين بقية أجزاء العقد ،فإن البطلان ينحصر في هذا الشق وحده ويصح العقد في الباقي وهذا ما يسما اصطلاحا بانتقاص العقد réduction du contrat.

الخاصية الثانية بطلان الالتزام الأصلي يقتضي بطلان الالتزامات التابعة ولا العكس : لقد ورد في الفصل 308 أن “بطلان الالتزام الأصلي يترتب عليه بطلان الالتزامات التابعة…”وأن”بطلان الالتزام التابع لا يترتب عليه بطلان الالتزام الأصلي”.

والالتزام الأصلي هو الذي يقوم بذاته من دون حاجة إلى غيره، كالالتزام المستقرض في عقد القرض. أو التزام كل من المشتري والبائع في عقد البيع. أما الالتزام التابع فهو القائم بغيره والذي لا يتصور وجوده بدون التزام أصلي يرتكز عليه ويكون تابعا له كما في التزام الكفيل أو التزام الراهن، حيث لا يقوم مثل هذا الالتزام ما لم يكن يوجد التزام أصلي نحرص على ضمات وفائه عن طريق الكفالة أو الرهن. ولما كان من القواعد الكلية أن التابع تابع، فإن بطلان الالتزام الأصلي يؤول إلى بطلان الالتزام التبعي. وتطبيقا لهذه القاعدة نرى المشرع يقرر في الفصل 1150 أن “كل الأسباب التي يترتب عليها بطلان الالتزام الأصلي يترتب عليها إنهاء الكفالة “، كما نراه يقرر في الفصل 1233 أن “بطلان الالتزام الأصلي يقتضي بطلان الرهن .

أما بطلان الالتزام التبعي فلا يؤثر على صحة الالتزام الأصلي الذي يبقى قائما ومنتجا آثاره .فإذا ما كانت الكفالة باطلة لتضمنها شرطا يمنح الكفيل أجرا عن كفالته المادة 1147 أو إذا ما كان الرهن باطلا لسبب يقتضي بطلانه ،فإن بطلان الكفالة أو الرهن لا يؤدي إلى بطلان الالتزام الأصلي المضمون بهذه الكفالة أو بهذا الرهن ولا يؤثر في صحته .

الخاصية الثالثة: العقد الباطل لا يقبل الإجازة ولا التصديق عليه :نص الفصل 310 على أن “إجازة الالتزام الباطل بقوة القانون أو التصديق عليه لا يكون لهما أدنى أثر “. والإجازة confirmation  هي أن يوافق المتعاقد على تثبيت عقد سابق قد عقد ه .أما التصديق على العقد أو إقراره ratification فهو تصرف يصدر من أجنبي عن العقد ،وبه يضيف هذا الأجنبي آثار العقد إلى نفسه كإقرار الموكل لتصرف جاوز الوكيل فيه حدود الوكالة.

فالعقد الباطل لا يقبل الإجازة أو التصديق عليه ،لأن الباطل معدوم، والعدم من الوجهة المنطقية لا يقلب وجودا بالإجازة أو الإقرار. يضاف إلى ذلك أن البطلان من متعلقات النظام العام .والإجازة أو الإقرار لا تهدم اعتبار النظام العام.

الخاصية الرابعة البطلان لا يصححه التقادم ولكن الدعوى بالبطلان تتقادم :يقضي المنطق المجرد بأن لا يتأثر البطلان بالتقادم، لأن البطلان معدوم كما تقدم والمعدوم لا يصبح موجودا بمضي الزمن.

الخاصية الخامسة : الباطل لا يحتاج إلى إبطال : إن العقد الباطل بقوة القانون يعتبر باطلا منذ صدوره أي غير منعقد بين عاقديه ،فهو عدم في نظر القانون. وعندئذ لا يتوقف تقرير بطلانه على حكم من القاضي، لأن القانون هو الذي قرر بطلانه من أصله.

