خص المشرع المغربي للمسؤولية الناشئة عن الحيوان والأشياء الفصول من 86 إلى 90 من قانون الالتزامات والعقود المغربي حيث عرض لمسؤولية حارس الحيوان، ثم لمسؤولية حارس الأشياء ثم لمسؤولية مالك البناء عن الضرر الذي يمكن أن يلحقه الحيوان أو الشيء أو البناء بالغير .ولسوف نبحث في كل هذه المسؤوليات ونخص لكل واحدة منها فرعا مستقلا .
الفرع الأول : مسؤولية حارس الحيوان
عرض المشرع المغربي للمسؤولية الناشئة عن حارس الحيوان وعن الاضرار التي يسببها للغير في الفصلين 86 و87 من قانون الالتزامات والعقود، وفي ضوء نص هاتين المادتين سنبحث في الاساس الذي يمكن أن تبنى عليه مسؤولية حارس الحيوان ثم في الشروط الواجب توافرها لتحقق هذه المسؤولية وعليه سيتضمن هذا الفرع مبحثين:
المبحث الاول : أساس مسؤولية حارس الحيوان
مسؤولية حارس الحيوان تقوم على فكرة الخطأ المفترض في جانب الحارس وهو خطأ في الرقابة والتوجيه.
دفع المسؤولية الناشئة عن حارس الحيوان : لقد اعتبر المشرع المغربي أن قرينة الخطأ المفترض التي تبنى عليها مسؤولية حارس الحيوان هي قرينة قابلة للبينة المعاكسة. ذلك أن المادة 86 لم تقتصر على السماح لحارس الحيوان بأن يدفع المسؤولية إذا هو أثبت أن الحادث الذي سبب الضرر نتج عن ظرف طارئ أو قوة قاهرة، بل هي أجازت له أن يتحلل من كل مسؤولية إذا هو أقام الدليل على ” أنه اتخذ الاحتياطات اللازمة لمنع الحيوان من إحداث الضرر ولمراقبته “.
ويجدر لفت النظر، إلى أن خطأ الغير يدخل في مفهوم القوة القاهرة ويصح إذن أساسا لدفع مسؤولية حارس الحيوان .
وكذلك تجدر الملاحظة، إلى أن الشخص الذي يحاول إيقاف حيوان أفلت زمامه من يد حارسه كجواد جامح لينقذ الغير من الضرر ويصاب هو بضرر، لا يعتبر أنه ارتكب خطأ، بل من حقه مساءلة حارس الحيوان عن الضرر الذي لحق به .
المبحث الثاني : شروط مسؤولية حارس الحيوان
لا بد كي تتحقق مسؤولية حارس الحيوان من توافر الشرطيين التاليين :
الشرط الأول : يجب أن يتولى شخص حراسة حيوان
يقتضي الإلمام بهذا الشرط تحديد معنى كل من الحراسة والحيوان :
أولا : الحراسة : يقصد بالحراسة هنا السلطة الفعلية في الرقابة والتوجيه. فحارس الحيوان الذي يتحمل المسؤولية هو من يباشر بنفسه أو بواسطة تابعيه سلطة فعلية في رقابة الحيوان وتوجيهه، وفي ضوء هذا المعيار يمكن تقرير القواعد التالية :
1 – ليس الحارس من يحوز الحيوان حيازة مادية لان الحيازة المادية شيء والحراسة شيء آخر : فالتابع كالراعي أو السائس أو السائق له الحيازة المادية، ولكنه لا يعتبر حارسا لأنه لا يملك السلطة الفعلية في الرقابة الحيوان وتوجيهه. ثم إن الفصل 87 يرتب المسؤولية على الحارس حتى في الحالة التي يكون فيها الحيوان قد “ضل أو تشرد” أي حتى في الحالة التي يكون فيها الحارس قد فقد الحيازة المادية للحيوان، الأمر الذي يدل بصورة قاطعة على استقلال الحراسة على الحيازة المادية.
2 – ليس الحارس من يتمتع بحيازة الحيوان حيازة قانونية : فلو أن الحيوان سرق من مالكه، فإن الحراسة تنتقل إلى الحارس بانتقال السلطة الفعلية إليه، ويصبح هو المسؤول عن الأضرار التي يحدثها الحيوان المسروق وهو في عهدته.
3 – الأصل أن مالك الحيوان هو الحارس لأنه هو صاحب السيطرة الفعلية على الحيوان : وعليه إذا رفع المضرور الدعوى على المالك، فلا يكون عليه أن يثبت أن المالك هو الحارس، إذ يقوم هذا الافتراض لصالحه، بل يترتب على المالك أن يثبت أنه لم يكن هو الحارس وقت وقوع الضرر .ويستطيع أن يثبت ذلك بجميع الطرق.
ثانيا : الحيوان ؛ لم يحدد الفصل 87 الحيوانات التي يسأل حارسها عن الأضرار التي تنشأ عن فعلها، لذلك يجب أن تصدق هذه المادة على أي نوع من أنواع الحيوان لا فرق في ذلك بين حيوان مستأنس وحيوان متوحش، كذلك يستوي أن يكون الحيوان من الدواب كالمواشي والخيل والبغال والجمال، أو من الحيوانات الأليفة كالكلاب والقطط أو من الطير أو من الحيوانات المفترسة كالأسود والنمور.
