اللاتركيز الإداري، اللاتمركز الإداري

مقدمة :

إن الحديث عن اللاتركيز الإداري بالمغرب يجرنا إلى بسط التطور التاريخي لمسلسل اللاتمركز الإداري بالمغرب ولو بشكل موجز، ذلك أن وضع الإطار  العام للموضوع يتطلب وضع الموضوع في سياقه التاريخي، فاللاتركيز الإداري أدخلته الحماية الفرنسية من خلال استحداث نظام الناحية أو الجهة، كفضاء لاستقبال وحدات اللاتركيز الإداري بمقتضى منشور المقيم العام بتاريخ 4 غشت 1913 الذي قسم المغرب إلى نواحي مدنية يرأسها مراقبون مدنيون، وأخرى عسكرية يرأسها مراقبون عسكريون وكان كل من المراقبين المدنيين والعسكريين يمثلون المقيم العام في الجهة ويحافظون على النظام، ويخبرون السلطات المركزية عن شؤون الناحية، ويسهرون على تنسيق نشاط المصالح الخارجية للإدارات التقنية، ويراقبون الموظفين الفرنسيين العاملين لدى السلطات المحلية المغربية، لكن الملاحظ أن إحداث هذا النظام في هذه الفترة لم تكن الغاية منه تنمية البلاد، بل مراقبة التراب الوطني واستغلال خيرات البلاد.

وقبل حصول المغرب على الاستقلال وبالضبط في سنة 1956 صدر ظهير 16 دجنبر 1955 المتعلق بالتنظيم الإقليمي الذي قسم المغرب إلى ثلاث عشر إقليما ومدينتين كبيرتين هما الرباط والدار البيضاء، وقد وضع هذا الظهير كل إقليم وكل مدينة من هاتين المدن تحت رئاسة الوالي، وبعد حصول المغرب على الاستقلال صدر في 20 مارس 1956 ظهيرين شريفين الأول رقم 1,56,046 يحدد القانون الخاص بالعمال والثاني رقم 1,56,047 يحدد القانون الخاص بالقواد.

بعد ذلك وبتاريخ 2 ديسمبر 1959 صدر  ظهير التقسيم الإداري للمملكة لاستقبال وحدات اللاتركيز الإداري، وهو ما تم تعزيزه بالتنصيص الدستوري في الفصل 95 من دستور 14 دجنبر 1962 على الدور الذي يقوم به العمال على مستوى العمالات والأقاليم.

وعقب الإعلان عن أول برنامج حكومي بتاريخ 12 يناير 1964 لم يفت الوزير الأول محمد باحنيني الإشارة إلى مسالة التنسيق بين المصالح الإدارية الإقليمية بقوله “ولم نكتف في هذا المجال بتوسيع نطاق اختصاصات العمال ورؤساء المصالح الإقليمية لتستجيب مصالحها لرغبات الجمهور بكامل الدقة والإسراع، بل سننسق بين مختلف المرافق، ونربط صغيرها بكبيرها، ونمدها بموظفين أكفاء، غايتهم خدمة  الصالح العام، والسهر على رعاية حقوق المواطنين”.

والملاحظ خلال هذه الفترة أن اللاتركيز الإداري اكتسى مفهوم لا تركيز للسلطة لأكثر مما كان لا تركيز للإدارة بمعناها المرفقي من اجل حماية النظام العام ونشر الآمن وبسط سيادة الدولة على مجموع التراب الوطني، غير أن الظروف التي مر منها المغرب لم تساعد على تعزيز اللاتركيز الإداري خاصة ما يتعلق بحالة الاستثناء مما أدى إلى مزيد من تركيز السلطة وتجلى ذلك في صدور ظهير 16 يونيو 1971 المحدد للمناطق بحيث جعل هذا الظهير التنمية المحلية شانا مركزيا من خلال إحداث مديرية للتنمية الجهوية لدى الوزير الأول (رئيس الحكومة حاليا),

وقد لعبت هذه المديرية دورا كبيرا على مستوى تنفيذ وتنسيق الأشغال والدراسات والأعمال المتعلقة بالمناطق، بينما اكتفت الهيئات الإقليمية المحدثة على صعيد كل جهة بدور استشاري، وكان لدستور 10 مارس 1972 دورا كبيرا في بلورة الاهتمام بالشأن المحلي والديمقراطية المحلية على مستوى الجماعات الحضرية والقروية بشكل لم يخدم سياسة اللاتركيز الإداري.

ونظرا لعجز الجماعات المحلية عن القيام بدور فعال في مجال التنمية المحلية دون مساعدة الدولة من خلال مصالحها اللاممركزة، انصبت جميع المناظرات الوطنية حول الجماعات المحلية على إصدار توصيات بخصوص اللاتمركز الإداري، وكان من نتائج هذه التوصيات صدور أول مرسوم بتاريخ 20 أكتوبر 1993 يعنى باللاتمركز الإداري.

غير أن المناظرة الوطنية السابعة المنعقدة بالدار البيضاء ما بين 19 و21 أكتوبر 1998 كانت صريحة بضرورة الاهتمام باللاتمركز الإداري فاتخذت من “اللامركزية واللاتمركز” شعارا لإشغالها.

وعقب هذه المناظرة سعت وزارة الوظيفة العمومية والإصلاح الإداري إلى إقرار ميثاق لعدم التركيز الإداري، إلا أنه لم يتم إقرار هذا الميثاق ، بل تم إصدار مرسوم جديد في شان تحديد قواعد تنظيم القطاعات الوزارية واللاتمركز الإداري بتاريخ 2 ديسمبر 2005، إلا أن المرسوم هو الآخر أبان عن نقائص كبيرة، وعن عدم قدرته على معالجة المشاكل التي يتخبط فيها اللاتمركز الإداري.

بعد هذا المرسوم تطرقت العديد من الخطب الملكية لموضوع اللاتمركز الإداري وأشارت إلى الدور الكبير الذي يمكن أن يلعبه هذا الأخير على مستوى بلورة الجهوية المتقدمة على أرض الواقع نظرا للدور الكبير الذي يلعبه الوالي باعتباره ممثل للسلطة المركزية في الجماعات الترابية، من خلال مساعدته لرؤساء المجالس الجهوية على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية وتنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة طبقا لمقتضيات الفصل 145 من  الدستور.

ومن جهته يشير تقرير اللجنة الاستشارية حول الجهوية إلى ورش اللاتمركز الإداري والعراقيل التي تواجهه ويقترح ضمن تدابير المواكبة المدرجة في آخر الكتاب الأول، أن توضع آلية للتتبع والتقييم الدوري لمسار اللاتمركز في علاقته بمساري اللامركزية القطاعية والجهوية المتقدمة.

كما أن القانون التنظيمي للجهات أشار بدوره للاتمركز الإداري خاصة ما يتعلق باللجنة التقنية الجهوية التي تشكل أداة للتنسيق بين مختلف المصالح اللاممركزة على المستوى الجهوي.

وتوج مسلسل الإصلاح الإداري سنة 2018 بصدور المرسوم رقم 1.17.618 بمثابة ميثاق اللاتمركز الإداري الذي أتى بمقتضيات وإجراءات جديدة من شأنها إرساء ساسة لا تركيز إداري حقيقي هدفها تقريب الإدارة من المواطن وخدمة الصالح العام وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

ويقوم اللاتركيز الإداري على أساس منح بعض موظفي الوزارة في العاصمة وفي الأقاليم والجهات، بصفة فردية او في شكل لجان تعين الحكومة أعضائها حق البت نهائيا في بعض الأمور دون حاجة للرجوع إلى الوزير المختص، لا سيما في المسائل التي لا تحتاج إلى مجهود خاص في انجازها، بغية تخفيف العبء قليلا عن الوزير، ولتحقيق السرعة في انجاز بعض أمور الوظيفة الإدارية خاصة بالنسبة للأمكان البعيدة عن العاصمة.

كما أن سلطة البت هذه لا تعني استقلال الموظفين عن الوزير وإنما يخضعون بالرغم من ذلك، إلى إشراف الوزير والى رؤسائهم الإداريين، أي في نطاق السلطة الإدارية، وقد تعددت التعاريف التي أعطيت للاتمركز الإداري فقد عرفه الأستاذ سعيد بلبشير بأنه النظام الإداري الذي في إطاره تحول السلطة المركزية تحت مراقبتها إلى الأعوان المحليين الذين يمثلونها سلطة التقرير في ميادين محددة.

ومن هذا المنطلق فان مقاربتنا لموضوع اللاتركيز الإداري بالمغرب، ينطلق من إشكالية محورية تمثل في التالي : إلى أي حد استطاعت الدولة إرساء أسس لا تركيز إداري فعال ومندمج؟

وتتفرع عن هذه الإشكالية مجموعة من التساؤلات من قبيل :

ما هي آفاق اللاتركيز الإداري بالمغرب؟

إلى أي حد سيساهم اللاتركيز الإداري في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية؟

هل سيتمكن اللاتركيز الإداري من جلب الاستثمارات؟

ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه الأقطاب التقنية الجهوية على مستوى التفعيل الحقيقي لساسة اللاتركيز؟

ولمعالجة هذه الإشكاليات ارتأيت تقسيم الموضوع الى فصلين :

الفصل الأول : اللاتركيز الإداري ودوره في الرفع من مستوى التدبير الإداري بالمغرب

الفصل الثاني :  ملامح إصلاح اللاتمركز الإداري في ارتباطه بالجهوية المتقدمة

الفصل الأول : اللاتركيز الإداري ودوره في الرفع من مستوى التدبير الإداري بالمغرب

يعتبر اللاتركيز الإداري الدعامة الضرورية لكل سياسة تهدف إلى إنجاح تجربة اللامركزية، كما تشكل عملية اللاتركيز إحدى أهم الرهانات لبرامج إصلاح الإدارة في إطار سياسة إدارية لإعداد التراب قائمة على اللاتركيز واللامركزية والجهوية.[1]

إن التنظيمات الإدارية للدول تأخذ في الغالب الأعم من كل من النظامين الإداريين المركزي والمحلي بما يتلائم وظروفها التاريخية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بل أنه يمكن الجزم أن عناصر هاذين النظامين هي عناصر منبثة في مختلف النظم الإدارية سواء كانت متقدمة أو نامية…إلا أن هذين النظامين يبقيان مع ذلك مختلفين من حيث المفاهيم والأسس الطبيعية.[2]

المبحث الأول :  ماهية عدم التركيز الإداري

سنتطرق في إطار هذا المبحث إلى مفهوم اللاتركيز الإداري كصورة من صور التدبير في إطار السياسة الإدارية المتبعة من قبل الدولة، ثم سنميزه عن باقي المفاهيم المشابهة له وذلك لتفادي الخلط بينها، وفي الأخير  سنسلط الضوء على المبادئ التي يرتكز عليها اللاتركيز الإداري.

المطلب الأول : مفهوم اللاتركيز الإداري

مما لا شك فيه، أن مفهوم اللاتركيز الإداري أو عدم التركيز له آثار عدة ومرتبط بالعديد من الإشكاليات، وذلك بفعل الاختلاف الذي وقع بين فقهاء القانون الإداري بخصوص تعريفه على مر السنين.

الفقرة الأولى : مصطلح اللاتركيز الإداري

مصطلح اللاتركيز الإداري هو مستعار من الترسانة المؤسساتية والتنظيمية للدول الغربية والتي تفيد تاريخيا مرور الأنظمة الإدارية والسياسية الغربية من مرحلة الاستبداد إلى مرحلة الديمقراطية الليبرالية.

ويمكن إجمال المصطلحات التي تداولها الفقه الإداري بخصوص هذا الأسلوب الإداري في التدبير في المصطلحات التالية ” نظام اللاحصرية، أسلوب المركزية النسبية أو الجزئية، اللاوزارية[3]، أو النظام اللاوزاري، اللاتمركز، عدم التركيز الاداري، المركزية المعتدلة”.

وفي هذا الإطار أورد الأستاذ راجي محمد ثلاث ملاحظات تتمثل في  :

الملاحظة الأولى : أن جميع المصطلحات المذكورة متقاربة من ناحية الهدف الذي يسعى إليه هذا النمط من التنظيم الإداري ألا وهو عدم حصر الاختصاصات الإدارية في العاصمة.

الملاحظة الثانية : أن بعض المصطلحات المذكورة متقاربة في اللفظ وأحيانا حتى في المعنى.

الملاحظة الثالثة : أن مصطلح اللاوزارية أو النظام اللاوزاري يعني من خلال اللفظ إلغاء الوزارة التي هي نواة النظام الإداري وهذا يتعارض مع مفهوم اللاتركز الإداري الذي له ارتباط وثيق بالنظام الوزاري وبوجود الوزارة.[4]

إذن من خلال الملاحظات أعلاه ومن خلال المصطلحات التي تداولها الفقه الإداري حول أسلوب اللاتركيز الإداري، فإن المصطلح الأفضل من حيث الاستخدام والأدق من حيث المعنى هو مصطلح اللاتركيز أو عدم التركيز الإداري ومرد ذلك إلى الآتي :

باستعمال عبارة “عدم” التي تعني النفي وعدم تكرار الأداة النافية “الا” ويفيد بالتالي عدم تركيز الاختصاصات الإدارية في مركز واحد، مركز العاصمة.

أن أغلب الفقهاء المهتمين بدراسة القانون الإداري درجوا على توظيف مصطلح اللاتركز أو عدم التركيز الاداري.

الفقرة الثانية : تعريف اللاتركيز الإداري

يقصد باللاتركيز الإداري إذن من خلال ما تقدم توزيع سلطات البت في مجال الوظيفة الإدارية بين الإدارة المركزية من جهة وفروعها في العاصمة أو الجهات والأقاليم من جهة أخرى، بحيث يحول الموظفين المتواجدين في تلك الفروع، محل سلطة اتخاذ بعض القارات البسيطة والبت فيها نهائيا دون الحاجة لعرضها على مصادقة الوزير المختص، غير أن إشراك الموظفين المحليين في اتخاذ القرارات عملا بصورة اللاتركيز الإداري، لا يعني المساس بجوهر المركزية، كما لا يعني استقلال هؤلاء الموظفين عن الإدارة المركزية بل يبقون خاضعين لهذه الأخيرة بما يقتضيه هذا الخضوع من تبعية للسلطة التسلسلية العليا ومن امتثال لتوجهاتها طبقا لقواعد السلطة الرئاسية[5].

ويظهر من خلال ما تقدم أن اللاتركيز الإداري يتحقق بنقل بعض المهام من الوزير إلى الموظفين الآخرين وهو نقل عادة ما يتم بإحدى الطريقتين[6] :

تتمثل الأولى في صدور نص تشريعي يمنح لموظف أو سلطة ما، مهام معينة بحيث يستمد هذا الموظف أو تلك السلطة صلاحياتها من ذلك النص التشريعي مباشرة دون تدخل من الوزير المعني، كما وقع مثلا سنة 1977 عندما صدر ظهير يحدد اختصاصات العامل بصفته ممثلا للملك ومندوبا للحكومة في العمالة أو الإقليم الذي يمارس فيه مهامه.

في حين تتمثل الطريقة الثانية في تدخل السلطة المركزية لتفويض جزء من اختصاصاتها لموظفين التابعين لها في الجهات والأقاليم.

وفي هذا السياق نورد بعض تعريفات الفقهاء التي تطرقت لهذا النمط من التنظيم الاداري ونخص بالذكر الفقه الفرنسي والفقه العربي.

1-  تعريفات الفقه الفرنسي

– عرف الفقيه برتلمي اللاتركيز الإداري بكونه الوسيلة التي تتزايد عن طريقها اختصاصات الموظفين التابعين للسلطة المركزية في مختلف أنحاء الدولة.

-ويذهب الفقيهان أوبي ويكو آدر في تعريفهما لصورة اللاتركيز الإداري إلى أن الموظفين المحليين بدل أن يكونوا مجرد أدوات تنفيذية للسلطة المركزية كما في التركيز الإداري يعترف لهم ببعض السلطات الخاصة فيكون من حقهم اتخاذ قرارات إدارية بدون حاجة للرجوع إلى الوزير.

– العميد فيدل أقر  أن اللاتركيز الإداري هو ذلك النمط من التنظيم الإداري الذي تعطي  فيه لسلطة اتخاذ قرارات إدارية هامة لموظفين تابعين للسلطة المركزية والمنتشرين في المناطق أو المرافق الإدارية المختلفة.

– أما الفقيه ايزنمان فيصرح على أن اللاتركيز الإداري هو تجزئة وتوزيع الوظيفة الإدارية بين عدة سلطات إدارية.

2- تعريفات الفقه العربي :

عرف الدكتور الحاج شكرة اللاتركيز الإداري بقوله  يقضي نظام اللاتركيز الإداري بمنح اختصاصات لمندوبي الحكومة المركزية على الصعيد المحلي مع بقائهم تابعين لها معينين من قبلها دون أن يترتب  عن ذلك انتقالهم عن الإدارة المركزية، ذلك أن تصريف تلك الأمور الإدارية إنما يتم تحت إشراف ورقابة المسؤول الإداري المركزي، وهو أن ممثلي الحكومة المركزية يخصون في ممارستهم عملهم للسلطة الرئاسية وفقا لقاعدة هرمية تتضمن حق التوجيه والمراقبة والتأديب بما في ذلك إعطاء الأوامر والتعليمات[7].

بينما عرف هذا الأسلوب الإداري الدكتور عثمان خليل عثمان باصطلاح المركزية المعتدلة وقاعدة الأساس في هذا النظام في نظره  أن تتوزع سلطة البت النهائي في شؤون الوظيفة الإدارية بين السلطات التنفيذية المركزية وين فروعها في العاصمة والأقاليم، حيث يكون لبعض وحدات الجهاز الإداري أن تتصرف فيما قرر لها القانون من اختصاصات استقلالا وبعيدا عن مكاتب الوزراء من غير الرجوع إلى هؤلاء على أن يكون معلوما انه ما دامت هذه الوحدات الإدارية المحلية لا تخرج عن السلم الإداري وما دامت ترتبط بالسلطة العليا بقاعدة التبعية من ناحية والسلطة الرئاسية من ناحية أخرى، فإنها لا تزال من أعمال الحكومة المركزية وهو يبقى على وحدة الإدارة ويحفظ لها تناسقها وتجانسها.[8]

بينما يعرفه باحث آخر بقوله أن اللاتركيز الإداري هو تفويض سلط واسعة للمؤسسات الإدارية المحلية ( سلطة القرار مصحوبة بالموارد المالية الضرورية والوسائل الكافية لتفعيلها ) في إطار تسلسل إداري محكم من المركزي إلى المحلي يتيح إعادة توزيع الاختصاصات والسلط داخل إدارة الدولة.[9]

ويؤكد آخر أن اللاتركيز الإداري مقتضاه هو تخفيف العبء عن الحكومة والإدارة المركزية وذلك بتخويل بعض الموظفين في الأقاليم المختلفة سلطة البت في بعض الأمور ذات الطابع المحلي دون الحاجة للرجوع إلى الوزير المختص، وذلك لا يعني استقلال هؤلاء الموظفين عن الإدارة المركزية، فهم يخضعون لسلطتها ولها أن تصدر لهم القرارات الملزمة ولها أن تعدلها أو تلغيها.[10]

مجمل القول أن التعريفات السابقة وإن اختلفت في المبنى الذي تم صياغة التعريف من فيه، إلا أنها تُجْمِعُ على معنى واحد وهو أن اللاتركيز الإداري يعني فيما يعنيه اقتطاع جزء من اختصاصات السلطة المركزية ومنحت للسلطات المحلية التي تمثلها على مستوى الجهة أو الإقليم.