الخاصية السادسة : لكل ذي مصلحة في البطلان أن يتمسك به وللمحكمة أن تقضي بالبطلان من تلقاء نفسها ولو لم يطلبه أحد المتقاضين : إن سبب البطلان في العقود الباطلة بقوة القانون يعود إلى كون العقد قد خولف فيه نظام التعاقد فالبطلان مقرر إذن رعاية للمصلحة العامة لا صيانة للمصلحة الخاصة، لذلك فإن لكل ذي مصلحة في البطلان أن يدعي به وذو مصلحة هو كل من له حق يتأثر بصحة العقد أو ببطلانه ،وعلى هذا الأساس يستطيع أن يتمسك بالبطلان كل من المتعاقدين، والخلف العام كالورثة، والخلف الخاص كمشتر ثان لعين مبيعة حيث تقضي مصلحته بالتمسك ببطلان البيع الأول حتى تخلص له العين، والدائنون كدائني البائع الذين من مصلحتهم الادعاء ببطلان البيع لإبقاء المبيع في ذمة مدينهم المالية والتنفيذ عليه لاستيفاء ديونهم من ثمنه.

ثم إن المنطق القانوني يحتم أن يكون للقاضي أيضا الحق إذا رفعت إليه دعوى تستند إلى عقد باطل، أن يقرر البطلان من تلقاء نفسه، حماية للمصلح العامة ولو كان كل من الطرفين المتقاضيين يتمسك بالعقد ويطلب تنفيذه. وهذه الخاصية لم يرد عليها نص في بحث البطلان ولكن من مقتضيات المبادئ العامة التي يجب تطبيقها ولو بدون نص.

المبحث الثالث : آثــــــــــــــــــــــــــار البطلان

القاعدة الأصلية هي أن العقد الباطل ليس له وجود قانوني، فلا يرتب أثرا ما سواء بالنسبة إلى المتعاقدين أو بالنسبة إلى الغير. وقد نص المشرع  عل  هذه القاعدة في مطلع الفصل 306 الذي استهل فيه بحث البطلان فقال :” الالتزام الباطل بقوة القانون لا يمكن أن ينتج أي أثر إلا استرداد ما دفع بغير حق تنفيذا له “.

فالقاعدة إذن أن العق الباطل يبقى مجردا من أي أثر قانوني .ولكن لهذه القاعدة بعض الاستثناءات.

وسنتناول بحث القاعدة الأصلية بالنسبة إلى المتعاقدين أولا، ثم بالنسبة إلى الغير ثم نعرض بعض الحالات الاستثنائية التي رتب فيها المشرع على العقد الباطل بعض آثار العقد الصحيح.

انعدام الأثر بين المتعاقدين :العقد الباطل لا تترتب عليه آثاره بين المتعاقدين :فالبيع الباطل مثلا لا ينقل الملكية إلى المشتري ،والرهن الباطل لا يمنح حق الأفضلية على المال المرهون. وإذا كان العقد الباطل لم ينفذ بعد فلا سبيل لأحد المتعاقدين أن يلزم المتعاقد الثاني على تنفيذه. وأما إذا كان العقد قد نفذ كله أو جزء منه، فإن من مقتضيات البطلان الطبيعية نقض التنفيذ الحاصل ،وإعادة العاقدين إلى حالهما قبل التعاقد إذ من القواعد الكلية أن ما بني على باطل فهو باطل .

غير أنه إذا أصبح من المستحيل إعادة المتعاقدين إلى حالهما قبل التعاقد، جاز للمحكمة أم تحكم للمتضرر من هذه الاستحالة بتعويض معادل للضرر الذي أصابه وذلك وفقا للمبادئ العامة .

انعدام الأثر بالنسبة للغير : إن أثر البطلان بالنسبة للغير هو نفسه بالنسبة للمتعاقدين. فالغير الذي تلقى حقا على الشيء الذي ورد عليه العقد الباطل يزول حقه تبعا للبطلان، وذلك عملا بالقاعدة العامة التي تقول إن الشخص لا يستطيع أن ينقل لغيره أكثر من يملك.

حالات استثنائية يترتب فيها على العقد الباطل آثار إيجابية : قد يحصل أن يرتب القانون على العقد البطل بعض الآثار التي تترتب على العقد الصحيح، وذلك لأسباب تقتضيها المصلحة العامة إما رعاية لاعتبارات تتعلق بالأسرة في عقد الزواج وإما رعاية لقواعد العدل والإنصاف وإما توفيرا لحماية الغير، أو لسوى ذلك من الاعتبارات. وكل هذا بصورة استثنائية خروجا على القاعدة الأصلية التي تجرد العقد الباطل من أي أثر. ومن أهم هذه الحالات الاستثنائية التي يترتب فيها على العقد الباطل آثار إيجابية، حالة عقد الزواج الباطل، وحالة تحول التصرف، وحالة اكتساب الغير حسن النية حقا عينيا على المنقول أو العقار المحفظ الذي هو محل العقد الباطل. وعليه سنعرض تباعا لمختلف هذه الحالات.