إنما يشترط أن يكون الحيوان مملوكا لأحد الناس أو على الأصح أن يتولى شخص حراسته. أما الحيوانات التي توجد طليقة في عقار سواء كانت متوحشة أو غير متوحشة نفلا يسأل مبدئيا مالك العقار او مستأجره أو حائزه عن الضرر الذي تحدثه هذه الحيوانات، إذا لم يكن قد فعل شيء لجلبها أو للاحتفاظ بها في هذا العقار على ما أوضحته الفقرة الأولى من الفصل 87. على أن الفقرة الثانية من الفصل المذكور أوجبت المسؤولية في حالتين :
أولا: إذا وجدت في العقار حديقة أو غابة أو حظيرة أو خلايا مخصصة لتربية أو لرعاية بعض الحيوانات، إما لغرض التجارة وإما للصيد أو للاستعمال المنزلي
ثانيا : إذا كان العقار مخصصا للصيد.
الشرط الثاني : يجب أن يحدث الحيوان بفعله ضررا للغير
لا تترتب المسؤولية الناشئة عن حارس الحيوان، إلا إذا كان هناك فعل من الحيوان وترتب على هذا الفعل ضررا للغير. فلكي تتحقق مسؤولية حارس الحيوان يجب أن يكو ن الحيوان قد أتى فعلا إيجابيا سبب إحداث الضرر، أما إذا كان دور الحيوان سلبيا، كأن يرتطم أحد بحيوان واقف ويصاب بضرر، أو كأن يسقط شخص أثناء محاولته ركوب جواد وتكسر ساقه، فإن حارس الحيوان لا تجوز مساءلته، لأن الضرر في مثل هذه الحالات لا يعتبر من فعل الحيوان.
واشتراط فعل إيجابي من الحيوان لا يعني أن يكون الحيوان قد اتصل اتصالا ماديا بالمضرور، بل يكفي أن يكون هو السبب الايجابي في إحداث الضرر. فلو أن حيوانا مفترسا أفلت زمامه من يد حارسه وخرج إلى الطريق العام فذعر شخص من المارة فسقط وجرح دون أن يمسه الحيوان، كان للمضرور أن يعتبر حارس الحيوان مسؤولا عن الضرر الذي لحق به، لأن هذا الضرر يعتبر من فعل الحيوان.
وقد يحصل أن يكون الحيوان في قيادة شخص عند حدوث الضرر، كما لو وقع الحادث عندما يمتطي شخص جواد أو يستعمله لجر مركبة. فهل يعتبر الضرر في مثل هذه الحالة من فعل الإنسان أم من فعل الحيوان؟ يترتب على الجواب أهمية كبرى من الناحية العملية فلو اعتبر الحادث قد وقع بفعل الإنسان لوجب على المضرور أن يثبت الخطأ وفقا للقواعد العامة. أما إذا اعتبر بفعل الحيوان فلا يكلف المضرور بإثبات خطأ لوجود قرينة قانونية على خطأ الحارس.
والرأي الأخير هو الرأي الصواب، ذلك أن أساس مسؤولية حارس الحيوان هو الخطأ المفترض في الرقابة والتوجيه، وأن هذا الخطأ المفترض لا يعقل ان يتلاشى لمجرد أن يكون الحيوان في قيادة إنسان، لا بل إن افتراض الخطأ في مثل هذه الحالة يجد ما يبرره ويستدعيه أكثر مما لو أحدث الحيوان ضرر وهو طليق من قيادة أي إنسان.
ضرر الغير : يسأل الحارس عن أي ضرر يصيب الغير بفعل الحيوان الذي يكون تحت حراسته، كأن يدهس حيوان شخصا فيصيبه بجروح أو يتلف حيوان مزروعات الغير، أو يعض أحد المارة أو ينتقل مرض معد من حيوان لآخر يملكه الغير .
ويقصد بالغير هنا كل شخص مما عدا الحارس : فقد يكون الغير شخصا أجنبيا عن الحارس كعابر سبيل، وقد يكون تابعا للحارس كشخص في خدمة مالك الحيوان يكلفه المالك، بأن يسوقه ويعتني به أو يقوم بخدمته وقد يكون هو المالك نفسه إذا كان الحيوان في عهدة حارس.
أما الضر ر الذي يصيب الحارس نفسه، عندما يكون شخصا غير المالك فلا يسأل عنه المالك، إلا إذا أثبت الحارس خطأ في جانبه طبقا لقواعد المسؤولية الشخصية وكأن يكون المالك قد أخفى على الحارس عيبا في الحيوان يعرفه.
وأما الضرر الذي يلحقه الحيوان بنفسه كأن يختنق بالحبل الذي ربطه به الحارس الذي عهد إليه المالك برقابة الحيوان، فلا يستطيع المالك أن يرجع به على الحارس، إلا إذا أثبت خطا في جانبه وفقا للقواعد العامة.