وبعبارة أخرى أن اللاتركيز الإداري له معنيين أحدهما ضيق وثانيهما واسع ؛

المفهوم الضيق : يرتكز على عنصر السلطة الرئاسية وفق قاعدة هرمية صارمة بين الإدارة المركزية وممثليها في الأقاليم والجهات، وبالتالي الهيمنة الكبيرة للوزير على كافة الموظفين التابعين لوزارته.

المفهوم الواسع : حسب هذا المفهوم القاعدة الأساسية للاتركيز الإداري أن تتوزع سلطة البت النهائي في شؤون الوظيفة الإدارية بين السلطات المركزية وبين فروعها في العاصمة أو الجهات والأقاليم مع شيء من المرونة، وبالتالي تعرف بعض الوحدات التابعة للجهاز الإداري بكيفية مستقلة في اختصاصاتها دون الرجوع إلى الوزارات.

المطلب الثاني : تمييز  اللاتركيز الإداري عن المفاهيم المشابهة له

سنتناول في هذا المطلب اللاتركيز الإداري بالمقارنة مع بعض المفاهيم التي تقترب منه، والتي يمكن أن يقع بينهما بعض الخلط نظرا لتشاركهم في بعض الخصائص والسمات، والمقصود هنا بالمفاهيم المشابهة ؛ نجد اللامركزية الإدارية من جهة، ومفهوم عدم مركزة الإدارات المركزية من جهة ثانية، فما هي إذن أوجه الشبه أو الاختلاف بين هذه المفاهيم.

الفقرة الأولى : اللامركزية الإدارية و اللاتركيز الإداري

قد يقوم لبس وإبهام فيما يتعلق بالتفرقة بين اللاتركيز الإداري واللامركزية الإدارية، فكلا النظامين ينتمي إلى جنس واحد وهو كيفية ممارسة الوظيفة الإدارية وأن كلاهما يؤدي إلى توزيع الوظائف الإدارية، فاللامركزية الإدارية و اللاتركيز الإداري في يد واحدة ورغم كل هذا، فان الاختلاف يظل قائما ويتجلى في الآتي :

إن استقلال ممثل السلطة المركزية بتصرفي بعض الأمور الإدارية دون الرجوع إلى السلطة المركزية، إنما هو استقلال عارض، ولهذا فإن الموظف يمارسه في نطاق السلطة الرئاسية فيحتفظ الوزير بكامل سلطته على المرؤوس وعلى أعماله، ويجوز سحبها في أي وقت ومن حقها (السلطة الرئاسية) تعديل أو إلغاء القرارات الصادرة عن تلك الإدارات أو هؤلاء الموظفين والحلول محلها كلما اقتضى الأمر ذلك.[11]

بينما الاختصاصات اللامركزية هي اختصاصات أصلية مستمدة من القانون تمارسها الوحدات اللامركزية بشكل مستقل عن السلطات المركزية وفي نطاق الحدود التي ينص عليها القانون، كما أن استقلال الهيئات اللامركزية فإنه استقلال أصيل مفروض قانونا على السلطة المركزية التي لا تستطيع أن تنتقص منه، لأن للهيئات اللامركزية سلطة ذاتية مستمدة من القانون بحيث يكون لها الحق في إصدار قرارات إدارية نافذة بمحض إرادتها دون أن تكون خاضعة لتوجيهات السلطة المركزية.[12] وتخضع السلطات أو الوحدات اللامركزية لقدر من الرقابة تسمى الوصاية الإدارية.

أضف إلى ذلك أن ممثل الهيئات اللامركزية يختارون عن طريق الانتخابات ونظام الانتخاب يؤدي إلى الاستقلال المشار إليه أعلاه، في حين لان ممثلي الوحدات الغير  ممركزة يختارون عن طريق التعيين.

ورغم كل هذه النقاط التي يختلف فيها أسلوب اللامركزية الإدارية واللاتركيز الإداري، فإن هذا لا ينفي وجود من النقاط التي يتقاطع فيها هذين الأسلوبين من التدبير الإداري، ويمكن إجمالها في مال يلي :

أولا : نطاق التخصص الترابي

وتعني مباشرة التصرفات الإدارية في الشؤون المحلية في نفس الجهة المحلية، فإنه من البديهي أن تكون هناك حدود محلية في كل من الأسلوبين يتحدد على أساسها التخصص الترابي.

ثانيا : الشؤون المحلية

تعني اللامركزية الإدارية واللاتركيز الإداري أن هناك اعتراف بوجود مصالح محلية متميزة من المصالح الوطنية في الدولة والمصالح المحلية المتميزة عن مصالح الدولة بالنسبة للامركزية تعتبر عنصرا هاما من عناصرها لكن بالنسبة إلى اللاتركيز الإداري أو عدم التركيز فان الاعتراف بوجود تلك المصالح أمر حتمي.

ثالثا : وحدة الأساس

إن أساس السلطات والوظائف الممنوحة لكل من هيئات اللامركزية واللاتركيز الإداري يرجح إلى الدولة ولاسيما الدولة الموحدة من أجل تحقيق تقريب الإدارة من المواطنين وتحقيق التنمية المحلية.

رابعا : وحدة الهدف

ويسعى كل منهما إلى تحقيق هدف واحد مشترك ويتمثل في الحد من احتكار الوظيفة الإدارية للسلطة المحلية المركزية إضافة إلى أنهما يهدفان إلى تسيير الشؤون المحلية.

يتبن إذن أن اللامركزية الإدارية تتقابل مع اللاتركيز الإداري في أن كلا منهما يؤدي إلى توزيع السلطات الإدارية والى عدم تركيزها في جهة واحدة، لكن اللاتركيز الإداري يعد نقيض اللامركزية الإدارية باعتباره صورة من صور المركزية الإدارية بمعنى أن الطابع المركزي يبقى هو المهيمن، ذلك أن ممثلي السلطة المركزية يخضعون للرقابة الرئاسية وبالتالي فاستقلالهم هو استقلال عارض يمكن سحبه في اي وقت.[13]

الفقرة الثانية : اللاتركيز الإداري وعدم مركزة الإدارات المركزية

وفي بعض ما يخص المفهوم المشابه للاتركيز الإداري إلى جانب اللامركزية الإدارية نجد ما يعرف بعدم مركزة الإدارات المركزية واستحدث هذا النظام في السنوات الأخيرة خاصة في فرنسا ومعناه تنصيب إدارة الدولة المركزية داخل العاصمة أي على صعيد الإدارة الترابية، وبالتالي فإن الأمر هنا لا يتعلق بنقل السلطات من الإدارة المركزية من العاصمة إلى المناطق المختلفة من البلد نتيجة للضروريات العملية التي تفرض وضع البنيات الإدارية في الأماكن أو الجهات التي تتواجد بها الأنشطة المكلفة بها.

وذلك للبحث عن المحيط الملائم لعمل هذه الإدارات بدل تكدسها في العاصمة، ويمكن أن نَسُوقَ في هذا الاتجاه مثال من المغرب كإقامة الإدارة المركزية سابا في مدينة الدار البيضاء، وذلك بسبب طبيعة الحركة الاقتصادية والتجارية التي تعرفها هذه المدينة أو تواجد ميناء كبير بها…

بينما أسلوب عدم التركيز الإداري لا يعني إقامة الإدارات المركزية خارج العاصمة بقدر ما يعني إقامة المصالح الخارجية التابعة للإدارة المركزية عبر مجموع أقاليم الدولة وتزويدها بالوسائل المالية والبشرية ومنحها سلطة القرار في بعض القضايا ذات الصبغة المحلية وذلك بناء على قانون أو تفويض.

وبناء على ما سبق يتضح على أن للاتركيز الإداري طبيعة مزدوجة.

المطلب الثالث : أهداف اللاتركيز الإداري ومواطن القوة والضعف

إن تبني أسلوب اللاتركيز الإداري في الدول المعاصرة والحديثة كآلية لتدبير الشأن المحلي إلى جانب أسلوب اللامركزية الإدارية يرجع أساسا إلى تعدد أهدافه، لكن هذا لا يعني مطلقا بأن اللاتركيز الإداري خالي من كل السلبيات، بل له أيضا مجموعة من العيوب ونقط الضعف التي تحد من فعاليته، وسنحاول أن نتناول في هذا المبحث أهداف اللاتركيز الإداري في الفقرة الأولى، وفي الفقرة الثانية سنتطرق إلى ايجابيات وسلبيات اللاتركيز الإداري.

الفقرة الأولى : أهداف اللاتركيز الإداري

إن أهداف أسلوب اللاتركيز الإداري متعددة حيث يساعد هذا الأسلوب على تنفيذ وظيفة الإدارة المركزية وتسيير الإجراءات الإدارية ويمكن تلخيص أهم أهداف اللاتركيز الإداري في هدفين أساسين :

– الهدف الأول : تخفيف العبء على الإدارة المركزية ؛

– الهدف الثاني : تقريب الإدارة من المواطنين .

أولا : تخفيف العبء على الإدارة المركزية

لعل التطور الذي حصل في وظائف الدولة أفرز مشكلة توزيع مهام الحكومة المتزايدة ويزداد هذا المشكل كلما كانت الرقعة الجغرافية أكثر اتساعا…وضرورة إيجاد حل لهذه المعضلة كان وراء ظهور نظام الإدارة المحلية كوسيلة فعالة وناجحة لإدارة الشؤون المحلية.[14]

وبالتالي فإن جميع الدول مهما كان نظامها السياسي والإداري فهي تسعى إلى التخفيف من نقل المهمات الملقاة على عاتق الإدارة المركزية وتعمل جاهدة إلى توزيعها بطريقة جيدة ومستهدفة، باعتبار أن أسلوب المركزية المطلقة أصبح أسلوبا متجاوزا فقد قيمته في الميدان العلمي والتطبيقي، وهذه الصورة من تطبيقات المركزية لا تكاد توجد منم الناحية العملية في أية دولة من الدول المعاصرة.

ذلك لأنها صعبة التطبيق حتى في الدول المحدودة من حيث المساحة وعدد السكان، كما أن حاجات الدول اتسعت رقعتها، قد تختلف من مكان إلى  آخر، بحيث يتعذر مواجهتها بنظرة وتدابير موحدة لهذه الأسباب كانت صور اللاتركيز الإداري هي الممكنة التطبيق.[15]

ويؤكد أحد الفقهاء هذا الطرح بقوله أنه حتى بالنسبة للنظام الديكتاتوري نفسه لا يستطيع نبذ هذه الطريقة في توزيع المهام بين الإدارة المركزية وموظفيها الإقليميين.

وعليه نجد اليوم أن كل دولة أصبحت تبحث عن تنظيم إداري سليم لتوزيع الاختصاصات الإدارية.

ذلك أن تشعب القضايا التي تتكلف بها الحكومة وأهمية المشاكل ذات الصعبة المحلية وتعقدها التي تجعل الإدارة المركزية في نطاق النظام المركزي المطلق غير مؤهلة لتسييرها بمفردها، وللتخفيف من ثقل المهمات الملقاة على عاتق الإدارة المركزية نهجت الدولة الحديثة نظام المركزية مع اللاتركيز الإداري، هذا النظام الذي لم يكن من شأنه أن يسلب جميع مظاهر الوظيفة الإدارية في كلياتها وجزئياتها في العاصمة، وذلك حتى تتمكن الإدارات المركزية من التفرغ بفعالية لأمهات القضايا الوطنية ذات الصبغة العامة بين جميع أقاليم الدولة.

نستخلص أن قضية توزيع الاختصاصات الإدارية بين الإدارة المركزية ومثيلاتها عبر أقاليم الدولة مسالة ضرورية، وهدف عام لتخفيف العبء عن الإدارة المركزية في العاصمة.[16]

إلى جانب هدف التخفيف عن الإدارة المركزية من خلال أسلوب اللاتركيز الإداري هناك هدف عام آخر تسعى إليه كذلك الدول من خلال توزيع الاختصاصات ألا وهو مبدأ تقريب الإدارة من المواطن.

ثانيا : تقريب الإدارة من المواطن

إن هدف الإدارة في الكثير من الدول المتقدمة هو خدمة المواطن في أحسن الظروف، لذلك فإنها تقوم بدورها على أحسن وجه، ولما كان هدف الإدارة هو خدمة المواطن، فإنها تكون مطالبة بتحديدها كلها، وأساليب إدارتها لشكل العام، وفي هذا الإطار قامت العديد من الدول بتطبيق سياسة اللاتمركز الإداري والمغرب بدوره لم يشذ عن هذا التوجه، وذلك نظرا للتوسع الاقتصادي والصناعي والاجتماعي وظهور الكثير من القضايا التي يجب معالجتها في عين المكان دون العودة إلى المركز ، وذلك بغية الوصول إلى علاقات أكثر إنسانية ومباشرة مع مستهلكي الخدمات الإدارية، وأيضا الوصول إلى تنظيم أقل تعقيدا وأكثر شجاعة في اتخاذ القرار الإداري وتحقيقا للفعالية والمردودية[17]، من خلال أهمية مبدأ تقريب الإدارة من المواطنين يظهر أنه لا يتجسد فعليا على أرض الواقع.

حيث يظل الموظفين مرتبطين بالإدارة الإقليمية في اتخاذ أي قرار يهم المنطقة التي تدخل في نطاق اختصاصهم الترابي ومرتبطين بالإدارة المركزية بالعاصمة من جهة ثانية، يجعل البت في بعض القضايا الإدارية وغالبا ما تكون مستعجلة معرضة لضياع الوقت وفي بعض الحالات للإتلاف.

كما أن تقنية التفويض المزدوج لا تسمح باستقلالية القرار الإداري على مستوى المصالح الخارجية فالمسؤول الإداري في إطار اللاتركيز الإداري يكون في غالب الأحيان تابعا للإدارة المركزية، فعملية توزيع الأطر والاختصاصات بين المركز والمحيط أي بين المصالح الممركزة والمصالح غير الممركزة لا تقوم على نظرة شمولية ومتوازنة تراعي حاجيات المستفيدين من المرفق العام.

كما تعتبر المصالح غير الممركزة مجرد أداة لتنفيذ السياسة الحكومية للاتركيز الإداري، إذن فغياب التصور الاستراتيجي والتدبيري لهذه المصالح غير الممركزة لا يعطي لها الأهمية والفعالية والنجاعة طالما أنها ستاستمر فقط على عملية تنفيذ التطور الوطني العام لسياسة اللاتركيز الإداري، وبالتالي فإن امتثال المصالح الخارجية لتوجيهات وتعليمات المصالح الممركزة يعتبر نقطة ضعف لأسلوب اللاتركيز الإدارية.[18]

كما يعتبر جهل ممثل السلطة المركزية للمشاكل المحلية يسبب صعوبة بالغة في تسيير عمل الإدارة المحلية مما يعدم فعالية أسلوب اللاتركيز الإداري.

في إطار أسلوب اللاتركيز الإداري أو عدم التركيز نجد مقاومة شديدة من طرف المصالح المركزية على طريق احتكار المعلومات والاختصاصات الشيء الذي يفرغه من محتواه الواقعي.

وبقراءة سريعة لهذه المساوئ يلاحظ أن جلها مرتبطة بالجانب التطبيقي لأنها تتعلق بالكيفية التي سيطبق بها المعنيون بالأمر هذا الأسلوب ابتداء من وضعه وإقامته وانتهاء بتشغيله.[19]

هذا المبدأ بصورة دقيقة لم يظهر إلا بعد تطبيق اسلوب اللاتركيز الإداري الذي يعني إنشاء عدد من المصالح الخارجية للوزارات بالمناطق الجغرافية التي تقل فيها أو تنعدم…ومنح هذه المصالح الوسائل المالية والبشرية والتقريرية التي تسمح لها باتخاذ القرارات على المستوى الترابي الذي تمثله.

وبالتالي يشعر المواطن أنه سيكون في مناطق توجد بها إدارة قادرة على اتخاذ القرار ليستفيد منه في أقرب وقت ممكن دون التردد على العاصمة التي توجد بها الإدارة المركزية أو ينتظر جوابها.[20]

الفقرة الثانية : ايجابيات وسلبيات اللاتركيز الإداري

إن تقييم أسلوب اللاتركيز الإداري يتضح انه يزخر بمجموعة من المزايا والنقط الايجابية، بالموازاة مع ذلك لا يخلوا من بعض العيوب التي تؤثر على فعاليته بشكل كبير ، لذلك سنتطرق لكل منها على حدة.

أولا : مزايا اللاتركيز الإداري

أسلوب اللاتركيز الإداري يساعد على إمكانية اتخاذ المبادرات وتشجيع الابتكارات، كما يساعد على تشجيع الاستثمار، كما يساهم من المرور من إدارة المسطرة إلى إدارة المسؤولية الشيء الذي يدل على قدرة اتخاذ القرار  في ثقة من داخل الإدارة الترابية المحلية.

كما أنه يساهم في تنمية روح المبادة والمسؤولية لدى الموظفين المحليين ووضع آليات محكمة للتنسيق على المستوى الجهوي والإقليمي وتطوير دور ممثل السلطة المركزية في هذا المجال حسب أحكام الفصل 145 من الدستور بما يتماشى مع التعليمات الواردة في الرسالة الملكية بتاريخ 9 يناير 2002 فيما يخص الدور الجديد لولاة الجهات في ميدان الاستثمارات.[21]

أسلوب اللاتركيز الإداري يسمح بتسهيل الحوار والاتصال والرفع من فعالية المؤسسات وتوزيع المسؤولية وإشراك كل الفاعلين والعاملين لتنفيذه على أحسن وجه.

أسلوب اللاتركيز الإداري يساهم في تقوية سلطة ممثلي الدولة في الأقاليم وتمكينهم من البت في معظم القضايا التي تعرض عليهم مع بقائهم خاضعين لرقابة السلطة المركزية في العاصمة

يسعى أسلوب اللاتركيز الإداري للتخفيف من أعباء مهام السلطة المركزية في العاصمة باعتبار أن أمور إدارية كثيرة يحددها القانون يمكن اعتبارها من صلاحية ممثليهم في الأقاليم.

يسعى أسلوب اللاتركيز الإداري للتخفيف من أعباء المواطنين أصحاب المصالح وبت قضاياهم في الأقاليم حيث أماكن سكناهم أو عملهم بدلا من انتقالهم إلى العاصمة مع ما يترتب على ذلك من هدر  للوقت والأموال.

يهدف أسلوب اللاتركيز الإداري إلى إنعاش الأقاليم والمناطق النائية في الدولة بسب وجود ممثلين في هذه المناطق وتفهمهم لحاجيات ومتطلبات هذه الأخيرة.[22]

كما يمكن من اعتماد علاقات مباشرة بين الدولة والجماعات الترابية ووضع آليات محكمة للتنسيق على المستوى الجهوي والإقليمي.

تحسين مستوى خدمات المرفق العمومي لاسيما عن طريق دعم استقلالية تسيير المصالح الخارجية التي لها علاقة مباشرة بالمواطنين.