حالة عقد الزواج الباطل : إن المشرع ورعاية منه للأسرة رتب على عقد الزواج الباطل بعض آثار عقد الزواج الصحيح، فهكذا اعتبر المشرع دخول الزوج بالزوجة  في النكاح الفاسد لعقده دخولا شرعيا تستحق معه الزوجة الصداق المسمى. كما رتب المشرع على الزواج المجمع على فساده المحرمة بالصهر تعين الاستبراء وثبوت النسب إن كان حسن القصد.

حالة تحول التصرف : إذا بطل التصرف الذي أراده العاقدان لسبب من أسباب البطلان، وكان هذا التصرف الباطل يتضمن عناصر كافية لأن يتكون منها تصرف آخر غير الذي جرى عقده وكان الظاهر من ظروف العقد، أن العاقدان لو علما بأن تصرفهما الواقع لا ينعقد، لقبلا أن يعقدا بدلا عنه ذلك التصرف الآخر الممكن، فإن القانون يوجب في هذه الحالة اعتبار تصرفهما رغم بطلانه في صورته الواقعة منشئا حكما ذلك العقد الآخر الذي توافرت عناصره وشرائطه في هذا التصرف الباطل إعمالا للنية المفترضة لدى العاقدين وهذا ما يسمى” بتحول التصرف ” conversion du contrat وقد ورد بهذا المعنى في الفصل 309 أنه “إذا بطل الالتزام باعتبار ذاته وكان به من الشروط ما يصح به التزام آخر جرت عليه القواعد المقررة لهذا الالتزام الآخر”.

ومن أبرز الأمثلة على تحول التصرف حالة البيع الذي ليس فيه مقابل الشيء المبيع ثمن حقيقي، الذي يعتبر بيعا باطلا لعدم توافر محل للالتزام المشتري، ولكنه يصح هبة وتجري فيه أحكامها إذا كانت نية العاقدين تنصرف إليها لو علما أنت البيع لا ينعقد دون ثمن حقيقي.

حالة اكتساب الغير حسن النية حقا عينيا على المنقول أو العقار المحفظ الذي هو محل العقد الباطل : من القواعد الكلية التي أخذ بها المشرع المغربي أن حيازة المنقول تعتبر سندا للملكية : فإذا حاز زيد منقولا  بعقد باطل ورتب حقوق على هذا المنقول لمصلحة عمرو، وكان عمرو حسن النية، فبطلان العقد الذي دخل المنقول بموجبه في حيازة زيد لا يؤثر على حقوق عمرو بحيث يكون الوضع بالنسبة إلى هذا الأخير كما لو أن العقد المذكور وقع صحيحا. وتطبيقا لذلك نص المشرع في الفصل 1187 من قانون الالتزامات والعقود أن “الدائن الذي يتسلم بحسن نية، على سبيل الرهن الحيازي شيئا منقولا ممن لا يملكه يكسب حق الرهن”.

الفرع الثاني : الإبطـــــــــــــــــــــــــال

خص المشرع لبحث الإبطال الفصول 311 إلى 318 حيث عرض حالاته وبين أحكامه. ونحن سنتبع في بحث الإبطال نفس النهج الذي اتبعناه في بحث البطلان فنبدأ بعرض حالاته ثم نوضح خصائصه ثم نبين آثاره.

وعليه سنقسم هذا الفرع إلى ثلاثة مباحث :

المبحث الأول : حالات الإبطال  / المبحث الثاني :خصائص الإبطال   / المبحث الثالث: آثـــــــــــــار الإبطال

المبحث الأو ل : حالات الإبطال

عرض الفصل 311 لحالات الإبطال فقال :”يكون للإبطال محل في الحالات المنصوص عليها في الفصول 4 و 39 و 55 و 56 وفي الحالات الأخرى التي يحددها القانون”. فاستناد لهذا النص نستطيع القول بأن الإبطال يكون في إحدى الحالات التالية : آ – نقصان أهلية أحد المتعاقدين. ب – تعيب إرادة أحد المتعاقدين بعيب من عيوب الرضى. ج – كل حالة يمنح فيها القانون حق الإبطال لأحد المتعاقدين أو للغير . ولسوف نبحث على التعاقب في كل هذه الحالات.