تطوير قدرات الإدارة المركزية في مجال الاستراتيجية والخبرة

ضمان تغطية ملائمة للتراب الوطني عن طريق إحداث مصالح خارجية تستجيب للمتطلبات الحقيقية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

تبسيط الإجراءات والأساليب الإدارية[23]

ويعتبر أسلوب اللاتركيز الإداري أداة لتدعيم اللامركزية والتنمية الجهوية باعتبار أن الجهة مطالبة بالتوفر على محاورين أكفاء في المصالح غير  الممركزة من اجل ممارسة مهامها على أحسن وجه والقيام باختصاصاتها ولا يمكن للجهوية ولا اللاتركيز أن ينجحا منفصلين عن بعضهما البعض.[24]

ثانيا : عيوب اللاتركيز الإداري

لقد أشرنا في ما سبق إلى أن أسلوب اللاتركيز الإداري متعدد بتعدد أهدافه، إلا أنه رغم ذلك نسبت إليه بعض المساوئ التي يمكن تلخيصها في ما يلي :

في إطار أسلوب اللاتركيز الإداري يمكن إسناد مسؤوليات لممثلي المصالح الخارجية غير قادرين على اتخاذ المبادرة الشيء الذي يعرقل النشاط الإداري أو يؤدي إلى تجميده.

إن تموضع ممثلي المصالح الخارجية بين الإدارة الإقليمية والإدارة المركزية حيث نجدهم تابعين دائما للمركز

بالإضافة إلى ذلك نجد أن سياسة اللاتركيز الإداري تعاني من صعوبات تقنية ومالية وبشرية ولوجستيكية.

المبحث الثاني  :  تطور الإطار القانوني للاتركيز الإداري  بالمغرب

سوف نخصص هذا المبحث لدراسة الجوانب القانونية للاتركيز الإداري من خلال دراسة الأسس  القانونية للاتركيز , كما سنتطرق من جهة أخرى، للإطار المؤسساتي للاتركيز الإداري من خلال الوقوف على مؤسسة العامل والتطور الذي عرفته هذه المؤسسة في ميدان التنسيق الإداري على المستوى المحلي، ثم الطفرة النوعية التي حققها من خلال انتقال دوره تدريجيا من التنسيق إلى التسيير الإداري للمصالح الخارجية للإدارات المركزية، على ان نسلط الضوء على قيم التدبير التي تطب اللاتركيز الإداري بالمغرب وذلك انطلاق من دستور 2011، وكذا المستجدات التي أتى بها الميثاق الوطني للاتمركز الإداري.

المطلب الأول :  الأسس القانونية للاتركيز الإداري

إن التنظيم الإداري المغربي ليس وليد الظروف الراهنة، بل هو نتاج لتطور مستمر عرفه منذ قرون مضت. إذ كانت للمغرب قبل الحماية مؤسسات إدارية و تنظيما إداريا مطبوعا بالتراث العربي الإسلامي غير أن الاستعمار حاول خلال فترة الحماية  قلب معالم الإدارة التقليدية و على كل حال فالمغرب حافظ على التقسيمات الكلاسيكية حيث نجد أن هناك مستويين: مستوى الإدارة المركزية  و مستوى الإدارة المحلية[25].

فالمركزية هي نظام إداري يتميز بربط كل المرافق العمومية بمركز موحد يتمثل في الدولة، إلا ان المركزية عادة ما تصطحب بقدر من اللاتركيز  و ذلك بوجود تقسيمات إدارية محلية وتنظم العلاقة بينها و بين الإدارة المركزية مجموعة من النصوص القانونية.

فعلى مستوى النص الدستوري،و على عكس اللامركزية التي شرع المغرب في نهجها منذ وقت مبكر‘ و التي جاء دستور 1962  ليكرسها باعتباره أول دستور للمملكة، إلا انه بالنسبة للاتركيز لم يظهر الاهتمام به كأسلوب للتدبير الإداري إلا في التسعينات.

فإذا رجعنا لدستور 1996، نجده ينص على بعض المقتضيات المتعلقة باللاتركيز من خلال الفصول 64 و 106 و 102 . إلا أن معظم هذه المقتضيات  تتميز بالعمومية فهي لا تهم اللاتركيز مباشرة بقدر ما تهم توضيح الأجهزة و السلطات التي ستكون محل اللاتركيز باستثناء الفصل 102 الذي نص على وجوب نقل السلطات الإداري الترابية و يتمثل ذلك فيما خوله الدستور للعامل من سلطة تنظيمية.

إلا أن المشرع حاول في دستور 2011، تحديد اختصاصات العمال و الولاة عن طريق التقليص من اختصاصاتهم في مجال اللامركزية و توسيعها في سياسة اللاتركيز في انتظار صدور القانون التنظيمي المنظم و المحدد لهذه الاختصاصات.

و ينص  الدستور الحالي في الفصل 145[26] كذلك على العمال و الولاة مسؤولون عن تنسيق أنشطة وأعمال المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية و عن ضمان حسن سيرها، كما نجد الفصل 90 ينص على أن رئيس الحكومة يباشر السلطة التنظيمية و يمكنه تفويض بعض سلطه للوزراء.

أما بالنسبة للنصوص القانونية، فإن المشرع المغربي في إطار سعيه  لتقريب الإدارة من المواطنين وتبسيط الإجراءات الإدارية خول بمقتضى مرسوم 20 أكتوبر  1993 في شأن  اللاتركيز الإداري  للوزراء صلاحية التفويض إلى رؤساء المصالح الخارجية التابعة لهم والى عمال صاحب الجلالة في إطار توسيع اختصاصات العمال،  للتصرف باسمهم ضمن الحدود الداخلة في نطاق اختصاصاتهم، و إمكانية تعيينهم لرؤساء المصالح الخارجية آمرين نوابا لصرف النفقات فيما يتعلق بجميع أو بعض الاعتمادات الموضوعة رهن إشارتهم وتصرفهم , والمسماة بالاعتمادات المفوضة “les crédits délégués”  .[27]

إذ جاء مضمون المرسوم السابق ليحدد اختصاصات المصالح المركزية بالوزارات من جهة (في المادة 2 )، وكذا اختصاصات المصالح الخارجية لهذه الوزارات من جهة أخرى (المادة 3).   

وحتى يتسنى التنسيق بين تلك المصالح الخارجية في تنفيذ السياسة العامة للدولة، فإن المشرع بمقتضى المرسوم الذي سبق ذكره، مكن الحكومة من صلاحية تشكيل لجنة دائمة للسهر على ذلك التنسيق، أطلق عليها اسم ” اللجنة الدائمة للاتركيز الإداري” (المادة 4)، على أن يقوم  بدور التنسيق جهاز ” اللجنة التقنية للعمالة أو الإقليم “[28] التي يترأسها العامل الذي يعتبر المنسق العام لسياسة  اللاتركيز الإداري.

و في نطاق تعزيز اللاتركيز الإداري، و من اجل الحفاظ على التوجه العام نحو دعم التوازن بين اللامركزية و اللاتركيز الإداري، جاء المرسوم رقم 2-05-1369 بتاريخ 2 دجنبر 2005 و المتعلق بتحديد قواعد تنظيم القطاعات الوزارية و اللاتمركز الإداري[29]. وقد جاء هذا المرسوم كمراجعة لمرسوم 20 أكتوبر 1993، و كانت الغاية من تحديد قواعد هذا التنظيم هو التنسيق بين مختلف القطاعات الوزارية في تنظيم وسير إداراتها المركزية ومصالحها الخارجية[30]، عبر تفويض رؤساء القطاعات الوزارية للإمضاء و مسؤولية اتخاذ القرارات الإدارية الفردية إلى رؤساء المصالح الخارجية وكذا تمكين هذه الأخيرة من الوسائل الضرورية لاشتغالها.

المطلب الثاني : الإطار المؤسساتي للاتركيز الإداري

في نطاق تعزيز اللاتركيز الإداري، ومن أجل الحفاظ على التوجه العام نحو دعم التوازن بين اللامركزية و اللاتركيز ، جاء المرسوم رقم 2-05-1369 بتاريخ 2 دجنبر 2005 والمتعلق بتحديد قواعد تنظيم القطاعات الوزارية واللاتمركز الإداري[31]. وقد جاء هذا المرسوم كمراجعة لمرسوم 20 أكتوبر 1993 ، وكانت الغاية من تحديد قواعد هذا التنظيم هو التنسيق بين مختلف القطاعات الوزارية في تنظيم وسير إداراتها المركزية و مصالحها الخارجية[32]، عبر تفويض رؤساء القطاعات الوزارية للإمضاء ومسؤولية اتخاذ القرارات الإدارية الفردية إلى رؤساء المصالح الخارجية و كذا تمكين هذه الأخيرة من الوسائل الضرورية لاشتغالها.

فالمصالح الخارجية هي مختلف الإدارات التابعة لمختلف القطاعات الوزارية خارج الإدارة المركزية، وتتنوع هذه المصالح الخارجية تبعا لطبيعة القطاع الوزاري، كما تشترك معظم الوزارات في الصفة التي تمنحها لمصالحها الخارجية خاصة على مستوى الأقاليم والعمالات، و تعرف عموما بالمندوبيات، ويوجد على رأسها المندوبون الإقليميون.

وتنظم عادة المصالح الخارجية بقرارات وزارية بناء على المراسيم المنظمة لمختلف الوزارات، كما تتحدد المهام الموكولة إليها في المادة 2 من مرسوم رقم 2-93-625 الصادر في 20 أكتوبر 1993 في شأن اللاتركيز الإداري و التي تنص على ما يلي:” يعهد إلى المصالح الخارجية في نطاق اختصاصاتها بتنفيذ سياسة الحكومة و جميع القرارات و التوجيهات الصادرة عن السلطات المختصة في إطار أحكام النصوص التشريعية و التنظيمية الجاري بها العمل.

وتضع الإدارات المركزية رهن تصرف المصالح المذكورة الوسائل اللازمة لتسييرها في إطار الاختصاصات المسندة إليها.

ويجوز للوزراء أن يفوضوا إلى رؤساء المصالح الخارجية التابعة لهم و إلى العمال التصرف باسمهم ضمن الحدود الداخلة في نطاق اختصاصاتهم.

و يمكن تعيين رؤساء المصالح الخارجية آمرين نوابا لصرف النفقات فيما يتعلق بجميع أو بعض الاعتمادات الموضوعة رهن إشارتهم.”

ونذكر أن التفويضات التي يقوم بها الوزراء إلى العاملين تحت سلطتهم ومن بينهم ممثليهم في المصالح الخارجية، كانت ترتكز على الظهير رقم 1-57-068 بتاريخ 10 أبريل 1957 المتعلق بتفويضات إمضاء الوزراء وكتاب الدولة و نواب كتاب الدولة[33] والذي لحقته مجموعة من التعديلات والتغييرات إلى أن تم إلغاؤه وتعويضه بالمرسوم 2- 05-768 بتاريخ 30 أكتوبر 2008 المتعلق بتفويض إمضاء الوزراء وكتاب الدولة ونواب كتاب الدولة.[34] 

والملاحظ هنا أن مهام المصالح اللاممركزة بقيت تقتصر على تنفيذ الأوامر  والتعليمات والتوجيهات والقرارات المركزية من خلال قرارات أخرى تطبيقية وفردية وبذلك فهي لا تقوم بمهمتها كمصالح ترابية تقنية ينبغي عليها المساهمة في التنمية المحلية والجهوية.

جاء المرسوم رقم 625-93-2 الصادر بتاريخ 20 أكتوبر 1993 ليخول السلطة المركزية حق التفويض بالتصرف في إطار عمل معين وفي نطاق ترابي محدد إلى المصالح الخارجية أو إلى عمال جلالة الملك .

ولقد نص لهذا الغرض على تشكيل لجنة دائمة للسهر على تنسيق المجهودات الحكومية التي تروم تنمية المجال المحلي، وتحقيق الالتقائية والانسجام بين مجموع المتدخلين الحكوميين على الصعيد المحلي، أطلق عليها اسم اللجنة الدائمة للاتركيز الإداري.

وتعمل هذه اللجنة تحت رئاسة الوزير الأول وعضوية كل من وزراء الداخلية والمالية والوظيفة العمومية، والأمين العام للحكومة وكذا الوزراء المعنيين بالأمر، وتتولى وفق ما هو منصوص عليه في المادة 4 من المرسوم المهام التالية :

إن إحداث هذه اللجنة لم يتعدى صفحات المرسوم المؤطر لها , فبقيت عبارة عن لجنة لا تشذ عن القاعدة المغربية التي تقضي بإنشاء مؤسسات تهدف إلى تزيين الواجهة القانونية والمؤسساتية ببلادنا أكثر مما تهدف إلى تحقيق الأغراض التي أحدثت من أجلها.

و لأجل تحقيق التنسيق أو  الالتقائية في المشاريع وبرامج العمل بين الجهازين المركزي واللامركزي وذلك في إطار اللاتمركز الإداري، اقتضت الضرورة إنشاء لجنة على شاكلة حكومة محلية تتولى توحيد المجهودات العمومية المبذولة وفق سياسة عدم التركيز الإداري قصد منح المجال المعني بالأمر مستوى تنموي متجانس ومناسب من حيث البنى التحتية أو الخدمات المقدمة للسكان بعين المكان، فاستقر الفصل 5 من ظهير 15 فبراير 1977 الخاص بسن اختصاصات العمال على تسميتها باللجنة التقنية للعمالة أو الإقليم.

فاستنادا للفصل الخامس من ظهير 15 فبراير 1977 الذي تم بموجبه إحداث اللجنة التقنية للعمالة أو الإقليم لدى العامل وتحت رئاسته، فإن هذه الأخيرة  تتألف من الكاتب العام للعمالة أو الإقليم ومن رؤساء الدوائر ورؤساء المصالح الخارجية للإدارات المدنية للدولة، ومن مديري المؤسسات العمومية. ويجوز للعامل أن يستدعي لحضور أشغال اللجنة المذكورة كل شخص من ذوي الأهلية…

ووعيا بأهمية مشاركة رؤساء المجالس المنتخبة التي تجري في ترابها عملية التنسيق التي يقودها العامل، فقد بادر منشور وزير الداخلية رقم 519 بتاريخ 22 نونبر 1993 والموجه إلى الولاة والعمال ورؤساء الجماعات ومجالس العمالات والأقاليم، إلى الحث على ضرورة قيام العامل باستدعاء رؤساء هذه المجالس أيضا إلى اجتماعات اللجنة التقنية و ذلك بهدف إشراكهم في برامج التنمية المندمجة بغية تكامل المشاريع المتداولة في المجلس الجماعي وتنسيقها مع المشاريع التي يتعين دراستها في هذه اللجنة تفاديا لهدر الوقت وتبديد الأموال. 

و قد حدد الفصل الخامس من ظهير 1977[35] اختصاصات اللجنة التقنية للعمالة أو الإقليم في المهام التالية :

في هذا الإطار، أسندت المادة السادسة من المرسوم المذكور إلى اللجنة التقنية مهمة دراسة جميع التدابير المتعلقة باللاتركيز الإداري، لاسيما منها إحداث المصالح الغير الممركزة اللازمة لتلبية حاجات المرتفقين لدى العمالة أو الإقليم أو الجماعة واقتراحها على اللجنة الدائمة للاتركيز الإداري.

إن هذه الاختصاصات المنوطة باللجنة التقنية من شانها أن تجعل منها شريكا حقيقيا للعامل في مهام التنسيق، لما تلعبه من دور فعال في بحث ومناقشة جميع المشاكل المطروحة على مستوى العمالة أو الإقليم وتسهيل رواج المعلومة بين مختلف الإدارات المعنية.[36]

يعتبر العامل سلطة رئاسية بالنسبة لرجال السلطة في إقليمية، كما يعد عنصر اتصال هام بين سكان الإقليم من ناحية، وبين السلطة المركزية من ناحية أخرى. فضلا عن دوره التقليدي في المحافظة على النظام العام باختلاف مدلولاته، وتدبير الشأن العام المحلي في المحيط الذي يشتغل في إطاره.

فمنذ بداية التسعينات شهدت مهام التنسيق الموكولة للعامل تطورا جديدا من خلال تبني عدد من النصوص القانونية، تدعو إلى تنشيط وإعطاء نفس جديد لدور العامل من أجل الارتقاء بمسلسل اللاتركيز الإداري .

حيث كرس دستور 1992 الدور التنسيقي للعامل بين المصالح الخارجية، وتبقى سنة 1993 سنة انطلاقة وظيفة التنسيق في حلة جديدة باعتماد جملة من النصوص القانونية الرامية إلى دعم وتجديد دور العامل في ميدان التنسيق.

وبذلك صدر ظهير 6 أكتوبر 1993 المغير والمتمم للظهير الشريف المؤرخ في 15 فبراير 1977، ليدعم دور العامل في ميدان التنسيق.

وقد انتقل هذا الدور من القيام بالتنسيق إلى التسيير الإداري للمصالح الخارجية للإدارات المركزية على المستوى التراب، ويظهر هذا الدور في الفصل 102 من دستور 1996 الذي ينص على ما يلي :

” يمثل العمال الدولة في العمالات والأقاليم والجهات، ويسهرون على تنفيذ القوانين وهم مسئولون على تطبيق قرارات الحكومة، كما أنهم مسئولون لهذه الغاية عن تدبير المصالح المحلية التابعة للإدارات المركزية “.

إن هذه المسؤولية الجديدة التي خولت للعامل بمقتضى الدستور سمحت له بان يكون صاحب القرار الإداري المحلي الوحيد، وهو ما يعتبر مكسبا للإدارة الترابية والديمقراطية المحلية، عكس ما يراه بعض المنتخبين وأحزابهم السياسية بأن توسيع صلاحيات العامل تعتبر بمثابة إشارة عن تراجع سياسة اللامركزية .

وإن كان دستور 2011 قد حافظ بشكل عام للولاة و العمال على موقع متميز على مستوى أدوارهم ومهامهم، إلا أنه جاء بمقتضيات جديدة أهمها نقل تمثيلهم للدولة إلى تمثيل السلطة المركزية في الجماعات الترابية[37]، وبذلك فمن إيجابيات الدستور الجديد نجد التخلي عن إسناد السلطة التنفيذية للعامل و بالتالي تعزيز دور المصالح اللاممركزة في التنسيق بين الإدارة المركزية والإدارة اللامركزية أو بعبارة أخرى تعزيز التنظيم اللاممركز و الذي يعد بمثابة الحلقة المفقودة.

في إطار توجه الدولة نحو الاهتمام  بجلب الاستثمارات الأجنبية كأحد أولوياتها الدولة، فقد جاء الإعلان عن الرسالة الملكية الموجهة إلى الوزير الأول في موضوع التدبير اللامتمركز للاستثمار، التي ترجمت وبعمق المفهوم الاقتصادي للسلطة.

ومن ثم تعيين موظفين سامين مكلفين بتدبير المراكز الجهوية للاستثمار تحت السلطة الرئاسية للوالي والذي  يتولى تنشيط وتسيير “لجنة جهوية” مكونة من المندوبين الجهويين للإدارات المعنية بالاستثمار ومن السلطات المحلية المختصة، يساعدهم في ذلك موظفون خاضعون لنظام أساسي خاص بهم.