الإبطال لنقصان أهلية أحد المتعاقدين :هذه الحالة من حالات الإبطال ورد النص عليها في الفصل 4 من ق ل ع وبمقتضاه :”إذا تعاقد القاصر وناقص الأهلية بغير إذن الأب أو الوصي أو المقدم ،فإنهما لا يلزمان بالتعهدات التي يبرمانها ولهما أن يطلبا إبطالها …”.

الإبطال لتعيب إرادة أحد المتعاقدين بعيب من عيوب الرضى : ورد النص على هذه الحالة في الفصول 39 و55و56، فبمقتضى الفصل 39 “يكون قابلا للإبطال الرضى الصادر عن غلط أو الناتج عن تدليس أو المنتزع بإكراه “، وبمقتضى الفصل 55 يجوز لأحد المتعاقدين إبطال العقد إذا كان قد لحقه غبن، وكا ن هذا الغبن قد نتج عن تدليس الطرف الآخر أو نائبه أو الشخص الذي تعامل من أجله. وبمقتضى الفصل 56 يجوز إبطال العقد الذي أبرمه القاصر أو ناقص الأهلية إذا ما لحق هذا القاصر أو ناقص الأهلية غبن.

الإبطال بمقتضى نص خاص في القانون : يرجع في هذه الحالة من حالات الإبطال إىل النص الخاص الذي تقررت بموجبه. فمن هذا القبيل مثلا ما قرره الفصل 54 من أن ” أسباب الإبطال المبنية على حالة المرض والحالات الأخرى المشابهة متروكة لتقدير القاضي” ومن هذا القبيل أيضا حالة بيع ملك الغير حيث أعطى الفصل 485 المشتري حق طلب إبطال البيع إذا رفض المالك إقراره.

المبحث الثاني : خصائص الإبطال

العقد القابل للإبطال هو عقد منعقد ومنتج جميع آثاره ولكنه عرضة للإبطال لعلة جعلته كذلك قانونا .فمن الطبيعي والحالة هاته أن يكون لقابلية الإبطال خصائص يستلزمها قيام العقد بعكس خصائص البطلان التي تستلزمها المعدومية، لذلك سوف نرى الإبطال يتميز ببعض الخصائص تختلف عن الخصائص التي يتميز بها البطلان ،و يشترك معه في بعض الخصائص الأخرى .وعليه سنفرد مطلبا أولا للخصائص المشتركة بين الإبطال والبطلان ،ثم مطلبا ثانيا للخصائص التي يستقل بها الإبطال .

المطلب الأول : الخصائص التي يشترك فيها الإبطال والبطلان

الخاصية الأولى :إبطال جزء من العقد يبطل العقد بمجموعه ما لم يكن العقد قابلا للبقاء دون الجزء الذي تقرر إبطاله : إن هذه الخاصية وإن كانت وردت في بحث البطلان إلا أنها من متعلقات الإبطال أيضا. وعليه إذا كانت عوامل قابلية الإبطال محصورة في بعض نواحي العقد دون بعض وكان هذا العقد يشكل في نظر المتعاقدين وحدة لا تتجزأ فإبطال أحد نواحيه يؤول إلى إبطاله بمجموع،ه أما إذا لم يكن بين مختلف نواحي العقد من الترابط ما يمنع التجزئة، فإن الجزء الذي انحصرت فيه عوامل الإبطال هو الذي يبطل من العقد فقط.

الخاصية الثانية : إبطال الالتزام الأصلي يقتضي إبطال الالتزام التابع ولا العكس :هذه الخاصية ورد ذكره أيضا في بحث البطلان، ومع ذلك فإنه يجب تطبيقها  في بحث الإبطال، ولا سيما أن الفصل 1233 ساوى صراحة بين البطلان والإبطال من هذا القبيل إذ هي بعد أن ذكرت في مطلعها أن “بطلان الالتزام الأصلي يقتضي بطلان الرهن” استطردت قائلة “الأسباب التي توجب إبطال الالتزام الأصلي توجب إبطال الرهن. وعليه إذا تقرر إبطال الالتزام الأصلي لنقص في الأهلية أو لعيب من عيوب الرضى فإن ما يتبعه من التزامات ناشئة عن الكفالة أو الرهن مثلا يشمله الإبطال أيضا .أما إذا تقرر إبطال الالتزامات التابعة لسبب يقتضي هذا الإبطال فإن الالتزام الأصلي لا يتأثر من جراء ذلك ويبقى صحيحا.