ومن بين المبادئ الأساسية التي تستشف من الرسالة الملكية المتعلقة بالتدبير اللامتمركز للاستثمار نجد دعم اللامركزية الترابية في جميع مستوياتها. فبالنظر إلى أهمية اللاتمركز الإداري الذي يعتبر تمهيدا للاتمركز اقتصادي، حيث نصت الرسالة على أهمية إعادة النظر في المصالح الخارجية للوزارات وذلك عبر تقليص الأجهزة وتجميعها من أجل ضمان أكبر مستوى من التفاعل والتنسيق والتقريب فيما بينها.

ومن خلال ما سبق، يسجل غياب إطار قانوني واضح وموحد للاتركيز الإداري بالإضافة لإطار مؤسساتي غير مفعل في الواقع والمتمثل في عمل اللجنة الوزارية الدائمة للاتمركز، وهذا ما يفسر  الظهور الباهت للاتركيز الإداري بالمغرب على امتداد مراحل التطور والارتقاء الذي شهدته اللامركزية، علاوة على غموض مفهوم اللاتمركز بالنسبة لعلاقته باللامركزية.

وعموما، فإن المشاكل القانونية و التنظيمية التي تطرح بخصوص اللاتركيز تساهم في خلق كيانات ترابية ومرفقية ضعيفة، الشيء الذي يؤثر سلبيا على التطور الحاصل في مجال اللامركزية، ويطرح أكثر من علامة استفهام حول تعامل الجماعات المحلية مع مصالح لاممركزة ضعيفة القرار والتدخلات، وفقيرة الإمكانيات المادية والبشرية، خاصة وأن عملية اللاتركيز تعتمد أساسا على مبدأ تفويض السلط و الاختصاصات وكذا الوسائل المادية و البشرية، لكن ما نجده في أغلب الأحيان هو تفويض للتوقيع فقط.

المطلب الثالث : قيم التدبير في اللاتركيز الإداري بالمغرب

بعد الحديث عن الإطار القانوني المرتبط باللاتركيز الإداري بالمغرب، سنحاول من خلال هذا المطلب الوقوف على القيم التدبيرية التي أكد عليها دستور 2011 وكذا الميثاق الوطني للاتمركز الإداري، والتي تتجلى بالأساس في إدخال قيم الحكامة لمنظومة التدبير الترابي، ثم التنصيص على مبدأ التفريع كبديل للتفويض باعتباره آلية رئيسية في إطار سياسة اللاتركيز الإدارية.

الفقرة الأولى : إدخال قيم الحكامة لمنظومة التدبير الترابي

جعل دستور 2011 الحكامة الجيدة إحدى أقوى المفاهيم التي يرتكز عليها من أجل إحداث التغيير المنشود، بتكريس الإصلاحات الإدارية والمؤسساتية وحماية الحريات وحقوق الإنسان، وإحقاق التنمية المستدامة والديمقراطية التشاركية، وذلك من خلال دسترة عدد من الهيآت الوطنية المستقلة.

إن اعتماد مقاربة جديدة ومغايرة يتوخى بالأساس اعتماد بعد تدبيري عصري يكتسب الشرعية الإدارية والقانونية من خلال ترسيخ مفاهيم حديثة أهمها ” إدارة القرب واعتماد الشباك الوحيد الحكامة الجيدة كآلية حديثة في صنع القرار وترشيد التدبير، الشفافية والمحاسبة ودمقرطة المسؤولية التفاوض والمقاربة التشاركية التخطيط الاستراتيجي…”

إن التحديث وعصرنة التدبير الترابي، لاسيما في المرافق الإدارية يمر عبر تحسن سياسة اللاتركيز الإداري باعتبارها رافعة لإحداث التغيير، وهذا الأمر يعتبر من الأولويات التي لا بد مت تحققها على أرض الواقع خدمة للصالح العامة وتقريبا للإدارة من المواطنين وتجويد الخدمات العمومية، وضمان سهولة الولوج إلى هذه الأخيرة، ومرد ذلك إلى كون سلطة القرار تكون في يد ممثل السلطة المركزية على مستوى الجهة وكذا الإقليم.

إلى جانب ذلك تعتبر الشفافية خاصية من خصائص الحكامة الجيدة، وعنصر من العناصر التي يجب أن يتأسس عليها التدبير الجيد للشأن المحلي، وتعني توفر المعلومات في وقتها وإفساح المجال أمام الجميع للاطلاع عليها، مما يساعد في اتخاذ القرارات الصائبة وتوسيع دائرة المشاركة والرقابة والمحاسبة، ومحاربة الفساد، وبالتالي حضور مبدأ الشفافية يساهم بشكل كبير في تعزيز الديمقراطية المحلية وترسيخ مبادئ التنفيذ، بشكل يتماشى والمفهوم الجديد للتدبير الإداري أو الحكم الرشيد.[38]

الفقرة الثانية : إقرار مبدأ التفريع كبديل لتقنية التفويض

يبقى التفويض بنوعيه –تفويض التوقيع وتفويض السلطة- تقنية غير كافية لتمتع المصالح اللاممركزة باختصاصات تقريرية بالنظر الى العلاقة التي تربط هذه المصالح بالإدارات المركزية (أولا)، لذلك ينبغي تجاوز النقل التقليدي للاختصاصات الذي يبقى في نهاية المطاف مجرد نقل للاختصاصات التنفيذية (ثانيا)، عبر اعتماد مبدأ التفريع وتطبيقه في نقل الاختصاصات من الإدارة المركزية إلى المصالح اللاممركزية (ثالثا).

أولا : التفويض

يقصد بالتفويض من حيث طبيعته القانونية أنه الإجراء الذي بمقتضاه يعهد صاحب الاختصاص بجزء من هذا الاختصاص سواء في مسالة معينة أو نوع معين من المسائل إلى فرد آخر.[39]

ويقوم التفويض بدور لا يستهان به في عملية التنظيم الإداري وحسن سير المرافق العامة وانتظامها، وذلك بتخويل الرؤساء الإداريين حق توزيع جانب من سلطاتهم على موظفين معينين – في حدود القانون- حتى يتمكنوا من مراقبة أنشطتهم المطبقة على الجماعات المحلية وربط كل الوحدات الإدارية بعضها بالبعض الآخر، فتتوفر لهم فرصة التحكم في كل جزئيات العمل في الجهاز الإداري والسيطرة على جوانبه المختلفة مهما اتسعت أطرافه وتعددت مستويات العمل فيه.[40]

ويشكل التفويض جوهر عملية اللاتركيز الإداري ، حيث يمكن من التخلص من التركيز الشديد في إدارة الشؤون العامة وتجنب مساوئه، كما يوفر الوقت والجهد والمال الذي يضيع عند اللجوء إلى استخدام أسلوب التركيز الإداري ويؤدي تطبيقه إلى وضع سلطة اتخاذ القرار في يد المرؤوسين الأكثر قربا واتصالا بالواقع،[41] وبالتالي ما هي شروط التفويض؟ وما هي أنواعه؟

1- الشروط الموضوعية والشكلية للتفويض

أ- الشروط الموضوعية

يستلزم التفويض تحقق شروط معينة لكي تكتمل أركانه، على اعتبار أن التفويض هو تصرف قانوني تحكمه قواعد تشريعية وتنظيمية يجري العمل على أساسها، وتتمثل شروط التفويض في كونه يكون بناء على نص تشريعي او تنظيمي، وانه لا يكون الا جزئيا وصريحا ومعلنا، بالإضافة إلى عدم جواز تفويض السلطات المفوضة.

التفويض لا يكون إلا بنص : يلزم حتى يكون التفويض صحيحا أن يسمح به القانون، فإذا منح القانون الاختصاص إلى جهة معينة ليس لهذه الجهة التنازل عن هذا الاختصاص أو تفويضه إلى سلطة أخرى إلا إذا أجاز القانون ذلك، ومن الضروري أن يصدر قرار صريح من الجهة صاحبة الاختصاص الأصيل عن رغبتها في استخدام التفويض الذي منح القانون.[42]

كما يجب أن يكون التفويض من نفس مرتبة النص الذي يمنح الاختصاص المزمع تفويضه، فالاختصاص الممنوح بمقتضى الدستور لا يمكن تفويضه إلا إذا كان الدستور يسمح بذلك,

والاختصاص الممنوح بقانون لا يمكن تفويض إلا بنص قانوني ولا فان هذا التفويض يكون معيبا بعدم الشرعية.

أن يكون التفويض جزئيا : يجب ألا يشمل التفويض كل اختصاصات المفوض، إذ لا يكون صحيحا إلا إذا انصب على جانب من هذه الاختصاصات فقط، وبالتالي يتعين أن يراعى فيه عدم تفويض الاختصاص بكامله، لأن ذلك يتنافى مع مقتضيات ممارسة الوظيفة، ويبقى الرئيس المفوض مسؤولا عن الأعمال التي فوضها بالإضافة إلى مسؤولية المفوض إليه تطبيقا لمبدأ أن التفويض في السلطة ولا تفويض في المسؤولية، والمرؤوس المفوض إليه لا يسال عن تصرفاته بشأن السلطات المفوضة إلا أمام رئيسه المباشر الذي قام بالتفويض، ولا تنصرف المسؤولية إلى أعلى منه وفقا لمبدأ وحدة الرئاسة والأمر .

أن يكون التفويض صرحيا ومعلنا : يجب أن يكون التفويض صريحا لكونه لا يفترض، ويكون التفويض صريحا عندما تتجه إرادة المفوض صراحة وبصورة مؤكدة إلى إعطاء التفويض عن طريق عبارات وألفاظ لا تحتمل التأويل، ويكتسي هذا المبدأ أهمية كبرى لأنه يحد من تداخل الاختصاصات وتضاربها ونتيجة لذلك لا يجوز أن يكون التفويض ضمنيا وبنفس المنطق، بل يتعين أن يكون التفويض منشورا ليعلم به الأغيار وتكمن أهمية نشره في اعتباره حجة عند عرض النزاع أمام القضاء[43].

وهكذا فاشتراط إعلانه يؤدي إلى تجنب حدوث مشكلات من شأنها أن توقف انسياب الأعمال أو تأخيرها أو عدم القيام بها من قبل أولئك الذين يعلمون بأمر المفوض له ولكنهم لا يعلمون بما تم تفويضه لرئيسهم، حيث يجب أن يأخذ الإعلان الشكل الذي حدده القانون، كالنشر في الصحف.

أن يكون التفويض في الاختصاصات الأصلية للأصيل وليس في الاختصاصات المفوضة : أن الحكمة من منع التفويض الفرعي هو تفادي انحدار الاختصاص إلى سلطات لا يعرف مداها، وبذلك يؤدي هذا الوضع إلى فقدان حكمة مشروعية التفويض.[44]

أن يكون التفويض في حدود النص الآذن وقرار الأصيل : أي أن النص الذي يأذن بالتفويض يجب أن يرسم عادة الحدود المكانية التي يمارس فيها التفويض، سواء من حيث الأشخاص الذي يفوض إليهم أو من حيث الموضوعات التي يفوض فيها.[45]

إضافة إلى الشروط الموضوعية، فهناك شروط شكلية وهي مكملة للشروط الموضوعية وهي على نوعين: شكل قرار التفويض، ثم نشر قرار التفويض.

ب– الشروط الشكلية للتفويض :

 شكل قرار التفويض : ويقصد به الصورة الخارجية التي تحتم القوانين والمراسيم أن يفرغ فيها قرار التفويض. وتبعا لذلك فإن التفويض ليست له صيغة معينة لا بد من انصبابه في إحداها بصورة ايجابية، وإنما يفترض أن يكون معبرا تعبيرا واضحا عن إرادة الأصيل هذا إذا لم يشترط النص الآذن صدور القرار على وجه معين، فإذا تطلب النص المجيز للتفويض أن يتم قرار التفويض كتابة أو يتم تسبيبه أو نشره فالقاعدة هي عدم احترام إرادة المشرع والعمل بمقتضى، وإذا تم ذلك فإنه لا يشترط فيه كذلك الإشارة إلى النص الآذن بالتفويض. [46]

فالتفويض في كل هذه الحالات صحيح وإن بقيت مشكلة إثباته وهي تقع على المدعي الذي يطعن في أعمال المفوض إليه استنادا إلى تخلف النص الآذن في حالة اعتماده على العرف أو إلى تخلف قرار التفويض.

نشر قرار التفويض : هو عملية مادية ملحقة بالإصدار، وهي عبارة عن وضع القرار في دائرة التفويض، وإخبار للعموم ويحتج بها لذلك من يهمه الأمر. كما جرت على نشر جميع قرارات التفويض سواء الصادرة عن الملك أو عن أعضاء الحكومة في الجريدة الرسمية على اعتبار أن النصوص القانونية غير المنشورة ليس لها أي اثر قانوني.[47]

2- أنواع التفويض :

ينقسم التفويض إلى نوعين؛ تفويض الاختصاص أو السلطة (délégation de compétence)، وتفويض التوقيع (délégation de signature).

ا- تفويض السلطة : وهو تفويض يقوم على أساس سحب جزء من الاختصاص من المفوض لصالح المفوض له، بمعنى أن تفويض السلطة يعني تخلي الجهة المفوضة للجهة المفوض إليها عن بعض سلطاتها أو اختصاصاتها لتصبح غير مختصة في اتخاذ القرارات في المواد التي قامت بتفويضها والتي أصبحت من اختصاص المفوض له، طالما يستمر هذا التفويض ولم يسحب.

وتفويض السلطة هو تفويض مجرد يكتسي طابع موضوعي، بحيث يرتبط بالوظيفة بصرف النظر عن صاحبها وأي تغيير يمس بالأشخاص الذاتيين لا يؤثر في التفويض الذي يبقى صالحا (في تفويض السلطة القرارات الأحادية الجانب التي يصدرها المفوض له في إطار الاختصاص المفوض له، تعتبر كأنها قراراته وليست قرارات المفوض).[48]

ب- تفويض التوقيع : يختلف تفويض التوقيع عن تفويض السلطة لكونه لا يرقى أو لا يسموا من ناحية وأهميته إلى درجة تفويض السلطة، يمكن للمفوض أن يمارس الاختصاصات موضوع التفويض أي أن يتخذ قرارات في المجال الذي فوض فيه التوقيع لأحد المتعاونين معه، لان تفويض التوقيع هو إجراء يهدف إلى التنظيم الداخلي للمرفق والذي لا يغير في شيء من توزيع الاختصاص، كما أن تفويض التوقيع هو تفويض مستمد من شخص إلى شخص آخر بمعنى أن تفويض التوقيع هو لصالح شخص باسمه وينتهي العمل به متى تغير شخص المفوض أو المفوض له (في إطار تفويض التوقيع القرارات الإدارية الأحادية الجانب التي يوقعها المفوض له في إطار تفويض التوقيع لا تعتبر قراراته بل قرارات السلطة المفوضة التي تبقى مسؤولة عنها.[49]

إلى جانب التفويض الذي يعتبر أسلوبا إداريا لعدم التمركز الإداري يوجد أسلوب آخر لعدم التمركز الإداري، ويتعلق الأمر بنقل الاختصاص، فما المقصود بهذا الأسلوب؟

ثانيا : نقل الاختصاص

يعتبر نقل الاختصاص من المفاهيم الشائكة والمعقدة التي يصعب تعريفها ومع ذلك يتحقق نقل الاختصاص عندما يتم تحويل اختصاصات كانت تمارس إلى عهد قريب من قبل إدارات الدولة على المستوى المركزي إلى وحدات محلية لا مركزية أو لا ممركزة، ومن ثمة فان نقل الاختصاص كآلية للاتمركز الإداري تفترض انعدام أي تغيير لمضمون الاختصاصات المنقولة، فهي نفس الاختصاصات التي يتم تحويلها من الإدارات المركزية إلى المصالح اللاممركزة وفي بعض الأحيان من الدولة إلى وحدات أخرى كالوكالات، وهذا النقل عادة ما يتم بطريقة تدريجية، كما أن نقل الاختصاص يتم بمقتضيات تشريعية أو تنظيمية حيث إن هذه الآليات لا تقود بالضرورة إلى إحداث أو إنشاء اختصاصات جديدة لفائدة المستفيدين من عملية النقل على المستوى المحلي.

إن النصوص التشريعية أو التنظيمية المنظمة لعملية نقل الاختصاص لا تعمل سوى على إعادة تنظيم هذه الاختصاصات وتقسيمها بطريقة وأسلوب جديد، لذلك ينبغي التمييز بين المقتضيات التي يقوم عليها ميكانيزم نقل الاختصاص، إلا أنها لا تنظم عملية نقل  الاختصاص.

ويمكن القول أن نقل الاختصاص هو إعادة توزيع الاختصاص وفقا لمقتضيات المصلحة العامة، وذلك على أساس الملائمة بين الواجبات والمسؤوليات تماشيا مع التوجيهات الحديثة للإدارة العصرية.

ثالثا : مبدأ التفريع

بالرجوع إلى التجربة الفرنسية نجد أن المشرع الفرنسي في إطار تنظيمه لعلاقة الإدارة المركزية بالمصالح اللاممركزة، قد نص على ما يعرف بمبدأ التفريع ولم ينص على تقنية التفويض، وبموجب هذا المبدأ أصبح للمصالح اللاممركزة اختصاص عام محلي.

يجب التمييز في مبدأ التفريع بين العلاقة التي تربط الدولة أو الإدارة المركزية بمصالحها اللاممركزة، والعلاقة التي تربط الدولة بالجماعات الترابية، وذلك لأن العلاقة التي تربط الدولة بهذين المستويين الترابيين تختلف من طرف إلى آخر، فالعلاقة التي تربط الدولة بالجماعات الترابية أصبح يطبعها نوع من الاستقلال المالي والإداري بالنظر إلى الشخصية المعنوية التي تتمتع بها هذه الوحدات (أ)، على خلاف العلاقة التي تربط الدولة بمصالحها اللاممركزة والتي يغلب عليها طابع التحكم والسلطة الرئاسية (ب).

أ- مبدأ التفريع مبدأ دستوري جديد لتوزيع الاختصاصات بين الدولة والجماعات الترابية

يقوم مبدأ التفريع على فكرة منح كل صنف من أصناف التنظيم الإداري الترابي اختصاصات واضحة تحدد وتوضح بتراتبية، فيسند لمستوى ترابي معين ما يعجز عنه المستوى الترابي الأدنى منه وهكذا دواليك، وقد نص دستور سنة 2011 في فصله 140 على هذا المبدأ وجعله كفلسفة مؤطرة لعملية توزيع الاختصاصات، ويتطلب تجسيد هاته الفلسفة التي تقوم عليها اللامركزية، أسلوب توزيع يعمل على تحديد وتوضيح الصلاحيات والاختصاصات بين المستوى الوطني والمستوى المحلي.

فمسألة توزيع الاختصاص تتسم بالتعقيد وهي خاصية تتقاسمها كافة نظم اللامركزية الترابية، إذ تكمن الصعوبة في مدى تحقيق توافق دقيق بين مبدأين متكاملين رغم أنهما في الظاهر متعاكسين مبدأ السيادة ومبدأ الاستقلال.

وتبعا لمبدأ التفريع فان مسؤولية الفعل العمومي عندما تكون ضرورية يجب إسنادها لأصغر كيان قادر على حل المشكلة بنفسه، بمعنى أنه لا يجب منح المستويات العليا ما يمكن أن يمارس بفعالية على المستويات الأقل درجة.