المطلب الثاني : الخصائص التي ينفرد فيها الإبطال

الخاصية الأولى :العقد القابل للإبطال يقبل الإجازة أو الإقرار :إن العقد القابل للإبطال يمكن تصحيحه وتطهيره من العيب الذي يشوبه عن طريق الإجازة أو الإقرار .والإجازة هي الرضاء ببقاء العقد واستقراره نهائيا ممن له حق إبطاله أو بعبارة أخرى هي التنازل عن حق الإبطال ممن له هذا الحق .أما الإقرار فهو رضى شخص ثالث بأن تسري عليه أحكام عقد عقده طرفان آخران ،وليس ساريا عليه كما في حالة بيع ملك الغير .إذا أعقب ذلك رضى المالك بهذا البيع .والإجازة أو الإقرار قد يردان صراحة وقد يحصلان ضمنا .

أولا : فقد ترد الإجازة و الإقرار بصورة صريحة ،وعندها يشترط لصحتهما توافر الشروط التالية المنصوص عليها في الفصل 317 :

ثانيا : وقد ترد الإجازة أو يرد الإقرار بصورة ضمنية ،وذلك كتنفيذ العقد كلا أو جزءا من جانب صاحب حق الإبطال، وهو على بينة من حقه في الإبطال ،شرط وقوع هذا التنفيذ في وقت يكون فيه من الممكن إجازة العقد القبل للإبطال أو إقراره بصورة صحيحة. وهذا ما أوضحته الفقرة الأولى من الفصل 318 بقولها :”إذا لم تحصل الإجازة او الإقرار صراحة، يكفي أن ينفذ طوعا إما كليا وإما جزئيا الالتزام القابل للإبطال ممن كان على بينة من عيوبه، بعد الوقت الذي يمكن له فيه إجازته أو التصديق عليه على وجه صحيح “.

وإذا أجيز العقد القابل للإبطال أو تم إقراره، وذلك صراحة أو ضمنا فإنه يصبح عقد صحيحا ويعتبر من صدرت عنه الإجازة او الإقرار متنازلا عن الطعن بالعقد الباطل، وهذا ما قررته صراحة الفقرة الثانية من الفصل 318 إذ قالت :” الإجازة أو الاعتراف أو التنفيذ الاختياري إذا وقعت في الشكل والوقت اللذين يحددهما القانون يترتب عليها التنازل عن الدفوع والوسائل التي كان من الممكن التمسك بها ضد الالتزام القابل للإبطال…”.

الخاصية الثانية : قابلية الإبطال يصححها التقادم فتسقط به دعوى الإبطال : إن قابلية الإبطال يصححها التقادم ،ومدة التقادم في دعوى الإبطال ليست مدة التقادم العادي المحددة بخمس عشرة سنة بل هي سنة واحدة (الفصل 311) فإن تراخى صاحب الحق في الإبطال وانقضت سنة على تراخيه تقادمت الدعوى وتصحح الإبطال ولم يعد بالمستطاع الطعن بالعقد. ومبدأ مدة التقادم ليس واحدا في سائر الحالات بل هو يختلف بحسب الاحوال، وقد حدده المشرع في الفصل 312 على النحو التالي : ففي حالة الإكراه لا يبدأ سريان مدة التقادم إلا من يوم زوال الإكراه وفي حالة الغلط والتدليس لا يبدأ إلا من يوم انكشافهما، وبالنسبة إلى التصرفات المبرمة من قبل القصر لا يبدأ إلا من يوم بلوغهم سن الرشد.

 وبالنسبة إلى التصرفات المبرمة من المحجور عليهم وناقصي الأهلية لا يبدأ إلا من يوم رفع الحجر عنهم أو من يوم وفاتهم فيما يتعلق بورثتهم، إذا مات ناقص الأهلية وهو في حال نقص الأهلية.

على أن ملاحظة هامة يجب إبدائها وهي أن دعوى الإبطال يجب ممارستها في كل حال قبل انقضاء خمسة عشرة سنة من تاريخ العقد وإلا انقضت بالتقادم. وهذا ما أوضحته المادة 314 بقولها :” تنقضي دعوى الإبطال بالتقادم في جميع الحالات بمرور خمس عشرة سنة من تاريخ العقد “.