إضافة إلى أن الفصل 140 من الدستور هناك الفقرة 17 من مشروع المبادرة المغربية بشأن التفاوض لتخويل الصحراء حكما ذاتيا بتنصيصها على ما يلي “…من جهة أخرى تمارس الاختصاصات التي لم يتم التنصيص على تخويلها صراحة، باتفاق بين الطرفين، وذلك عملا بمبدأ التفريع”، كما أوصت اللجنة الاستشارية للجهوية في تقريرها إلى أنه ” فيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، يعتبر كل مجال للاختصاص (الماء، الطاقة، النقل…) قابلا لأن تتقاسمه الدولة والجماعات الترابية عملا بمبدأ التفريع”.[50]

وبمقتضى مبدأ التفريع تكون الوحدة الإدارية القاعدية أو الأدنى هي صاحبة الاختصاص، ولا يمكن للوحدة الإدارية الأعلى التدخل إلا في حالة عجز الوحدة الأولى، وعلى ضوئه تكون الوحدة الجهوية ملزمة بممارسة الاختصاصات الجهوية ولا تتدخل الدولة إلا في حالة عجز هذه الأخيرة عن مباشرة ذلك الاختصاص، وبصيغة أخرى لا يمكن للدولة أن تقوم إلا بما تعجز عنه الجهات والجماعات الترابية الأخرى.[51]

ويتميز تصنيف الاختصاصات في الدول المتقدمة في مجال اللامركزية الترابية بثلاث مستويات من الاختصاصات : المستوى الأول يعطي الاختصاصات الخاصة أو الحصرية للدولة كتلك المتعلقة بمظاهر السيادة، والأمن والدبلوماسية…، أما المستوى الثاني فيعبر عن الاختصاصات الخاصة بالجماعات الترابية المستقلة تتمحور حول كل ما يتعلق بالشؤون التنموية والاجتماعية، وهناك مستوى ثالث معقد وهو المستوى المرتبط بالاختصاصات المقتسمة، إلا أن هذا المستوى غالبا ما يفرز فجوات في الممارسة مما يستدعي الاجتهاد الدائم في إيجاد حل لملئ تلك الفجوات.

وبناء على ما سبق يثير تحديد الاختصاصات وتوزيعها عدة إشكاليات بين الدولة والجهة، إذ لا توجد أسس ومحددات قوية وواضحة لذلك التوزيع والتحديد مما يؤدي إلى تداخل الاختصاصات بين الجهة والدولة.[52]

وتطبيقا لهذا المبدأ الدستوري، عمل المشرع المغربي على تبني مبدأ التفريع في توزيع الاختصاصات بين الدولة والجماعات الترابية من خلال ما ورد في القوانين التنظيمية للجماعات الترابية، بحيث إن هندسة اختصاصات الجماعات الترابية تمت بالشكل التالي :

اختصاصات ذاتية

اختصاصات مشتركة

اختصاصات منقولة.

وهذه الهندسة تشمل المستويات الثلاث للجماعات الترابية.

يطرح كل صنف من هذه الاختصاصات العديد من الإشكاليات، خاصة ما يتعلق بالاختصاصات المشتركة بين الدولة والجماعات الترابية لان ممارسة هذه الاختصاصات غالبا ما تؤدي إلى التداخل في ممارستها،  مما ينتج عنه ضياع الوقت والجهد والمال، لكن المشرع المغربي قد تفطن إلى هذه الأمر بتنصيصه على أن الاختصاصات المشتركة ستمارس بشكل تعاقدي، إما بمبادرة من الدولة أو بطلب من الجماعات الترابية.[53]

أما فيما يخص الاختصاصات المنقولة، فان القانون التنظيمي لم ينص على إمكانية ممارستها بشكل تعاقدي بين الدولة والجماعات الترابية، لأنه لا يوجد أي مقتضى يشير إلى هذه الإمكانية، وإن كان تقرير اللجنة الاستشارية قد أشار إلى هذه الإمكانية بتنصيصه على أنه ” في كل مجال من هذه المجالات، تنقل مسؤوليات الدولة ومهامها المدققة إلى الجهات أو الجماعات الترابية الأخرى في إطار قانوني، ويجري ذلك بالتدرج على أساس تعاقد مضبوط بحسب قدرات الجماعات على تحملها،[54] والسؤال المطروح هل يمكن تطبيق مبدأ التفريع في إطار العلاقة بين الإدارة المركزية والمصالح اللاممركزة؟

ب- توزيع الاختصاصات بين الإدارة المركزية والمصالح اللاممركزة

بالنظر إلى العلاقة التي تربط الإدارة المركزية بمصالحها اللاممركزة، والتي يطبعها التحكم والسلطة الرئاسية، ونظرا لكون هذه المصالح لا تتمتع بالشخصية المعنوية، لا يمكن تصور العمل بمبدأ التفريع لتوزيع الاختصاصات بين المستوى المركزي والمستوى اللاممركز، فإذا قمنا بإسقاط هندسة اختصاصات الجماعات الترابية في إطار مبدأ التفريع على المصالح اللاممركزة، ستصبح اختصاصات المصالح اللاممركزة كالتالي :

اختصاصات ذاتية، اختصاصات منقولة من الإدارة المركزية، اختصاصات مشتركة مع الإدارة المركزية.

بالنسبة إلى الاختصاصات الذاتية : فالمصالح اللاممركزة كما أشرنا سابقا لا تتوفر على الشخصية المعنوية وبالتالي لا تتوفر على الاستقلال الكمالي والإداري، فكيف لها أن تمارس اختصاصاتها الذاتية،  خاصة وان ممارسة هذه الاختصاصات يتطلب وجود موارد ذاتية، وهذا دون أن ننسى أن هذه الاختصاصات هي أصلا غير موجودة، وحتى وان كانت موجودة فهي ستبقى اختصاصات تنفيذية.

أما فيما يتعلق بالاختصاصات المنقولة، فهي تتطلب تحويل الاعتمادات اللازمة لممارستها، مما يستدعي او يتطلب منح هذه المصالح صفة الشخصية المعنوية.

في يخص الاختصاصات المشتركة، فلا يوجد أي أساس ستمارس عليه فلا يمكن تصور عقد بين طرفين ينتميان لنفس النظام وهو نظام اللامركزية، هذا دون أن ننسى أن الطبيعة البيروقراطية للإدارة المركزية لم ترق بعد إلى مستوى التعامل بالتعاقد مع المصالح اللاممركزة.

الفصل الثاني : ملامح إصلاح اللاتمركز الإداري في ارتباطه بالجهوية المتقدمة

          لقد دشن المغرب بعد صدور دستور فاتح يوليوز 2011 عهدا جديدا من الإصلاحات، التي همت مختلف المجالات في جسم الإدارة العمومية،  ومن أهم الأوراش التي أخذت حيزا مهما من الاهتمام الجهوية المتقدمة، باعتبارها رافعة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإقرار أسس العدالة المجالية بين جميع جهات المملكة الإثني عشر.

وتنزيل الجهوية المتقدمة أو الموسعة يحتاج إلى آليات كفيلة بتحقيق التنزيل السليم، بغية تحقيق الأهداف المنشودة من وراء إقرار هذا المشروع الكبير، فإذا كانت اللامركزية هي الغاية من وراء هذه وجود الجهوية المتقدمة، فإن اللاتمركز الإداري يعد الوسيلة الفعالة لتحقيق تلك الغاية النبيلة.[55]

ولهذا فإن اللاتمركز الإداري أصبح البديل والأداة الأساسية لخوض معركة التنمية، بحيث يشكل شرطا جوهريا لتنظيم وإعداد مجال ترابي قادر  على تحقيق توازن بين اللامركزية الجهوية واللاتمركز الإداري، بحيث إن هذا الأخير – اللاتمركز الإداري- يمنح للسكان حق إدارة شؤونهم بالشكل الذي يجعل عملية اتخاذ القرار  تستجيب لتنمية الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية.

فالإدارة في الوقت الحالي لم تعد تعتمد على الهيئات المركزية فحسب، بل تجاوزت ذلك إلى ما هو أبعد، وذلك لتجعل من لا تمركز القرار ولا مركزية الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية أساسا لتحقيق التنمية المندمجة والمتوازنة تشمل كافة المجالات والميادين الحيوية.

من هذا المنطلق، فإننا آثرنا التطرق بداية  لمدى مساهمة اللاتمركز الإداري في تحريك دواليب التنمية (المبحث الأول)، على أن نحاول  رصد مختلف الإشكالات والصعوبات التي يفرزها اللاتمركز الإداري على مستوى التنمية (المبحث الثاني).

المبحث الأول :  دور اللاتمركز الإداري في تحقيق التنمية

إن تحقيق التنمية يعد من أهم الأهداف التي تسعها الدولة تحقيقها من خلال إرساء أسس سياسة اللاتمركز الإداري، لكن تحقيق هذا الهدف يمر عبر اعتماد آليات قانونية تكفل التحقيق السليم لهذا الورش، لذا فقد عملت الدولة على إيجاد مجموعة من الأقطاب التقنية الجهوية التي تسهم مباشر في تحقيق التنمية الجهوية (المطلب الأول).

 بالرغم من ذلك، فإن هذا الأمر غير كافي لضمان تنمية مستدامة، وإنما يتعين البحث عن السبل التي من شأنها الارتقاء بالفعل التنموية، ولهذا يعد تحفيز البيئة الجهوية للاستثمار عاملا ضروريا في تحقيق كل ذلك (المطلب الثاني).

المطلب الأول :  دور الأقطاب التقنية الجهوية في تفعيل مخططات التنمية

لا يقتضي إنجاح مسلسل اللاتمركز الإداري تحديد اختصاصات الوالي وتميزها عن تلك الممنوحة للعمال في إطار تحقيق الجهوية الموسعة والتنزيل الفعلي لمبدأ التفريع، وإنما يتطلب التركيز على باقي المؤسسات الأخرى الفاعلة من داخل منظومة اللاتمركز ونعني بذلك المصالح اللاممركزة التي يجب أن تنتظم في شكل أقطاب تقنية جهوية (الفقرة الأولى)، كما لا يجب أن تقتصر اختصاصاتها على تنفيذ سياسة القطاعات الوزارية، وإنما يجب أن تعطى لها اختصاصات تقريرية تتجاوز مستوى التنفيذ لكي تكون فاعلا في مسلسل التنمية الاقتصادية والاجتماعية(الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : التأسيس القانوني للأقطاب لفكرة الأقطاب التقنية الجهوية

تعود فكرة الأقطاب التقنية الجهوية في الفكر الإداري المغربي إلى بداية الألفية الثالثة من خلال توصيات مجموعة من المناظرات والرسائل والخطب الملكية التي أشارت إليها بشكل موجز ولم تحظ باي نقاش  لا سواء على مستوى مناظرات وملتقيات الجماعات الترابية، ولا كذلك عل ى مستوى الكتابات الفقهية، وهذا الأمر تطلب منا القيام بجرد لمختلف النصوص القانونية التي أشارت إليه، في أفق التأكد من مدة جدية ومصداقية هذه الفكرة.

تعود الأصول الأولى لفكرة الأقطاب التقنية الجهوية إلى التوصية رقم ثلاثة من المناظرة الوطنية السابعة، والتي أكدت على ضرورة إيلاء أهمية قصوى لإعادة هيكلة منظومة المصالح اللاممركزة التابعة للعديد من القطاعات الوزارية في اتجاه تجميعها في أقطاب موحدة بغرض الفعالية والنجاعة والاقتصاد في تكاليف التدبير.[56]

كما ورد في الرسالة الملكية حول التدبير اللاممركز للاستثمار ” وإننا لندعو حكومتنا لإعداد إصلاح لهيكلة المندوبيات الجهوية للإدارات المركزية بقصد التقليص من المرافق وتجميعها للمزيد من التفاعل والتناسق والتقريب فيما بينها”.

بعد هذا تطرق الخطاب الملكي بتاريخ 6 نونبر 2008 الذي ألقاه جلالة الملك بمناسبة الذكرى 33 للمسيرة الخضراء إلى مفهوم الأقطاب التقنية الجهوية بقوله :”كما نهيب بالحكومة إلى إعداد ميثاق وطني لعدم التمركز يتوخى إقامة نظام فعال لإدارة لا ممركزة، يشكل قطيعة حقيقية مع المركزية المتحجرة، نظام يعتمد مقاربة ترابية ويقوم على نقل صلاحيات مركزية للمصالح الخارجية وانتظامها في أقطاب تقنية جهوية”.

وتنقسم الأقطاب التقنية الجهوية إلى قسمين اثنين ؛ أقطاب الكفاءة التي تعتبر الآليات المؤسساتية لتحقيق العمل المشترك بين مختلف الوزارات والتي أطلق عليها المرسوم الجديد بمثابة ميثاق للاتمركز الإداري تمثيليات إدارية مشتركة بين قطاعين وزاريين أو أكثر متناسقة ومتكاملة الأهداف[57]، كما تقوم فكرة الأقطاب التقنية الجهوية على إدماج المصالح ذات الاختصاصات المقاربة.

ومن هذا المنطلق، فإن أقطاب الكفاءة الجهوية تدخل ضمن الآليات التي تسعى إلى العمل على تكثيف الجهود بين مختلف القطاعات الوزارية بغرض ممارسة العمل المشترك، لذا يعتبر أحد المظاهر المعاصرة والحديثة لتجديد اللاتمركز الإداري، الذي يأخذ صيغة تحديد وتنفيذ السياسات العمومية من  خلال هيئات مكلفة بتوجيه وتنسيق وتقييم هذه السياسات.

وتجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي قد استرشد بالمشرع الفرنسي فيما يخص فكرة الأقطاب الجهوية ، وذلك في إطار المرسوم المتعلق بميثاق اللاتمركز الإداري والذي ينص على إحداث هذه الأقطاب تحت رئاسة الوالي.

وبالعودة إلى التجربة الفرنسية فإن أقطاب الكفاءة تحدد بقرار مشترك للإدارة المدنية التابعة للدولة، بحيث يعين والي الجهة أو الإقليم المسؤولين عن هذه الأقطاب، ويحدد أيضا أنماط تنظيمها.

وتشكل الأعمال المرتبطة بتنشيط عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على المستوى المحلي، والدفع  بها نحو الازدهار، هدفا أساسيا من أهداف إحداث أقطاب الكفاءة.

وبالتالي فالحكومة لا تشجع على إحداثها، إلا إذا كان من شأن ذلك إحداث قيمة مضافة، وعلى هذا الأساس حدد لها أربعة مجالات خاصة لتكثيف النشاط المشترك بين القطاعات الوزارية :

الخبرة القانونية والمنازعات ؛

سياسة العقار التابع للدولة ؛

التنمية الاجتماعية الحضرية؛

أنشطة لفائدة الشباب.[58]

يلاحظ  من خلال المجالات التي يجوز لهذه الأقطاب أن تشتغل في مضمارها، أن تحقيق التنمية يعتبر عنصرا جوهريا لا غنى عنه، خاصة إذا علمنا أن هذه أقطاب الكفاءة تشتمل على موظفين ذوي كفاءة عالية، هذه الأخيرة من شأنها القيام بصياغة برامج تنموية محكمة ومضبوطة تستجيب لحاجيات الساكنة المحلية في المناطق التي تتواجد بها.

وتمكن هذه الأقطاب الوالي من تعبئة الامكانيات المشتركة للقيام بمهمة محددة، وقد تضمن ميثاق اللاتمركز الإداري إشارة إلى الأقطاب الجهوية، إلا أن المشرع  فضل تسميتها بالتمثيليات الإدارية الجهوية المشتركة بين وزاريتين أو أكثر، إلى جانب التمثليات الخاصة بكل وزارة.

ويعتبر إحداث التمثيليات الإدارية الجهوية المشتركة بين مختلف الوزارات من أولويات سياسة اللاتمركز الإداري، ويسند إحداث هذه التمثيليات على مستوى الجهة أو على مستوى الإقليم  إلى تحقيق وحدة عمل مصالح الدولة على المستوى الجهوي أو على مستو العمالة أو الإقليم، من أجل تنميط مناهج عملها، وضمان حسن التنسيق بينها وتحسين فعالية أدائه، والارتقاء بجودة الخدمات العمومية.[59]

وتحدث هذه التمثيليات المشتركة بقرار مشترك للسلطات الحكومية المعنية، يتخذ إما بمبادرة منها أو بناء على ؛ اقتراح اللجنة الإدارية للاتمركز الإداري[60]،أو اقتراح عامل العمالة أو الإقليم.[61]

ويبقى التعاون بين الإدارات المحلية محدودا – حتى في حالة وجوده –  في التسيير تنفيذ البرامج على الرغم من الفوائد الحقيقية التي يمكن أن تترتب عن هذا التعاون والتي من شانها أن تؤدي الى الزيادة في الفعالية والتقليل من تكاليف الانجاز,

ويمكن هذا التعاون أن يهم على سبيل المثال، المجالات ذات الاهتمام المشترك كالعقار والتوثيق، وكذا  تسطير برامج تروم تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

لكن ما يلاحظ أن مثل هذا التعاون غير موجود حتى بين المصالح الخارجية التابعة لنفس الوزارة على صعيد العمالة أو الإقليم كما هو الحال بالنسبة للمصالح التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية (إدارة الضرائب، الخزينة العامة، إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة,,,)، على الرغم من تجريب أنماط داخلية للتنسيق.

كما أن آليات العمل والعلاقات ما بين المصالح الخارجية لنفس الوزارة على الصعيدين الجهوي والمحلي لا زالت تعرف بعض القصور.[62]

غير أن وجود العديد من العوائق حال دون انتظام المصالح اللاممركزة في أقطاب تقنية جهوية، منها ما يتعلق بسوء الانتشار الترابي أو التغطية الترابية، ومنها ما يتعلق بتقريب الإدارة من المواطنين.

بالنسبة للتغطية الترابية، فإن إحداث المصالح الخارجية لا يتم بنفس النسق الذي تعرفه التنظيمات الإدارية الترابية المتتالية، إذ يلاحظ أن بعض الوزارات تفتقد إلى مصالح خارجية على صعيد بعض العمالات والأقاليم، بالرغم من وجود حاجيات محلية تستدعي إحداثها[63].

باستثناء وزارة الداخلية فإن أقلية من الوزارات تتوفر على مصالح خارجية تغطي نسبيا التراب الوطني (وزارة الاقتصاد والمالية، وزارة التجهيز، وزارة العدل، وزارة التربية الوطنية، وزارة الفلاحة)، أما باقي الوزاراتن فان مصالحها الخارجية تغطي حسب الحالات حوالي % 40 إلى % 60 من مجموع التراب الوطني كما هو حال وزارة الاتصال.[64]

كما يلاحظ أن مقرات المصالح الخارجية تتواجد على العموم على مستوى المقر الرئيسي للعمالة أو الإقليم ولا تتوفر في أغلب الحالات على ملحقات لها على صعيد باقي العمالة أو الإقليم المعنيين، الشيء الذي يترتب عليه بعد الإدارة عن السكان، وبالتالي صعوبة معرفة حاجيات المواطنين، الأمر الذي يؤدي إلى إعداد برامج تنموية لا تستجيب لمتطلبات الساكنة المعنية، مما يتعين معه إحداث ملحقات تسهيلا وتحقيقا للفعالية المطلوبة في تلبية رغبات المواطنين.

ولقد كانت من بين التوصيات التي أقرتها اللجنة الاستشارية حول الجهوية أنه ينبغي تنسيق الاختصاصات والانتشار الترابي للمصالح الخارجية للإدارة وللهيئات العمومية اللامركزية العاملة في قطاعات أساسية مثل التربية والتكوين والماء والبنيات التحية للنقل والسكن والتعمير.[65]

وعليه فان سوء التوزيع الترابي للمصالح اللاممركزة، وتركيزها في العمالة أو الإقليم مركز الجهة، بالإضافة إلى افتقاد بعض القطاعات لتمثيل ترابي لا ممركز، يجعل من مسألة انتظام المصالح في أقطاب تقنية غير وارد.

ثم إنه من شأن توزيع الموظفين والكفاءات بين الإدارة المركزية والمصالح اللاممركزة أن يسهم في إنجاح مسلسل اللاتمركز الإداري، إلا أن توزيع الموظفين لا يخضع لرؤية شمولية ولا ينبني على استراتيجية عامة تهدف إلى التوزيع المحكمة للكفاءات والخبرات بين المصالح المركزية والمصالح الخارجية، بل هو نتاج مجموعة من القرارات الأحادية التي تخضع في غالب الأحيان لاعتبارات مختلفة مستقلة عن بعضها البعض.[66]

أما بخصوص تقريب الإدارة من المواطنين، فإن سنة 1973 كانت محطة انطلاق لعهد جديد بخصوص النظام الإداري المحلي والإقليمي بالمغرب، حيث تم إعطاء انطلاق سياسة جديد في مجال تسيير وتدبير شؤون المجتمع أطلق عليها سياسة تقريب الإدارة من المواطنين.

فشعار “تقريب الإدارة من المواطنين” هو الذي يطرح رسميا وباستمرار، وذلك لتبرير الزيادة في عدد العمالات وخلق أقاليم جديدة، من أجل تأطير سياسي وأمني أكثر فعالية ، وذلك لتوفير وسائل المراقبة الكفيلة بجعل الدولة المتحكم الوحيد في المجال الوطني، عن طريق زيادة تواجدها فوق كل نقطة يجتمع بها السكان.[67]

إن فكرة تقريب الإدارة من المواطنين كانت من بين مظاهر السياسة الإدارية للملك محمد السادس، فالخطاب الملكي الموجه إلى المشاركين في الملتقى الوطني حول الجماعات المحلية بكأدير بتاريخ 12 دجنبر 2006  أشار إلى مسالة تقريب الإدارة من المواطنين بقوله :”…بالرغم من توفر الجماعات المحلية على صلاحيات قانونية، لتدبير الشأن المحلي، فان جولاتنا التفقدية لمختلف ربوع المملكة قد مكنتنا من الوقوف الميداني على التفاوت الحاصل بين متطلبات النمو الاقتصادي والتجهيزات الحالية ببعض المناطق، لذا ندعو المنتخبين والفاعلين المعنيين بتنمية المدن إلى مضاعفة الجهود في مجال توفير البنيات التحتية، وتمكين المرافق العمومية من تقديم خدمات جيدة في إطار سياسة القرب…”.

يلاحظ من خلال هذا المقطف من الخطاب الملكي أن تحقيق التنمية في مختلف ربوع المملكة بشكل متوازي وعادل، يتطلب إحداث مصالح وأقطاب جهوية لمختلف الوزارات بشكل يستجيب لكل حاجيات النمو الديمغرافي المتسارع.

وتكتسي علاقة الإدارة بالمواطنين، أهمية بالغة داخل التنظيم الإداري، إذ انطلاقا من هذا الجانب يمكن الحكم على إدارة هل هي إدارة حكم أم إدارة خدمات، كما يمكن من خلال تقييم مدى فعالية الأداء الإداري، وكذا درجة التواصل والتمازج الحاصل أو المنعدم بين الجهاز الإداري ومختلف فئات المواطنين.

فالمواطن يريد اليوم إدارة ومرافق عمومية أكثر قربا منه، تقدم له خدمات بأكثر ما يمكن من الفعالية، وأن تعامله بأكثر احترافية وإنسانية، ويطالبها بأن تلبي مختلف متطلباته.[68]

ومن أجل تقريب الإدارة من المواطنين وتحقيق التنمية المنشودة، ووضع المواطن في قلب المرفق العمومي، يمكن للاتمركز الإداري أن يلعب هذا الدور وذلك عن طريق[69] :

تقريب مستويات القرار  من المواطن والاستجابة لحاجياته ومتطلباته بالفعالية والسرعة اللازمة، بشكل يغنيه عن الصعود إلى المركز للحصول على خدمة يمكنه الحصول عليها بعين المكان ؛

تنمية العلاقات بين الإدارة والمواطنين، وذلك عن طريق رفع حواجز الإجراءات والمساطر المعقدة وجعلها أكثر اتصالا وقربا من الجمهور، ويمكن في هذا الإطار تبني بعض التجارب المقارنة مثل “دور الخدمات في فرنسا” “les maisons de services public”، أو ما يطلق عليه بمراكز “الخدمات العمومية المجمعة ” “les centres publiques des prestations regroupées” ، والتي أبانت عن نجاحها في معالجة مشكل الابتعاد المادي والمعنوي للمرافق العمومية مع المتعامل معها، وذلك عن طريق السماح لمختلف فئات المواطنين “المرتفقين” بولوج مكان موحد يؤمن عددا كبيرا من الخدمات ذات الطبيعة المختلفة، الاقتصادية والإدارية والاجتماعية…

إضافة إلى ما سبق لا تقتصر فكرة الأقطاب الجهوية التقنية على تجميع المصالح اللاممركزة على صعيد العمالات والإقليم، بل يجب أن تعطى لهذه المصالح اختصاصات في مجال تدبير وتنسيق أعمال وشؤون المصالح اللاممركزة المتواجدة على مستوى العمالات والأقاليم التابعة لها، وان تكون عونا وسندا لهذه المصالح تغنيها عن اللجوء في كل صغيرة وكبيرة إلى الإدارة المركزية، لذا ينبغي تمكينها من جميع الوسائل القانونية والبشرية والمادية لتمثيل القطاع الحكومي جهويا على أحسن وجه.

الفقرة الثانية :  إسهام منح اختصاصات تقريرية للمصالح للاممركزة في تحقيق التنمية

إن حضور الدولة على المستوى الجهوي، يبرره المبدأ السيادة الوطنية وضرورات التأطير الإداري والسياسي، والسهر على مراقبة سير مؤسسات الدولة وهيئاتها في مختلف القطاعات.

وبما أن اللاتمركز الإداري يبقى خاضعا من الناحية النظرية إلى قواعد التنظيم المركزي من حيث السلطة الرئاسية المفروضة على أعلى الهرم الإداري والسياسي، ثم طبيعة القرار الإداري وامتثاله لمعايير التسلسل الإداري، فهو يندرج إذن ضمن بنية محددة التنظيم هرمية الشكل.

فرهان التنمية يفرض على الإدارات المركزية في إطار سياسة اللاتمركز الإداري، إحداث مصالح لا ممركزة على مستوى الاختصاصات والموارد بكل الجهات حسب التقسيم الجهوي، حتى تتمكن هذه الأخيرة بواسطة والي الجهة وعمال الأقاليم من النظر في توزيع هذه المصالح بالتوازي على باقي التراب الوطني.

وتقوم اختصاصات المصالح اللاممركزة على تنفيذ سياسة الحكومة وجميع القرارات والتوجيهات الصادرة عن السلطة المختصة، في إطار أحكام النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، وتضع الإدارة المركزية رهن تصرف المصالح اللاممركزة الوسائل اللازمة لتسييرها في إطار الاختصاصات المسندة إليها.

وبهذا تكون وظيفة التنفيذ أحد أهم الوظائف الأساسية التي تمارسها المصالح الخارجية في إطار علاقتها العمودية بالإدارة المركزية، حيث إن قرارات الإدارة المركزية لا يمكن أن يتم تنفيذها على الصعيد الترابي إلا عن طريق قناة أساسية تتمثل في المصالح الخارجية، الأمر الذي يجعل من هذه الأخيرة المستجد الحقيقي والمترجم الفعلي لأهداف وسياسات الإدارة على ارض الواقع.

لكن اقتصار دور المصالح اللاممركزة على مهمة التنفيذ أمر من شأنه أن يكون حجر عثرة أمام تحقيق العديد من الأهداف وخاصة البرامج التنموية، ولذلك يستحسن منح هذه المصالح سلطات تقريرية لتقوم بأدوار مهمة في مجال التنمية الجهوية والمحلية حتى تشكل دعما وسندا حقيقيا للمجالس المحلية على رأسها المجالس الجهوية.

وعليه، فإنه بإمكان الإدارات غير الممركزة أن تساهم بفضل مساعدتها التقنية في مسلسل التنمية الجهوية، وذلك بتوفير الدعم والمساندة للمجلس الجهوي وباقي الجماعات الترابية الأخرى، وفي جميع الميادين لتهييئ شروط اتخاذ القرار التنموي المناسب.

وهكذا، فإن اللاتمركز الحقيقي والفعال يقتضي ألا تقتصر المصالح اللاممركزة على تنفيذ الأوامر والتوجيهات والتعليمات، والقرارات المركزية من خلال قرارات أخرى تطبيقية فردية، وإنما أن تقوم هذه المصالح الترابية المحلية التقنية بدورها في تفعيل مسلسل التنمية المستدامة.

وخلاصة القول إذن، أنه ومن أجل تفعيل حقيقي لسياسة اللاتركيز الإداري يعين على المصالح اللاممركزة أن تتوفر على صلاحيات تقريرية تمكنها من اتخاذ القرار  المناسب بخصوص جميع البرامج المسطرة دونما داعي إلى الحصول على ترخيص من الإدارة المركزية، الأمر الذي يتطلب وقتا إضافيا، من شانه أن يؤثر على فعالية البرامج المراد تنزيلها على المستوى الجهوي.

وفي إطار الدفع بعجلة التنمية نحو الازدهار، وقصد التفعيل الأمثل لسياسة اللاتركيز الإداري، فان المغرب أوجد مؤسسة من الأهمية بمكان تساهم بشكل كبير في ورشة اللاتمركز، ويتعلق الأمر باللجنة التقنية للعمالة أو الإقليم.

لهذا ومن أجل تحقيق التنسيق في البرامج ومشاريع العمل بين الجهازين المركزي واللامركزي وذلك في إطار اللاتركيز الإداري، اقتضت الضرورة إنشاء لجنة على شاكلة حكومة محلية تتولى توحيد المجهودات العمومية المبذولة وفق سياسة اللاتركيز الإداري، قصد منح المجال المعني بالأمر مستوىً تنمويا متجانسا ومناسبا من حيث البنى التحتية أو الخدمات المقدمة  للسكان بعين المكان.

تتألف هذه اللجنة من الكاتب العام العمالة أو الإقليم ومن رؤساء الدوائر ورؤساء المصالح الخارجية للإدارات المدنية للدولة، ومن مديري المؤسسات العمومية، ويجوز للعامل أن يستدعي لحضور أشغال اللجنة المذكور كل شخص من ذوي الأهلية.

أما اختصاصاتها فتتمثل في التالي :

اتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة للدولة على مستوى العمالة أو الإقليم، ولتأمين استمرارية الخدمات العمومية التي تقدمها؛

مواكبة برامج ومشاريع الاستثمار  المقررة وأشغال التجهيز على مستوى العمالة أو الإقليم، واقتراح التدابير الكفيلة بتذليل كل الصعوبات التي تعترض انجازها ؛

تتبع تنفيذ السياسات العمومية والقطاعية على مستوى العمالة أو الإقليم ؛

اقتراح جميع التدابير الكفيلة بتحسين جودة الخدمات العمومية المقدمة إلى المرتفقين على مستوى العمالة أو الإقليم؛  …[70]

يتبين من خلال الاختصاصات الموكولة للجنة التقنية للعمالة أو الإقليم أنها المعني الأول بتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية على مستوى كل جهة، فهي مسؤولة عن المصادقة على المخططات التنموية، كما أنها مطالبة بمراقبة مدى حسن تطبيق تلك البرامج وإيتاءها لأكلها المنشود.

المطلب الثاني : تحفيز  البيئة الجهوية للاستثمار

لقد شكل إحداث المراكز الجهوية للاستثمار على صعيد جهات المملكة نقلة نوعية في اتجاه تفعيل أسلوب جديد للتدبير الاقتصادي قائم على اللاتمركز الإداري من جهة، وتبسيط المساطر من جهة أخرى، مع ضرورة الإشارة إلى لا مركزية المركز الجهوي.

وهي بهذا تعد جديرة بالدراسة من خلال هذا المطلب ، كما تعد كذلك لبنة جهوية في مسار تحديث الاقتصاد الوطني وتأهيل الآلية الاستقبالية للاستثمارات، الخاصة والأجنبية، لمواجهة التحديات والمنافسة القوية سواء منها على المستوى الإقليمي أو الدولي في مجال جلب الاستثمار.

وتعد المراكز الجهوية للاستثمار أداة لا غنى عنها لتفعيل هذا الآلية الجديدة في التدبير الاقتصادي والهادفة الى تذويب وتذليل كل الصعاب والعراقيل التي تواجه المقاولين والفاعلين في مجال الاستثمار، وتجسيد هذه الاستراتيجية يتضح من خلال العمل على مواكبة ومؤازرة المشاريع الاستثمارية الى حين استكمال البنيات الأساسية لكل مشروع على حدة.

ولها يعتبر إحداث مراكز جهوية للاستثمار  تنزيل فعل للاتمركز الإداري في شقه المتعلق بتحقيق التنمية، وذلك عبر حفز الاستثمارات وجلب رؤوس الأموال الأجنبية والوطنية.

ومن أجل الوقوف على الدور الفعلي للمراكز الجهوية للاستثمار في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية على مستوى مختلف الجماعات الترابية وخاصة منها الجهة، ارتأينا الحديث في (الفقرة الأولى) عن مضمون الشبابيك الجهوية للاستثمار، على أن نرصد في (الفقرة الثانية) مساهمة هذه الشبابيك في تبسيط المساطر الذي يعد عنصرا حيويا في جلب الاستثمارات، ومن تم تحقيق التنمية.

الفقرة الأولى :  مضمون الشبابيك الجهوية للاستثمار

تعتبر المراكز الجهوية للاستثمار آلية حديثة لمعالجة المشاكل وتبسيط المساطر الاستثمارية، وهي آليات عملت بها العديد من الدول العربية منها والأجنبية، كتونس[71] والجزائر[72]، وتتوفر هذه الشبابيك على ميكانيزمات داخلية كفيلة للقيام بالعمل المنوط بها، حيث تمت مراعاة جميع الشروط الضرورية إداريا وقانونيا وبشريا من أجل نجاح هذه المراكز.

ومن المؤكد أن الاستثمار تطور بشكل نسبي، إلا أن تضاعف العراقيل والعوائق أمام المستثمرين بسبب المشاكل التي تفرزها الإدارة المتضخمة في عدد أطرها، ، وبالنظر كذلك الى تراكم المشاكل البنيوية التي تعرقل البيئة الاستثمارية، فإن الرسالة الملكية الموجهة للوزير الأول (رئيس الحكومة حاليا) حول التدبير اللامتمركز للاستثمار[73] في 9 يناير 2002 جاءت لتضع حدا لعراقيل الاستثمار في جوانبها القانونية والإدارية والممارساتية.

وذلك عبر الدعوة إلى خلق شباك وحيد لفحص مختلف المساطر الإدارية المتعلقة بعملية الاستثمار وتقديم اقتراحات لتبسيطها ولتحسين استقطاب الجهة للاستثمارات والمبادة لتحسين نظام التشجيع بها، وكذا الحفاظ على الاستثمارات القائمة وتطويرها وعلى تأهيل النسيج الاقتصادي للجهة، والإسهام في ترسيخ مناخ تنافسي للاستثمار، واتخاذ التدابير التي من شأنها أن تنمي تنافسية الجهة، واقتراح منهجية تسمح بكشف وتأمين فرص الاستثمار التي تزخر بها الجهة.

ويعتبر هذا الشباك القناة الأولى للاتصال بين المستثمرين والإدارة، حيث يتلخص عمله في توجيه ودراسة ملفات إنشاء المقاولات، كما أنيطت به مهمة كافة الإجراءات الضرورية لدى الإدارات المختصة لتوفير الوثائق التي تقتضيها التشريعات مع تسليم الراغبين في اجل محدد من طرف الوالي الوثائق الإدارية اللازمة لإثبات وجود مقاولتهم، ويمكن أن يتوفر هذا الشبك على ملحقات على صعيد الجهات والأقاليم، وكذا الجماعات الترابية الأخرى المكونة للجهة عند الحاجة والإمكانيات المتاحة.

ويمكن إجمال هذه الأجهزة في الآتي :

– إدارة الضرائب ؛

– المحكمة التجارية ؛

– إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ؛

– المكتب المغربي للملكية الصناعية ؛

– إجراءات النشر بالجريدة الرسمية ؛

تصحيح الإمضاءات ؛

الوكالة الوطنية للتشغيل.

إن الرسالة الملكية جعلت من المراكز الجهوية للاستثمار المخاطب الوحيد للمستثمرين على الصعيد الجهوي، وهو ما يمكن تقوية في إطار الجهوية المتقدمة واعتبار الاستثمارات الوطنية والأجنبية إحدى الروافد الأساسية للتنمية، وذلك بتوفير المناخ الملائم لمشاريعهم خاصة وأننا نعرف مدى المنافسة الحادة على الصعيد الدولي فيما يخص جلب المستثمرين.

وعلى هذا الأساس تعمل جميع الدول على توفير الظروف الملائمة للمستثمر وتبسيط المساطر الإدارية أمامه، وذلك ربحا للوقت وتفاديا لتعقيد تعدد الآليات القانونية التي أجهضت كثيرا من المشاريع الاستثمارية الوطنية والأجنبية[74].

كما أن وجاهة أي سياسة تنموية محفزة للاستثمار تبقى رهينة بنجاعة الأجهزة الإدارية والقضائية القادرة على النهوض بها[75]، وهذه التوجيهات في تجاوز كل العراقيل والمثبطات لم تعد تمس فقط علاقة المرتفق بالإدارة بل تمس مخاطبين وفاعلين جدد وهم المستثمرين والذين يعدون حجر الزاوية في أية عملية  تنموية، نتيجة شراكة القطاع العام والخاص.

ويعتبر شباك الإعلام أداة أساسية لتجاوز العراقيل وخلق جو من الشفافية في التعامل مع المستثمرين، فهذا النوع من الشبابيك يقوم بعملية تجميع المعطيات المرتبطة بالأراضي وذلك بتعاون مع المحافظة العقارية، مما يسمح للمركز بإنشاء بنك المعلومات يتم تقديمه للمستثمر في نفس اللحظة التي سيقوم بها بمشروعه الاستثماري.