أما التمسك بالإبطال عن طريق الدفع فهو هنا كما في البطلان لا يتقادم أبدا ومن حق من ترفع عليه الدعوى بتنفيذ العقد القابل للإبطال أن يتمسك بدفع الإبطال حتى ولو كانت دعوى الإبطال  قد انقضت بالتقادم القصير أو العادي. وبهذا المعنى ورد في الفصل 315 أنه :” يسوغ التمسك بالدفع بالبطلان لمن ترفع عليه الدعوى بتنفيذ الاتفاق في جميع الحالات التي يمكنه فيها هو نفسه أن يباشر دعوى الإبطال، ولا يخضع هذا الدفع للتقادم المقرر في الفصول 311 إلى 314 “.

الخاصية الثالثة : العقد القابل للإبطال يحتاج إبطاله إلى قضاء : إن العقد القابل للإبطال ليس باطلا بقوة القانون بل هو منعقد منتج لآثاره جميعا. فلا بد إذن من إبطاله لكي يصبح باطلا ويجرد من آثاره. والإبطال يتوقف بالطبع على ثبوت سببه أمام القضاء. ويترتب على ذلك أن الحكم بالإبطال يكون منشأ لوضع قانوني جديد constitutif لا معلنا أو كاشفا لوضع  قانوني سابق déclaratif. وذلك على عكس ما تقدم في خصائص البطلان.

الخاصية الرابعة : ليس لغير المتعاقد الذي قرر الإبطال لمصلحته أن يتمسك بالإبطال ولا يجوز للمحكمة أن تقضي بالإبطال من تلقاء نفسها :

للعاقد الذي شرع الإبطال لمصلحته أن يتمسك وحده بإبطال العقد. ولما كان الحق في طلب الإبطال ينتقل إلى الورثة، فإن من حق الخلف العام التمسك بالإبطال .وهذا ما قرره الفصل 313 بقوله : “تنتقل دعوى الإبطال إلى الورثة فيما بقي لموروثهم من مدتها ،مع مراعاة الأحكام المتعلقة بانقطاع التقادم أو بوقفه”. ويتبين من هذا النص أن الخلف العام لإن كان له ممارسة دعوى الإبطال، فإن ذلك مشروط فيه أن تقع ممارسة هذه الدعوى فيما بقي للموروث من مدة. أما المتعاقد الآخر أو الدائنون او الخلف الخاص للمتعاقد الذي تقرر الإبطال لمصلحته، فليس لهم ممارسة دعوى الإبطال، وذلك بخلاف الوضع في البطلان حيث يجوز لكل ذي مصلحة ان يتمسك به.

ولا يجوز للمحكمة أن تقضي بالبطلان من تلقاء نفسها. بل لا بد من ان يتمسك به صاحب المصلحة إذ الإبطال مقرر لحماية مصلحة شخص معين، لا رعاية للمصلحة العامة.

المبحث الثالث : آثــــــــــــــــــــار الإبطال

آثار الإبطال هي مبدئيا نفس آثار البطلان ،وقد أجملها المشرع في الفصل 316 فقال :” يترتب على إبطال الالتزام وجوب إعادة المتعاقدين إلى مثل ونفس الحالة التي كانا عليها وقت نشأته، والتزام كل منهما بأن يرد للآخر كا ما أخذ منه بمقتضى أو نتيجة العقد الذي تقرر إبطاله. وتطبق بشأن الحقوق المكتسبة على وجه صحيح بالنسبة إلى الغير حسني النية الأحكام الخاصة المقرر لمختلف العقود المسماة”.

فالعقد القابل للإبطال متى قضي بإبطاله التحق بالباطل من جميع الوجوه، والحكم بالإبطال وإن كان منشأ إلا أن هذا الإبطال ينسحب بأثر رجعي على العقد منذ تكوينه فيزول ويصبح كأن لم يكن سواء بالنسبة إلى المتعاقدين الذين يجب أن يعادا مبدئيا إلى حالهما قبل التعاقد أم بالنسبة للغير الذي قد يتعرض الحق الذي اكتسبه على الشيء الوارد عليه العقد المقرر إبطاله للزوال.

ولا يمنع الإبطال إمكان تبوث آثار العقد الباطل على وجه استثنائي كما في حالة تحول التصرف القابل للإبطال، أو في حالة اكتساب الغير حسن النية حقا عينيا على المنقول أو العقار المحفظ الذي ورد عليه العقد القابل للإبطال.

وفي كل ذلك تطبق القواعد والأحكام التي تم تقريرها في معرض البحث في آثار بطلان العقد.

Exit mobile version