إذن، يلاحظ من خلال مضمون شبابيك الجهوية للاستثمار أنها تمثل وسيلة أساسية لتشجيع الاستثمار، الشيء الذي يتطلب تحويل السلطات الممنوحة مركزيا إلى الإدارات اللامركزية على الصعيد الجهوي، ومن تم تنشيط التنمية الوطنية في إطار سياسة اقتصادية لاستثمار ترنو إلى جعل المغرب ورشة عمل دائما، كما تعتبر هذه الشبابيك المرأة التي يرى فيها المستثمر المحيط العام الذي يريد أن يستثمر فيه، ويسهل عملية خلق المقاولة وتجنب التعقيدات الإدارية عبر وضع مطبوع واحد يتضمن جميع المعلومات، وذلك بتنسيق مع جميع المتدخلين والفاعلين في ميدان الاستثمار.

وبعد الحديث عن مضمون الشبابيك المكونة للمراكز الجهوية للاستثمار، سنبين في الفقرة الموالية دور هذه الشبابيك في تبسيط المساطر  الإدارية في ميدان الاستثمار  والذي دون شك سيساهم في خلق تنمية مستدامة.

الفقرة الثانية : دور الشبابيك الجهوية في تبسيط المساطر الإدارية في مجال الاستثمار

لقد ترتب عن الرسالة الملكية الموجهة للوزير الأول – رئيس الحكومة حاليا – حول التدبير اللامتمركز للاستثمارات مجموعة ممن الإجراءات القانونية التي تشمل الآليات اللازمة لإنعاش الاقتصاد الجهوي عبر تحريك آليات الاستثمار من جهة، وتبسيط المساطر الإدارية من جهة أخرى، فالرسالة الملكية اعتبرت في هذا الإطار بمثابة ميزت مفهوم الاستثمار وأخضعته لتجربة فريدة توجت بمقاربة جديدة اعتمدت سياسة القرب وانتهاج البعد الجهوي لتدبير الاستثمار[76].

وفي هذا الصدد تعتبر المراكز الجهوية للاستثمار ميكانيزمات لا محيد عنها لتفعيل هذه الآلية الجديدة في التدبير الاقتصادي والهادفة إلى تذويب وتذليل كل الصعاب والعراقيل التي تواجه المقاولين والفاعلين في مجال الاستثمار، وبالرجوع إلى قانون الاستثمارات، نجد أنه قد اتجه نحو تبسيط المساطر الإدارية من خلال العديد من التدابير كإلغاء تأشيرة المطابقة، وأيضا ما يسمى بملفات الاستثمار من المزايا المقررة، وقام بحذف التمييز بين مختلف القطاعات الاستثمارية والاقتصادية.

ويهدف التبسيط الإداري عن طريق الوثيقة الوحيدة وضع نماذج موحدة ومقننة، أكثر مرونة وملائمة لمتطلبات المناهج العصرية للتدبير، والتي تحقق نوع من المساواة في الاستفادة من خدمات الشبابيك الجهوية وإعادة توزيع السلط توزيعا محكما يسمح بتقريب الإدارة إلى المرتفقين بجعله مركز جميع الإدارات (الضمان الاجتماعي، المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية، مكتب ضبط المحكمة التجارية، إدارة الضرائب…)، وتقليص الوقت الذي تنشأ فيه المقاولة، وتحديد القوت الذي ستدرس فيه الملفات.

وبالفعل فقد أصبح خلق مقاولة يتم في حدود أسبوع واحد، وذلك بفضل تطبيق الوثيقة الوحيدة، وبالمقارنة مع النموذج التونسي[77]، يلاحظ أن الشباك الوحيد قد تم تجاوزه في هذا البلد، حيث يتم اللجوء الى المقاربة القطاعية عوض المقاربة المتعددة المجالات، فكل قطب اقتصادي يتم تسيره من طرف وكالة خاصة لإنعاش الاستثمار الصناعي، وتلك المتخصصة في المجال الفلاحي ثم المجال السياحي وغيرها، وداخل كل وكالة نجد شباك وحيد تتمركز فيه جميع الإجراءات الضرورية لإنشاء مقاولة.

وبالرجوع إلى الرسالة الملكية نجدها تؤكد تفعيل حقيقي لسياسة تفويض الصلاحيات من الحكومة إلى الولاة بهدف خلق قيم جديدة، وأشكال حديثة لاتخاذ القرار عبر قنوات الاتصال والحوار أولا ومن اجل السرعة في اتخاذ القرار ومن ثمة تفعيل مسلسل اللاتمركز الإداري[78]، ويتعلق الأمر هنا بمجموعة من القرارات المهمة التي تهدف إلى وضع المراكز الجهوية للاستثمار في مكانها المناسب.

وفي إطار التنمية المستدامة التي تتطلب تقسيم السلطة وإعادة تعريف مفهومها وانتشار الاختصاصات بشكل يستجيب لطموحات ورش الجهوية المتقدمة، عبر منح الولاة اختصاصات قانونية وتنظيمية للتدخل في عين المكان وفي الوقت المناسب نيابة عن الحكومة، وخاصة ما يرتبط منها بالأنشطة الإنتاجية والاستثمارية[79].

 وبالموازاة مع هذه التفويضات ودعما نحو لا تمركز الوصاية لفائدة الولاة صدرت دفعة أخرى من تفويض الاختصاص من وزارة الداخلية إلى الولاة، وكذا تفويض الاختصاصات من الولاة إلى العمال، إذ تهدف العملية الأولى إلى تخفيف مساطر مراقبة القرارات والأعمال الصادرة عن الجماعات الترابية، ويدخل النوع الثاني من التفويضات في إطار توزيع الاختصاص بين رجال السلطة على المستوى اللامركزي وهو إجراء تنظيمي يمس بنية القرار وأشكال اتخاذه عبر تحديد الاختصاصات أولا وإعادة توزيعها ثانيا.

إذا بالرجوع إلى ظهير 15 فبراير 1977 المتعلق باختصاصات العمال نجد أن مهمة العمال الإدارية تتوخى الحد من معضلة غياب التنسيق بين المصالح اللاممركزة، ومن خلال سلطته الرئاسية داخل العمالة أو الإقليم، أضف إلى ذلك ما نصت عليه الرسالة الملكية بشأن الاستثمار من كون العمال يتحملون مسؤولية كاملة لدى الولاة في تطبيق السياسة المتعلقة بالاستثمار والمشاركة إلى جانب الولاة مشاركة أكثر فعالية بغية تنشيط سياسة اللاتمركز الإداري وأن يعدوا البنيات اللازمة حتى يمكن أن تمارس على صعيدي العمالة أو الإقليم الاختصاصات التي تمارس في مرحلة أولى على الصعيد الجهوي.

إن مهمة تفويض الاختصاصات المشار إليها أعلاه تهدف في عمقها إلى دعم وتعزيز اللاتمركز الإداري بالموازاة مع اللامركزية واللامركزية الجهوية على وجه الخصوص، لكن هذا لن يتأتى إلا في إطار سياسة عامة هدفها تجاوز الهرمية الإدارية التقليدية للوصول إلى بنيات عمودية متكاملة ومتوازنة من اجل تحقيق إدارة محلية هادفة ومرنة.[80]

بالرغم ذلك فان جلالة الملك أكد في أحد خطاباته أن المراكز الجهوية للاستثمار لا تحقق الفعالية في تشجيع الاستثمارات، وأنها تكون في بعض الحالات أداة للحيلولة دون جلب الاستثمارات والمستثمرين سواء الأجنبيين أو المحليين، لذلك دعا إلى الإسراع بإخراج الميثاق الوطني للاستثمار، وبتفعيل إصلاح المراكز الجهوية للاستثمار، وتمكينها من الصلاحيات اللازمة للقيام بدورها، مثل الموافقة على القرارات بأغلبية الأعضاء الحاضرين، وتجميع كل اللجان المعنية بالاستثمار في لجنة جهوية موحدة، لوضع حد للعراقيل والتبريرات التي تدفع بها بعض القطاعات الوزارية.[81]

كما اقْتَرََح أن يتم التنصيص على تحديد أجل أقصاه شهر لعدد من الإدارات، للرد على الطلبات المتعلقة بالاستثمار، مع التأكيد على أن عدم جوابها داخل الأجل يعد بمثابة موافقة من قبلها، ومن جهة ثانية أن لا تطلب أي إدارة عمومية من المستثمر وثائق او معلومات تتوفر لدى إدارة عمومية أخرى.[82]

وفي هذا الإطار استجابت الحكومة المغربية لهذه التوجيهات وأعدت مشروع قانون لإصلاح المراكز الجهوية يرتكز على ثلاثة محاور رئيسية :

الأول يتعلق بإعادة هيكلة المراكز الجهوية للاستثمار عبر تحويلها إلى مؤسسات عمومية مع مجالس إدارة منفتحة على مختلف الفاعلين من مجالس جهوية وممثلي القطاع الخاص، وتوسيع نطاق صلاحياتها لتشمل المواكبة الشاملة للشركات، وخاصة المقاولات الصغرى والمتوسطة، والمساهمة في بلورة وتنزيل الاستراتيجيات ذات الصلة؛

ويتعلق الإصلاح الثاني بإحداث اللجنة الجهوية الموحدة للاستثمار من خلال اقتراح دمج كافة اللجان الجهوية السابقة المرتبطة بالاستثمار في لجنة جهوية موحدة بهدف تحسين وملائمة مساطر اتخاذ القرار؛

ويتعلق الإصلاح الثالث بتبسيط ورقمنة المساطر والإجراءات المرتبطة بملفات الاستثمار على المستويين الجهوي والمركزي من خلال تبني اللاتمركز الإداري جهويا، أما على المستوى المركزي، فإنه سيتم اعتماد مقاربات وقوانين  محفزة حديثة، أثبتت نجاعتها على المستوى الدولي، وتهم التبسيط الشامل والممنهج للمساطر الإداري، ومكافحة التعسفات باعتماد قانون إلزامية التنفيذ وتقنين آجال منح الرخص.

إذن، يتضح أن اتخاذ  كل هذه الإجراءات  بكفيل بتفعيل سياسة اللاتمركز  الإداري التي تعد وسيلة من الأهمية بمكان في تحقيق التنمية المستدامة والمندمجة جهويا ووطنيا.

المبحث الثاني : الإشكالات والصعوبات التي يفرزها اللاتمركز الإداري  على مستوى التنمية

إن تنزيل ورش الجهوية المتقدمة، الذي استتبعه صدور ميثاق اللاتمركز الإداري، أبان عن وجود العددي من الإشكالات والعراقيل التي من شأنها أن تحد من فعالية هذه الأوراش في إرساء أسس التنمية الاقتصادية والاجتماعية المندمجة والمتوازنة، التي تروم الدولة تحقيقها في خطر حقيقي.

لذا سنحاول في البداية (المطلب الأول) رصد بعض الصعوبات والإشكالات التي سيفرزها تطبيق سياسة اللاتمركز الإداري باعتباره أداة قانونية لتحقيق التوازن المكرو اقتصادي لكل جهات المملكة، على أن نخصص (المطلب الثاني ) للحديث عن بعض المقترحات التي نعتقد أنها ستساهم ولو بشكل نسبي أذا ما تم اعتمادها في الحد من الصعوبات التي تعوق مسار التنمية بالمغرب.

المطلب الأول : التحديات التي تعترض اللاتمركز الإداري في تحقيق التنمية

مما لاشك فيه أن المجال المحلي أصبح اليوم الإطار الناجح لطرح القضايا الأساسية للتنمية، كما انه أضحى المجال المتميز للتعبير عن الإشكاليات والسمات البارزة للسياسة الاقتصادية في علاقتها مع خصوصيات الجهات المكونة للاقتصادي الوطني.

فرغم اختلاف البلدان في توزيع الوظيفة الإدارية بين الدولة والهيئات اللامركزية، حسب نمط وظروف كل بلد، لكون كل دولة تأخذ بالأسلوب الذي يتفق مع ظروفها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فان جميع الدول أصبحت تنهج أسلوب اللاتمركز الإداري من اجل تحقيق ديمقراطية محلية وتنمية اقتصادية، وبذلك أصبح التركيز بالأساس يتمحور حول نقطتين أساسيتين ؛ وهما اللاتمركز على مستوى اتخاذ القرار، ثم سن استراتيجيات ملائمة لجلب الاستثمارات.

إن اللاتمركز الإداري أصبح البديل والأداة الأساسية لخوض معركة التنمية، إذ يعد شرطا جوهريا وأساسيا لتنظيم وإعداد مجال ترابي قادر على تحقيق التوازن بين متطلبات الدولة المركزية والهيئات الترابية اللامركزية.[83]

وعطفا على ما سبق، فإنه وطبقا لدستور 2011 وكذلك القانون التنظيمي 111.14 المتعلق بالجهات، أصبحت الجهات تتمتع باختصاصات واسعة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبالتالي أصبح مطلوبا منها أن تبتكر آليات ووسائل لإيجاد الحلول للمعضلات التي يعيشها المغرب، حيث تزخر الجهات اليوم بموارد كثيرة سواء على المستوى الطبيعي أو المستوى الثقافي.

وبالتالي عندما نتحدث اليوم عن سياسة اللاتمركز الإداري فذلك يعني بالضرورة حل كل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية جهويا ومحليا، إذ يجب على الجهة طبقا للاختصاصات الموكولة لها أن تبحث وأن تبتكر حلولا وأن تسايرها الإدارات اللاممركزة هناك من أجل إيجاد فرص الشغل على المستوى الجهوي.

ومن هنا تظهر أهمية المراكز الجهوية للاستثمار-التي سبق لنا الحديث عنها- في تشجيع التنمية الاقتصادية والتشغيل، حيث ستتجه الجهة إلى البحث عن الاستثمار عوض أن تبقى عالة على المركز في الرباط.

ولعل من أبرز التحديات التي تعترض تفعيل مسلسل التنمية الاقتصادية والاجتماعية في ظل المكانة التي أصبحت تحتلها الجهة في النسق الإداري للدولة، فان تحديات تلوح في الأفق من شأنها أن تعثر إرساء تنمية حقيقية، ومن بين ابرز التحديات نذكر :

قدرة الجهة على توفير الموارد المالية اللازمة لعمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فلعملية التنموية تحتاج دون شك إلى موارد مالية لتنفيذها، ويعتبر هذا الأمر أهم تحدي يواجهه إنجاح المخططات المسطرة لتفعيل التنمية المستدامة على المستوى الجهوي والإقليمي.

قدرة الجهة أو الجهوية على منافسة المنتجات المحلية الأخرى والأجنبية، فكما هو معلوم أن التقسيم الجهوي الجديد قلص  عدد الجهات من ستة عشر جهة إلى اثني عشرة جهة، وكل جهة تمتاز بمنتجات معينة، بل تتواجد فيها استثمارات لا توجد في غيرها مثل جهة طنجة تطوان الحسيمة، التي عرفت تطورا ملحوظا في السنوات الأخيرة على مستوى الاستثمار خاصة مدينة طنجة، وهذا الأمر يخلق تحدي ضمان تواجد منتجات الجهة داخل السوق الوطنية والعالمية.

قدرة الجهة على جذب القطاع الخاص بضوابط تضمن حماية البيئة وتحقيق التنمية المستدامة، ففي ظل تبوأ الجهة مكانة الصدارة بين باقي الجماعات الترابية الأخرى وتحقيقا لنوع من الاستقلال أصبحت مطالبة بالبحث عن شركاء اقتصاديين، وكذا العمل على جلب الاستثمارات الأجنبية والوطنية، وعدم الاقتصار على الاستثمار العمومي، الذي يبقى دوره محدودا في تحقيقي التنمية المنشودة.[84]

القدرة على تنويع النشاط الاقتصادي اعتمادا على مقومات الجهة ومواردها، فكل جهة من جهات المملكة الاثني عشرة تتوفر على خصوصية معينة خاصة على مستوى الموارد الطبيعية، مما يخلق تحديا ملحا مفاده إيجاد السبل والآليات الكفيلة بتحقيق التنمية المجالية بشكل متواز بين مختلف الجهات، هذا إذا علمنا أن بعض الجهات تفتقر للكثير من المصادر التي تسهم في تحقيق التنمية، بل أنها تفتق حتى لاستثمارات يمكن أن تنعش الدورة الاقتصادية داخل الجهة.

توفير الكوادر الإدارية والاقتصادية المناسبة لتحقيق التنمية بما يخدم أهداف الجهوية، وهذا الأمر يعتبر من الأساسيات ومن المسلمات التي لا غنى عنها، ما دام أن العنصر البشري هو الفاعل الرئيس في تحريك عجلة التنمية، وبالتالي فتحقيق التنمية في إطار تنزيل سياسة اللاتمركز يحتاج إلى موارد بشرية ذات كفاءة عالية، ومتخصصة من أجل الإسهام في إعداد برامج تستجيب لحاجيات كل جهة على حدة.[85]

إمكانية تطوير الرؤية السياسية والاقتصادية والاجتماعية للجهة في ضوء العوامل والمتغيرات والمستجدات العالمية والمحلية أي القدرة على تطوير المخطط العمراني والاقتصادي بكفاءة، يعتبر إعداد المخططات العمرانية من أهم التحديات التي تواجه تحقيق التنمية، فافتقاد الجهة لمخطط عمراني يعني افتقادها للرؤية الواضحة من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

المطلب الثاني : مقترحات للحد من الإكراهات التي تعيق تحقيق التنمية في إطار اللاتمركز الإداري

إن المتأمل في مسلسل التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في المغرب، يلاحظ بجلاء أن هناك اختلالات كبيرة تعوق مسار التنمية، وهذا الأمر تنبه له كذلك جلالة الملك محمد السادس فأكد في أحد خطاباته أن  الحكومة والبرلمان مدعوان لجعل النموذج المغربي للتنمية يتماشى مع التطورات على الميدان والمتطلبات اليومية، ويعتبر المواطن ليس فقط محور جميع المبادرات العمومية، بل أيضا هدف لها، ذلك انه آن الأوان لضخ دينامية جديدة في السياسات العمومية.

كمال قال ” أن النموذج التنموي الوطني اصبح اليوم غير قادر على الاستجابة للمطالب الملحة والحاجيات المتزايدة للمواطنين، وغير قادر على الحد من الفوارق بين الفئات، ومن التفاوتات المجالية، وعلى تحقيق العدالة و الاجتماعية”.[86]

وفي هذا الصدد ومن أجل الارتقاء بالمشهد التنموي بالمغرب، كان لزاما على الدولة أن تجد آليات تمكنها من ذلك، ومن هنا تتضح مدى الأهمية التي يكتسيها تفعيل ورش الجهوية الموسعة، التي ينبغي أن تشكل نوعا من التغيير العميق في هياكل الدولة وفي ملائمة السياسات العمومية مع حاجيات كل منطقة على حدة.

كما يعتبر إخراج الميثاق المتعلق باللاتمركز الإداري خطوة حميدة من شانها ان تدفع بعجلة التنمية نحو الأمام، خاصة إذا تم تطبيقه بشكل سليم.

وإذا ما تحقق ذلك، فإن المغرب سيعرف ” تنمية متوازنة ومنصفة، تضمن الكرامة للجميع، وتوفر الدخل، وفرص الشغل، وخاصة للشباب، وتساهم في الاطمئنان والاستقرار، والاندماج في الحياة المهنية والعائلية والاجتماعية”.[87]

ومن هنا نعتقد أنه يمكن التغلب على المعيقات والتحديات السابقة عبر اعتماد الاقتراحات التالية :

القيام بإعداد برامج توعية مناسبة للمواطنين للتعريف برؤية الجهوية الموسعة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، أي القيام بتعبئة ومشاركة شعبية أو مجتمعية لتحفيز الأفراد على المساهمة في المشروعات الاقتصادية والاجتماعية الهادفة إلى تحقيق التنمية، وتعريفهم بسياسة اللاتمركز الإداري التي تهدف إلى تقرب الخدمات منهم.

العمل على استقطاب القطاع الخاص الأجنبي أي المستثمرين وجلب رؤوس الأموال كذلك الوطنية من أجل خلق مشاريع تساهم في تحقيق التنمية المنشودة، وذلك من خلال تقديم تسهيلات وحوافز ، وفق ضوابط معقولة تضمن الحفاظ على البيئة وحقوق الأجيال القادمة.

العمل على تحقيق منظومة مجتمعية ملائمة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا بتوفير نظام سياسي يضمن مشاركة فعالة للمواطنين  في اتخاذ القرار، ونظام اقتصادي يمكن من تحقيق فائض ويعتمد على الذات، ونظام اجتماعي يتوافق م خطط التنمية وأساليب تنفيذها، ونظام إنتاجي يلتزم بالبعد البيئي في مشروعاته

خاتمة :

إن الاهتمام باللاتركيز الإداري كلازمة أساسية لمسلسل المركزية بصفة عامة والجهوية المتقدمة بصفة خاصة، ليس وليد اليوم، بل يعود إلى ما قبل الحماية ، إلا أن الاهتمام الفعلي باللاتمركز الإداري كان بعد حصول المغرب على الاستقلال من خلال مجموعة من البنيات الإدارية والقوانين وتعزز هذا النمط بتبني الجهوية كنمط للتدبير الترابي من خلال ارتقائها الى مصاف الجماعات الترابية بموجب دستور 1992 وتعزز صرح هذا الارتقاء بصدور المرسوم الجديد بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الإداري بالمغرب، المرسوم رقم 2.17.618 الذي من شان تطبيقه بشكل سليم أن يجعل من الجماعات الترابية وعلى رأسها الجهات رافعة لتحقيق تنمية مستدامة، وكذا تنزيل حقيقي لسياسة اللاتركيز الإداري.

وعليه، فإن المرسوم سيجعل الجهة المجال الأنسب لتوطيد اللاتمركز الإداري عبر مجموعة من المؤسسات ويتعلق الأمر بكل من مؤسسة الوالي أو العامل والمصالح اللاممركزة للوزارات، بالرغم  من الدور الذي تقوم به هاتين المؤسستين داخل منظومة اللاتمركز الإداري.

 وقد تأكد لنا بالملموس في إطار هذا البحث على أن الاختصاصات التي يمارسها عامل العمالة أو الإقليم مركز الجهة بصفته واليا هي اختصاصات ثانوية تهم التنسيق بين العمال المتواجدين على صعيد الجهة، أما باقي الاختصاصات فهي نفسها التي يمارسها باقي العمال، كما أن الوالي كمفهوم وليس كوظيفة لا تدخل ضمن هيئة رجال السلطة مما يجعل منه مفهوما غامضا.

وعلى مستوى المصالح اللاممركزة لا زالت تمارس مجموعة من الاختصاصات التنفيذية عن طريق التفويض، وأن هناك غياب تام لأي نقل للسلطات التقريرية من المركز إلى هذه المصالح-لقد عقد رئيس الحكومة سعد الدين العثماني مؤخرا اجتماعا ترأس فيه لجنة اللاتمركز الإداري لتحديد الاختصاصات التي سيتم منحها لهذه المصالح- بحكم العلاقة التي تربط هذه المصالح بالوزراء والتي لا زال يطبعها التحكم وهو أمر يدعوا إلى تجاوز المقاربة التقليدية في التعامل مع هذه المصالح والتي تعتمد على بعض التقنينات القانونية المتجاوزة من قبيل تفويض السلطة وتفويض التوقيع، إلى مقاربة دستورية أكثر تطورا كمبدأ التفريع والتدبير وفق الأهداف والتعاقد في ممارسة هذه الاختصاصات التي تفتقد إلى النظرة التوقعية والاستشرافية وتقتصر على تنفيذ الأوامر.

أن من شان تجميع المصالح اللاممركزة في أقطاب تقنية جهوية من شأنه أن يقوي هذه المصالح ويساعدها على الاندماج والاقتصاد في تكلفة الانجاز، ومن شأنه أن يساعد القطاعات الوزارية التي ليست لها طاقة بتمثيل ترابي لا ممركز أن تمارس مهامها على المستوى المحلي بالاستناد إلى المصالح اللاممركزة الأقرب في الاختصاص، غير أن هناك العديد من العراقيل التي من شانها الوقوف ضد تنفيذ هذه الفكرة.

أما سيساهم خروج المرسوم بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الإداري إلى حيز الوجود في الارتقاء بالبرامج والمخططات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، التي تستهدف إشراك المواطن في تحقيق التنمية المحلية.

لائحة المراجع


[1]  وزارة الوظيفة العمومية والإصلاح الإداري، ورقة عمل حول : إعادة هيكلة الإدارة على ضوء الدور الجديد للدولة ودعم سياسة اللاتركيز الإداري، فبراير 2002، ص 13.

[2]   رشيد السعيد وسعيد جفري، محاضرات في مادة القانون الإداري  -التنظيم الإداري المركزي واللامركزي-، محاضرات ألقيت على طلبة الفصل الخامس، جامعة الحسن الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية سطات،  ص 7.

[3] راجي محمد، عدم التركيز الإداري في المغرب، اطروحة لنيل دكتوراه الدولة في الحقوق، سنة 2001، ص 59.

[4] محمد راجي، مرجع سابق، ص 60.

[5] أحمد صنهيجي، الوجيز في التنظيم الاداري، الطبعة الثانية 1998، ص 34.

[6] عبد الرحمان البكريوي، الوجيز في التنظيم الاداري المغربي، الطبعة الاولى 1990، ص 67.

[7] الحاج شكرة، القانون الإداري، دار القلم للطباعة والنشروالتوزيع، الرباط، الطبعة الأولى  2007، ص 67، بتصرف.

[8]  آسية أهرواز، اللاتمركز الاداري ومدى مساهمته في تحقيق الجهوية المتقدمة بالمغرب، مقال منشور بموقع المركز الديمقراطي العربي، يوجد على الرابط التالي : https://democraticac.de/?p=55672

[9] الحسين بوخرطة، اللاتركيز الاداري بالمغرب ومتطلبات الانفتاح، مقال منشور بالموقع الالكتروني التالي : https://www.maghress.com/alittihad/86276  تم الاطلاع عليه يوم 1/04/ 2019 على الساعة 12: 12.

[10] عبد الله كامل محايدن، المقصود باللاتركيز الاداري، مقال منشور بالموقع الالكتروني التالي:  https://www.mohamah.net/law/%D9%85%D8%A7-%D9%87%D9%88-%D8

[11] أحمد الصنهيجي، مرجع سابق، ص 53.

[12] محي الدين القيس، القانون الإداري، الطبعة الأولى 2007.

[13]  الحاج شكرة، مرجع سابق، ص 82.

[14]  طارق التلاتي، أشغال المناظرة الدولية المنعقدة بمراكش من 29 الى 31 اكتوبر، الورشة الثانية، التفريع والديمقراطية والمواطنة، ص 12.

[15]  عبد الرحمان البكريوي، مرجع سابق، ص 48.

[16]  محمد راجي، مرجع سابق، ص 87.

[17] عبد الغني اعبيزة، سياسة التحديث الإداري بالمغرب، الطبعة الثانية 2011، ص 22.

[18]  عبد الغني اعبيزة، مرجع سابق، ث 27-29.

[19]  محمد راجي، مرجع سابق، ص 29.

[20]  محمد راجي، مرجع سابق، ص 88.

[21]  وزارة الوظيفة العمومية والإصلاح الإداري، ورقة عمل حول إعادة هيكلة الإدارة، مرجع سابق، ص 13.

[22] محمد راجي، مرجع سابق، ص 94.

[23]  الشريف الغيوبي، التدبير اللامتمركز، المجلة المغربية للادارة المحلية والتنمية، ص 45.

[24]  الشريف الغيوبي، مرجع سابق، ص 58.

[25]  عبد الحق عقلة: المبادئ الأساسية لدراسة القانون و العلم الإداريين،دار القلم للنشر و الطباعة، طبعة 2007.

[26] الفصل 145 من دستور2011 ينص على ما يلي:

“- يمثل ولاة الجهات و عمال الأقاليم والعمالات، السلطة المركزية في الجماعات الترابية.

 – يعمل الولاة  و العمال، باسم الحكومة، على تأمين تطبيق القانون و تنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة و مقرراتها، كما يمارسون المراقبة الإدارية.

      -يساعد الولاة و العمال رؤساء الجماعات الترابية، و خاصة رؤساء المجالس الجهوية، على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية.

       -يقوم الولاة و العمال، تحت سلطة الوزراء المعنيين، بتنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية و يسهرون على حسن سيرها.

-[27] مرسوم رقم 2-93-625 بتاريخ 20أكتوبر 1993 بشان اللاتركيز الإداري . منشور بالجريدة الرسمية عدد 4227 بتاريخ 23 نونبر  1993، ص 2209 .

[28]– المحدثة بظهير شريف بمثابة قانون رقم 1-75-168 بتاريخ 15 فبراير 1977، والمتعلق باختصاصات العامل. منشور بالجريدة الرسمية  عدد 3359 بتاريخ 16 مارس 7719، ص 767 .

[29]– مرسوم رقم 2-05-1369 بتاريخ 2 دجنبر 2005، المتعلق بتحديد قواعد تنظيم القطاعات الوزارية و اللاتمركز الإداري، منشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 12 يناير 2006، عدد 5386 ص 177 ،

[30] – عبد القادر باينة، الرقابة على النشاط الإداري، دار القلم للنشر، طبعة دجنبر 2010.

[31] مرسوم رقم 2-05-1369 بتاريخ 2 دجنبر 2005 . منشور بالجريدة الرسمية عدد 5386 بتاريخ 12 يناير 2006، ص 177، والمتعلق بتحديد قواعد تنظيم القطاعات الوزارية واللاتمركز الإداري.

[32]   عبد القادر باينة، الرقابة على النشاط الإداري، دار القلم للنشر، طبعة دجنبر 2010.

[33]  المنشور في الجريدة الرسمية عدد 2322 بتاريخ 26 أبريل 1957، ص 994.

[34]  عبد القادر باينة، الرقابة على النشاط الإداري، دار القلم للنشر، طبعة دجنبر 2010.

[35]  الظهير الشريف الصادر يوم 15 فبراير 1977 المعدل والمتمم بظهير بمثابة قانون رقم 293-93-1 بتاريخ 6 أكتوبر 1993 بشان اختصاصات العمال

[36] ملف خاص حول اللامركزية واللاتركيز، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية و عدد 25 ،1999، ص  236.

[37]  الفصل 145 من دستور 2011 .

[38] مصطفى قريشي، الجماعات الترابية بين متطلبات الحكامة ورهان التنمية، مجلة مسالك، العدد 31-32، ص 15.

[39] سليمان محمد الطماوي، النظرية العامة للقرارات الإدارية، الطبعة الرابعة 1976، ص 175.

[40] مليكة الصروخ، القانون الإداري، دراسة مقارنة، ص 68.

[41]  عبد الغني بسوني عبد الله، التفويض في السلطة الإدارية، الدار الجامعة 1986، ص 36.

[42]  بدر بنهاري، دور اللاتمركز الإداري في تحديث الإدارة الترابية، رسالة لنيل دبلوم الماستر، جامعة محمد الخامس، السويسي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سلا، السنة الجامعية 2009-2010، ص 17.

[43]  عبد الفتاح البجيوي، مؤسسة الوالي أو العامل وآفاق عدم التمركز الإداري بالمغرب،المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 100، 2014، ص 141-142.

[44]  عبد القادر مساعد، القانون الإداري –التنظيم الإداري- مطبعة سليكي اخوين كنجة، الطبعة الرابعة 2015، ص 31.

[45]  نفس المرجع والصفحة.

[46]  العماري الناجم، عدم التركيز الإداري بالمغرب، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، جامعة الحسن الثاني، كلية الحقوق عين الشق، السنة الجامعية 2003-2002، ص 29-30

[47]  نفس المرجع، ص 30.

[48]  عبد المجيد أبو غازي، محاضرات ألقيت على طلبة الفصل الثالث بكلية الحقوق مراكش، السنة الجامعية 2013-2014، ص 45.

[49]  نفس المرجع، ص 46.

[50]  تقرير اللجنة الاستشارية حول الجهوية، مرجع سابق، ص 23.

[51]  أحمد أجعون، الجهوية المتقدمة في دستور 2011، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 116، ماي يونيو 2004، ص 86-87.

[52]  عادل تميم، الجهوية المتقدمة بين إشكالية توزيع الاختصاصات ورهان التوازن، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 111، يوليوز –غشت، 2013، ص 110.

[53]  أنظر المواد التالية :    – المادة 88 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلقة بالجماعات

                                             – المادة 92 من القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلقة بالجهات

                                             – المادة 87 من القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلقة بالعمالات والأقاليم

[54]  تقرير اللجنة الاستشارية حول الجهوية ، الكتاب الأول،  ص 23. منشور على الرابط التالي : http://www.regionalisationavancee.ma

[55]  جاء في خطاب لجلالة الملك محمد السادس بتاريخ  11 نونبر 2008 :” ومهما وفرنا للجهوية من تقدم ، فستظل محددة، ما لم تقترن بتعزيز مسار اللاتمركز الإداري”.

[56]  التقرير العام للمناظرة الوطنية السابعة حول الجماعات المحلية المنعقدة بالدار البيضاء، ص 11 منشورة على الموقع الالكتروني التالي : http://unpan1.un.org/intradoc/groups/publiv/documents/cafrad/unpan004180.pdf

[57]   أنظر المادة  9 من المرسوم رقم 2.17.618 بمثابة ميثاق للاتمركز الإداري.

[58] J.B albertini, la deconcentration, l’administration territorial dans la reforme de l’etat, edition economica, 1997, p 112, منقول عن عادل لشكر، اللاتمركز الاداري ودوره في تفعيل الجهوية المتقدمة، مرجع سابق، ص 75.

[59]  المادة 10 من المرسوم رقم 2.17.618 بمثابة ميثاق اللاتمركز الإداري.

[60]   تنص المادة 38 من ميثاق اللاتمركز الإداري على أنه :”تحدث لدى رئيس الحكومة لجنة وزارية للاتمركز الإداري تناط بها مهمة اقتراح التدابير اللازمة لتنفيذ التوجهات العامة لسياسة الدولة في مجال اللاتمركز الإداري، والسهر على تتبع تنفيذها وتقييم نتائجها. ولهذه الغاية تتولى على وجه الخصوص القيام بالمهام التالية :

-اقتراح تمثيليات مشتركة  بين قطاعين وزاريين أو أكثر على  المستوى الجهوي أو على مستوى العمالة أو الٌإقليم…”

[61]  المادة 11 من المرسوم رقم 2.17.618 بمثابة ميثاق اللاتمركز الإداري.

[62]  ورقة عمل حول إعادة هيكلة الإدارة على ضوء الدور الجديد للدولة، مرجع سابق، ص 19-20.

[63]  لا تتوفر كل القطاعات الحكومية على مصالح لا ممركزة، فبعض القطاعات ليس لها إطلاقا مصالح لا ممركزة. كما هول الحال بالنسبة للوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، وأيضا بالنسبة للوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة والمكلفة بالشؤون العامة والحكامة.

انظر : نجاة خلدون، قانون التنظيم الإداري المغربي، الطبعة الأولى 2015، ص 132.

[64]  ورقة عمل حول إعادة هيكلة الإدارة، مرجع سابق، ص 15-16.

[65]  تقرير اللجنة الاستشارية حول الجهوية، الكتاب الاول، مرجع سابق، ص 44.

[66]  ورقة عمل حول إعادة هيكلة الإدارة على ضوء الدور الجديد للدولة ودعم سياسة اللاتمركز الإداري، مرجع سابق، ص 16-17.

[67]  محمد أهل اأو بكر، رجل السلطة في المغرب، مرجع سابق، ص 91-95.

[68]  عبد الحق عقلة، تاملات حول بعض مجالات علم الادارة، دار القلم الرباط، الطبعة الثانية 2005، ص 61.

[69] Najat Zarouk, la place de la deconcentration dans la reforme administrative , remald, etudes, n°28, juillet-septembre 1999, p 34-35.

[70]  المادة 34 من المرسوم رقم 2,17.618 بمثابة ميثاق للاتمركز الإداري.

[71]  تم إنشاء الشباك الوحيد بتونس سنة 1989.

[72]  تم إنشاء الشباك الوحيد بالجزائر سنة 1995.

[73]  يقصد بالتدبير اللامتمركز للاستثمار مجموع التدابير اللازمة للقضاء على جمود الإدارة الاقتصادية وتكسير الحواجز المعيقة للاستثمار، وذلك عبر تحويل عملية اتخاذ القرار الاقتصادي من المركز إلى المحيط أي المستوى الٌإقليمي والجهوي،، الأمر الذي يسمح بدينامكية أفضل وفعالية وتواصل أمثل.

[74]  نيت محمد علي حسن، تبسيط المساطر الإدارية كآلية لتحسين أداء المركز الجهوي للاستثمار، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، جامعة محمد الخامس السويسي الرباط، كلية الحقوق، 2010، ص 36.

[75]  خطاب جلالة الملك بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الخامسة بتاريخ 13 أكتوبر 2001.

[76]  حسن الشامي، جريدة العلم، بتاريخ 14 يناير 2012، ص 6.

[77]  في تونس يستغرق منح رخص الاستثمار يومين على الأكثر في حين أن الإجراءات في المغرب لازالت تستغرق أكثر من أسبوع وذلك في الحالات العادية، أنظر مجلة لافي اكونوميك الصادر بتاريخ 13 شتنبر 2002.

[78]  محمد الحموشي، المفهوم الجديد للسلطة بالمغرب، مطبعة إقرأ، الطبعة الأولى 2007، ص75.

[79]  رجاء التازي، المراكز الجهوية للاستثمار أداة لبلورة سياسة القرب، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد  52/ 2006، ص 68.

[80]  عبد الحق عقلة، دراسات فيعلم التدبير، الجزء الأول، دار القلم، الطبعة الاولى 2006، ص 176.

[81]  مقتطف من الخطاب الملكي  بمناسبة الذكرى التاسعة عشر  لتربعه على العرش.

[82]  مقتطلف من نفس الخطاب الملكي السامي.

[83]  بوجمعة بنشمار، اللامركزية لازمة لعدم التمركز، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة ابن زهر، أكادير السنة الجامعية  2015-2016، ص 17.

[84]  محمد محمود عبد الله يوسف، دور الجهوية في تحقيق التنمية المستدامة بالمغرب، ص 31 (بتصرف).

[85]  محمد محمود عبد الله يوسف، دور الجهوية في تحقيق التنمية المستدامة بالمغرب، ص 31 (بتصرف).

[86]  مقطف من خطاب جلالة الملك محمد السادس  بمناسبة افتتاح الدورة الاولى من الولاية التشريعية الثانية سنة 2017.

[87]   مقطف من خطاب جلالة الملك محمد السادس  بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من الولاية التشريعية الثانية سنة 2017.

Exit mobile version